يختص القضاء بفصل المنازعات، أي بتطبيق القانون على الوقائع التي تعرض عليه. ولا يهتم القاضي من هذا المنظور بما هو مطلق. كما لا يؤسس لقواعد عامة في أحكامه، بل يكتفي بنطق القانون في حدود المنازعات الفردية الطارئة. كان هذا مبدأ العمل القضائي ومبناه، إلا أن سعي بقية سلطة الدولة للاستفادة من قدرة القضاء على الجبر والإلزام وخوفها من فعل اضطلاعه بدوره في حماية الحريات الفردية جعلها دائمة التوق لإفتكاك استقلاليته بسلطته.
تخلق فكرة الفصل بين السلطات في الأنظمة الديمقراطية من هذا الصراع فعلا ايجابيا، اذ يؤدي اضطلاع القضاء بدوره وسعيه لتوسيع مجال تدخله للحد من تسلط السلطة التشريعية بإجرائه رقابة على دستورية القوانين ومن تعسف السلطة التنفيذية بحمايته لحريات منظوريها الفردية، فيما تمنع ديناميكية السلطتين التشريعية والتنفيذية قيام جمهورية القضاة. ويغيب هذا التوازن في الدولة الاستبدادية التي لا تحترم التوازن الواجب بين السلطات ولا تعترف بالقضاء كسلطة مستقلة بل ترى فيه سلطة مشتقة من السلطة التنفيذية وتابعة لها وتمنع القضاء من سيادة مجاله بالتحكم في فضائه وهو فعل يحول المحاكم لمسارح عرائس كبرى القضاة ممثليها والسيد الحاكم بأمره محركها يخط بأيدي القضاة أوامر إقصاء من يناوئه ويحمي عبرهم من فسق من آله وأتباعه.
*قاضي تحقيق بمحكمة تونس الابتدائية، عضو سابق بالهيئة الإدارية لجمعية القضاة.
ملاحظة: قدمت هذه الورقة في مؤتمر “القضاء العربي في ظلال الثورة (1): اي تدخلات؟ اي مقاومات؟ اي مساحة للتضامن؟ الذي نظمته “المفكرة القانونية” بالتعاون مع مؤسسة هاينرش بل– مكتب الشرق الأوسط في 14 و15 تشرين الأول/اكتوبر 2011
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.