“
عُقدت ورشة عمل هي بمثابة ندوة حول “واقع مياه الضاحية الجنوبية–مشاكل وحلول” في 23 أيار 2019، ليفاجأ الحضور بالحديث عن حاجات المنطقة من المياه وأعداد المشتركين في مقابل الكميات التي تضخها مؤسسات المياه العائدة للدولة، من دون مقاربة معيقات جوهرية ومعاناة أساسية يعيشها سكان المنطقة.
ولولا المعطيات التي أدلى بها رئيس مجلس إدارة المصلحة الوطنية لليطاني د. سامي علوية، لما سمع الحضور شيئاً عن العوائق التي تفاقم مشكلة المياه في الضاحية الجنوبية. فقد لفت علوية إلى أن “الضاحية مقسمة إلى مناطق نفوذ أو حظائر لبائعي المياه، وهؤلاء متواطؤون مع موزعي المياه الذين يقطعون المياه عن عمد خدمة لهؤلاء“. كما توقف مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني (علوية) عند نوعية المياه، معتبراً أن الحل ليس بضخ كميات إضافية في الشبكات، بل في معالجة مشكلة الصرف الصحي التي تلوث مياه لبنان “لأننا سنضخ مزيداً من المياه السوداء في الشبكات إذا لم ننشئ ونشغل محطات تكرير للمياه الآسنة“.
وهدف الخطاب الرسمي في الندوة للتسويق لمشروع إقامة سد بسري في مرج بسري، الرئة الطبيعية لقضائي الشوف وجزين، وأحد المنتزهات الطبيعية الأربع التي حددتها الخطة الوطنية لاستخدامات الأراضي، برغم الإعتراضات الكثيرة من ناشطين بيئيين والكثير من أهالي المناطق المحيطة بالمرج. فالمشاكل تنحصر وفق هذا الخطاب في عدم توفر كميات كافية لحاجة الضاحية من دون الغوص في أسباب ذلك، ولا في نوعية المياه التي تصل من المؤسسة إلى المنازل وهي غير صالحة للشرب (المحرر).
خصصت “ورشة العمل” كما ورد في الدعوة للنقاش حول موضوع المياه في الضاحية الجنوبية، وتركزت المداخلات حول المشاكل الرئيسية للضاحية التي تواجه مشكلة انقطاع المياه، الناتجة عن مشاكل أخرى تتلخص ب”الهدر المتفاقم، وارتفاع كميات ضخ المياه مقابل تدني عدد المشتركين في مؤسسات المياه، وانتشار الآبار غير الشرعية المعرضة للتلوث، وكذلك تفشي ظواهر صهاريج المياه غير الشرعية والتي تُديرها “المافيات”، كما وصفها المعارضون لسد بسري والذين حضروا لعرض وجهات نظرهم خلال النقاش الذي تلا الندوة.
الحلول المطروحة على طاولة السلطة، تسلك طريق إنشاء السدود، وذلك لتجميع المياه ثم نقلها إلى المناطق. في المقابل، يلقى هذا الخيار اعتراضاً شديداً من خبراء وناشطين بيئيين يرون أن المسألة ليست في عدم وجود المياه، إنما في الإدارة الفاشلة للقطاع.
سد بسري هو المثال الأبرز في هذا المجال، الذي يبدو أن النائب فادي علامة يؤيده رغم كافة التحذيرات التي أطلقها بيئيون، منها احتمال حصول زلزال تحت السد، أو نقل مياه ملوثة إلى المواطنين.
المشتركون في الشبكة أقل من كميات المياه التي تُضخ
يوضح علامة أن مياه الشفة التي “تغذي الضاحية بالمياه لا تكفي أكثر من 20% من السكان، الأمر الذي تسبب باللجوء إلى سبر الآبار الارتوازية عشوائياً، وأدى إلى اختلاطها مع مياه الصرف الصحي أو مياه البحر”. ويرى أن هناك ضرورة لتفعيل الرقابة على الآبار الجوفية وإيجاد مصادر دائمة للمياه وتأهيل شبكات البنى التحتية وترشيد الاستهلاك وتركيب عدادات”.
إذن، الآبار الارتوازية العشوائية هي عرضة للتلوث بحسب علامة. كما يؤيده مدير مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران، الذي يُشير إلى أن المؤسسة تقوم بشكل دوري بفحص الآبار التابعة لها، لافتاً إلى أنها (أي المؤسسة) توزع مياهاً نظيفة. في المقابل، فإن الآبار العشوائية، المعرضة للتلوث هي ليست تحت سيطرة المؤسسة ولا وزارة الطاقة، بحسب جبران.
وعن مشكلة كميات المياه، فإن عدد المشتركين في شبكة المياه مقارنة مع حجم ضخ المياه التي تفوقهم، تسبب الهدر في المياه، بحسب جبران. ويعطي أمثلة عن هذا الواقع كـ “منطقة برج حمود حيث تؤمّن المؤسسة حوالي 11700 متر مكعب يومياً من المياه إلى 4200 مشترك، إلّا أن الحاجة الفعلية لهؤلاء لا يمكن أن تتخطى الـ 4700 متر مكعب”. أيضاَ “تضخ المؤسسة إلى منطقة حي السلم 7800 متر مكعب من المياه يومياً مقابل عدد قليل جداً من المشتركين”. من هنا يدعو جبران “المواطنين إلى تصحيح المخالفات والتعاون، لأن المؤسسة في الوقت الحالي لا تحمّل المواطنين غرامات مالية لتشجيعهم، إنما سيتم تنفيذ الغرامات عند تكرار المخالفة”.
من ناحيته، يقول رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد درغام أن “منطقة الضاحية الجنوبية يسكنها حوالي 700 ألف نسمة ويُضاف إليها نحو 250 ألفاً من اللاجئين الذين يتوزعون على 120 ألف وحدة سكنية، ويضاف إليها 20 ألف محل تجاري. ويشير إلى أن “المنطقة تحتاج إلى ما بين 180 و200 ألف متر مكعب بشكل يومي، إلا أن المشتركين بمؤسسة المياه يُقدر بـ 40 ألف مشترك فقط”. ويُشير درغام إلى أن “المنطقة تتغذى من ثلاثة مصادر مائية وهي نبع الديشونية في جبل لبنان، وبئر الحدت غاليري سمعان وآبار المشرف”. والحال أن هذه “الآبار قادرة على تأمين 45 ألف متر مكعب من المياه خلال فصل الشتاء، بينما لا يدخل إلى المنطقة في الصيف أكثر من 25 ألف متر مكعب، إلا أنه يُحسم منها 20% بسبب أعمال تقنين الكهرباء، في حين أن الهدر يصل إلى 14% بسبب اهتراء القساطل الذي يسبب التسرب المائي”.
وعلى ما يبدو أن درغام يعول على إنشاء السدود، إذ يرى بأن سد بسري الذي هو قيد الإنشاء على النهر الأولي يُفترض أن يؤمن 120 مليون متر مكعب من المياه سنوياً للمنطقة الممتدة من ساحل إقليم الخروب على مرتفعات المتن مروراً بالضاحية الجنوبية وبيروت الإدارية. ولتأمين موارد مائية إضافية، يقترح درغام “مشاريع السدود والبحيرات وتغذية طبقات المياه الجوفية”. كما يسأل عن الحلول المطروحة لأجل حلّ مشكلة المياه قبل الانتهاء من العمل وإنجاز السد، أي قبل العام 2024.
كلام درغام الذي يعول على سدّ بسري لأجل تغذية بيروت في المياه، عارضه ناشطون تواجدوا في المؤتمر، إذ لفتوا إلى أن المشكلة ليست في “كمية المياه” الموجودة، إنما على العكس، فالمياه موجودة وتحتاج لمن يُحسن إدارتها وتوزيعها.
حسن توزيع المياه هو الحل
البحث عن مصادر جديدة للمياه ليس دائماً هو الحل الأفضل بالنسبة لمدير المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية الذي اعتبر أن ما نحن بحاجة إليه هو “حسن توزيع المياه”. كذا، ولفت علوية إلى أن “الضاحية مقسمة إلى مناطق نفوذ أو حظائر لبائعي المياه، وهؤلاء متواطؤون مع موزعي المياه الذين يقطعون المياه عن عمد خدمة لهؤلاء”.
من جهة أخرى، يتحدث علوية عن مسألة “نقص الكادر البشري في مؤسسات المياه الذي يجعلها غير قادرة على القيام بمسؤولياتها، وعلى وجه الخصوص بالنسبة لمحطات تكرير الصرف الصحي التي تقع إدارتها على عاتق مؤسسات المياه وفقاً للقانون 221 المتعلق بتنظيم مؤسسات المياه”. ويشدد على “ضرورة معالجة مياه الصرف الصحي معتبراً أن الحلول ليست بضخ المزيد من المياه في الشبكات، إذ أن ضخ المزيد من المياه سيؤدي إلى ضخ المزيد من المياه السوداء في شبكات الصرف الصحي أي تفاقم المشكلة”. بالتالي فإن ضياع المسؤولية عن الصرف الصحي، بحسب علوية هو “ضياع الخطة المائية في لبنان وفقدان الميزان المائي”. وهي الأزمة التي يواجهها لبنان منذ الاستقلال ما جعل مناطق غير مغطاة بشبكات توزيع المياه وحوِّل فكرة المياه سلعة”، بحسب تعبيره.
يوضح علوية أن “حصة بيروت من مياه القرعون هي 50 مليون متر مكعب سوياً، وهذا الأمر لا يتحقق إلا بتنفيذ محطات التكرير وفقاُ للقانون رقم 63”. ويستطرد بلفت النظر إلى أن مصلحة الليطاني بذلك “لن تتمكن من تغذية مشروع مياه عين الزرقا نهائياً”. ويلفت علوية إلى أن “نوعية المياه في بحيرة القرعون تحسنت، وذلك بسبب أن التعديات خفت وزادت المتساقطات بشكل هائل. فهذا العام كانت المياه الوافدة اليها 350 مليون متر مكعب، منهم 62 مليون متر مكعب ذهبوا إلى البحر، وتم تحويل الفائض إلى معامل توليد الكهرباء، وهناك 223 مليون متر مكعب وراء السد. لكن في المقابل، فإنه إذا عادت وانخفضت كميات المياه في القرعون سيعود “مشهد المصيبة”، بحسب تعبيره.
ويشرح علوية بأن تأمين المياه إلى بيروت يتأتى عبر جرها عبر البقاع مروراً إلى جزين وصولاُ إلى جون والأولي ضمن قضاء جزين. ويضيف، “هناك حين تصل المياه إلى معملي جون والأولي تختلط مع المياه الآتية من بحيرة بسري ليتم نقلها إلى بيروت، ما معناه أن مياه القرعون لن تدخل إلى البحيرة التي سوف تنشأ عند إنشاء السد”. ويرى علوية أن “استخدام منشآت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني لأجل نقل المياه يستوجب دفع بدل كما وضع عيارات لتحديد كمية المياه التي تنقل”.
إضافة إلى ذلك، يرى علوية أن “معمل الطاقة الكهرومائية الذي سيتم إنشاؤه مع السد يجب أن تتولى إدارته المصلحة الوطنية لنهر الليطاني لأنها الوحيدة القادرة على ذلك، وأعرب عن جهوزية المصلحة لإدارة السد بالكامل أيضاً مع دفع بدائل”.
لا لسد بسري
تواجد في المؤتمر عدد لا بأس به من المعارضين لإنشاء سد بسري، وهو السد الذي تبلغ كلفة إنشائه مليار و200 مليون دولار والممول من البنك الدولي والهادف، كما هو معلن، إلى تزويد منطقة بيروت الكبرى بما فيها الضاحية الجنوبية بالمياه. فيشرح الخبير بالمياه الجوفية د. صادق عواد بأن “الحل موجود بعشرات ينابيع المياه تحت مستوى البحر التي تذهب هدراَ في المياه المالحة. ويعتبر عواد بأن هذا هو الأنسب لتغذية الضاحية بالمياه العذبة”. من جهتها تلفت الناشطة دانيا دندشلي بأن “البنك الدولي هو الذي يقرر وإن المضي بمشروع إنشاء السد مستمر بناء على رغباته”. بالتالي تلفت إلى أن “المشروع يدعمه الخطاب المروج لوجود شح بالمياه، غير أن المشكلة ليست بوجود المياه إنما بالسياسات المعتمدة لتوزيع المياه، كما بالصهاريج التي تتنقل بشكل غير قانوني، وبإهتراء الشبكات، وبالإضافة إلى عدم وجود برنامج لترشيد الاستهلاك”.
ناشطون آخرون شددوا على وجود حلول بديلة من شأنها تأمين المياه بدلاً من هدر الأموال الطائلة على إنشاء سد سيدمر منطقة من أجمل المناطق في لبنان. الحل بالنسبة إليهم هو سياسة توزيع عادل للمياه، تنشأ من خلال ضبط الهدر ومواجهة “مافيات” صهاريج المياه غير الشرعية، بالإضافة إلى تحسين شبكات المياه والاعتماد على الآبار الجوفية التي باستطاعتها تأمين حاجات السكان.
وإذ شدد علامة على أنه تمت مناقشة موضوع سد بسري في ورشة عمل في مكتبة مجلس النواب في نيسان الماضي، معتبراً إلى أنه تم الاستماع إلى هواجس المعترضين على السد، لكن اهؤلاء أكدوا أنه تم شطب البندين المتعلقين بالبدائل التي قدموها (قدمها المعارضون) خلال اجتماع لجنة الأشغال النيابية مؤخراً .
“