دعت الهيئات الممثلة لذوي المفقودين والمخفيين قسرا الى المداومة الى جانبها أمام السراي الحكومي ابتداء من اليوم وفي كل خميس من الساعة 11 قبل الظهر حتى 3 بعد الظهر، للمطالبة بتنفيذ قرار مجلس شورى الدولة الصادر في 4-3-2014 بتكريس حق هؤلاء بالمعرفة. وكان القرار ألزم الحكومة اللبنانية بتسليم كامل ملف التحقيقات التي أجرتها لجنة تقصي مصائر المفقودين في 2000من دون أي انتقاص. وخلص القرار الى النتيجة تلك على أساس حيثيات امتدت على أربع صفحات أكدت أن الحق بالمعرفة حق طبيعي لهؤلاء، وأن حجب المعرفة عنهم هو بمثابة تعذيب. وقدعاد المجلس واكد بتاريخ 11-6-2014، قراره حين رد طلب وقف تنفيذ الحكم المرفق بطلب إعادة المحاكمة لعدم توفر شروطه. ولكن، ورغم ذلك، اختارت الحكومة أن تبقى متشبثة بموقفها التعسفي المزمن، فبدل أن يشكل القرار بداية تحول لطريقة تعاملها مع حقوق ذوي المفقودين، انسحب تنكرها لحقوق هؤلاء الى تنكر للقرارات القضائية ومعها للقضاء.
النداء الذي تطلقه المفكرة القانونية، من موقع التزامها ودعمها لذوي المفقودين ودفاعها المستمر عن مبدأ استقلال القضاء، يتوجه بشكل خاص الى جميع القضاة والمحامين لاجابة الدعوة الى الاعتصام. وتخصيص المهن القضائية في هذا المجال، مرده أمور ثلاثة:
الأول، أن مرد تحرك ذوي المفقودين وسببه المباشر هو رفض الحكومة الانصياع لقرار قضائي نافذ وكأنها غير معنية، ليس فقط بقضية المفقودين التي طالما تنكرت لها، انما أيضا بالدرجة الأولى، بمبدأي فصل السلطات واستقلال القضاء. ومن هذه الزاوية، تتحد طبعا قضية المفقودين بشكل كامل مع قضية كل الذين يسعون الى دعم استقلال القضاء وتعزيزه. فما معنى هذين المبدأين اذا ترك للحكومة أن تنفذ أو لا تنفذ القرارات القضائية وفق ما تراه مناسبا؟ وألا يعني ذلك نسفا تاما لكل المسار القضائي ومجمل وظائف المهن المحيطة بها؟
والثاني، هو أن محور حراك ذوي المفقودين هو قرار قضائي تاريخي يشكل اليوم أحد أبرز الإنجازات القضائية، ومثالا يحتذى لتكريس الدور الريادي للقضاء الذي نجح في انصاف شريحة واسعة من اللبنانيين بعد عقود من تنكر السلطات الحاكمة لهم. كما أنه يشكل بحيثياته مثالا لرفع مستوى أحكامه ونوعيتها. وتجدر الإشارة هنا الى أن القضاء اللبناني سيكون حتما من خلال هذا القرار شريكا لمحاكم عليا في دول عدة، في استنباط مبدأ حق المعرفة كمبدأ عام دولي.
والثالث، هو أنه حان للمهن القضائية أن تقدم عربون وفاء لذوي المفقودين الذين شكلوا خلال عقود ما بعد الحرب، بفعل عذابهم المستمر واليومي، علامة الاستفهام الكبرى في مواجهة المنظومة القانونية، السياسية والاجتماعية السائدة. ففي وقت ضعفت فيه ثقة كثيرين بإمكانية النهوض، فقنعوا وربما أسرفوا في مجاملة واقع ظالم فقدوا الأمل بتغييره، بقي ذوو المفقودين على مثابرتهم في المطالبة بنقض هذا الواقع، فبدوا من خلال كل ذلك الحراس الأكثر أمانة ووفاء ومثابرة للوطن المتخيل الذي نطمح اليه. لوطن تنقض قيمه المبنية على المساواة والتسامح والعدل قيم الحرب.
كونوا معنا هنالك أمام السراي الحكومي.. لوضع حجر أساس لهذا الوطن المتخيل.
الصورة من أرشيف المفكرة القانونية
متوفر من خلال: