“كنت عم بنقل بالسيارة معي عشرة عشرة”، تختصر هذه العبارة التي وردت على لسان إبراهيم حنّا، الموظف في غرفة عمليات الدفاع المدني، المشهد بعيد تفجير 4 آب المشؤوم وحال عناصر الجهاز وحال الجهاز. فهؤلاء رغم معركتهم المستمرّة لتحصيل حقوقهم وتثبيتهم في الملاك الوظيفي، يهرعون إلى الإغاثة بحسّ عالٍ من المسؤولية وبتجهيزات قليلة. وبعد التفجير كانوا حاضرين متعاقدين ومتطوّعين بعتادهم القليل ومنهم من بقي طيلة فترة البحث عن أحياء في الإهراءات من دون أن يذهب إلى بيته يوماً أو ساعة واحدة للرّاحة. وبعد مضي أكثر من شهر على الانفجار، ينتظر إبراهيم ورفاقه إمكانية تزويدهم ببدلات جديدة بعدما تلف بعضها بفعل نيران الانفجار والبعض الآخر بفعل نيران حريق المشرف قبل حوالي العام، ولكنّهم يتساءلون ما إذا كان مصير البدلات سيكون مثل مصير تثبيتهم.
انفجار بيروت أصعب من الحرب الأهلية
عايش إبراهيم حنّا الذي انضمّ إلى صفوف الدفاع في العام 1986 بصفة متعاقد (شمله مرسوم التثبيت في العام 2014 ليصبح موظفاً رسمياً)، حروباً وأزمات وحرائق عدّة، إلاّ أنّه يؤكّد أنّ ما شاهده في انفجار مرفأ بيروت لم يشهد له مثيل من قبل. وقد نجا إبراهيم وغيره من المتطوّعين بأعجوبةٍ كما يقول: “يعني لو كنّا وصلنا قبل الانفجار كنّا متنا شي خمسين واحد”. ويروي لـ”المفكرة القانونية” كيف كان المصابون يهرعون بأنفسهم إلى سيارات الدّفاع المدني، وكيف كان المتطوّعون ينقلون الجرحى حتى بالسيارات المخصصة للإطفاء و”عشرة عشرة”، على حد قوله.
وفي هذا الوقت كان جورج أبو موسى، رئيس شعبة الخدمة والعمليات في المديرية العامة للدفاع المدني، يشارك بنفسه في إنقاذ إحدى النّاجيات التي بقيت عالقة تحت ردم منزلها في الكرنتينا مدّة 11 ساعة. يقول أبو موسى لـ”المفكرة”: “كنّا عم نحفر بأيدينا على مهلنا لأن كنّا عم نسمع صوتها، شلناها وشفناها كيف واقعة فوق جثة إمها كل الوقت”. وقد نجت الفتاة ديانا حاج اصطيفي (17 عاماً) ولكن ماتت والدتها وشقيقتاها لطيفة (22 عاماً) وجود (13 عاماً).
وكان أبو موسى أمر عند اندلاع الحريق الكبير فرق الدفاع المدني بالتحرّك من أربعة مراكز. بعد وقوع الانفجار التحق المتطوّعون بمراكزهم، بعدها تمّ تقسيم عمل الفرق بين فرق إطفاء اهتمّت بإخماد الحرائق، وفرق توجّهت لإنقاذ الناس في الأحياء السكنية كافّة. ويقول أبو موسى: “نحنا بالدّفاع المدني مهمّاتنا (إطفاء وإنقاذ وإسعاف)، لم نستطع تغطية أحياء بيروت كاملةً بل تمّت الاستعانة بمتطوّعي المناطق كافّة، من البقاع والجنوب والشمال، كلّهم نزلوا إلى بيروت”. ويعتبر أبو موسى أنّ المساعدات التي قدّمها الدفاع المدني في دول عدّة منها فرنسا وروسيا وإيطاليا وقطر والمغرب وبولندا للدفاع المدني اللبناني، ساهمت في إنقاذ الوضع.
باتريك ناصر، متطوّع في الدّفاع المدني، لم يغادرالمرفأ طيلة تسعة أيام إلاّ لضرورات الاستحمام، وكان ينام لساعتين في آلية الدفاع المدني، تسعة أيام كان يعيش قرب قنابل موقوتة حيث لم يحذرهم أحد من المواد الخطرة الموجودة في المرفأ، إذ كانوا يكتشفونها بأنفسهم فيضطرون في كثيرٍ من الأحيان للتوقّف عن العمل لحين عزل المنطقة والمواد الخطرة. وتمكّن باتريك بعد تسعة أيام من البحث ورفع الأنقاض وبالتعاون مع فرق الإنقاذ الأجنبية والكلاب من إيجاد الجثث التّسعة التي كانوا يبحثون عنها.
وقد تمّ تكليف باتريك من قبل المديرية العامّة للدفاع المدني للعمل مع فرقتي الدفاع المدني الفرنسية والروسية اللتين حصرتا عمليات البحث بنطاق إهراءات القمح. ويروي لـ”المفكرة” أنّ عمليات البحث انطلقت مباشرةً في ليلة وقوع الانفجار، حيث تمّ إنقاذ العديد من الجرحى والمصابين كما جرى رفع الجثث الباينة للعيان، في وقت لم تهدأ الانفجارات الصغيرة لمعداتٍ وموادٍ قابلة للاشتعال طوال الليل. وفي اليوم التالي كان لا بدّ من التحضير لتنظيم عمليات البحث والإنقاذ في غرفة العمليات، كذلك كان هناك ضرورة لتحديد التجهيزات اللازمة، بالإضافة إلى انتظار الفرق الأجنبية بمعدّاتها وآليّاتها المتطوّرة من كاميرات للفجوات الكبيرة إلى آلات لقياس مدى قابلية المباني للانهيار وغيره.
تقول عايدة المتطوّعة في مركز الغبيري منذ أكثر من 10 سنوات إنّها عند وقوع الانفجار أوقفت دراجة نارية طالبةً منها إيصالها إلى المرفأ، هناك التحقت بفرقة مركزها وبدأت بإطفاء الحريق وانتشال المصابين والقتلى. تؤكّد عايدة أن شعور الخوف أو التردّد يزولان في لحظاتٍ مماثلة، “لا يمكن لأحد من الدفاع المدني أن يتراجع، فنحن نتواجد في المكان الذي يهرب منه الناس”.
“وقت يصير حريق منلملم بعض عالتلفونات”
في مركز الدفاع المدني في منطقة الغبيري تعلو صرخة المتطوّع منذ العام 1992 (عضو في اللجنة المركزية لمطالبة تثبيت المتطوعين) غسان زحيم، “نحن حقوقنا تحت الصفر، نحن ما منقبض ولا ليرة، إذا حدا نجرج خلال الهمة، ما في تأمين بيغطّيه، مننكب، نحن خلال مناوبتنا منجيب الأكل والشرب من حسابنا الخاص”. فلا يتقاضى المتطوعون أي راتبٍ شهري، أو أي بدلٍ لقاء تنفيذهم للمهام المتطلبة، إذا ما أصيب أحد المتطوعيين خلال قيامهم بمهام الإطفاء والإنقاذ، فأن التـأمين يغطي بدل إستشفاءٍ لمهلةٍ وجيزة، وعلى الرغم من وجود 4000 متطوّع في الدفاع المدني ككل، يؤكّد غسان أنه في كثيرٍ من الأحيان لا يتواجد في بعض مراكز الدفاع المدني سوى متطوّع واحد، فالقانون لا يلزم المتطوّعين بدوامٍ معين للحضور، فهم ليسوا بموظفين رسميين، هم متطوعون لديهم حرية الحضور والمغادرة، يقول غسان إن عدم التوظيف يؤثر سلباً على سير العمل، “نحن إذا صار حريق بدل ما يكون في كادر موظّف جاهز للانطلاق، منقعد منلملم بعض عالتلفونات”. وما يساهم من تأخير سير العمل أيضاً عدم وجود المعدات والتجهيزات الحديثة والكافية، يقول غسان ” نحن منفتقر إلى أبسط المعدّات، أوقات ما عنّا رفش ولا معول، عنّا نقص بمعدات البحث عن مفقوديين”. وبغصّةٍ يروي حادثةٍ مؤلمة لإنقاذ فتاة صغيرة علقت تحت ردم منزلها، “كانت كل عيلتها عم يعيطولي باسمي ‘يا غسان دخيلك إنقذ سيلين’، ونحنا من نقص المعدّات صرنا نحفر بإيدينا وبأظافيرنا، وما قدرنا ننقذها، طلعنّاها ميتة قدّام كل أهلها”. ويتساءل ما أهمية وجوده إذا لم يستطع إنقاذ روح، “نحن لو مجهّزين كنا منمنع تفاقم الخطر بنسبة 70%، نحن منوصل بآليّات تعبانة”. يقول غسان إنّه لم يتمّ شراء آليات جديدة للمديرية منذ العام 2000، “مننطر مساعدات الدول الأجنبية التي غالباً ما تزوّدنا بآليات انتهت صلاحية استعمالها بالنسبة لهم وباتت تسبب خطراً على عناصرها، فيما نفرح نحن لحصولنا على معداتٍ “جديدة”.
وتجدر الإشارة إلى أنّ متطوّعي وعناصر الإطفاء في الدفاع المدني لم يتلقوا أيّة بدلاتٍ جديدة منذ حريق المشرف الكبير في 14 تشرين الأول 2020 أي قبل عام تقريباً. وإذ تعتبر البدلة غير صالحة بعد استعمالها في إطفاء سبع حرائق، يستعملها المتطوّعون في لبنان مراراً وتكراراً ما يشكّل خطراً جسيماً على حياتهم، وقد أدى حريق المرفأ الثاني إلى تلف بدلاتٍ عدّة بسبب كثرة الزيوت والشحوم التي علقت بها.
يقول نبيل صالحاني، مسؤول قسم التدريب في المديرية العامة للدفاع المدني، إنّ جسم الدفاع المدني يعاني من نقصٍ حادٍ في الموظفين العناصر الذين يتضاءل عددهم باستمرار بسبب إحالة العديد منهم إلى التقاعد بدون توظيفاتٍ جديدة، أو استقالة الآخرين. من هنا أصبح الاعتماد على متطوّعي الدفاع المدني كبيراً جداً، وهم يتوّزعون على 285 مركزاً منتشراً على كافة الأراضي اللبنانية.
وصالحاني التحق بالدفاع المدني في العام 1974 بصفته متعاقداً، ولم يتم تثبيته في الملاك الوظيفي رغم الوعود المتكررة إلاّ بعد انقضاء ثلاثين عاماً. واليوم مضى على قانون تثبيت المتطوّعين، ست سنوات ولا يزال هؤلاء بانتظار توفّر تحديد الأعداد المطلوبة والأموال اللازمة.
قانون 289 حبر على ورق
بدأت ملامح حلول أزمة الدفاع المدني وقوامها تثبيت المتطوعين بالظهور في العام 2014، حين صدر قانون “تثبيت متطوعي وأجراء ومتعاقدي الدفاع المدني” رقم 289 وعدّلت بموجه بعض مواد المرسوم 50/67 منها: إعادة هيكلية الدفاع المدني، وتثبيت الأجراء والمتعاقدين والمتطوّعين، وتطبيق معايير السلامة العامة.
يوم 29 تشرين الأول من العام 2016، كان يوماً سعيداً على متعاقدي الدفاع المدني، فقد نفّذ الجزء الأول من القانون وصدر المرسوم رقم 4135 القاضي بتعيين موظفين متمرّنين (تطبيقاً لأحكام المادتين 81-82 من المرسوم رقم 4082/2000 الخاص بوزارة الداخلية)، وعلى أساسه تم تثبيت 550 موظفاً في المديرية العامّة للدفاع المدني.
اعتبر البعض المرسوم مجحفاً بحق المتعاقدين الذين أحيلوا إلى التقاعد قبل نشر القانون في الجريدة الرسمية (يبلغ عددهم حوالي المئة شخص)، إذ لم يحصل هؤلاء على تعويضات التقاعد أو نهاية الخدمة، هم الذي خدموا مع زملائهم الذين تم تثبيتهم، طيلة سنوات، وطالبوا مثلهم بنيل حقوق تضمن لهم شيخوخةً كريمة.
إذا كان المعنيّون قد قاموا بتنفيذ أولى المراسيم التطبيقية للقانون 289، إلاّ أنّ العمل توقف عند المرسوم التطبيقي الثاني الذي يقضي بضرورة التعاون والتنسيق مع قوى الأمن الداخلي لاجراء مباراة تثبيت المتطوّعين. رُفع المشروع إلى وزارة الداخلية والبلديات في عهد الوزيرة ريا الحسن، لتوقيعه ولا يزال عالقاً إلى اليوم بحجة عدم تحديد عدد المتطوّعين الواجب تثبيتهم بالإضافة إلى عدم توفّر الأموال اللازمة. 80 مليار ليرة هو المبلغ الذي يحتاجه 2500 متطوع تقريباً من أصل 4000 كي تجرى لهم مباريات الدخول، ويصبحون عناصر موظفين في المديرية العامّة للدفاع المدني (التابعة لوزارة الداخلية)، إلاّ أن وزارة المال لم تصرف لهم سوى 20 ملياراً سوف تسدّ كلفة إدخال 1000 متطوعٍ منهم فقط. وبحسب المعلومات فإنّ العميد ريمون خطّار، مدير عام المديرية العامة للدفاع المدني، رفض اقتراح إدخال 1000 عنصر بانتظار توفّر المبلغ المتبقّي، فإمّا دخول الجميع أو بقاء الحال على ما هو عليه.
الدفاع المدني ولد عاق
يحلّل غسان زحيم مشكلة الدفاع المدني معتبراً أنّ المسؤولين يتعاملون معه على أنه “عبء”، لا يدرّ أرباحاً على الخزينة، على خلاف جهاز قوى الأمن الداخلي (الدرك)، الذي يدخل الأموال من خلال دفتر المخالفات. ولكن بالنسبة له فإنّ “الدفاع المدني يدرّ المليارات، لأن خسائر الناتجة عن الحرائق والكوارث تكلفتها عالية جداً وتحتاج الكثير لإصلاح الأضرار الناجمة عن الحريق”.
يسلّط غسان الضوء، على أموال رسوم بناء الملاجئ التي تعود لصالح الصندوق المستقل للدفاع المدني، كما تنص المادة 21 من نظام وتنظيم الدفاع المدني، وتبلغ قيمتها 75 ألف ليرة للمتر المربع الواحد، متسائلاً عن مصير هذه الأموال. ويؤكّد صالحاني بدوره بأنّ هذه الأموال تذهب إلى صندوق ومالية المديرية. إلاّ أنّها تصرف على كل شيء إلاّ على المتطوّعين الذين يصابون أو يقضون حيث لا ينالون ولا تنال عائلاتهم ليرةً واحدةً.
هكذا تعامل المديرية جرحاها: حسن جبيلي نموذجاً
من قصص الإجحاف بحق المصابين في الدفاع المدني قصّة حسين جبيلي، متطوّع سابق في الدفاع المدني، الذي أصيب خلال حرب تموز، وهو حتى العام 2019 كان يدفع تكاليف علاجه من جيبه الخاص. يكشف “الشهيد الحي” في الدفاع المدني حسن جبيلي عن قدميه المبتورتين وذراعه المصابة، جبيلي الذي كان متطوّعاً في الدفاع المدني فرع صيدا خلال حرب تموز 2006، أصيب وهو يقوم بعمليات إنقاذٍ للمدنيين في منطقة الزهراني، حين استهدفت بارجة إسرائيلية سيارة الدفاع المدني بثلاثة صواريخٍ متتاليةٍ.
يروي جبيلي لـ”المفكرة” أنّه ما إن ترجّل من سيارة الدفاع المدني لنجدة أحد المصابين حتى سقط الصاروخ الأول، وما كاد يستعيد وعيه حتى سقطت قذيفة ثانية طار معها حسن في الهواء لأمتارٍ عدة، وحين هرع بعض زملائه لمساعدته ووضعه في سيارة الإسعاف سقطت الثالثة التي قطعت الطريق باتجاه صيدا. توجّه سائق الإسعاف جنوباً قاصداً إحدى المستشقيات القريبة، كلّ ذلك ولم يفقد حسن وعيه كما يقول. وبعد أن علم ببتر ساقيه طلب من الطبيب بذل ما في وسعه للمحافظة على يده.
لم يسأل أحد من المديرية العامة للدفاع المدني عن أحوال جبيلي ولا عن حاجاته وبعد مضيّ شهرٍ تلقّى اتصالاً من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، على حدّ قوله، يبلغه بتكفّل فرنسا بعلاجه بناءً على توصيةٍ من السيّدة نازك الحريري. وبالفعل سافر جبيلي إلى فرنسا وبدأ بجلسات العلاج، إلاّ أنه وقبل الانتهاء منها تلقّى اتصالاً من المديرية تبلغه فيه بضرورة الحضور لتوقيع عقد العمل. استمهل جبيلي لحين انتهاء فترة علاجه، إلاّ أنّ طلبه قوبل بالرفض والتهديد بفقدان الوظيفة. ما كان من جبيلي إلّا أن قطع فترة علاجه مقابل عقد عملٍ بصفة متعاقد لا يلحظ تكاليف علاجه المرتفعة، وبدون أيّة مستحقاتٍ تضمن شيخوخته كراتب تقاعدي أو تعويض نهاية خدمة. كذلك لم يلحظ عقد العمل إصابة جبيلي خلال حرب تموز، ولم يشر في أيّ بندٍ منه إلى كونه جريح حرب. بالنسبة إلى جبيلي فقد تمّت صياغة العقد على هذا الشكل، كي ينطبق على جميع المتعاقدين وبالتالي إدخال عدد من المتعاقدين (على ظهرنا)، الأمر الذي حرمه من حقوقٍ عدّة أبرزها معاملته كجريح حرب وفقاً للمادة 120 من قانون الدفاع الوطني، المرسوم الاشتراعي رقم 102 وتعديلاته التي تلحظ طريقة معاملة الجريح “المجنّد” وكيفية التعويض عليه.
استمرّ الذلّ والإجحافٍ بحق جبيلي من قبل المديرية، حيث كان “يشحذ” الموافقة على إجازاتٍ غير مدفوعة الراتب لإكمال علاجه في فرنسا على نفقته الخاصّة. وفي إحدى زيارات العلاج وصله قرار الفصل وكانت الزيارة تستغرق ثلاثة أشهر لم تمنحه المديرية منها سوى أربعة أيامٍ إجازة. حينها استحصل جبيلي على تقريرٍ طبي مصدّق من وزارة الخارجية الفرنسية وأرسله إلى وزارة الخارجية في لبنان، وحين علمت السيدة نازك بالأمر تدخّلت لصالحه، فسُمح له بالبقاء لمدة شهرين. بعدها وافق مجلس الوزراء (بناءً على طلب جبيلي) وباقتراحٍ من وزارة الداخلية والبلديات، بالسماح له بالسفر للعلاج لكن على نفقته الخاصّة.
لم تتوقف معارك جبيلي لإجبار المديرية على معاملته بإنسانية، فرفع دعوى قضائية أجبرت خلالها المديرية العامة للدفاع الوطني بناءً على قرارٍ من مجلس الوزراء صدر بتاريخ 18-6-2019، التكفّل بكامل تكاليف العلاج لجرحى حرب تموز الخمسة من الدفاع المدني وهم إلى جبيلي: محمد نحلة، محمد غزلة، علي مسلماني، علي صفيّ الدين، مروان ليّوس.
جبيلي الذي يحيا بأطرافٍ إصطناعيةٍ لم تكلف السلطات اللبنانية عناء دفع تكاليفها، تمكّن من تحصيل حقّه بالعلاج بعد 13 عاماً على إصابته، لكنّه حتى اليوم لم يتلقّ أي مبلغ مالي، بانتظار تطبيق مرسوم تثبيت المتطوّعين الذي يشمله وجرحى حرب تموز الأربعة.
شهيد بسمنة وشهيد بزيت
يعتبر هامش وقوع الحوادث خلال عمليات الدفاع المدني كبيراً جداً، إلاّ أنّ أحداّ لم يلحظ حقوق الشهداء المتطوعين. ويتذكر قدامى متطوّعي فرع الغبيري رفيقهم الشهيد المتطوّع، حسن شرارة الذي قضى خلال إخماده لحريقٍ شبّ في وزارة العمل في العام 2004. يقول شقيقه علي شرارة لـ”المفكرة” أنّ عائلته لم تنل أيّ تعويضٍ من أيّ جهةٍ. وعلى الرغم من أنّ مديرية الدفاع المدني تابعة لوزارة الداخلية ويسري عليها قانون الدفاع الوطني، لم يتمّ اعتبار حسن شهيداً ولم يسر عليه ما يسري على شهداء الجيش. يقول شرارة إنّهم طرقوا أبواب الجميع إلاّ أنهم لم ينالوا سوى الوعود، “ما طلعلنا شي ولا ليرة أخذنا، خيي مات خلال تأدية الواجب، بس ما حدا اطلع فينا ولا بأمي اللي خسرت إبنها”.
ويجمع المتطوّعون أنّه يتمّ التعامل مع موضوع الجرحى والشهداء باستنسابية وفوضى عارمتين، وأنّ هناك “شهيد بسمنة وشهيد بزيت”، ففي حين لم يعوّض على عائلة الشهيد شرارة بشيء، تمّ اعتبار الشهيدين اللذين سقطا للدفاع المدني في العام 2016 كشهداءٍ للجيش فنالت عوائلهم التعويضات المستحقة.
وعن التعويضات توضح ميرا المر، المحامية الموكلة من قبل المديرية العامة للدفاع المدني منذ العام 2013، “نحن متطفلين على قانون الدفاع الوطني، نحن نتبع للمرسوم الاشتراعي 50/67 الذي لم يتطرّق لموضوع استشهاد المتطوّع، ولكن بشكلٍ عام بعد الاستشهاد يتم التقدّم بطلب لمجلس الوزراء الذي يصدر مرسوماً باعتباره شهيداً وبناءً على هذا المرسوم ينال التعويضات المستحقة”. وبالنسبة إلى نظام التأمين فتوضح المر، أنّ التامين هو عبارة عن دفتر شروط يرفع لإدارة المناقصات، ولا يغطّي سوى تكاليف استشفاء عبر الحالات الطارئة، أي أنّ التأمين لا يغطّي تعويضات الاستشهاد أو الإعاقات الدائمة للمتطوّعين.
نبذة عن تاريخ تأسيس الدفاع المدني ومهامه
أنشئ الدفاع المدني في العام 1945، بعدما ارتأت السلطات المحلية ضرورة وجود جهاز يهتم بأمور المدنيين حين تكون بقية أجهزة الدولة مهتمة بشؤون الحرب. وفي العام 1956 وبموجب قانون صادر عن مجلس النوّاب بدأ الدفاع المدني مهامه في غرفةٍ صغيرةٍ في وزارة الدفاع، وكانت أعماله في حينها محصورة بالتدريب والتوجيه. في العام 1959 أصبح الدفاع المدني مديرية، وفي العام 1961 صدر المرسوم التنظيمي رقم 7563 الذي تم تعديله فيما بعد بالمرسوم التنظيمي رقم 50 لتحديد علاقة الدفاع المدني بباقي المؤسسات الرسمية. في العام 1974، استحدثت أوّل وحدة عملانية عهدت إليها أعمال الإطفاء والإنقاذ والإسعاف واستمرّت بالتطوّر والنمو. عام1979 تمّ إلحاق الدفاع المدني بوزارة الداخلية والبلديات، وعام 1994 صدر عن مجلس الوزراء قرار الموافقة على أن تصبح مديرية الدفاع المدني مديرية عامة. وتقع على جهاز الدفاع المدني مسؤولية عمليات الإطفاء والإنقاذ والإسعاف بالإضافة إلى الاهتمام بكلّ ما يتعلق بسلامة المدنيين وأمنهم ومعاونتهم على تفادي الكوراث عبر دوراتٍ تدريبةٍ وتوعوية. ويتمّ تدريب حوالي 25 الف شخص سنوياً على أعمالٍ تتعلق بالسلامة. ويواكب الدفاع المدني أيضاً أعمال الهيئة العليا للإغاثة التي تستعين بعناصره ومتطوّعيه لتوزيع المساعدات والحصص عند الحاجة.
للدفاع المدني 285 مركزاً منتشراً على كافة الأراضي اللبنانية ويقع على عاتق البلديات تقديم مبنى صالح ليكون مركزاً للدفاع المدني، ويتم تأسيس المراكز بناء للحاجة وفقاً للكثافة السكانية، وبعد المراكز عن بعضها البعض وغيرها من العوامل. يضمّ الجهاز حالياً 4000 متطوّع تشكّل النساء 15% منهم.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.