“أخيرا حكومة تترأسها امرأة في تونس”، “قفزة جديدة للمرأة التونسية”، “الاستثناء التونسي مّرة أخرى”، “أول امرأة تتقلد منصب رئاسة الحكومة في تونس، لا بل في العالم العربي بأسره”، “الوجه الناعم للانقلاب”، “غسيل حداثي للديكتاتورية”.. هذا غيض من فيض ردود الفعل التي تلت تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيد السيدة نجلاء بودن بتشكيل وترؤس الحكومة أواخر شهر سبتمبر 2021. مضت اليوم 100 يوم وأكثر قليلا على تأدية رئيسة الحكومة الجديدة لليمين الدستوري في وضع سياسي أقل ما يقال عنه أنّه استثنائي. وكما “يُحسن” الرئيس فعل ذلك، اختار شخصية مجهولة تماما لعموم التونسيين ليضعها في وجه مدفع الاستحقاقات السياسية والاجتماعية-الاقتصادية الحارقة والعاجلة. فيما يلي استقراء لاختيار رئيس الجمهورية وتحليل ل”بروفيل” رئيسة الحكومة وتقييم أولي لفترة حكمها؛ “دفعة على الحساب” وليست “جردة حساب”.
رئيسة حكومة أم وزيرة أولى؟
أظهر رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ توليه منصبه موهبة فذّة في اختيار مستشارين وموظفين كبار ووزراء لا يعرفهم أحد تقريبا باستثنائه هو وربما دائرة المقربين منه. نستذكر هنا مثلا هشام المشيشي رئيس الحكومة السابق ونادية عكاشة مديرة المكتب الرئاسي المستقيلة/المُقالة حديثا ووالي بن عروس الحالي وغيرهم كثر. ولم يشذّ الرئيس عن القاعدة عند إعلانه خليفة المشيشي في رئاسة الحكومة: السيدة نجلاء بودن. لا يبدو ان كثيرين خارج الدوائر الأكاديمية وأروقة وزارة التعليم العالي يعرفون هذه المهندسة والأستاذة الجامعية المختصة في الجيولوجيا والموظّفة في وزارة التعليم العالي. السيدة بودن وهي من مواليد سنة 1958 لها مسيرة محترمة جدا في التحصيل العلمي اذ تلقت تعليمها العالي وبدأت مسيرتها البحثية في المدارس الكبرى الفرنسية في ثمانينات القرن الفائت. حيث تحصلت على شهادة في الهندسة من المدرسة الخاصة للأشغال العامة والبناء والصناعة ثم على الدكتوراه في الجيولوجيا من المدرسة الوطنية العليا للمناجم بباريس قبل أن تبدأ مسيرة من التدريس في واحدة من أهم المؤسسات الجامعية التونسية ثم تلتحق بطاقم كوادر وزارة التعليم العالي في 2011.
حكومة السيدة بودن استثنائية، ليس من حيث تركيبتها وآدائها، بل من حيث وضعُها. فهي ليست بالحكومة التي أنتجتها أغلبية نيابية ولا حكومة تنفيذية اختارها رئيس في نظام رئاسي صريح ومقنن، وليست كذلك بحكومة انتقالية ولا تصريف أعمال، وليست مسؤولة أمام البرلمان. ولكنها تابعة كليّا لرئيس الجمهورية في نظام سياسي استثنائي ليس بالديمقراطية كاملة الشروط ولا بالديكتاتورية مكتملة الأركان. فعلى الرغم من تركز السلطة اليوم بين يدي رئيس الجمهورية وتجميد أنشطة البرلمان وهيئات دستورية مازالت حريات التعبير والتنظّم والعمل السياسي والمدني والنقابي قائمة.. ربما إلى حين.
لم تُعيّن رئيسة الحكومة الجديدة في منصبها اعتمادا على أحكام القسم الثاني “الحكومة” من الباب الرابع “السلطة التنفيذية”، حيث نجد ان الفصول 92 و93 و94 تمنح رئيس الحكومة استقلالية وصلاحيات كبيرة تجعله الطرف الأقوى في السلطة التنفيذية. في حين يقر الفصل 95 بأن “الحكومة مسؤولة أمام مجلس نواب الشعب” وليس أمام رئيس الجمهورية. بل كُلّفت بمهامها وفقا لأحكام الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 الخاص بالتدابير الاستثنائية، بالتحديد في القسم الثاني “الحكومة” من الباب الثالث “التدابير الخاصة بممارسة السلطة التنفيذية”:
– الفصل 16 ـ تتكون الحكومة من رئيس ووزراء وكتاب دولة يعينهم رئيس الجمهورية. يؤدي رئيس الحكومة وأعضاؤها أمام رئيس الجمهورية اليمين المنصوص عليها بالفقرة الأخيرة من الفصل 89 من الدستور.
– الفصل 17 ـ تسهر الحكومة على تنفيذ السياسة العامّة للدولة طبق التوجيهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية.
– الفصل 18 ـ الحكومة مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهورية.
– الفصل 19 ـ يسيّر رئيس الحكومة الحكومة وينسّق أعمالها ويتصرف في دواليب الإدارة لتنفيذ التوجّهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية، وينوب عند الاقتضاء رئيس الجمهورية في رئاسة مجلس الوزراء أو أي مجلس آخر.
هذه الفصول لا تدع مجالا للالتباس او التأويل: القصبة -مقر الحكومة-أصبحت ملحقة تماما بقرطاج -رئاسة الجمهورية-والسلطة التنفيذية لم تعد ذات رأسين بل برأس واحد لا شريك له: رئيس الجمهورية قيس سعيد. ربما تكون هذه العلاقة الإلحاقية تدريبا للتونسيين على تقبّل عودة إلى النظام الرئاسي الكامل. هذا النظام الذي كرهه التونسيون بسبب انحرافاته الديكتاتورية طيلة حكم “الدساترة” بدأ يكتسب مقبولية متزايدة مع كل انتخابات تنتج مجالس نيابية وحكومات فاشلة في فترة حكم “الترويكا” بقيادة الإسلاميين وكذلك في فترة الائتلاف اليميني المرتكز على تحالف “الشيخين” الباجي قايد السبسي (نداء تونس) وراشد الغنوشي (حركة النهضة). قبول نسبي قد يتحوّل إلى مبايعة صريحة في الاستفتاء المزمع تنظيمه في 25 جويلية 2022 حسب خارطة طريق الرئيس.
المرأة المناسبة في الحكومة المناسبة.. للرئيس
اختيار رئيس حكومة بدلا عن هشام المشيشي وانهائه لفترة استفراده برأسي السلطة التنفيذية عقب إجراءات 25 جويلية 2021، كانت أولى الخطوات التي قام بها رئيس الجمهورية للإيحاء بقرب نهاية الفترة الاستثنائية والعودة إلى السير الطبيعي لدواليب الدولة، قبل أن يعزّز هذا التمشّي بخارطة الطريق التي أعلنها في ديسمبر 2021 ساعيا إلى تخفيف الضغوط الداخلية والخارجية بخصوص تسقيف الفترة الانتقالية زمنيا وتحديد أهم محطات “الخروج الآمن” منها. ويبدو أن قيس سعيد راعى في اختياره للشخصية التي ستقود الحكومة معيارين أساسيين: المقبولية والأمان. المعيار الأول في علاقة بالرأي العام المحليّ و”الشركاء” الدوليّين، والثاني يهم رئيس الجمهورية حصرا.
اختيار سعيّد لسيدة ستينية توحي هيأتها “المحافظة” ونبرة صوتها الخافتة وابتسامتها الدائمة باللطف والرقّة قد لا يكون مقصودا او نابعا من استراتيجية لكنه اختيار ناجح تواصليا. فبروفيل السيدة بودن يوحي بالثقة لدى شرائح واسعة من المجتمع التونسي. كما أن مسيرتها التعليمية والمهنية المميّزة وعدم ارتباط اسمها بالطبقة السياسية وبأي مرحلة من مراحل حكم تونس السابقة ل25 جويلية 2021 أو بلوبيات اقتصادية/جهوية، قد يعزّز الشعور بالطمأنينة لدى الرأي العام. إضافة إلى أن اختيار سيدة لقيادة حكومة تضم ثمانية وزيرات أكسب الرئيس عدة نقاط “سهلة”. فهي تُظهره في مظهر الرئيس المناصر لحقوق المرأة والداعم لتمكينها سياسيا، وهذا ما قد يحسّن صورته لدى التيّارات “الحداثية والتقدمية” في الداخل والدول الغربية في الخارج، كما أنه يثير ضجة إعلامية تُبعد الرأي العام عن مناقشة الوضع السياسي وبرنامج الحكومة. ولا يجب أن ننسى أن السيدة بودن أشرفت خلال عملها صلب وزارة التعليم العالي على تنفيذ برنامج “إصلاح” للتعليم العالي ودعم تشغيليّته مموّل من البنك الدولي، مما قد يسهّل علاقتها بجهات مموّلة أخرى، أساسا صندوق النقد الدولي الذي يفاوض تونس منذ أشهر على شروط منحها قرضا جديدا.
هذا بالنسبة لمعيار المقبولية، أما الحاجة للأمان فهي تنبع من تجربة قيس سعيد الشخصية وتاريخ تونس الحديث.
لتونس تاريخ “فريد” من “غدر” الوزير الأول بالحاكم الكبير، وهي “سنّة” أرساها “الوزير الأول” الحبيب بورقيبة في 25 جويلية 1957 إثر “انقلابه” على باي تونس وإعلان الجمهورية التي سيترأسها لمدة 30 سنة، قبل ان ينقلب عليه وزير أول آخر في 7 نوفمبر 1987، وهو زين العابدين بن علي الذي سيتخلى عنه وزيره الأول محمد الغنوشي في 14 جانفي 2011. لم تقطع تونس “ما بعد الثورة” مع هذه التقاليد فسار رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد على الدرب و”غدر” بالرئيس السابق الباجي قايد السبسي وعزله في قصره بشكل غير رسمي، ثم كررها رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي مع رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيد. هذا الأخير يبدو أنه استوعب الدرس جيدا وحرص على تأمين عرشه بعد أن استقر له الأمر مساء 25 جويلية 2021. قبل ان يختار خليفة المشيشي، أصدر سعيد “دستورا صغيرا” (الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021) فرض به نظاما رئاسويّا يحتكر الحكم والقرار بسلطة الأمر الواقع، وجعل من رئيس الحكومة مجرّد موظف كبير تابع، لا الطرف الأقوى في السلطة التنفيذية. وبما أن الرئيس يعلم جليّا وعن خبرة أن القوانين ليست مقدّسة وأنّه يمكن التلاعب بها وتأويلها وحتى الدوس عليها ان اقتضت الحاجة، فلم يكتفي بالأمر وحرص على اختيار شخصية مأمونة الجانب لتتولى الوزارة الأولى. السيّدة نجلاء بودن “يتيمة” سياسيا بمعنى أنها ليست محسوبة على حزب أو تيار سياسي بعينه، ولا تُراكم تاريخا نضاليا، يكسبها شرعية وشعبية ما، وليس لها ظهر يُسندها في المجتمع المدني ولم تشغل مناصب عليا في السلك الديبلوماسي او في منظّمات دولية أو شركات عابرة للقارات. كل هذا يعني -نظريا على الأقل-أنّها ليست في وارد الانقلاب على الرئيس وعقد تحالفات مع خصومه أو تقديم أوراق اعتمادها لدى جهات نافذة يمكن أن تزكيها لمنصب أعلى ونفوذ أكبر.
100 يوم من البروتوكولات والمجاملات
بعد أداء اليمين الدستورية في 11 أكتوبر 2021 وإلى حدود 26 جانفي 2022، تنقّلت السيدة بودن إلى قصر قرطاج 18 مرة على الأقل (فضلا عن طرق التواصل الأخرى) بمعدّل أكثر من مرّة كل أسبوع، وهذا يدل أولا على متانة العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة، وثانيا على طبيعتها: موظفة تقدّم تقارير دورية لرئيسها وتنفّذ توجيهاته ولا تتّخذ أي قرار دون استشارته. حتى صور وفيديوهات اللقاءات الرئاسية التي تنشرها الصفحات الرسمية على فيسبوك لا تدع مجالا للشك حول موازين القوى: قيس سعيد على كرسيه الرئاسي خلف مكتبه الرئاسي غارقا في مونولوغاته، يسرد ويرغي ويزبد، في حين تجلس السيدة بودن بطريقة متحفظة في الجهة المقابلة من المكتب على كرسي صغير، لا تتكلّم إلا لماما مكتفية أحيانا بالتعليق “ما شاء الله.. ما شاء الله”.
باستثناء زياراتها الدورية لقرطاج، لا تغادر السيدة بودن قصر القصبة كثيرا، فقط بعض الأنشطة ذات البعد الرمزي والبروتوكولي: زيارة مقبرة الشهداء ببنزرت في عيد الجلاء، استقبال مسؤولين أجانب في المطار، زيارة الرئيس الجزائري في مقر اقامته خلال زيارته الرسمية لتونس، زيارات تفقدية لأحوال دور المسنين والمستشفيات ليلة رأس السنة، الذهاب إلى مقر اتحاد الأعراف لتقديم منصة الكترونية لرقمنة الاقتصاد، الخ.
وعلى المستوى الخارجي تنقلت السيدة بودن ثلاث مرات منذ تقلدها منصبها. أولى الزيارات كانت إلى المملكة العربية السعودية وهي بمثابة زيارة تدريب خفيفة. اذ تمثلت في حضور الدورة الأولى لقمة الشرق الأوسط الأخضر (25 أكتوبر 2021) ولم تتخلّلها جلسات عمل ثنائية مع مسؤولين سعوديين أو أجانب كبار.
وفي تنقلها الدولي الثاني حطت السيدة بودن الرحال في باريس في زيارة هي الأطول (10-14 نوفمبر 2021) والأكثر زخما، اذ شاركت رئيسة الحكومة في ثلاثة اجتماعات دولية: المؤتمر العالمي بشأن التربية لحشد الدعم الدولي من أجل الإعداد لمرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19 ولمستقبل التربية، الذي احتضنته اليونسكو، ومنتدى باريس حول السلام، والمؤتمر الدولي حول ليبيا. وزيادة على استقبالها من قبل رئيس الجمهورية الفرنسي ايمانويل ماكرون ووزيره الأول جان كاستاكس، وعقدها جلسة عمل مع الحكومة الفرنسية، واللقاءات التي احتضنتها السفارة مع النخب التونسية المقيمة في فرنسا، جمعت عدة لقاءات ثنائية رئيسة الحكومة التونسية بمسؤولين أجانب كبار على هامش القمم التي شاركت فيها، لعل أبرزها اللقاء مع الرئيس المصري المثير للجدل عبد الفتاح السيسي ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، إضافة إلى رئيس الكوت ديفوار الحسن واتارا وأكينومي أديسينا رئيس البنك الافريقي للتنمية ورئيس البنك الإسلامي للتنمية، محمد سليمان الجاسر. زيارات يمكن ان يستشف منها سعي للعب دور أكبر في الإقليم، خاصة في ليبيا، والبحث عن الدعم المالي لإخراج تونس من أزمتها الاقتصادية التي تعتبر أكبر التحديات المطروحة على رئيس الجمهورية واكثرها خطرا على شعبيته.
الزيارة الثالثة كانت للجزائر (25 نوفمبر 2021) في إطار سياق التقارب الكبير بين البلدين في السنوات الأخيرة خاصة منذ تولي قيس سعيد الرئاسة. زيارة قصيرة لكنها مكثفة، فقد التقت خلالها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون والوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان (وهو ووزير المالية أيضا). وخُصّصت الزيارة للتباحث حول التعاون الاقتصادي بين البلدين، وأساسا مناقشة الدعم المالي الذي يمكن أن تقدمه الجزائر لتونس في ظل تفاقم أزمتها المالية.
السيدة رئيسة الحكومة لا تخرج كثيرا لكنها تستقبل الكثير من الضيوف في مقر عملها. يأتون للمجاملة والتهنئة بالمنصب أو لجس النبض وفتح قنوات حوار في ظل ضبابية خطابات رئيس الجمهورية وصعوبة اللقاء المباشر معه: سفراء، موظفون سامون في منظمات أمميّة، ممثلون عن نقابات قطاعية ووطنية، رؤساء هيئات ومنظمات وطنية كبرى، هيئات رقابية، الخ. لكن لا يبدو ان هذه اللقاءات بناءة كثيرا فأغلبها ينتهي بكلام عامّ مفعم بالنوايا الطيبة عن العمل المشترك والسعي إلى حلّ المشاكل وتطمينات من هنا ووعود من هناك.
لم تصدر عن رئيسة الحكومة قرارات كبيرة او نصوص قانونية مهمة او بوادر حلول لمشاكل تونس المتفاقمة. “الحدثان” الأبرز في العهدة القصيرة للسيدة بودن يتمثلان في تمرير قانون المالية الذي أمضى عليه رئيس الجهورية في 28 / 12 / 2022 والإشراف على إطلاق الاستشارة الالكترونية. قانون المالية الذي اقترحته الحكومة لا يكفي انه مرّ دون العبور بمحطّة المجلس التشريعي بل انه أخ شقيق لقوانين المالية التي سبقته في العشرية الأخيرة. قانون يعدّه خبراء وزارة المالية مع الاستئناس ب”نصائح” صندوق النقد الدولي وكبار الجهات المانحة: تقشف، خفض الدعم الموظف على السلع الأساسية، تقليص كتلة أجور القطاع العام، ضرائب واتاوات أكثر على المستهلكين، الخ، الخ، الخ. وهو ما يعزز المخاوف التي اثارتها الوثيقة المسربة في بداية السنة حول المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتعهدات الحكومة التونسية. أمّا الاستشارة الالكترونية فهي من وحي الرئيس وأولى محطات خارطة طريقه المُسقّفة للمرحلة الاستثنائية.
ويبدو حضور رئيسة الحكومة باهتا مقارنة ببعض وزرائها من رجال الرئيس مثل وزير الداخلية توفيق شرف الدين ووزير الدفاع عماد مميش ووزير الخارجية عثمان الجرندي ووزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي وحتى وزيرة العدل ليلى جفال، بل وحتى من بعض الولاة الذين حرص رئيس الجمهورية على تعيينهم مثل والي بن عروس ووالي تونس ووالي بنزرت.
***
قد يرى البعض ان ثلاثة أو أربعة أشهر مدة غير كافية لتقييم أداء الحكومة ورئيستها، لكنها بكل تأكيد كافية وزيادة لتلمس “فلسفة” هذه الحكومة وتوجهاتها وهامش حركتها وكذلك “معدن” قائدتها. حكومة بلا “مذاق” ولا لون، كان من الممكن تعويض أغلب أعضائها بمديرين عامين أو مدراء مكاتب وزراء سابقين دون أن يشكل ذلك فرقا كبيرا. لا شك أن للسيدة بودن مسيرة علمية ومهنية مشرفة تؤهلها لتولي مناصب رفيعة في الهياكل الأكاديمية كما في أجهزة الدولة، لكن تنقصها الكثير من الشروط الموضوعية والذاتية لتولي مسؤوليات سياسية جسيمة. ويبدو أنها تعي ذلك جيدا واختارت ان تكون رئيسة حكومة الرئيس، تنفذ برامجه وتتماهى مع رؤاه تماما. كنا نتمنى لو ترأست الحكومة امرأة في ظروف مختلفة بشروط أفضل واستحقاق أكبر وشخصية أقوى. وبغض النظر عن جنس قائد الحكومة فيبدو اننا مقبلون -في صورة تعديل الدستور والعودة إلى النظام الرئاسي-الصريح-على عهد من حكومات الرئيس والوزراء الأوائل.