استجاب موظفو القطاع العام والمؤسسات العمومية لدعوة الاتحاد العام التونسي للشغل لهم للدخول في إضراب عام عن العمل طيلة يوم 17-01-2019 بنسبة ناهزت 100% في أغلب المؤسسات والجهات. وقد أكد نجاح الإضراب أن مطلب زيادة أجور موظفي القطاع العام يجد صداه في قواعدها التي تقدّر أن غلاء الأسعار والتضخم المالي يدعوان لزيادة مجزية تصلح المقدرة الشرائية لموظفي الدولة، على غرار الزيادة الحاصلة على أجور العاملين في القطاع الخاص والمؤسسات العمومية. مساء يوم الإضراب، بدا المكتب التنفيذي للطرف النقابي في موقع قوة، مقارنة بالحكومة التي دعا وزيرها للشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي للتفاوض مجددا.
وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد استند لأحكام الفصل 390 من مجلة الشغل[1] ليلة 16-01-2019 ليصدر أمرا حكوميا يسخر موظفي وأعوان أهم إدارات ومؤسسات الدولة يوم الإضراب. ويبدو أنه وفريقه الحكومي كانا يقدّران أن مثل تلك الخطوة ستحد من فاعلية الإضراب وستجعل منه حدثا غير مؤثر وهو ما لم يتحقق بفعل امتناع موظفي المؤسسات المعنية بالتسخير عن الاستجابة له. وقد كشف فشل التهديد بالعقوبات الجزائية الذي تضمنه قرار التسخير في قهر تحرك نقابي مدى استجابة الوسط العمالي وإطارات الدولة وموظفيها مع مطالب الاتحاد العام التونسي[2].
وبعيدا عن حديث موازين القوى التي فرضها الإضراب العام وسيكون لها حتما أثر في تصور مخرجات أزمة زيادات أجور موظفي الدولة مستقبلا، يحسب للمنظمة النقابية وللحكومة نجاح جهدهما المشترك في ضمان السلمية التجمعات الاحتجاجية رغم تعددها وأهمية عدد من شاركوا فيها. ويبدو هذا النجاح مهما جدا في تحقيق الانتقال الديمقراطي لمجتمع كانت التحركات الاحتجاجية تنتهي صلبه دوما بأعمال عنف بفعل ما ترسخ من ثقافة استبداد.
يصلح هذا النجاح لأن يكون منصة الانطلاق الحقيقية لجولات المفاوضات المقبلة بين الطرفين. هذه المفاوضات التي لا يمكن لها أن تغفل الرسائل التي صاغها المضربون والتي بينت أن مطالبة موظفي القطاع العام بإصلاح مقدرتهم الشرائية تسانده شرائح واسعة من المجتمع ترفض ما عاينت من خضوع للحكومة لإملاءات صندوق النقد الدولي، تلك الإملاءات التي تهتم بالتوازنات الرقمية لموازنة الدولة دون كبير اهتمام بالاستحقاقات الاجتماعية لشريحة هامة من المواطنين أعياها غلاء المعيشة وضعف مستوى تأجيرها.
[1] ينص الفصل 389 من مجلة الشغل ” يمكن تسخير المؤسسة أو عملتها بمقتضى أمر إذا تقرر إضراب أو صد عن العمل أو شرع فيه وكان من شأنه أن يخل بالسير العادي لمصلحة أساسية.ويقع تبليغ التسخير للمعنيين بالأمر بصفة فردية الى آخر مقر للسكنى مسجل لدى المؤسسة وذلك عن طريق أعوان الضابطة العدلية.وإذا شمل التسخير مؤسسة أو كافة أعوان مؤسسة فإن التبليغ يمكن أن يتم عن طريق التعليق بالمؤسسة المعنية أو عن طريق وسائل الإعلام.
[2] ينص الفصل 390 من مجلة الشغل ” كل من لم يمتثل لإجراءات التسخير يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين شهر وعام وبخطية تتراوح بين 100 و500 دينار أو بإحدى العقوبتين فقط.وفي صورة العود تضاعف هاتان العقوبتان.“
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.