أمام مخفر مزرعة الضهر في بلدة جون قضاء الشوف تجمهر مناصرو مرج بسري من الرافضين لإنشاء سدّ يُدمّر واحدة من أجمل المناطق اللبنانية، وذلك لدعم تسعة من رفاقهم تم استدعاؤهم إلى التحقيق بناء على شكوى مقدمة من قبل الشركة التركية “أوزالتين” التي تشرف على أشغال بناء السد، وذلك على خلفية تحطيم بوابات حديدية وضعتها الشركة في موقع المشروع.

ادّعت الشركة التركية، المكلّفة من قبل مجلس الإنماء والإعمار، على الناشطين في الحراك ضد مشروع السد في مرج بسري بول أبي راشد (رئيس “الحركة البيئية”) ورولان نصور (منسق الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري)، أماني البعيني (ناشطة في الحملة) والمهندسين أجود العياش وعامر مشموشي وكلود حبيب، وحسان الحجار (مدرّس)، وسعادة سعادة (صحافي) إضافة إلى الممثل وسام حنّا الذي أبدى دعماً شديداً لقضية المرج.

اختيار كيديللأشخاص المدّعى عليهم

اختارت الشركة هؤلاء لتدّعي عليهم من بين عشرات المتظاهرين الذين شاركوا في إزالة بوّابتين حديديّتين خلال اعتصام ونشاط ترفيهي بتاريخ 17 تشرين الثاني. وكان واضحاً أن الشركة اختارت هؤلاء لأنهم معروفون بنشاطهم ضد المشروع. وما يعزّز هذه الفرضيّة أنّ حسّان الحجار لم يكن أساساً موجوداً في الاعتصام وليس كل من تمّ استدعاؤهم كانوا يُشاركون في تحطيم البوابتين فمنهم من كان يتفرّج ومنهم من كان يصوّر. واعتقد الناشطون أنّ المستدعي هو المقاول داني خوري صاحب إحدى الشركات المتعهدة تنفيذ السد تحت إشراف الشركة التركية، إلّا أنّه تبيّن خلال التحقيق أنّ المستدعية هي الشركة التركية نفسها.

يقول حسّان الحجّار “الغائب الحاضر” أنّه نهار تحطيم البوابة كان متوجهاً إلى منزله ورأى آليات تابعة للجيش اللبناني تتوجّه نحو المرج، فاتصل بأصدقائه وحينها علم أنّه تم تكسير البوابة. ويستغرب الادّعاء عليه “كوني أقول مواقفي بموضوعية، لا علاقة لي بالسياسة والاستثمارات، نحن نجاوب بالعلم وليس لدينا سلوك عدائي تجاه أي أحد”. ويُضيف: “شعرت أنهم يستهدفوني لأنّي أقول رأيي علانية، وهذا ليس سوى انتهاكاً لحقي في التعبير الذي يكفله الدستور”. ويعتبر الحجّار أن هذا الاستدعاء يهدف إلى “تشويه صورتي، وتصويري كإنسان مشاغب، وأنا في الحقيقة أستاذ مدرسة منذ 43 عاماً وعلّمت مادة التربية المدنية، لذلك أحتفظ بحقي بمقاضاتهم على الضرر الذي تسببوه لي”.

بدوره يقول المهندس عامر مشموشي إنّه أكّد للمحققين أنّ فتح البوابة حصل بطريقة سلمية ولم يتم الاعتداء على أحد. وأبدى اعتراضه على طريقة قطع الأشجار في المرج من دون حسيب أو رقيب، وبيع الخشب المقطوع بطريقة مشبوهة. ويؤكّد مشموشي أنه أجاب المحققين على أسئلتهم المتعلقة بسبب فتح البوابة، فأكد لهم أن ذلك لأن “البوابة تغلق الطريق العام، وتحرم المواطنين من الدخول إلى المرج، وتحرم المزارعين من الوصول إلى أراضيهم”. ويتابع أنّه “تم استملاك أرضنا التي نزرعها منذ عقود ونسترزق منها بالقوة، كما تم منعنا من الوصول إلى الأرض لأجل قطاف المحصول الزراعي وبخاصة المعارضين منّا، علماً أنّ الدولة لم تدفع سوى دفعة واحدة من المبلغ لقاء شراء الأراضي وهو لا يتعدى ثلث القيمة”. ويضيف أنّ “هناك جزءاً من الأراضي لم يتم أصلاً وضع اليد عليها، ورغم ذلك يُمنع مالكوها من الوصول إليها”. ويلفت إلى أنه “اعترض على إنشاء السد حين بدأ مجلس الإنماء والإعمار والبنك الدولي باستطلاع آراء الناس”، لافتاً إلى أن “المعترضين من بلديات ومخاتير تم الضغط عليهم لاحقاً لتغيير رأيهم والموافقة على المشروع”.

تحقيق بمواكبة من ناشطين آخرين

دام التحقيق مع الناشطين في مخفر مزرعة الضهر زهاء أربع ساعات، ومنذ التاسعة صباحاً كان داعمو المدّعى عليهم يتوافدون إلى المخفر بهدف دعم رفاقهم الذين دخلوا التحقيق عند حوالي الساعة الحادية عشر صباحاً. وشارك في الاعتصام نحو خمسة عشر محامياً، لم يتم السماح لهم بالدخول إلى التحقيق. وكان هناك بعض الفنانين الذين أتوا لمساندة الأهالي وبالأخص زميلهم وسام حنّا، من بينهم الممثلين بديع أبو شقرا، وباتريك مبارك، وأنجو ريحان.

وبمواكبة لافتة من وسائل الإعلام، كان الداعمون يتظاهرون خارج المخفر ويطلقون الهتافات المؤيّدة بينها الهتاف الأشهر “نحن السّد بوج السّد، عد مصرياتك عد”، و”ما بدنا سد بمرج بسري، بدنا محمية طبيعية”. ومع تقدّم الوقت كان المتظاهرون يعمدون إلى إحداث ضوضاء عبر القرع بالأحجار على السياج، والهتاف لأجل إخراج رفاقهم من المخفر. وفي موازاة التحقيق وفي خطوة دعم وتحدّي في الوقت نفسه، قام عدد من الناشطين في مرج بسري بتحطيم بوابة حديدية أخرى وضعت على أحد مداخل المرج وتم تصوير ذلك ونشره على فايسبوك. ولحظة وصول الخبر إلى مكان الاعتصام أمام المخفر بدأ التصفيق والهتاف فرحاً.

عند حوالي الثالثة والنصف انتهى التحقيق وخرج الناشطون بسند إقامة بإشارة من النيابة العامة، ولحظة الخروج تكلّم رئيس الحركة البيئية بول أبي راشد على مكبر الصوت، مؤكداً أنّ التحقيق جرى بشكل هادئ.

وتؤكد أماني البعيني، أنّ “الادّعاء علينا هو تقييد لحريتنا، خاصة أن ما قمنا به هو إزالة تعديات على الأملاك العامة، وهو ما يعد تنفيذاً لقانون حماية البيئة الذي يوجب المواطن على السهر لحماية البيئة من التعديات، وحماية المرج من المجازر البيئة خاصة لعدم وجود دراسة للأثر البيئي”. وتستغرب البعيني أن “الادعاء أتى من الشركة التركية بينما التهديدات التي كان يتلاقاها الناشطون جاءت من قبل المتعهد داني خوري عبر المهندس علي كجك اللذين من المرجح أنهما استخدما الشركة التركية كغطاء لتصرفاتهما معنا”. وتشرح أن “اختيار أشخاص معروفين بالأسماء سواء شاركوا في تحطيم البوابة أم لم يشاركوا، يُظهر نوعاً من الكيدية في التعامل مع الموضوع”.

ومن جهته يوضح الناشط أجود العيّاش أنّ التحقيق كان هادئاً وتركزت الأسئلة حول موضوع تحطيم البوابة والدخول إلى المرج. فأجابهم العياش بأن “السبب وراء ذلك هو أنهم يريدون ممارسة حقهم بالوصول إلى كنيسة مار موسى وإلى المرج”. ويعتبر أنّ “الحراك بدأ منذ نحو خمس سنوات لأجل مرج بسري، ونحن أصبحنا معروفين بنشاطنا وهو ما استدعى من الشركة اختيارنا للادعاء علينا”.

ويؤكّد المحامي نائل قائدبيه لـ”المفكرة” بأنّ “خروج المدعى عليهم بسند إقامة قد يعني أن الملاحقة لم تتوقف، وقد يتم معاودة استدعائهم”. ويلفت قائدبيه إلى أنّ “عدم توقيف أي أحد منهم هو مؤشر إيجابي، ما يعني أنّ النيابة العامة لم تجد خطراً في الخطوة التي قام بها المتظاهرون”. واللافت أيضاً حسبما يشرح قائدبيه، “أنه لم يجر إرغام المدعى عليهم على التوقيع على تعهّدات كما حصل في عدة حالات تم استدعاء فيها ناشطين إلى التحقيق، وهو مؤشر قد يكون إيجابياً أيضاً خاصة لعدم وجود فعالية قانونية لهذه التعهدات وهي مخالفة للحقوق الدستورية”.

يُشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها استدعاء ناشطين في قضية تتعلق بمرج بسري، بل سبقها استدعاء مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية 17 شخصاً علّقوا على منشور على صفحة “أنقذوا مرج بسري” بناء على ادعاء من مهندس المشروع التابع لمجلس الإنماء والإعمار إيلي موصللّي.

تحرير المرجهو سبب الإدّعاء على الناشطين

يقول الناشطون ضد مشروع السد إنّ تحطيم البوابة الذي حصل بمواكبة من وسائل الإعلام، كان إنجازاً بالنسبة لهم إذ اعتبروه بمثابة خطوة نحو تحرير المرج والسماح للمواطنين بالدخول إليه بعدما تم إغلاقه منذ شباط 2019 من قبل المتعهدين. ففي 17 تشرين الثاني، كان الأهالي والمعارضون لإنشاء السد على موعد مع نشاط ترفيهي وهادف في الوقت نفسه وهو عبارة عن “ترويقة جماعية” في المرج “المحرر” تليها جولة استشكافية وصولاً إلى كنيسة مار موسى التاريخي. وفي طريقهم إلى الكنيسة وجدوا بوابة تعيق تقدمهم وتسدّ الطريق العام في المرج، فقاموا بتكسيرها، ومن خلالها عبروا ومرّوا إلى جانب مكاتب موظفي الشركة المتعهدة بناء السد، بدون أن يحصل أي تصادم أو المس بالمكاتب. فهدفهم كما يقولون كان فقط إزالة أي عائق يقف في الطريق العام الذي من حقهم التنقل فيه. ووصل المتظاهرون إلى بوابة حديدية أخرى في موقع أصبح أقرب إلى قضاء الشوف، وكان الوصول إلى الشارع من هذه الناحية بات أقرب من العودة إلى الوراء ناحية جزين. فقاموا أيضاً بتكسير البوابة للهدف نفسه أي تحرير المرج، وقاموا بتكسير كاميرات المراقبة التي وضعتها الشركة المتعهدة التابعة لداني خوري. وكان كثر من المتواجدين ينقل ما يحصل بالبث المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبروا عن فخرهم بفتح المرج، وأوصلوا رسالة مفادها أن لا أحد يحق له إغلاق المرج أو منع الناس من الوصول إليه.

وكانت تلك الخطوة استكمالاً لخطوى أولى في إطار “تحرير” المنطقة حصلت في التاسع من الشهر الحالي، حيث تم إزالة أول بوابة حديدية في المشروع بعدما تمكّنت الانتفاضة الشعبية من جذب الأنظار نحو مرج بسري أسوة بالحراكات المطلبية الأخرى التي أنعشت الزخم لتحقيقها.

ففي ذلك اليوم أيضاً توجّه مناصرو مرج بسري من الرافضين لإنشاء السد إلى المرج من ناحية قضاء جزين، وهم من أهالي قضاءي الشوف وجزين والبلدات التي من المرجح بحسب الخبراء أن تتضرر إذا تمّ إنشاء السد، وآخرين أتوا من كافة المناطق اللبنانية يدعمون الحفاظ على منطقة حرجية من أجمل المناطق اللبنانية. وقام الناشطون بتحطيم البوابة التي وضعت لمنع الأهالي والمواطنين من الوصول إلى المرج.

ومنذ تحطيم البوابات في 17 تشرين الثاني، أصبح المرج منطقة تخييم دائمة، ولاحقاً أخرج المتعهد داني خوري آلياته ومعداته من المرج تحت ضغط المتظاهرين. وفتحت الخطوة المجال أمام آلاف المواطنين الذين توجهوا نهار عيد الاستقلال، 22 تشرين الثاني، للمشاركة في رحلة استكشاف للمرج على طول 18 كلم.

يشار إلى أنّه بحسب تقارير علمية، فإن إنشاء السد يُدمّر واحدة من أهم المناطق الحرجية في جبل لبنان، ونحو 50 موقعاً أثرياً، عدا عن أن المنطقة ناشطة زلزالياً مما يهدد السلامة العامة، وقد حصلت فيها عدة هزات أرضية قويّة، آخرها عام 1956 الذي لا يزال محفوظاً في ذاكرة المعمّرين من الأهالي وفي الروايات التي تتوارثها الأجيال.