ناشطو الحراك المدني عراة في مواجهة التنين


2014-11-06    |   

ناشطو الحراك المدني عراة في مواجهة التنين

بعد أشهر من الأخذ والرد واستعراض درجات الحرص الوطني لدى الكتل النيابية على مصلحة البلد، أقر مجلس النواب بتاريخ 5/11/2014، اقتراح النائب نقولا فتوش بتمديد ولايته بأغلبية 95 صوتاً من أصل 97 حضروا الجلسة وبغياب كتلتي "التيار الوطني الحر" و"الكتائب اللبنانية" وذلك حتى 20 حزيران 2017، ومعارضة  نائبي الطاشناق آغوب بقرادونيان وارتور نظاريان. 
 
وعشية انعقاد الجلسة التاريخية تحركت مجموعة من الشبان الناشطين ضمن "الحراك المدني للمحاسبة" و "من أجل الجمهورية" والذين لم يتجاوز عددهم العشرين شاباً وشابة فقاموا بنصب عدد من الخيم ورفعوا اليافطات الرافضة للتمديد على الأسلاك الشائكة التي وضعتها القوى الأمنية في ساحة رياض الصلح وألقوا بياناً مقتضباً وضعوا فيه تصوراً واضحاً لما ستؤول اليه الجلسة في اليوم التالي والتي رأوا فيها "الفصل الأخير من مسرحية تعطيل المؤسسات وتفريغها". ثم أمضوا الليلة في الشارع دون ان يؤدي تخييمهم الى اقناع الناس بالانضمام اليهم. 
 
عند الساعة التاسعة صباحاً، بدأ الناشطون بالتوافد الى ساحة رياض الصلح تلبية لدعوة الحراك المدني للمحاسبة حاملين الاعلام اللبنانية ومطلقين الشعارات الرافضة للتمديد، ولكن قد بدا ومن اللحظة الأولى افتقار التحرك للتنظيم اللازم لإنجاح اي تحرك، حيث جاء التخطيط وليد اللحظة، الأمر الذي أربك المشاركين في الإعتصام لا سيما بعد ان توجه الناس الى ساحة رياض الصلح كما ورد في نص الدعوة التي وجهت عبر موقع التواصل الإجتماعي "فايسبوك"، ليكتشفوا بعدها انه تمّ نقل التجمع الى الباحة المواجهة لجريدة النهار وسط اجراءات امنية مشددة ، حيث تم نصب خيمة هناك ليبدو للوهلة الأولى ان أعداد الاعلاميين والمصورين تفوق عدد أصحاب الحق. ويسجل في هذا السياق، غياب عدد كبير من الجمعيات الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المواطن، والذين يغالون في دعم القضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي جلساتهم الودية ولقاءاتهم الدورية، كما ان اغلب الذين حضروا اكتفوا بإلتقاط صور "السلفي" ثم هموا بالانسحاب تباعاً.
 
عند الساعة العاشرة تقرر توزيع المشاركين، على مداخل مجلس النواب وذلك في محاولة لمنع النواب من الوصول الى المجلس لتأمين اكتمال النصاب. ومع توافدهم تباعاً بدأت معركة الناشطين ضد نواب "التمديد الثاني"، حيث شنوا الهجوم تلو الآخر على سياراتهم، مستخدمين حبات البندورة والبيض، وهو أسلوب تم استخدامه مراراً في العديد من التحركات السابقة "للحراك المدني للمحاسبة" على ان قذائف البيض لم تقف عند حدود سيارات النواب بل طالت العديد من المصورين والمارة الذين صودف مرورهم في المكان.
 
وكان لزاماً على كل نائب مرت سيارته من امام احد الحواجز التي أقامها الناشطون على مختلف المداخل ان ينال نصيبه من البيض حتى اذا حاول احدهم الفرار قام بعض الناشطين برمي أجسادهم على سيارته لإيقافه وهذا ما قام به اجود بو حمدان، الذي رمى بنفسه امام سيارة أحد النواب. الا ان ذلك لم يردع السائق فاستمر بقيادة السيارة على الرغم من تمسك أجود بها الى ان قام عناصر من القوى الأمنية بإزاحته بالقوة وعن ذلك قال:"حاول احد النواب المرور بسيارته على نحو استفزازي وكاد ان يصدم احد المشاركين وهو يحمل يافطة بيده فقمنا بإعتراضها، وانا رميت بنفسي على السيارة فهجم علي عدد من الدرك وانزلوني بالقوة وقد جرحت يداي".
 
ربما ليست حرب البيض الوسيلة الناجزة للتعبير عن سخط المواطنين، الا ان المعتصمين لم يجدوا حلاً آخر بعد ان استنفذوا جميع وسائل الخطابة لإيصال رفضهم التمديد للمجلس النيابي الحالي. وعلى الرغم من بساطة الوسيلة الا ان معركة البيض شكلت حربا نفسياً دفعت العديد من النواب الى الوصول الى ساحة النجمة سيراً على الأقدام، فيما أصوات الناشطين تلعلع " ثمانية وعشرين ومية ..هيدا مجلس حرمية" و "لا لا للتمديد".  
 
على الرغم من ان معظم الحاضرين في ساحة الاعتصام  لم يكونوا متفائلين بالنتيجة، وعلى الرغم من ان الشريحة الكبرى تعتبر بأن التمديد بات امراً واقعاً الا انهم أرادوا الحضور لإيصال صوتهم وتسجيل انهم قالوا "لا" في وجه خرق الدستور وسلب الحقوق وانتهاك الديمقراطية".
 
وعن ذلك تتحدث ناريمان الشمعة قائلة:"ان ما يتعرض له المجلس النيابي هو احتلال من قبل نواب جل ما يفعلونه هو التمديد لأنفسهم، فكيف لنا ان نفكر بتحقيق الأمن والأمان وتحسين ظروفنا المعيشية كافة اذا كان من في المجلس يقومون بسرقة أبسط حقوقنا؟".
 
ورأت جوزفين زغيب:"انه من واجب كل لبناني التواجد في ساحة الاعتصام رفضاً للتمديد واحتلال المجلس النيابي، وعدونا انهم خلال سنة ونصف سيضعون قانونا انتخابيا فلم يفعلوا كذلك لم يتمكنوا من انتخاب رئيس للجمهورية وبالتالي فإن التمديد الثاني لهذا المجلس الفاسد سيأتي بمزيد من الفشل". وعن الاختيار بين التمديد واجراء الانتخابات وفقاً للقانون الحالي أجابت:" اي قانون هو افضل من خرق الدستور، لنجري الانتخابات حالياً ثم لنسعى الى القيام بقانون جديد للمرحلة اللاحقة".
 
شاركت هبة بزال بالاعتصام من أجل لبنان والتعبير عن معاناة المواطن اللبناني وأردفت:"عندما يعطي النواب الحق لانفسهم بالتمديد معنى ذلك انهم حرمونا من حقنا في محاسبتهم". لم تشارك هبة سابقاً في الاقتراع وكانت بإنتظار فرصتها الأولى الا انها حرمت منها، وهي تمنت لو كان بإمكانها ان تفعل ذلك لتنتخب أشخاصا حياديين بإمكانهم ان يصنعوا التغير في البلد. 
 
أما ساري قزل، فقد حمل الى باحة الاعتصام قضية الأكراد اللبنانيين فتحدث قائلاٍ:" انا كردي لبناني وهكذا كان جدودي ونحن عددنا حوالي 140 الف في لبنان وهو عدد لا يستهان به ولكن ليس لدينا مقعد نيابي وليس بإمكاننا ان نترشح للانتخابات وكأن لاعلاقة لنا في هذا البلد. انا هنا لاطالب بأن يكون لدينا نظام علماني يسمح للكردي بالترشح على اساس الهوية وليس على اساس العرق او المذهب".
 
عند أحد مداخل المجلس النيابي، بالقرب من بلدية بيروت أغضبت صيحات الناشطين حرس المجلس والقوى الأمنية لاسيما بعد ان بدأوا بترداد اسماء النواب الواحد تلو الآخر مع عبارة "حرامي" وكان في طليعتهم الشاب طارق ملاح الذي نال نصيبه من الضرب المبرح حيث هجم عليه عناصر من القوى الأمنية المرابضة عند المدخل ورموه أرضاً وأمطروا عليه اعداداً من البيض ثم كما المجرمين وضعوا الأصفاد حول معصميه واقتادوه الى مخفر فصيلة البرج وعن ذلك قال: "اقتادوني الى المخفر بعد ضربي وهناك حاولوا أخذ هاتفي مني ولكن بعد ان اصررت على الاتصال بالمحامي قاموا بإطلاق سراحي بعد أخذ تفاصيل عني وعن مكان اقامتي بالتفصيل".
 
ليس طارق وحده من تعرض للضرب المبرح. فأثناء محاولة الناشط والمحامي باسل عبدالله إبعاد عناصر الامن عن طارق قاموا بضربه على اماكن عدة من جسده. كذلك كانت حال الناشط مروان معلوف الذي اعترض على توقيف طارق دون أي ذنب سوى انه عبر عن رأيه فكانت النتيجة ان تلقى ضربات على وجهه خلفت جرحاً على مقربة من احدى عينيه.
 
وفيما كان الناشطون يتعرضون للضرب والتعذيب كان بعض الإعلاميين يحاول اخذ تصاريح من نواب الأمة عن تحرك المجتمع المدني فوقع اختيار أحدهم على النائب في كتلة المستقبل رياض رحال الذي اكتفى بتوجيه عنفٍ لفظي للمعتصمين في جملة واحدة حيث رداً على سؤال"سعادة النائب ما رأيك بتحرك المجتمع المدني الرافض للتمديد؟" جاء جوابه:"شي .. بيخرّي".
 
اذا في بلدٍ تستباح فيه حقوق المواطنين دون ان يحركوا ساكناً، يسمح النواب لانفسهم بالتمديد مرة واثنتين وربما أكثر، ويحرمون الناس حتى من محاسبتهم على سلوكهم، ليس من الغريب ان يطل نائب ممدد لنفسه رغماً عن أنف الشعب ويهزأ من تحركاتهم ويتوجه اليهم بكلام مهين لا يليق بالمنصب الذي يشغله بالقوة، على ان ما قاله لا يعدو عن كون "الإناء ينضح دائماً بما فيه".    

الصورة من أرشيف المفكرة القانونية

 
انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني