“
ألقت القاضية أماني سلامة كلمة نادي قضاة لبنان، في الجمعية العمومية للقضاة التي انعقدت صباح الإثنين الواقع في ١٠/٦/٢٠١٩. تناولت الكلمة النجاحات التي حققها الاعتكاف حسب رأي النادي داخل القضاء (وأهمها إرساء أصول الديمقراطية داخله ونجاح النادي والجمعية العمومية في الدفاع عن السلطة القضائية واستقلاليتها وكسر حاجزي الخوف والصمت)، وخارج القضاء (وأهمها تفاعل المحامين الأحرار وبعض وسائل الإعلام وبعض النواب إيجابا مع استقلال القضاء). واللافت أن النادي أعلن مواكبته للعمل التشريعي، وبخاصة لدرس اقتراح القانون الذي أعدته المفكرة القانونية داخل لجنة الإدارة والعدل، كما أعلن مواكبته لعملية التشكيلات القضائية وتعهد جميع أعضائه بالتزام الاستقلالية (نفهم عدم تشغيل وساطات للحصول على مراكز قضائية)، محذرا من أي مخالفة لمعايير الكفاءة والنزاهة في مشروع التشكيلات القضائية. بعد إلقاء هذه الكلمة وسواها، تم التوافق على التصويت على قرار الاعتكاف بالاقتراع السري، فجاءت النتيجة (143 نعم مع الاعتكاف، 87 ضد مع الاعتكاف، ورقة بيضاء وأخرى ملغاة).
أيها الأعزاء،
نجتمع اليوم مجددا”، بفضل كل واحد منكم، تكريسا” لممارسة ديمقراطية أرسيتموها عرفا” في القضاء، رافضين منطق الترهيب الذي لم ولن يلق صدىُ لدينا، نحن قضاة لبنان.
تحية شكر وتقدير إذا” لكل من جاهر بموقفه وبرأيه طيلة فترة الاعتكاف بما يتلاءم مع قناعته الراسخة وأخلاقه العالية وصلابته التي لا تتزحزح وعلى رأسهم الرئيس سهيل عبود.
أما وبعد انقضاء ما يزيد عن شهر على اعتكاف القضاة المقرر في أول جمعية عمومية انعقدت في ٣/٥/٢٠١٩ رفضا” لمشروع الموازنة الذي مس بحقوقهم المعنوية والمادية، يقتضي تقييم هذا الاعتكاف والتطورات التي استجدت.
لا بد بداية من الإشارة إلى أن الاعتكاف المقرر لم يشلّ بتاتاً مرفق العدالة كما حاول البعض توصيفه، إذ بقي القضاة يقصدون مكاتبهم بشكل طبيعي ويسيرون قضايا الموقوفين وكل القضايا التي يكون ضرر تأجيلها وعدم البت بها غير قابل للتعويض سواء بالقضايا المدنية أو الجزائية.
مما لا شك فيه، حقق الاعتكاف نتائج إيجابية عدة، على المستويين الداخلي والخارجي، لنا الفخر بتعدادها:
أولا”: على المستوى الداخلي:
١- خلق واقع ديمقراطي رائع في العدلية. بالفعل وللمرة الأولى يلجأ القضاة إلى عقد جمعيات عمومية لهم، يتخللها تصويت يلتزم الجميع بنتيجته. بذلك أرسى القضاة، تبعاً للاعتكاف، عرفاً جديداً مآله التأكيد على أنه يعود للقاعدة القضائية القرار في الأمور المفصلية التي تهدد حقوقها واستقلالية سلطتها وهيبتها وذلك بالتوازي مع مجلس القضاء الأعلى المكلف قانوناً بإدارة عمل المحاكم.
٢- أتاح للقضاة الإدراك بأنهم يمثلون السلطة القضائية المنصوص عنها بالدستور واستلموا زمام القرار بدلا” من تحميل مجلس القضاء عبء المواجهة منفردا”.
٣- كسر حاجز الخوف لدى القضاة الذين بقوا متمسكين بقناعاتهم وانتفضوا لعنفوانهم لدى محاولة ترهيبهم من قبل أهل البيت أم ممّن هم خارجه، بتدبير من هنا وآخر من هناك، لثنيهم عن الاعتكاف.
٤- كسر حاجز الصمت وإعادة مفهوم موجب التحفظ إلى حجمه الطبيعي عبر الإدلاء بآرائهم في الجمعيات العمومية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر إطلالة نادي قضاة لبنان على الرأي العام بندوة نظمها لشرح الأسباب الموجبة لمطالب القضاة والاعتكاف.
٥- أفرز تضامنا” تاريخيا” بين قضاة لبنان العدليين والإداريين والماليين قلّ مثيله، تجلّى في مشاركة الجميع في الجمعيات العمومية وفي المناقشات وفي وحدة المواقف ورصّ الصفّ بين جميع القضاة الذين اتحدوا ولم يتشرذموا البتة.
٦- أظهر للعالم أن القضاة يرغبون ويسعون جديا” إلى تكريس استقلالية سلطتهم التي تقوم على أساسها دولة القانون وإلى مكافحة الفساد سواء على مستوى الداخل القضائي أو على مستوى الوطن.
ثانيا”: على المستوى الخارجي
١- تمثل في تحويل مطالب القضاة إلى قضية رأي عام خلقت تضامناً كبيراً حولها، لا سيما حول مطلب استقلالية السلطة القضائية. فللمرة الأولى لم يكن القضاة مستفردين وبات إلى جانبهم المحامون الأحرار والرأي العام والإعلام وجمعيات المجتمع المدني والمنظمات الدولية وبعض المشرّعين الذين تواصل معهم النادي بكل شفافية.
٢- تغيير في مقاربة المعنيين بشؤون السلطة القضائية، للمطالب وسقفها وأسبابها الموجبة، تجلى بتصريح كل من فخامة رئيس الجمهورية الأخير ورئيس لجنة الإدارة والعدل ومن تواصل معهم النادي لهذه الغاية.
أما الآن، ونحن أمام استحقاق تصويت جديد، يقترح نادي قضاة لبنان خطة مواكبة للاعتكاف ام بديلة عنه، حسب نتيجة التصويت، هي التالية:
١- انتخاب هيئة قضائية مؤلفة من قضاة من النادي ومن خارجه (٧ أم ٨ أعضاء)، للمشاركة في نقاشات لجنتي الإدارة والعدل والمال والموازنة بخصوص مشروعي الموازنة واستقلالية السلطة القضائية، بعد موافقة مجلس القضاء ووزير العدل ورئيس كل من اللجنتين على ذلك وقد تشكل هذه الموافقة سببا” لتعليق الاعتكاف إذا ما استمرّ.
٢- متابعة الانفتاح على الرأي العام لتقريب المسافات الموحشة مع القضاء وشرح الوضع القضائي لجعل الرأي العام شريكاً أساسياً في معركة الاستقلالية وذلك عبر البيانات والندوات والاطلالات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعية.
٣- التنسيق مع المحامين الأحرار لإشراكهم في تطورات معركة الاستقلالية.
٤- استمرار النادي بمواكبة اقتراح قانون استقلالية السلطة القضائية المعدّ من قبل المفكرة القانونية والذي سبق أن وضع النادي ملاحظاته العامة عليه قبل بدء دراسته من قبل لجنة الإدارة والعدل والعمل على درس أي اقتراح آخر قد يطرح أمام اللجنة، فضلا” عن تقييم النسخة التي ستحال من اللجنة الى الهيئة العامة لمجلس النواب ومتابعة النقاشات.
٥- تقديم النادي اقتراحاته التي يعمل عليها فيما يتعلق بقوانين الإثراء غير المشروع والحصانات الوظيفية والسرية المصرفية والتي تعيق مكافحة الفساد.
٦- متابعة التشكيلات القضائية المرتقبة وفضح كل ما يخالف معايير الكفاءة والنزاهة وتعهد كل أعضاء النادي بالالتزام بمناقبية الاستقلالية قولاً وفعلاً.
٧- محاولة الحصول على تعهد من ١٠ نواب بالطعن بقانون الموازنة في حال لم تُلبّ مطالب القضاة، على أن يرفع النادي لهم دراسة وافية عن أسباب الطعن.
٨- العمل على أن يكون لمجلس القضاء الأعلى وديوان المحاسبة ومجلس الشورى الحق بالطعن في القوانين التي تمس القضاء.
أيها الأعزاء، بدأنا جميعا” مشوارا” تاريخيا” في رحلة العدالة، نأمل أن نبقى فيها كلنا متكاتفين، متضامنين ومترفعين عن كل ما يمكن أن يشوهها ويصغر أهدافها ويعيق تقدمها،
فلنكن السلطة القدوة في بناء الدولة التي طالما حلمنا بها.
“