تنوعت العقوبات المتخذة من طرف المجلس الأعلى للقضاء بالمغرب في حق عدد من القضاة ضمن ما بات يعرف بملف قضاة الرأي بين العزل والحرمان من الترقية والتوقيف عن العمل مع الحرمان من الأجر.
فبعد الأنباء التي تواترت والتي مفادها عزل المستشار محمد عنبر نائب رئيس نادي قضاة المغرب الذي ما يزال ينفيها، وتوقيف القاضي عادل فتحي لمدة شهر بدون أجر، وتوقيف المستشار د. محمد الهيني لمدة ثلاثة أشهر بدون أجر أيضا وحرمانه إلى جانب القاضي رشيد العبدلاوي صاحب الصورة الشهيرة[1] من الحق في الترقية، بات عدد كبير من القضاة النشطاء في جمعية نادي قضاة المغرب مهددين بمصير مماثل.
وما يزيد عوامل القلق هو اصرار وزير العدل والحريات على استباق صدور القوانين التنظيمية الجديدة بسلسلة من المتابعات التأديبية التي لها علاقة بأسباب غير مألوفة. فالمتابعون هذه المرة من القضاة ليسوا متورطين في شبهة فساد مالي أو علاقات مشبوهة أو حتى تعسف في استعمال السلطة، وانما ذنبهم الوحيد أنهم آمنوا ببدء عهد التغيير وسعوا لتنزيل مقتضيات الدستور الجديد من خلال انخراطهم في ممارسة حقهم في التعبير .. وكانت النتيجة أن صدر السلطة التنفيذية لم يتسع لهم، بحيث قررت الاعلان عن موسم المتابعات التأديبية بسبب الفكرة والرأي والصورة.
اليوم التضامني الذي نظمته جمعية نادي قضاة المغرب في 30/08/2014 في مركز الأعمال الإجتماعية للقضاة بالرباط مع عدد من القضاة المتضررين من نتائج الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء كان مناسبة لدق ناقوس الخطر حول ظاهرة العنف الذي أصبح يطال عددا من القضاة بسبب مواقفهم من خلال قرارات تأديبية تتخذ في حقهم بحرمانهم من الأجر أو من الترقية. وهو جزاء من شأنه أن يبعث عدة اشارات قوية لعدد من القضاة، بل ولذويهم، فإذا كانت التضييقات والتهديدات التي تخرج بين الفينة والأخرى غير قادرة على جعل بعض القضاة النشطاء يتخلون عن مواقفهم وخطهم النضالي في اطار جمعية نادي قضاة المغرب، فإن ثمة توجها جديدا أصبح يتجه نحو استهداف أسر القضاة: أزواجهم وأبنائهم من خلال استهداف الأجر الشهري للقضاة. فلا شك أن للمقولة الشهيرة: قطع الأرزاق ولا قطع الأعناق سحرها لدى البعض. مما يدفعه للرهان على هذا الجانب من أجل وضع حد للحراك القضائي الراهن.
نحتاج للتأمين عن توقيف القضاة عن العمل بمناسبة العنف التأديبي
المستشار الدكتور محمد الهيني في كلمته بمناسبة اليوم التضامني لنادي القضاة على هامش نشر نتائج الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء دعا إلى "التفكير في ابرام تأمين عن التوقيف عن العمل بمناسبة العنف التأديبي مقابل أقساط شهرية تستقطع من مرتبات القضاة لضمان تغطية أجورهم خلال مدة التوقيف، حتى لا تتعرض حياتهم وأسرهم وعوائلهم للضرر".
وأضاف أن الأمر يتعلق بنوع من التأمين التجاري أو التعاضدي للتأمين عن المخاطر القانونية المشوبة بالانحراف في استعمال السلطة، وهو اقتراح عملي لأن الأزمة وتحمل التضحيات الجسام للاستمرار في النضال تستحق طرح بدائل قانونية تبعدنا عن أصحاب نظرية الفكر الخبزي المعرقلة والحادة لأي اجتهاد أو جرأة يعتبرها أصحابها غير محسوبة العواقب فتجد بعضهم يجتهد ويتفنن في نظرية التوقع وتجنب القضاء والقدر، لأننا بحسبهم يجب أن نكون كائنات صامتة تتكلم حيث يأذنون ويرضون.. ألم يقل بعض العلماء أن الحاجة أم الاختراع؟ فلنفكر في آليات ضبط التأمين بالنسبة للأضرار المستقبلية حتى لا نواجه بقاعدة عدم الرجعية والموظف بالمال أو المحتمل أو بنظرية خطأ المتضرر الصغير وإهمال الكبير.
الحرمان من الأجرة عقوبة غير عادلة وغير انسانية
القاضي عادل فتحي العضو النشيط في عدد من الجمعيات المهنية القضائية كان حاضرا أيضا في فعاليات اليوم التضامني وأكد بالمناسبة وجود عقوبة غير عادلة وغير انسانية يفرضها المجلس الأعلى للقضاء على القضاة، حين يحرمهم من أجورهم عند إدانتهم، وأوضح فتحي أن مثل هذه العقوبة تمس بشكل كبير مستوى عيش أطفال القاضي وزوجته، متسائلا عن الذنب الذي ارتكبه هؤلاء حتى يعاقبون مع القاضي؟
وقال فتحي، إنه بحكم تجربته مع هذه العقوبة يعرف قساوتها على الأسرة، خاصة إذا كان القاضي نزيها وليس له سوى أجره الشهري، موضحا أن التضامن المادي مع القاضي يحصنه ويقوي ارتباطه بالجمعية القضائية التي ينتمي إليها، مما يضمن استمراره في النضال من أجل استقلال السلطة القضائية.
الصورة منقولة عن موقع justadala.com
[1]الصورة له وهو يعمل في أحد ممرات المحكمة، وذلك تبيانا لعدم تمتع القضاة بمكاتب.
متوفر من خلال: