ميشال سماحة: لست خبير متفجرات… واستدرجوني للإيقاع بسوريا


2016-02-19    |   

ميشال سماحة: لست خبير متفجرات… واستدرجوني للإيقاع بسوريا

كانت الجلسة الرابعة من استجواب الوزير السابق ميشال سماحة أمام محكمة التمييز العسكرية والتي عقدت نهار الخميس 18/2/2016، مخصصة لاستكمال إستجوابه حول بيان الأماكن التي يظهر فيها استدراج ميلاد كفوري له من خلال التحقيقات التي أجريت معه، بعدما كان استمهل في الجلسة السابقة لإبراز هذا الموضوع خطيّاً. كذلك كانت مخصصة للإجابة على أسئلة المحامي العام التمييزي شربل بوسمرا حول القضية. إلا أنه وبعد مضي نحو أربعين دقيقة من بدء جلسة الإستجواب، سقط سماحة مغشياً عليه، وتم نقله إلى مستشفى أوتيل ديو وأرجئت الجلسة حتى نهار الثلاثاء 23/2/2016. 
 
الجلسة الرابعة من الإستجواب كانت تقنية بإمتياز، فأسئلة المحامي العام تمحورت حول أنواع المتفجرات التي جرى نقلها بواسطة سماحة الذي ظلّ خلال الفترة القصيرة التي أمضاها في قاعة المحكمة يؤكد مراراً وتكراراً، " مني خبير متفجرات.. أنا حتى هذه اللحظة لا أعرف ولا أدرك نوعيتها". على أن "التقنيات" لم تقتصر على أسئلة بوسمرا. فقد شهدت المحكمة نفسها موجة تعديلات تقنية، اذ تم وضع "ميكرفونات"، ليكون الصوت واضحاً للحشد الإعلامي الذي تشهده القاعة في كل مرة، بحيث غالبا ما اشتكى الصحافيون من صعوبة في الإستماع إلى مجريات الجلسة.
 
إستدراج تقني
 
حوالي الساعة الحادية عشرة والربع، دخل سماحة من الباب الرئيس لقاعة المحكمة واضعاً يده خلف ظهره محاولاً نقل معاناته من أوجاع تصيبه. وقد رافقه أربعة عسكريين ساروا خلفه على إيقاع منتظم، فبدا المشهد كأنه يمثّل موكب ملك مهزوم، في حرب ربما تمنى لو لم يخُض غمارها أبداً. وعلى عكس المرة السابقة لم يلتفت سماحة نحو الإعلاميين. فلم يعد يريد البحث لديهم عن جواب بات يعرفه مسبقاً. اكتفى بالتوجه نحو قفص الإتهام، ثم ألقى نظرة غاضبة تمسح كل محاولاته السابقة في الظهور بدور "المسكين المغرر به". ثم جلس على الكرسي الموضوع في قفص الاتهام حتى توارى عن الأنظار ولم يبق منه الا عيناه. وراح يراقب الجو العام السائد في قاعدة المحكمة قبل بدء الجلسة كما القناص المرابض على جبهة القتال. وما هي إلا دقائق حتى وصل المحامي العام التمييزي شربل بوسمرا وبيده ملف الأسئلة التي سيتوجه بها الى سماحة. ثم حضرت هيئة محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طوني لطوف، وبعد التحية العسكرية بدأت الجلسة.
 
في البداية، لفت القاضي لطوف إلى أنه ورد إلى المحكمة بتاريخ 17/8/2015 كتاب جوابي من شركة mtc بخصوص لائحة الاتصالات والرسائل الصادرة والواردة من وإلى الخط الخليوي رقم 627435/03 عن الفترة الممتدة من 9/12/2012 ولغاية 19/8/2012 من خلال النيابة العامة التمييزية. وهذا الكتاب هو ما كان طالب به وكيل سماحة صخر الهاشم في الجلسة السابقة، وقد تمّ ضمُّه الى الملف ووضعه قيد المناقشة العلنية.
 
بعد ذلك، قدم الهاشم مذكرة من 11 صفحة تبرز الأماكن التي تشير إلى استدراجه من قبل ميلاد كفوري (موضوع الإستمهال في الجلسة السابقة). ثم ترك الباب مفتوحاً أمام المحامي العام التمييزي شربل بوسمرا لطرح أسئلته أمام المتهم والتي تركزت بالدرجة الأولى حول نوعية المتفجرات. فكان رد سماحة النفي والنكران الدائم وتأكيده أنه "ليس خبير متفجرات وأنه لا يعرف ماهيتها". على أن إصرار سماحة لم يكن مقنعاً للطوف الذي أراد منذ بداية الجلسة المزيد من التوضيح والتحديد، وكأنه يستكمل عملاً بدأه في جلسات سابقة. 
 
أبو سمرا سأل سماحة إذا كان استفهم من كفوري لماذا هو يريد أنواعاً محددة من المتفجرات. فرد سماحة: "هو قال لي عندما أعطاني اللائحة… أن هناك 3 أشخاصاً تحدث معهم وأعطوه المتطلبات. قال لي هذه هي، وسلمني الملف وأضاف أنه بعد اجتماعات متكررة معهم قالوا أنهم بحاجة لهذه الاغراض"… اذ ذاك، قاطعه القاضي لطوف قائلاً:"هذا ليس جواباً هذه محاضرة نريد جواباً محدداً".
 
فكرر سماحة جوابه قائلاً: "إن جوابي هو ما ورد في التحقيق على لسان كفوري.. عند تسليمه لي للمغلف الموجود فيه لائحة المطلوبات. قال: بعد اجتماعات متكررة أنا وإياهم توصلوا إلى أنهم بحاجة لهذه الأغراض وأضاف (أي كفوري) أنا قالوا لي كتوب كتبت سجلت لأنو ما فسرلي".
جواب سماحة لم يكن كافيا لبوسمرا الذي عاد وأوضح سؤاله مستفسراً "ان كان المميّز قد سأل كفوري لماذا هذه النوعية من المتفجرات" فرد سماحة: "لا لم أسال".
 
فسأله بوسمرا إن لم يثر اختيار أنواع محدّدة من المتفجّرات حشريته. فبرّر سماحة قائلاً: "من خلال جواب كفوري في الصفحتين 5و6 من محضر التحقيق هو نفى معرفته بالمضمون التقني لهذه اللائحة. وبالتالي لم يكن بإمكاني أن أسأله عن شيء هو قال أنه لا يعرفه". وأردف سماحة أن "الغاية منها كانت تنحصر في إحداث تفجيرات على المعابر غير الشرعية في الجرود على الحدود الشمالية لرد المتسللين إلى لبنان".
 
ومرة جديدة تدخّل القاضي لطوف مُعتبراً أنّ جواب سماحة غير كافٍ. قال له: "هذا ليس جواباً. هذه محاضرة وهذا الكلام موجود في المحضر". فردّ سماحة بغضبٍ تناسى فيه للوهلة أنه لم يعد وزيراً بل مجرد متهم في قفص الاتهام:" بلى هذا جوابي.. ويبدو أن هناك الكثير من الأمور الموجودة في المحضر ولا تعرفها… أنا لم أسأله  أي شيء بخصوص نوعية المتفجرات".
 
لا جواب
 
وسأل بوسمرا إن كان المرجع السوري يعرف كفوري، فأجاب سماحة بالنفي. فرد بوسمرا بالسؤال عن الأسس التي قام المرجع السوري على ضوئها بتسليم متفجرات بهذا الحجم لشخص لا يعرفه ويترأس مجموعة لا يعرفها وحتى سماحة نفسه لا يعرفها. فأجاب سماحة: "بالأساس، قال لي هذا المرجع (المرجع السوري) أنه غير معني بأعمال ضمن الأراضي اللبنانية. وورد هذا في محضر إستجوابي أمام هذه المحكمة في 17/12 إنما وافق، لأن الهدف كان محصوراً بمنع تدفق الأسلحة من سوريا إلى لبنان وبالعكس".
 
فبادره بوسمرا بالسؤال إن كان يرى"أنه من المنطق أن يقوم المرجع السوري بتسليم هذه الكمية من المتفجرات لوزير سابق لينقلها في سيارته ويسلمها إلى شخص لا يعرفه؟". وبتردد أجاب سماحة:"ربما جرى ذلك توخياً للسريّة".عند هذا الحدّ، عاد التوتر يظهر جلياً على وجه سماحة الذي كان قبل كل إجابة يدلي بها، ينظر إلى محاميه وكأنه ينتظر منهم إشارة ما. وبدا كتلميذ مدرسة لم يراجع درسه و يقف أمام أستاذه ليسمّع الدرس فيما يلقي بنظره إلى رفاقه في الصف علهم يساعدوه في الإجابة.
 
وربما لم يقتنع بوسمرا بأن المرجع السوري أتم الصفقة دون معرفة مسبقة بكفوري. وحاول أن يبدد شكوكه سائلاً: "من المعروف أن بإمكان المخابرات أن ترصد تحركات شخصيات تعنيها. وأنت منهم. ألم ترصد المخابرات أي خلل في العلاقة مع كفوري؟" فجاء جواب سماحة سريعاً: "لا جواب".
 
وشدد سماحة أن الغاية من العملية التي بات يدركها اليوم كانت الإيقاع به. فردّ بوسمرا عليه سائلاً: "إذا كان المقصود الإيقاع به، فلماذا يطلبون أنواعاً محددة من المتفجرات ولم يطلبوا أنواعاً عادية". فعاد سماحة وكرر: "أنا حتى هذه اللحظة لا أعرف ماهية هذه المتفجرات لأميز إن كانت عادية أم متميزة"…"لأنهم تقنيون وكانوا يريدون الإيقاع بي من خلال فخ محكم تقنياً ومخابراتياً"، مؤكداً أن "الخطة هي الايقاع بسوريا. أنا شخصيا لست مهماً في هذا الموضوع، الى من سأصل هذا هو المهم من خلال هذه الخطة وهذا التآمر".
 
هنا، عاد القاضي لطوف وسأل سماحة: "إذا كان المطلوب فقط الإيقاع بسوريا، أما كان يكفي طلب أي نوع من المتفجرات؟". فأجاب سماحة: "أنا ما بعرف قول عادية أو غير عادية. أنا طول عمري ما تعاطيت بالسلاح .. ما بعرف شو كان في بهذه اللائحة".
 
الجلسة  تتابع دون سماحة
 
ثم فجأة خرج سماحة عن الموضوع وقال للقاضي " حاسس ببردية ودوخة.. انا بعمري ووضعي.." فعندها طلب منه القاضي الجلوس ليرتاح، ورفع الجلسة نحو ربع ساعة. إلا أنه قبل أن يهم الجميع بالخروج من قاعة المحكمة، قام ثلاثة عناصر بحمله ونقله إلى مكان آخر. وسرعان ما طلب له الصليب الأحمر وطبيبه النائب كميل الخوري الذي حضر بسرعة قياسية ورافقه الى مستشفى أوتيل ديو بعدما أعلن أنه يعاني من هبوط حاد في الضغط والسكر.
 
بعد انقضاء مهلة الربع ساعة عاد الجميع إلى قاعة المحكمة باستثناء الوزير ميشال سماحة.
 
طلب صخر الهاشم الكلام وقال أنه كان من المفروض أن يتقدّم في هذه الجلسة بمذكرة يطلب فيها تعيين لجنة خبراء من الجيش اللبنانية لمعاينة المتفجرات التي تم ضبطها لتحديد نوعيتها وإن كانت معدة لتفجير. فرد عليه القاضي طوف:"اساساً، ما خلصنا الاستجواب". 
 
فبرر الهاشم طلبه بأنه تجنباً لأي اتهام بالتأجيل والتأخير. إلا أن القاضي لم يقبل باستلام المذكرة قبل انتهاء الإستجواب ورفع الجلسة إلى يوم الثلاثاء الواقع فيه 23/2/2016. وهنا تدخل الهاشم الرافض للتأخير والتعطيل وطلب تمديد المهلة لنهار الخميس 25/2/2016، لأن لديه عملية جراحية لأسنانه. فنظر لطوف لبرهة إلى جدول أعماله ثم بادره قائلاً:"عمليتك ما بتتأجل للأربعاء لأن جلسة اليوم تم تأجيلها استثنائيا".
 
ثم رفعت الجلسة إلى الثلاثاء الواقع فيه 23/2/2016 على أن يودع  تقرير طبي عن وضع سماحة يوم الإثنين 23/2/2016 لضمه الى الملف على أن تكون الجلسة المقبلة مخصصة لاستكمال استجواب النيابة العامة وأسئلة المحكمة حول المذكرة التي أبرزها سماحة. 
 
خرج وكيل سماحة صخر الهاشم من المحكمة وقدم تصريحاً أمام الوسائل الاعلامية فلفت الى ان سماحة كان يعاني من وعكة صحية منذ يومين الا انه أصر على المجيء كي لا يثير تغيبه الشكوك ويطرح التساؤلات. وبالسؤال عن ان كان يتوقع حضور ميلاد كفوري الى المحكمة أجاب "كل شيء وارد لكن الى الآن هو مختفي ومحمي… نحن طالبنا بإستجواب كفوري اضافة الى ضباط التحقيق بتاريخ 21/6. وبالسؤال عن إمكانية تحويل ملف سماحة الى المجلس العدلي وهو ما يسعى عدد من السياسيين وعلى رأسهم وزير العدل أشرف ريفي للقيام به أجاب انه" لا يمكن احالة الملف الى المجلس العدلي وأما ان تم ذلك فنحن لا نخف". ورداً على سؤال حول من يقصد ميشال سماحة بكلامه "ان من كتب اللائحة اراد الايقاع فيه" أجاب:"انه يقصد فرع المعلومات والغرض الايقاع به وبسوريا".
 
ويشار هنا الى أن وزير العدل أشرف ريفي سبق أن أكد  في مقابلة تلفزيونية سابقة بأن أن ميلاد كفوري "يعمل معنا في الفرع منذ عام 2005 وأنا عرّفته إلى اللواء وسام الحسن وإلى الوزير محمد الصفدي الذي عمل لديه مسؤولاً أمنياً". وهو ماذكرته جريدة الأخبار في مقال عنوانه "الخطة 3 في ملف سماحة: الادعاء على الأسد في لاهي".
 
اذاً بعد تردد وصمت مطبق دام لجلسات أطلق سماحة العنان لما يخالجه واعترف انه ليس هو"المهم في العملية بل الغاية زج سوريا وتحديداً النظام السوري في الموضوع" على ان تصريحات سماحة الجديدة وغير المفاجئة لاتفتح المجال أم توقعات محتملة حول إمكانية صدور الحكم في الجلسة المقبلة بل تزيد القضية غموضاً وإبهاماً.   
انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني