يوم الأربعاء في الأوّل من تمّوز 2020، ترك 20 شاباً، معظمهم من البقاع الأوسط، بعد حوالي 12 يوماً من الاحتجاز على خلفيّة التكسير في وسط بيروت في 11 حزيران، مقابل كفالة 200 ألف ليرة لبنانيّة عن كلّ محتجز. صدر قرار التّرك من الهيئة الاتهاميّة في بيروت بعد النظر في استئناف النيابة العامّة بشخص القاضية ساندرا خوري وردّه بالشكل. قبل يوم أي الثلاثاء 30 حزيران، وبعد ساعة ونصف من صدور قرار قاضي التحقيق الأوّل في بيروت بترك الموقوفين مقابلة الكفالة الماليّة، استأنفت خوري القرار، بدون الاطّلاع على مجريات التحقيق والاستجوابات.
لجنة المحامين: خروقات قانونيّة في احتجاز المدّعى عليهم
استدعى فرع المعلومات في زحلة الشباب في البقاع ابتداءً من 19 حزيران، وتمّ نقلهم فور وصولهم إلى مركز الفرع في زحلة إلى فرع معلومات بيروت حيث فتح التحقيق بإشارة النيابة العامّة التمييزيّة. بدأ التحقيق في 19 حزيران، وكان عدد المحتجزين 17 شابّاً، ومن بعدها استدعى فرع المعلومات 4 آخرين بشبهة التحريض أوقف 3 منهم، فأصبح عدد المحتجزين 20 حصل التحقيق بناء على صور ظهر فيها الموقوفون في مكان التخريب في ساحة الشهداء واللعازاريّة يوم الخميس في 11 حزيران. وهذا ما رفضته والدة الموقوف رامي مرعي، وشقيقة مصطفى مرعي، وشقيقة علي الهيبة، حيث قلن لـ”المفكّرة القانونيّة”، إنّ أحداً من الموقوفين لم يقم بالتسكير، بل هم التقطوا صور “سيلفي” فقط، وطالبن بمحاكمة الفاعلين بما يقتضيه القانون.
ختم التحقيق مع المحتجزين العشرين في 24 حزيران، وأصدر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات إشارة بتوقيفهم. وعليه، سجّلت لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين، عدّة ملاحظات في القضيّة منها “تجاوز المدّة القصوى المسموح بها قانوناً لاحتجاز بعض المشتبه فيهم على ذمّة التحقيق أيّ مهلة الأربعة أيّام”. وكذلك أشارت إلى خرق المادّة 47 من أصول المحاكمات الجزائيّة بعدم السماح للمحتجزين بمقابلة محامين. واعتبرت اللجنة أنّ الأفعال التي تحقّق فيها النيابة العامّة التمييزيّة تعتبر جنحاً بسيطة، في حين يعتبر المتظاهرون “أنّ ما أقدم عليه المحتجزون يندرج ضمن الاعتراض السياسيّ على منظومة الفساد التي أوصلت الحالة الاقتصاديّة والمعيشيّة إلى حدّ الاختناق”.
وصل الملف إلى النيابة العامّة التمييزيّة في 26 حزيران، وحولّته في اليوم نفسه إلى النيابة العامّة الاستئنافيّة بشخص القاضي زياد أبو حيدر الذي ادّعى على المحتجزين بالموادّ الجرميّة 595، 587، 346، و733 من قانون العقوبات. تنصّ هذه المواد على معاقبة كلّ من قام بإضرام النار قصداً في أحد الأبنية، والتجمهر والحشد بقصد الشغب، وتخريب الطرقات العامة، وهدم وتخريب الأملاك الخاصة. وأشار المحامي مازن حطيط لـ”المفكّرة” إلى أنّها المرّة الأولى التي يدّعى فيها بالمادّة 595 في قضايا توقيف المتظاهرين، وهي جنحة تخريب الطرقات العامة. وأشار إلى أنّ المخالفة الأولى التي قامت بها النيابة العامّة الاستئنافيّة هي الادّعاء على الجميع بالموادّ نفسها، في حين أنّ النيابة العامّة التمييزيّة أشارت إلى الاشتباه بواحد من الموقوفين فقط بإضرام النار. وهذا ما يشير، بحسب حطيط، إلى أنّ النيابة العامّة لم تقرأ الملفّات وادعت.
قرار الاستئناف لا يستقيم قانوناً: “يا فرحة ما تمّت”
حوّلت النيابة العامّة الاستئنافيّة الملفّ عند قاضي التحقيق الأوّل بالإنابة شربل أبو سمرا الذي قام بجلسات تحقيق إلكترونيّة في 30 حزيران. حضر عن المحتجزين كلّ من المحامين أيمن رعد، مازن حطيط، غيدة فرنجيّة، واصف الحركة، جاد طعمة، نرمين السباعي، فاروق المغربي، وفراس حمدان، بتكليف من نقيب المحامين ملحم خلف.
في التحقيق، أشار غالبية المحتجزين إلى أنّهم كانوا متواجدين في الساحة حيث حصل التكسير من دون المشاركة فيه، ولو شارك أحدهم فعلاً لكان ذلك نتيجة “فورة غضب”، من دون أن يكون ذلك العمل مخطّطاً له كما تحاول السلطة السياسيّة أن توحي. وتأكيداً على ذلك، أشار المحامي حطيط إلى أنّ الموقوفين نزلوا إلى بيروت في “فان” ودفعوا أجرة نزولهم لصاحبه. ومن الملفت أنّ أصحاب المحلّات التي تمّ تكسيرها في وسط بيروت لم يدّعوا بصفة شخصيّة على المحتجزين. وأخذ القاضي أبو سمرا قراراً بترك جميع المحتجزين بسند كفالة 200 ألف ليرة لبنانيّة، وأبلغ المحامون الأهالي والمتظاهرين المنتظرين خارج قصر العدل، وتناقل الناس الخبر فرحين، وتمكّن الأهالي من جمع الكفالات كاملة في غضون نصف ساعة، وهو ما علّق عليه المحامي أيمن رعد، أنّه التضامن والتكافل الذي يخيف السلطة. ولكن بعد فرحة الأهالي لساعة ونصف تقريبا، استأنفت النيابة العامّة بشخص ساندرا خوري التي انتظرت لحين انتهاء الدوام حتّى استأنفت كامل قرارات الترك.
ظهر الأربعاء في 1 تمّوز نظرت الهيئة الاتّهاميّة في بيروت بقرار الاستئناف الذي تبيّن أنّه غير قانونيّ، وردّته بالشكل. فالقرار طلب الإبقاء على ترك الشباب قيد التوقيف، ولكن بحسب الهيئة الاتّهاميّة: “قرار قاضي التحقيق انتهى إلى ترك المدّعى عليهم المحتجزين بإشارة من النيابة العامّة لقاء كفالة ماليّة، بالتالي فهم غير موقوفين أصلاً (أي لم تصدر بحقّهم مذكّرات توقيف) حتّى يصحّ الحديث عن إبقائهم قيد التوقيف”. وبهذا اعتبرت الهيئة أنّ استئناف القاضية خوري لا يستقيم قانوناً، وبالتالي كان واضحاً بحسب ما صرّح به المحامي حطيط، أنّ قرار إبقاء المدّعى عليهم محتجزين حصل بدون الاطّلاع على التحقيقات والاستجوابات، وبدون معرفة طبيعة القرار الذي أصدره قاضي التحقيق، وكأنّ “مهمتها الاستئناف وترك الشباب موقوفين لوقت أطول”.
وبعد قرار الهيئة، دفع المحامون الكفالة التي جمعت من أهالي الموقوفين ليتمّ الإفراج عن الشباب الذين جرى نقلهم صباح الأربعاء إلى نظارة قصر العدل، بعد احتجازهم في ثكنة الحلو ومقر القيادة العامة لفرع المعلومات في بيروت. ومن الملفت أنّ تأخيراً حصل أيضاً في ترك بعض الشبّان، بحجّة أنّ فرع المعلومات يريد أخذ بصماتهم، في حين أنّ المدّعى عليهم محتجزون منذ 12 يوماً تقريباً، وهو ما رجّح حطيط أن يكون تأخيراً متعمّداً ضمن إطار الضغط وإتعاب الناس. ومن الملفت أيضاً أنّ الدرك قاموا بحلق شعر المحتجزين صباح الأربعاء وهم في نظارة قصر العدل رغم عدم صدور مذكرات توقيف بحقهم، ممّا أثار استنكار الأهالي والمتضامنين معهم في الشارع والمحامين. فقال حطيط في تصريح إنّ المعنيين عزوا قصّ الشعر إلى إجراءات صحيّة متعلقة بفيروس كورونا، لكنه أكّد أنّ لجنة المحامين ستحقق من الأمر وإذا تبيّن أنّ الإجراء يستهدف الشباب دون غيرهم فسيم اتخاذ الإجراءات القانونيّة المناسبة.
ملف تفوح منه رائحة تدخّل سياسيّ
كثر الحديث بين الأهالي عن تدخّل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في الملفّ. فربطت دعاء، شقيقة أحد الموقوفين، قرار التوقيف بزيارة الحريري للبقاع الأوسط قبل يومين من استدعاء الشباب، وأشارت إلى محاولة بعض المقرّبين من الحريري الضغط على الأهالي، حتّى يطلبوا منه التدخّل للإفراج عن الموقوفين، مؤكّدة رفض الأهالي: “نحنا ما عملنا ثورة كرمال نرجع نلجأ للسياسيّين”. أمّا شقيقة علي الهيبة، 18 سنة، الذي خسر إصبعه في ساحات الانتفاضة فأكّدت أن قرار التوقيف سياسيّ، لأنّهم تخلّوا عن تأييدهم لسياسة الحريريّ، فجاء الردّ بتوقيف أولئك الشباب عبر فرع المعلومات. وأكّدت أنّ الأهالي رفضوا تشكيل وفد وطلب المساعدة من الحريري. واعتبرت أنّ توقيف أخيها والشباب الآخرين من عمره، هو لأنّ الدولة لا تستطيع أن تبسط سلطتها إلّا على “المشحّر والفقير”، وأشارت إلى تعتيم إعلاميّ حصل على قضيّة الموقوفين، بخاصّة حين تظاهر الأهالي في البقاع مطالبين بالإفراج عنهم. وطالبت والدة رامي مرعي، 19 سنة، الدولة بالبحث عن المكسّرين والمخربين الفعليين، بدل محاسبة هؤلاء الشباب الذين يشاركون في الثورة.
وأشار المحامي واصف الحركة، بعد تبليغ المتظاهرين والأهالي بقرار الهيئة الاتّهاميّة، إلى أنّ ردّ قرار الاستئناف أظهر أنّ قرار القاضية سياسيّ، كونه ردّ بالشكل، معتبراً أنّها كانت في عجلة لتنفيذ قرارات سياسيّة. وأكّد المحامي جاد طعمة أنّ القانون موجود حتّى يعاقب كل فاسد، وأنّ الغاضبين من أجل حقوقهم ومعيشتهم يجب ألّا يكونوا في السجون. وطلب من النيابات العامّة ملاحقة رموز الفساد في الدولة المختبئين خلف حصاناتهم. أمّا المحامي أيمن رعد، فاعتبر أنّ تأمين الكفالات الماليّة بظرف نصف ساعة تضامن لا يمكن التقليل من قيمته، لأنّه يظهر التكاتف الذي تخاف السلطة منه. وأكّد أنّ لجنة المحامين ستبقى إلى جانب المتظاهرين في الساحات وهي صوتهم في المحاكم حتّى لا تترك موقوفاً منهم وراء القضبان. وقال المحامي مازن حطيط إنّ السلطة تتهمّ المتظاهرين بالتكسير وتخطّيهم لدولة القانون، في حين أنّ قرارات القضاء هي غير قانونيّة (مشيراً هنا إلى قرار الاستئناف لساندرا خوري)، وتابع أنّ موقوفي البقاع خرجوا من الحجز عبر القانون لا غيره.
وكان لوزير الداخلية محمد فهمي موقف ملفت بعد يوم على ترك الموقوفين حيث استنكر في تغريدة إطلاق سراحهم واعتبره “حرام” “بسبب ما دمّروه وأحرقوه”، وتوجّه إلى القضاء منتقداً وملمّحاً إلى وجود مخطط ما لضرب هيبة الدولة من خلال إخلاء سبيل الموقوفين. وتظهر هذه التغريدة مقاربة الوزير الخاطئة لمفهوم التوقيف الاحتياطي الذي يشكل إجراءً استثنائياً وفقاً للدستور والقانون، حيث تمّ ترك المحتجزين لعدم وجود ضرورة لتوقيفهم على أن تستمر إجراءات التحقيق والمحاكمة بحقّهم.
ولم ترق كلمات الوزير للمحامين المدافعين عن المتظاهرين حيث قال المحامي حطيط إنّ ما تمّ تكسيره في وسط البلد، الذي لم يعد ملكاً للبنانيين، هما محلان، بينما السلطة في المقابل قامت بسرقة وتدمير ونهب بلد بأكمله وبإفلاس شعبه. وأضاف حطيط أنّ لا مانع من محاكمة الشباب ولكن “ضمن سلطة قضائيّة مستقلة خارج التبعيّة السياسيّة” وشرط أن يحاكموا جميع المعتدين.