“
بتاريخ 3 تموز 2018، انعقدت جلسة مميزة أمام قوس المحكمة في بيروت. عمّال ثلاثة صرفوا من العمل من محلات سبينس على خلفية نشاطاتهم النقابية ترافعوا، بواسطة وكلائهم، أمام القاضية المنفردة الجزائية رلى صفير في الدعوى الجزائية التي قدموها ضد الشركة مالكة هذه المحلات ومديرها السيد مايكل رابت على خلفية المس بحريتهم النقابية. خلاصة المرافعة هو أن الشركة مارست ضغوطا كبيرة ضدهم وضد عشرات العمال الآخرين لمنعهم من ممارسة حريتهم النقابية، واضعة إياهم جميعا أمام المعادلة الآتية: إما الاستقالة من النقابة وإما الصرف من الشركة. وقد انتهت هذه الضغوط إلى صرفهم فعليا من العمل لتمسكهم بهذه الحرية، وفي الآن نفسه إلى القضاء على النقابة التي باتت مكونة فقط من الأعضاء المصروفين من الشركة. وقد كان من اللافت امتلاء القاعة بأشخاص جاؤوا خصيصا لحضور الجلسة، ومن بينهم اجراء سابقين في سبينس وناشطين وطلاب، بناء على دعوة المفكرة القانونية. ومن اللافت أن وكيل المدعين المحامي نزار صاغية استهل المرافعة بقوله: “الشركة فرضت معادلة قوامها: إما البقاء في الشركة وإما التمسك بالحق، وبكلمة أخرى إما العمل وإما الحق. ولجوء وكلائي للقضاء إنما يهدف إلى قلب هذه المعادلة ليكون الاستقرار الوظيفي مضمونا من دون أن يستتبع ذلك تخليا عن أي من حقوق العمال أو حرياتهم”.
استمرت مرافعة صاغية أكثر من ساعة، وقد شكلت مناسبة لاستعادة أبرز الأحداث التي سبقت أو ورافقت أو أعقبت تأسيس نقابة عمال سبينس الحاصلة في سنة 2012. فبعدما شرح صاغية ما تعرّض له كل من المدعين من تدابير تمييزية انتهت بصرفهم (وهم تباعا سمير طوق وميلاد بركات وإيلي أبي حنا)، تحدث عن الاستقالات الجماعية من النقابة والتي دفع إليها عشرات العمال وأعضاء الهيئة التأسيسية للنقابة. “عشرات الاستقالات (40 تحديدا) حصلت في اليوم نفسه وبموجب نموذج الكتاب نفسه.” “أعضاء الهيئة الاستشارية وثقوا استقالاتهم لدى كتّاب عدل مختلفين على النماذج نفسها، على نماذج مستخرجة من الحاسوب نفسه وفق الإشارات الواردة في أسفلها، والذي يعتقد أنه الحاسوب نفسه لوكيل الشركة والتي تحمل مذكراته الإشارات نفسها. وتحدث صاغية أن بعض أعضاء الهيئة الاستشارية أرغموا على الاستقالة مرتين لدى كاتب العدل، بعدما سرى أن بعضهم عاد عن هذه الاستقالة. كما أبرز صاغية كتاب رجوع عن إحدى الاستقالات تضمن تأكيدا على أنها استقالته حصلت تحت الضغط والإكراه. وهذه الاستقالات إنما تؤكد أنها كلها حصلت بضغط وتوجيه من المايسترو نفسه الذي هو الشركة.
كما تحدث صاغية عن التدابير التمييزية المتخذة ضد الذين رفضوا الاستقالة من النقابة، ولا سيما نقل عدد من الموظفين من فرع إلى فرع آخر وتعديل مهامهم الوظيفية. كما تحدث عن الضغوط التي بادرت إليها الشركة لمنع حصول الانتخابات. مايكل رايت كان قد اعترف خلال استجوابه السابق بأنه اتصل شخصياً برئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي لأجل تأمين دخول جميع العمال لدى الشركة إلى النقابة”. وهو ما اعتبره صاغية تدخلاً فادحاً بممارسة الحرية النقابية ووضع اليد على النقابة.
“كما غيرت الشركة استراتيجيتها. بعدما كانت أرغمت العمال على الاستقالة، باتت تطالب، بعدما فشلت بتقويض النقابة، بإدخال جميع العمال إليها قبل الانتخابات سعيا إلى التحكم بالنتائج”. “وإذ ردّ القضاء المستعجل طلب وقف الانتخابات، احتشد عشرات العمال أمام مقر إجراء الانتخابات في سعي إلى منعها. وكانوا اقتحموا المقر لولا تدخل الأجهزة الأمنية وفق ما أثبته خبير معين من القضاء المستعجل جلوان جلوان”.
مرافعة وكيل المدعى عليهما المحامي رشاد سلامة خصصها بشكل بارز للتعليق على نص الإدعاء. أنكر سلامة إقدام الشركة على الضغط على الموظفين، وأي ممارسات عنيفة أخرى وأكد أن الموظفين المصروفين تم اتخاذ القرار بهم بناء على سيرتهم المسلكية. وأدلي بأن كل ما نُسب إلى الشركة من جرائم غير متوافرة ولا تندرج تحت قانون العقوبات. فسر سلامة النص القانوني بحرفيته إذ اعتبر أنه لا يوجد في قانون العقوبات ما يتعلق بمنع العمال من القيام بالنشاط النقابي. يدافع بشكل رئيسي عن النظام الداخلي للشركة الذي يسمح لها نقل موظف من فرع إلى آخر، وأكد أن ذلك مندرج أيضاً في عقد العمل. فيسأل عما إذا كان نقل الموظف إيلي أبي حنا من أمين مخزن إلى حارس موقف سيارات هو بالأمر الذي يعاقب عليه قانون العقوبات.
كما انتقد سلامة توجه الادعاء إلى اعتبار هذه الدعوى ذات أهمية كبرى ( وكأنها “دعوى العصر” على حد أقواله). وثم راح يفصل العبارات التي وردت في نص الشكوى في هذا الشأن. ورأى أن الجهة المدعية تحاول التأثير على القضاء ليصدر حكمه. وقد اعتبر دعوة القضاء إلى حماية الحرية النقابية بمثابة بطاقة دعوة أو “تحريض” للقاضية ضد الشركة. إذ ذاك، أوضحت القاضية صفير بأنها تعمل بضميرها ولا تتأثر بأي عبارات يكتبها المحامون في اللوائح، وطلبت منه ألا يضيع الوقت في تفصيل تلك العبارات. فأصر سلامة على توضيح فكرته قائلاً بصوت عال “إنهم يقولون أنها دعوى العصر وأنا أؤكد أنها دعوى عادية”. فأشارت القاضية صفير من جهتها على أن يمكنه تقديم طلب شطب الأمور التي لا يراها مناسبة إن أراد وهي سوف تنظر في طلبه بكل رحابة صدر. كما شرحت له القاضية صفير، بأن يمكنه أيضاً أن يقدم طلب لتنحيتها عن الملف إن أراد في حال فقد الثقة بالمحكمة، فأجابها سلامة أنه على ثقة تامة بالمحكمة.
بعد إنهاء المرافعات، أرجئت القضية إلى تاريخ 20 كانون الأول 2018 لإصدار الحكم. شاءت الصدف أن أكدت محكمة التمييز في حكم أصدرته في يوم المرافعة نفسه في دعوى رفعها أحد مؤسسي النقابة، على أن الشركة قمعت فعليا تطلع عمالها لإنشائها. وقد حكمت المحكمة العليا للسيد مخيبر حبشي بتعويض صرف تعسفي قدرته بأجر عشرة أشهر لتأخذ بعين الاعتبار ظروف الصرف الحاصل قبل أيام من انتخابه عضوا في مجلس النقابة. يؤمل أن يؤثر هذا الحكم إيجابا على مآل الدعوى الجزائية.
“
متوفر من خلال: