“
لكي لا يبقى الإعتراض مجرد كلام، رفعت الإخصائية في تلوث الهواء في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة نجاة صليبا، صورة لأطفال يعانون من التشوه الخلقي وقالت:”هذه الصورة تظهر أولاداً وأمهات يتنشقون نفس الغازات التي ستصدر من المحارق بعد 55 سنة”. وأكدت “إذا بدأ الناس بتنشق مادة الديوكسين فإن الأولاد سيولدون مشوهين”.
شهادة صليبا المعروفة بأبحاثها العلمية وخبرتها الكبيرة الموثوقة في تلوث الهواء، جاءت في الوقفة الإحتجاجية التي دعت إليها النائبة بولا يعقوبيان تحت عنوان “لن تسرقوا أعمار أولادنا” السبت 15 حزيران 2019 في ساحة الشهداء في بيروت.
تأتي الدعوة التي لباها عدد من المواطنين والناشطين في المجتمع المدني في وجه “السياسات التدميرية للبيئة المتبعة من قبل السلطة السياسية في البلد”، ولرفض “المحارق” والتأكيد على مطلب “الفرز من المصدر”.
بقمصان سوداء، وكمامات على الأفواه، تجمع مواطنون عند نصب الشهداء، بمشاركة لافتة لعدد لا بأس به من النساء المتقدمات في السن برفقة أحفادهن، يرفعن اللافتات المنددة بسياسات المحارق حماية لمستقبل الأجيال المقبلة.
“كنا نخوّف اولادنا بالبعبع صرنا نخوفن ببراميل الزبالة”، هي إحدى اللافتات التي رفعت في الساحة، مع التأكيد على أن”صحة أولادنا مش للبيع”. و”ويل لأمة جبالها مزابل”، و”المواد الفاسدة بتروح عالتلف الا بلبنان بتصير جزء من السلطة”، كلها شعارات رافضة للسياسات المعتمدة لحل المشاكل البيئية. وحضرت أزمة المنصورية أيضاً عبر لافتة كتب عليها”ما بكفينا خطوط التوتر المسرطنة كمان محارق لتحرقوا نَفسنا، ربنا يحرق نفسكم”.
لا يريدون الفرز بل يريدون أوزاناً للحرق
اعتبرت النائبة بولا يعقوبيان أنه “كان يجب ان يكون هناك مليون إنسان” في الوقفة الإحتجاجية وقالت: “اللبناني لا يعرف لأنهم يخفون عنه، أن هناك حرباً على الفرز، وقانون الفرز، وكل من يحاول الفرز”.
ولفتت إلى أن”هناك معامل فتحت من أجل الفرز والتسبيغ وتم إقفالها”، أضافت:”اليوم هناك أناس مثل recycling Beirut و live love recycle يتم توقيف سياراتهم على الطرقات دون ان يعلم الناس ذلك، ولا يعرفون السبب فيما يقال ان السبب مخالفة صغيرة. لا يريدوننا ان نفرز لسبب واحد وهو أنهم يريدون أوزاناً، للطمر حتى يستمروا بجني المال. يريدون اوزاناً للحرق لأن الحرق يحقق المزيد والمزيد من الأموال”.
وأكدت يعقوبيان:”نحن اليوم هنا لنقول لهم أننا نعرف صفقاتهم ولن نأكل الضرب مجدداً، واستطعنا منذ سنة عرقلة محرقة بيروت من خلال أسئلة مبنية على العلم وأهل الإختصاص”.
وشددت على أن ليس الناس من لا يريدون الفرز، مشيرة إلى أن”حتى المفروزات تنتهي في المطمر” وقالت “أنا توجهت الى مطمر برج حمود ورأيت المفروزات هناك، وكذلك الامر بالنسبة للكوستابرافا. نقوم بالدفع للفرز، ونقوم بالدفع للطمر، ندفع مرتين. لكن الأخطر هو ما ندفعه من حياتنا وصحتنا”.
واختصرت يعقوبيان مسألة الفرز “بكيس واحد يجب أن يضاف في المطبخ”. واعتبرت أن:”نضالنا اليوم يوازي كل النضالات التي شهدتها هذه الساحة. وهو نضال من اجل بيئتنا وصحتنا وأن نجبرهم وأن نزركهم حتى يقوموا بإصدار قانون الفرز الذي يجعل كل لبناني في منزله مضطر على الفرز”.
وأكدت أن “الحل لنا ليس بمحارق موجودة في سينغافورة والدانمارك”، لافتة الى أنها كانت من المؤيدين للمحارق إلى أن علمت “ماذا يعني ان يخرج الديوكسين من المحرقة، وماذا يعني إدارة سيئة للمحرقة، وماذا يعني أن تقوم المحرقة بتحويل نفاياتنا السخيفة العادية الى نفايات خطرة”. ونبهت إلى أنه “بعد المحرقة هناك مطمر ولا تدعوا أحداً يغشكم، فلا شيء يختفي وانما يجري تحويله الى رماد سام يدخل الى مياهنا الجوفية ويطير في الهواء، وهنا الكارثة والمصيبة”.
وبعد رفعها لصورة الأطفال المشوهين بفعل تنشق الديوكسين، الغاز الذي ستنتجه المحارق، قالت الأخصائية في تلوث الهواء في الجامعة الأميركية في بيروت نجاة صليبا : “بالإمكان أن ننظر إلى المياه فنجدها ملوثة فنقوم بتغيير طريقنا، لكن تلوث الهواء لا لون له ولا رائحة، وإنما مليء بالسموم، فكيف نهرب منه؟.احدا منا لا يمكنه ان يهرب من الهواء.الهواء لنا ونريد أن نتنشقه، ولا يمكنهم أن يقولوا أنهم سيقومون بضبطه يا ليتهم يضبطون 8000 موتور كهرباء في بيروت فقط. يا ليتهم يضبطون السيارات القديمة التي تقوم بالتلويث. يا ليتهم يضبطون كل الإنبعاثات السامة قبل ان يحضروا لنا مرة أخرى إنبعاثات جديدة”. ولفتت الى أنه في الفيتنام استمرت ولادة الأطفال مشوهين بعد 55 عاما من تنشق مادة الديوكسين التي تعرضوا لها من قبل الجيش الاميركي إبان الحرب. وقالت:”لا يغشكم أحد بأن الأمر سيكون مختلفاً لدينا. العالم جرب ونحن لا نريدهم أن يجربوا بنا. ليس هذا وحسب بل أن الرماد الذي سيتم طمره في الأرض، ومنها سيصل إلى المياه التي إما سنشربها أو نروي بها الزرع أو نستعملها في المنزل وستحتوي على الديوكسين.هذه ليست لعبة ولا مسألة صغيرة، نحن مجبورون على الوقوف لتحدي خطر الموت وخطر التشويه”.
وبسؤالها أسفت”أن يتم إحضار خبراء من الخارج لمعرفة أسباب الروائح الكريهة”. وقالت:”نحن نقوم بتدريس أبنائهم، فلماذا يحضرون خبراء أجانب، نحن نصدّر عقولاً للعالم بأسره، أحد لا يتخرج من الaub ولا يأخذوه مباشرة إلى الخارج فكيف يقومون بتأميننا على أولادهم ولا يؤمنوننا على مسائل بيئية”.
الكل مسؤول
وقالت إلهام مبارك في كلمة ـ”تجمع المرأة اللبنانية” : ” نزلنا اليوم الى الشارع ليس لأننا هواة نزول الى الشارع، بل نتيجة قهرٍ وخوفٍ كبيرٍ على مستقبل أولادنا المهدد في ظل المشاريع الآتية التي تنتجها سلطة الفساد والمحاصصة. ولأن الجرائم في حق الطبيعة من غير المقبول السكوت عنها”.
وأكدت”جئنا اليوم بلسان كل الناس المتضررين، أي أغلبية الشعب اللبناني، نقول وبأعلى صوت إن صفقاتكم المميتة لا تزال تعدنا بغد قاتم وهي لن تمر. صفقاتكم التي دمرت بيئتنا في ظل تشريعكم للمحارق لتوزعوها بالتساوي لأنكم سلطة التعايش وتقاسم الحصص على ظهر الشعب الذي ضحى ولا يزال يضحي ليستمر ويترك إرثاً يعتز به أولادهم الذين هم استمرار لهذا الوطن الذي أمعنتم بنهبه، وبتدمير كل مقومات الحياة فيه”.
أضافت:”نحن النساء والأمهات المؤتمنات على مستقبل أولادنا، لأنهم هم مستقبل هذا الوطن، صرختنا تحمل كل الوجع الذي نشعر به عندما نرى أن الغد قاتم. لن نسمح بإستمرار هذه الكوارث وسوف نقوم بالتصدي لكل هذه المشاريع عبر المطالبة بتنفيذ خطط بيئية سليمة موضوعة منذ سنوات من قبل خبراء مشهود بكفاءتهم ونزاهتهم وحبهم لهذا الوطن”.
وختمت مؤكدة:”صرختنا غير موجهة لوزير دون سواه إنما الكل مسؤول أمامنا عما يحصل لبيئتنا، حياة أولادنا غالية جداً علينا، وإذا كانوا يضحّون بنا وبصحتنا لن نقبل أن ندفع صحة أولادنا ومستقبلهم ثمناً لفسادهم الذي لا حدود له. سوف نتصدى لكل مشاريعهم المميتة وسوف نبقى لآخر نفس بالمرصاد وستبقى صرخاتنا المدوية “لن تسرقوا مستقبل أطفالنا””.
ثم انطلق المجتمعون بمسيرة من ساحة الشهداء نحو مبنى وزارة البيئة الكائن في مبنى العازارية، في شارع رياض الصلح، مطلقين صرخات “مطامركم سرقة سم، خلوا عندك شوية دم”. “سياسات البلد وين صفقات وفشل الحيتان”. “محرقة بقلب بيروت ما بتركب ما بدنا نموت”. و”علوا الصوت وعلوا الصوت هالمحارق هي الموت”. “فينا نفرز من البيت والمحرقة للزعامات”. و”شط بلادي لوثتوا جبالي الخضرا اعدمتوا “.
وفي الختام فُض التجمع مع التأكيد على استمرار التحركات والإتجاه نحو التصعيد في حال تطلب الأمر.
“