موائد الإفطار للوزير في بهو السجن، والسجناء يتفرجون…


2016-07-01    |   

موائد الإفطار للوزير في بهو السجن، والسجناء يتفرجون…

أدى وزير العدل السيد عمر منصور عشية يوم الخميس 30 -06 زيارة ميدانية إلى السجن المدني بالمهدية حيث اطلع على ظروف الإقامة والإيداع بالسجن، إلى جانب تدشين مجموعة من الفضاءات الجديدة على غرار فضاء التأهيل والتكوين والمطبخ وفضاء فرقة الأنياب.كما عاين الوزير سير التكوين والتدريب بعدد من الورشات كورشة الفسيفساء والحلاقة وورشة الإنتاج السينمائي إلى جانب فضاءات الترفيه والأنشطة الفكرية الموضوعة على ذمة مساجين سجن المهدية. وثمن الوزير المجهودات المبذولة في اتجاه دعم مقومات الأنسنة في السجون التونسية، وتعزيز آليات الإحاطة بالمساجين ودعم فرص اندماجهم في محيطهم الإجتماعي بعد قضاء العقوبة. هذا ويشار إلى أن وزير العدل تناول وجبة الإفطار رفقة والي المهدية وعدد من الإطارات القضائية وإطارات الجهة وأعوان السجن إلى جانب ثلة من المودعين والسجناء.وفي خاتمة الزيارة واكب وزير العدل السهرة التنشيطية التي احتضنها سجن المهدية وقدمتها فرقة فنية أمتعت بعروضها الحضور.
هذا ما جاء في الصفحة الرسمية لوزارة العدل. إلا أن الصورة تنسف حسن النوايا وتكذب الكلمات وتكشف عن المستور بشكل مدهش حقاً.
 
صورة صادمة ومؤلمة
بمناسبة هذا الحفل، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي منذ يوم الخميس وبشكل واسع صورة من الصعب لأي عاقل أن يفهم مدلولها أو غاياتها.
الصورة منشورة على صفحة وزارة العدل. هي من زيارة السيد وزير العدل للسجن المدني بالمهدية المذكورة. ويظهر في أسفلها الوزير بمعية طاقمه الإداري والإطارات الجهوية يشغلون "الآريا" (المكان الوحيد المفتوح الذي يستغل فسحة للمساجين) وهم يستعدون للعشاء الذي أشهرته الوزارة عاليا. وفي أعلى الصورة خلف القضبان يظهر المساجين يتطلعون لموائد منصوبة من نوافذهم الضيقة. يظهر السجناء كمجموعة من الحيوانات، نزعت عن صورتهم ما يربطهم بالإنسانية، بلا روح ولا مساحيق تماما كما المصارعون في فيلم قلادايتور أو العبيد في فيلم أميستاد كما كتب احد القضاة على صفحته.
يتوقف الانسان عند أسفل الصورة وأعلاها ونحن في شهر رمضان، شهر اللذائذ والمتع لمن يتمتعون بالحرية. فحتى ولو كان هؤلاء في بهو السجن، تنصب لهم الموائد والخيرات. وهو شهر الحرمان لمن لا يأتيه من أهله غير النزر القليل الذي تسمح به إدارة السجن بعد أن منعت كثيراً من المأكولات التي يخشى أن تحمل ما لا يسمح بوجوده داخل المعتقل. شهر الحرمان لمن يرى الموائد تنصب أمامه باسمه. يقع التوقف بين المشهدين الأعلى والأسفل يغذيه الإحساس بالاستهجان الذي يرقى الى درجة الغيثان.
لا ندري إذا كانت النية طيبة أو سيئة، لكن النية لا تعني شيئاً في هذا المكان. ما يستوقف هنا هو السياسة التواصلية لكثير من وزاراتنا. الميل الغريب إلى استغلال أي حدث لخدمة الدعاية. ولكن الفشل الذي يقارب العجز عن الترويج بحذق ودراية وحرفية للطابع الإنساني لما يسميه الخطاب الرسمي بالانجازات الإصلاحية ذلك ما توقفنا عليه باستمرار التجربة اليومية. مشهدان يبدوان لمن أخذ الصورة ووضعها على الصفحة الرسمية لوزارة العدل معبرين عن مدى إدراك الوزير للقيم الإنسانية. فلا بد أن يظهر في الصورة السجن بمن فيه وما فيه ليكون للصورة معنى. ليس في نظر ملتقط الصورة أي داعٍ للدهشة. فمن لم يحضر من المعتقلين عوضهم بعض من رفاقهم على حدّ ما يفهم مما كتب على صفحة الوزارة. فمن في البهو يعوّض من في القفص. ليس ثمة داع للدهشة بعد أن نرى هؤلاء جميعا، من هم في الأعلى ومن هم في الأسفل يشاركون في نفس العشاء، الأولون بالأكل والآخرون بالمشاهدة. إذاً.لا مجال للحيرة والذهول. إلا أن الصورة تظهر حقيقة لم يقدرها مسؤولو الاعلام بالوزارة. فهي تبرز بشكل تراجي كوميدي أن بعض مسؤولينا – وقد استفحل الأمر بعد الثورة- لا يتوقون إلى غير الصورة. وان تكاثرت عليهم المشاغل والانتقادات، خرجوا الينا بزيارة فجائية او إنجازات  ويبدو البشر الذين يصاحبونهم حلاوة الصورة في كثير من الأحيان مجرد أشباح.
إن هذا المشهد يسمح لنا في رمزيتة المكثّفة وبعيدا عن دلالاته الحرفية من تشخيص الحالات التي تكشف عن قيمة وعمق مفاهيم حقوق الانسان لدينا أنها لا تتجاوز غالبا القشرة السطحية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تونس ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني