قبل قرابة أسبوعين، نشرت المفكرة القانونية توثيقًا للاعتداءات الإسرائيلية الحاصلة في المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار، وقد وثقنا آنذاك 288 اعتداء. اليوم، نستكمل عملنا التوثيقي من خلال توثيق الاعتداءات الحاصلة في المرحلة الثانية (المحرر).
تترافق المرحلة الثانية من تطبيق إعلان وقف إطلاق النار مع الكثير من الضجيج السياسي والإعلامي حول بنود الاتّفاق، تغطّي عليه أصوات عمليات النسف والتجريف الإسرائيلية في القرى الحدودية التي تصل إلى صور والنبطيّة فيما لا يزال أهالي هذه القرى مهجّرين عن منازلهم للشهر الـ 15 على التوالي.
وفيما تستمرّ الخروقات الإسرائيلية للاتّفاق، تستمر أيضًا الدعاية الإسرائيلية المرافقة لها. وفيما يتراجع الخبر إلى ما وراء حدود التطبيع مع تكراره، تُعطي مراجعة بيانات الاعتداءات صورة عمّا يحصل على الأرض بالفعل.
وبحسب بنود إعلان وقف الأعمال العدائية وتنفيذ القرار 1701، يجب على الجيش الإسرائيلي أن يوقف جميع عملياته العسكرية الهجومية ضد لبنان، برًّا وجوًا وبحرًا، فور دخول الإعلان حيّز التنفيذ (البند 2). كما ينص الإعلان على “حق كل طرف في الدفاع عن النفس وفقًا للقانون الدولي” (البند 4)، بمعاملة متساوية للطرفين، ويُمهل الإعلان الجيش الإسرائيلي 60 يومًا للانسحاب تدريجيًا إلى ما وراء الخط الأزرق (البند 12). وفي مقابل التفسير الإسرائيليّ المشوّه للاتّفاق و”حقّ الدفاع عن النفس”، تستمر “المفكّرة” في توثيق ما يمكن رصده من هذه الانتهاكات، بالأدوات الصحافيّة والتوثيقيّة المتاحة.
وقد قسّمت فترة الـ 60 يومًا الممنوحة لتطبيق الاتفاق إلى مراحل ثلاثة. ننشر اليوم حصيلة 20 يومًا من الهجمات الإسرائيليّة بين تاريخي 17 كانون الأول 2024 و5 كانون الثاني 2025 ضمنًا، بعد تقرير أوّل نشر مع مرور 20 يومًا على إعلان وقف إطلاق النار ووثّق الخروقات الإسرائيلية في الفترة بين 27 تشرين الثاني و16 كانون الأوّل ضمنًا.
استندت منهجية “المفكّرة” لتوثيق الهجمات الإسرائيلية على إحصاء أوّلي للحالات المُبلّغ عنها في المصادر المفتوحة، ومقارنتها بقوائم استحصلت عليها “المفكّرة” من مصادر عسكرية لبنانية للتثبّت من صحّتها. كذلك، قمنا بتحديد سياق مفصّل لكلّ هجوم، من حيث مكانه وزمانه وأعداد ضحاياه، مستندين في ذلك إلى عمل ميدانيّ واتّصالات مع المعنيين وبيانات من مختلف الجهات الأمنية والرسميّة، بما في ذلك البيانات الصادرة عن اليونيفيل والجيش اللبناني ووزارة الصحة وأجهزة الدفاع المدني والبلديات.
209 هجمات موثّقة في الفترة الثانية من تطبيق إعلان وقف الأعمال العدائية
رصدت “المفكّرة” 209 هجمات إسرائيليّة في الفترة بين 17 كانون الأول 2024 و5 كانون الثاني 2025 ضمنًا، سقط خلالها 3 شهداء و4 جرحى. وتوالت الانتهاكات الإسرائيلية لإعلان وقف الأعمال العدائيّة بصور متعدّدة، تختلف في خطورتها وأثرها.
بداية، تصدّر نسف وتجريف القرى في هذه الفترة عدد الانتهاكات بـ 95 عمليّة، في 23 قرية وبلدة حدوديّة، استهدفت فيها البنية التحتيّة والأحياء السكنيّة والمنازل والأراضي الزراعيّة والحرجيّة، على نحو يعكس استراتيجية واسعة النطاق لتغيير المشهد الجغرافي والديموغرافي في المنطقة الحدوديّة.
وقد نفّذ سلاح الجوّ الإسرائيليّ 11 غارة خلال هذه الفترة، ما نتج عنه سقوط شهيدين و4 جرحى. واستمرّت الطائرات الإسرائيليّة بالتحليق في مختلف المناطق اللبنانيّة، وقد أُبلغ عن 31 حالة تحليق على علوّ منخفض رصدها السكّان بالعين المجرّدة، – كل حالة تشمل يومًا واحدًا فوق قضاء واحد – ما يدلّ على استمرار أعمال التجسّس بشكل يخالف بنود وقف إطلاق النار. كما شهدت المنطقة توغّلات برية تمثّلت في 20 حادثة، شملت مناطق عجزت القوّات الإسرائيليّة عن الوصول إليها خلال المعارك.
حالات التمشيط الناري وإطلاق النار المباشر بلغت 22 حالة، وهي تُظهر استخدام النار بشكل استفزازي لإرهاب السكان والتحكّم في المناطق الحدودية، وقد نتج عنها سقوط جريح في قرية رميش، وشهيدة في يارون. القصف المدفعي، الذي وقع 13 مرة، يُسلّط الضوء على استمرار العدوان المدفعي الذي يهدّد حياة الأفراد وممتلكاتهم، ويُبقي مناطق واسعة من القرى غير المحتلّة تحت الخطر.
من الانتهاكات الأخرى التي تبرز خطورتها أيضًا، الإحراق المتعمّد للمنازل والذي وقع في 7 حالات، يتبعه صدم وتدمير السيارات المدنية في حالة واحدة موثّقة. وتُظهر عمليات الاختطاف التي طالت مواطنيْن لبنانيّيْن في حادثتين متفرقتين، ومقيميْن سوريَّيْن في حالة ثالثة، استمرار استهداف الأفراد بشكل مباشر وترويعهم. وقد أطلقت القوّات الإسرائيليّة النار بشكل مباشر على المختطفين قبل خطفهم، وأصيب حسام فوّاز في رأسه ليُختطف رغم إصابته، وهو موظّف مع قوّات اليونيفيل كان في طريقه إلى مركز عمله في مركز الكتيبة الأندونيسية التابعة للقوّات الدولية في بلدة عدشيت القصير – قضاء مرجعيون. وقد أعيد الإفراج عن المختطفين في الحالات الثلاث تلك.
كما أُبلغ باستمرار عن حالات مداهمة وتفتيش منازل في المناطق التي يتواجد فيها الجنود الإسرائيليّون، إضافة إلى 3 حالات في مناطق توغّل جديدة للجيش الإسرائيلي. وأخيرًا تمّ تهجير سكّان 3 قرى هي القنطرة وبرعشيت وبرعشيت القصير، بسبب عمليّات توغّل جديدة شملت تهديد السكّان وطردهم.
دم لا زال ينزف في المرحلة الثانية من تطبيق إعلان وقف إطلاق النار، شهدت بعض القرى المهدّدة بمنع العودة، مثل مجدل زون وياطر والطيبة، تجدّد القصف الجوي الإسرائيلي. في مجدل زون، رغم عودة بعض السكان، استهدفت غارة من مسيّرة سيارة في البلدة، مما أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص. ياطر تعرّضت لغارتين على أطرافها في تاريخ 2 كانون الثاني 2025، فيما شهدت الطيبة غارة في تاريخ 23 كانون الأول 2024، استهدفت مجموعة أشخاص بجانب المدرسة الرسمية، مما أسفر عن سقوط شهيدين وجريح. وفي 29 كانون الأوّل 2024، عثرت فرق الصليب الأحمر على السيّدة نجوى غشّام (75 عامًا) مقتولة في منزلها في يارون. وقال مصدر في الصليب الأحمر لـ”المفكّرة” أنّ محاولات عدّة للوصول إليها سبقت التمكّن من الدخول إلى القرية يوم 29 الشهر الفائت، ليعثر عليها حينئذ مستشهدة، وقال المصدر إنّ معاينة الجثمان أظهرت أنّها قضت حديثًا، فيما أظهر الكشف الطبّي أنّها أصيبت بـ 4 طلقات نارية، إضافة إلى كسور عدة في جسدها. وشهدت القرية في الأيّام العشرة السابقة للعثور على غشّام، 7 عمليات نسف حيث توغّل الجنود الإسرائيليّون إلى القرية وعملوا على تفخيخ المنازل فيها، بحسب توثيق “المفكّرة”. وكانت غشّام قد رفضت مغادرة القرية، بعد وقف إطلاق النار، حيث التقاها أهالي القرية الذين عادوا يوم دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ قبل أن يضطّروا على مغادرتها بسبب التهديدات الإسرائيليّة، لتظلّ وحيدة فيها.
إلى جانب هذه الحوادث، وقعت سبع غارات جوية أخرى في مناطق شمال خط منع العودة وشمال الليطاني، موزعة بين ثلاث غارات في محافظة الجنوب في 2 كانون الثاني 2025، استهدفت إقليم التفاح ومرتفعات الريحان، ومنطقة بين زحلتا وجباع. كذلك شملت ثلاث غارات جرود قوسايا في البقاع يوم 27 كانون الأول 2024، وغارة واحدة استهدفت منزلًا في سهل بلدة طاريا بجانب نهر الليطاني. وبهذا يكون الطيران الإسرائيلي قد شنّ 11 غارة في المرحلة الثانية، نتج عنها شهيدان و4 جرحى، مقابل 65 في المرحلة الأولى، نتج عنها حينها 31 شهيدًا و32 جريحًا. هذا التراجع في عدد الغارات والضحايا، قد ينشأ عنه وهمٌ بشبه استقرار للوضع بالنسبة للرأي العام مع تراجع الفاتورة البشرية، لكن يقابله ارتفاع في عمليات النسف والتجريف وتصاعد في عمليات التوغّل، بما يؤشر إلى أنّ القوّات الإسرائيلية تستكمل استراتيجية تدمير المنطقة الحدودية بعيدًا عن صخب الغارات.
النسف يتضاعف والتوغّل يتصاعد وفي المرحلة الثانية من الاتفاق، تصاعدت وتيرة التدمير الممنهج للقرى على طول الشريط الحدودي، فيما حاولت القوّات الإسرائيلية توسيع نطاق عمليات التدمير مع التوغّل في مناطق جديدة.
وفيما وثّقت “المفكّرة” 45 عمليّة نسف وتجريف شملت 17 قرية على طول الشريط الحدوديّ في الفترة الأولى من وقف إطلاق النار، تصاعدت عمليّات النسف والتجريف لتبلغ 95 عمليّة في 23 قرية خلال الفترة الثانية. وقد تصاعدت أعمال التوغّل البري من 14 في الفترة الأولى إلى 20 في الفترة الثانية. واقترن كل توغل جديد بعمليات نسف وتجريف جديدة.
وشمل النسف، القرى التي يتواجد فيها الجنود الإسرائيليون منذ الغزو البرّي، وشهدت هذا النمط من التدمير الممنهج خلال العدوان والفترة الأولى التالية له، لكن الأخطر أنّه شمل قرى ومناطق اجتاحها الإسرائيليّون لأول مرّة رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
وقد اجتاحت القوّات الإسرائيليّة قرية بني حيّان وتوغّلت إلى وسطها وأحيائها السكنيّة للمرّة الأولى في 18 كانون الأول 2024، مستغلّة اتفاق وقف إطلاق النار. ومن أوّل الحوادث المسجّلة كان تهديم جدران مسجد القرية، ثمّ البدء بتجريف منازل فيها وتنفيذ تفجيرات. وقد وثّقت “المفكّرة” في الأيام اللاحقة 7 عمليات نسف للمنازل وتهديمها في القرية، إضافة إلى حالتيْ إشعال للنيران في منازل القرية.
وكذلك في الطيبة، التي كان القصف الدمويّ عليها رسالة للسكّان لدفعهم لعدم العودة، وفاتحة لجملة من الانتهاكات شملت 4 عملّيّات نسف وحادثتين موثّقتين لإحراق منازل.
وفي الناقورة، التي توغّلت فيها القوّات الإسرائيليّة تحت غطاء وقف إطلاق النار، في الأسبوع الأخير من المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار، وخرجت منها في أوّل أيام المرحلة الثالثة، طبعت عمليات النسف والتجريف كامل المرحلة الثانية من الاتفاق. وقد نشرت “المفكّرة” تحقيقًا مفصّلًا بعنوان “الناقورة دمّرت في هدنة: آخر الأدلّة على جريمة نسف القرى” يظهر كيف أدت هذه العمليات إلى رفع نسبة التدمير فيها من 32% إلى 90%، مع القضاء بشكل شبه كامل على البنية التحتيّة.
كما توغّلت القوّات الإسرائيلية إلى وادي الحجير تحت غطاء الاتفاق، حيث قامت بالفعل بعمليات تجريف قبل أن تتراجع. ويشار أيضًا إلى اقتران التوغّل في قرى عاد سكّانها إليها بتهجيرهم من هذه القرى، كما حصل مع إخراج سيدة عادت إلى منزلها في بني حيّان بعد 3 أيام من التوغّل، وكذلك تهجير قرى عدشيت القصير وعدشيت والقنطرة بسبب التوغّل.
مهلة الانسحاب تتحوّل إلى مهلة لاستكمال نسف القرى
وكانت “المفكّرة” قد رصدت تصاعد عمليات النسف والتجريف في الخيام، التي توغّلت فيها القوات الإسرائيليّة وسيطرت عليها حينها، رغم عجزها عن السيطرة عليها خلال المعارك. وتصاعدت هذه العمليات حينها مع اقتراب موعد الانسحاب منها. وفي يوم الانسحاب، نفّذت القوّات الإسرائيلية آخر عمليات النسف في الخيام، وبدأت التوغل في الناقورة.
ويتضّح بشكل لا لبس فيه كيف أنّ عمليات النسف والتجريف التي ينتج عنها محو ممنهج لمعالم القرى وتهديم لأحيائها وتفكيك لبنيتها التحتية وتجريف مناطقها الزراعية والحرجية – بوصفها إجراء انتقاميًّا من القرى وسكّانها – هي هدف بذاته للقوّات الإسرائيلية طالما أنّها تجري بعد وقف إطلاق النار، ولم تكن نتيجة جانبية للمعارك رغم أنّها بدأت تحت غطائها. ولكنّ تصاعدها في القرى التي يقترب موعد الانسحاب منها يثبّتها كهدف مستقل بذاته.
ويظهر من ذلك أنّه، ورغم أنّ إعلان وقف إطلاق النار قد نصّ على وقف كامل العمليّات الهجوميّة، وعلى الانسحاب الإسرائيليّ خلال مهلة 60 يومًا، فإنّ القوّات الإسرائيليّة التي كان كلّ متر تدخله يقترن بعمليات تدمير ممنهجة، بات كل يوم إضافي تبقى فيه يقترن بدوره بعمليات نسف وتدمير ممنهجة ضدّ القرى.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.