14 شهيداً وشهيدة هي حصّة الإطفائيين وحدهم في بيروت. وفيما بقي لشهداء فوج إطفاء بيروت زملاء يخبرون عنهم، لم يبق “مين يخبّر” من فرقة إطفاء المرفأ. فلم يكن قد بقي في الفرقة سوى أربعة إطفائيين استشهدوا جميعهم في الانفجار الذي وصلوا إليه قبل الجميع، كون فرقتهم تتمركز في قلب المرفأ.
تتصدّر اتصالات الصوت والصورة التي أجراها شهداء فرقة بيروت مع عوائلهم ذاكرة هؤلاء “يمكن كانوا خايفين من الحريق”. فتح إطفائيو المرفأ كاميرات هواتفهم واتّصلوا “يودّعون” الأحباب والغوالي، قبل الانفجار الثاني القاتل. في هذه اللحظات كان إطفائيو فوج بيروت العشرة في طريقهم إلى حتفهم.
14 شهيداً لم يبخلوا بحيواتهم في محاولتهم ردّ الدمار والموت عن بيروت وناسها، لكن هناك من بخل عليهم بحقوق كثيرة وما زال يقنّن في تعويضات تستحقها عوائلهم التي فقدت معيليها الوحيدين.
شهداء فرقة إطفاء المرفأ يعملون باللحم الحيّ
تروي نادين المقداد أرملة الشهيد ثروت حطيط، رجل الإطفاء في فرقة المرفأ منذ 23 عاماً، أنها كانت على اتصالٍ مباشرٍ مع زوجها لحظة وقوع الانفجار. كان ثروت يساهم ورفاقه في إخماد الحريق بمعدّاتٍ بسيطة بانتظار وصول المؤازرة. تروي نادين لـ”المفكرة القانونية” أنّ فرقة إطفاء المرفأ تابعة لمصلحة “الأمن والسلامة” منذ 23 عاماً، وكانت تضمّ حوالي 60 عنصراً موزّعين على فرقٍ ثلاث، ولكن بعد توقّف التوظيف في الإدارات العامة في التسعينيّات، ومع إحالة الموظفين القدامى إلى التقاعد تباعاً، راح عديد الفرقة يقلّ حتى وصل إلى أربعة موظفين لقوا حتفهم جميعهم جرّاء الإنفجار، وهم جوزيف مرعي، ومحمد عباس، وعماد زهر الدين، بالإضافة إلى ثروت، زوجها. تبكي نادين، الحامل في شهرها السادس، زوجها الذي لن يرى مولوداً انتظره 15 عاماً، تخاف من المجهول خاصةً بعد توقف راتب زوجها الشهري. تجد نادين ومعها عائلات الإطفائيين أنفسهم مضطرين للانشغال في خوض معركة التعويضات “نريد أن نعيش حزننا على شهدائنا”، يقولون، بينما يرغمهم المسؤولون على القتال لنيل حقوق بديهية.
ربما تختلف أرقام المراسيم ونسب مبالغ التعويضات، إلاّ أنّ ألم الفقدان بين جميع عوائل الشهداء واحد، فدماء شهداء فرقة إطفاء المرفأ اختلطت بدماء شهداء فوج إطفاء بيروت العشرة وهم: سحر فارس، ورامي كعكي، وشربل كرم، والياس خزامي، ونجيب حتّي، وشربل حتّي، ورالف ملاحي، وجو نون، ومثال حوّا، وجو بوصعب.
“إبني الشاب الضعيف الّلي واقف بالنص”
لا تزال والدة الشهيد مثال حوّا أسيرة غرفته. يقول زوجها طارق حوّا أنّها “توقفت عن الكلام منذ وقوع الانفجار، تنام في سرير مثال، نُحضر لها المأكل والمشرب، ثم نعود لنغلق الباب عليها بناءً لطلبها”.
التحق مثال بفوج إطفاء بيروت في العام 2018 وهو في السادسة والعشرين من عمره، كان معيل عائلته الوحيد، حيث يعاني والده من أمراضٍ مزمنةٍ عدّة. وقد رفض مثال أن ينخرط أخوه الأصغر في سوق العمل قبل إنهاء تحصيله العلمي. “الحمدلله، الحمدلله” لا يجد الأب المفجوع سوى هذه العبارة سبيلاً للصبر ومبعثاً للأمان، يكرّرها حين تخونه الكلمات وتمتلئ حنجرته بالغصّة، يجهش بالبكاء ثم يعود ليتمسّك بذكر الله كي لا يضعف.
“انبسطنا بهالوظيفة قدّ الدنيا، عشنا بهول السنتين أحلى سنين عمرنا… مستورين، عمل مثال في وظائف عدّة غير مناسبة، فمنها ما كان مردوده قليل، ومنها لا يؤمّن ديمومة العمل، إلى أن التحق بفوج الإطفاء. لم يمنح هذا الوطن مثال سوى سنتين من الاستقرار والطمانينة. سنتان فقط كان مسموح فيها لمثال وخطيبته أن يحلما سوية”.
يقول أبو مثال أن العائلة انتظرت ليلة الانفجار، اتصال مثال حتى الساعة الثامنة ليلاً، بعدها قصدت فرع فوج الإطفاء في الكارنتينا. هناك لم يكن اسم مثال مدرجاً ضمن أسماء الفرقة التي خرجت إلى المرفأ، فشباب الإطفاء غالباً ما يتبادلون الأدور، ويتزاحمون على تلبية نداء إخماد الحرائق. لذا لم يكن أحد يعلم أين هو مثال، هل هو ضمن الفرقة التي ذهبت للمرفأ؟ أم أنه ضمن الفرق التي تحاول المساعدة؟
ومثال “هو الشاب الضعيف لي كان واقف بالنّص هني وعم يفتحوا باب العنبر”. الشاب النحيف الذي بدا في صورة انتشرت لثلاثة من شباب الإطفاء يحاولون فتح باب العنبر الذي نشب فيه الحريق، اثنان منهم يتبعون لفوج إطفاء بيروت وهم رامي كعكي (عن يسار الصورة) يليه مثال حوّا، أما العنصر الثالث فهو عماد زهر الدين من فرقة إطفاء المرفأ (عن يمين الصورة).
فرقة إطفاء مرفأ بيروت واحد ينوب عن عشرين
مع سقوط أربعة شهداء من فرقة إطفاء المرفأ، عرف اللبنانيون بوجود فرقة إطفاء خاصة بمرفأ بيروت تابعة لوزارة الأشغال كانت تضم 60 إطفائياً وتتمركز في قلب المرفأ لطوارئ مماثلة. يعتبر خبراء أنّه لو كانت الفرقة فعّالة ولم تقتصر على 4 إطفائين فقط وبتجهيزات قليلة، ولو كانت مفعّلة كما يليق بفرقة إطفاء في مرفأ البلاد الأساسي، لربما تمكّنت من إخماد الحريق الأول قبل أن يندلع الإنفجار الكبير. فماذا عن فرقة إطفاء مرفأ بيروت؟
في اتصال مع “المفكرة” يسارع مروان كعكي، مدير الشؤون الإدارية في إدارة مرفأ بيروت، الذي تم تكليفه من قبل رئيس المرفأ للإجابة على أسئلتنا، منذ البداية، إلى التوضيح أن موضوع فرقة الإطفاء ليس من اختصاصه إنما من اختصاص رئيس مصلحة الأمن والسلامة، زياد عوف، الموقوف حالياً على خلفية الانفجار. يشير كعكي إلى أنّ فرقة الإطفاء موجودة وتساهم في عمليات إخماد الحرائق التي تنشب في المرفأ بين الحين والآخر، وهي فرقة مجهّزة بسيارة إطفاء وسيارة إسعاف بالإضافة إلى صهريجٍ لتخزين المياه. ويؤكّد أنّ قرار وقف التوظيف في الإدارات العامة خلّف تبعات سلبية على أداء فرقة الإطفاء بشكلٍ خاص، وعلى كيفية سير العمل في إدارات المرفأ بشكلٍ عام.
ويوضح كعكي أنّ الهيكلية الوظيفية للمرفأ تحتاج إلى حوالي 700 موظفاً لا يتوفّر منهم حالياً سوى 180، في حين لم يتبقّ من عديد موظفي مصلحة “الأمن والسلامة” سوى 45 موظفاً ومن ضمنهم عناصر فرقة الإطفاء. يُعتبر هذا العدد قليلاً جداً نسبةً للمهام المنوطة، لذا غالباً ما تستعين إدارة المرفا بفوج إطفاء بيروت، فرع منطقة الكارنتينا القريبة من المرفأ، لإخماد الحرائق المشتعلة هناك.
يشرح رئيس الإتحاد العمالي العام ورئيس نقابة عمال وموظفي مرفأ بيروت بشارة الأسمر بدوره لـ”المفكرة” طريقة العمل والهيكلية الإدارية الناظمة لمرفأ بيروت، ففي العام 1960 أعطيت “شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت” (51% من للقطاع العام و 48% للقطاع الخاص) امتيازاً لتشغيل المرفأ، في العام 1990 انتهت مدة الامتياز وعهدت الحكومة إلى لجنة مؤقتة عرفت باسم “اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت”، أي أصبح المرفأ مؤسسةً عامةً تتبع للدولة لكن يتم تشغيلها بنظام الشركات الخاصة، وذلك هرباً من التراتبية الإدارية لتنفيذ المشاريع. ينظّم العلاقة بين عمّال المرفأ والإدارة نقابة خاصة بموظفي مرفأ بيروت، بالإضافة إلى عقد العمل الجماعي الذي يحتوي على نصوصٍ قانونية ترعى حالة وفاة العمال خلال أدائهم الوظيفيّ، بحيث تنال العوائل تعويضاً معيّناً (تعويض وفاة) مع استمرار تأمين الطبابة والاستشفاء بالإضافة إلى بدل التعليم. لا يُمنح موظف المرفأ أيّ نظام تقاعديّ، لذا لن ينطبق على شهداء فرقة إطفاء المرفأ ما ينطبق على شهداء الجيش أو حتى على شهداء فوج إطفاء بيروت. و”لن تنال عوائل شهداء فرقة المرفأ”، بحسب الأسمر، “سوى مبلغ معيّن هو عبارة عن تعويض وفاة، بالإضافة إلى بدلاتٍ تشمل الطبابة والاستشفاء والتعليم، فلا رواتب شهرية لعوائل وأولاد الشهداء، عليهم تدبر أمورهم بأنفسهم بعدهما أمضى معيلوهم سنوات خدمتهم وهم يحاولون سد النقص الحاصل من الموظفين”.
فوج إطفاء بيروت تحكمه الواسطة والمحسوبيات
تأسّس فوج إطفاء بيروت في العشرينيات وهو يتبع لسلطة المحافظة. إضافة إلى فوج بيروت، نشأت فرق أخرى في مدينتي طرابلس وصيدا حيث البلديات مسؤولة عن ميزانيتها وتجهيزاتها. لفوج إطفاء بيروت أربعة مراكز موزّعة على مناطق الباشورة، الكرنتينا، الملعب اللبلدي، بالإضافة إلى فرقة صغيرة في مركز قوى الأمن الداخلي في منطقة عرمون. يبلغ عديد فوج إطفاء بيروت اليوم 834 عنصراً، يجب أن يكونوا من أبناء العاصمة أو من سكّانها منذ أكثر من خمس سنوات بناءً على إفادة المختار، لكن غالباً ما “تلعب الواسطة والمحسوبيات دورها” فيدخل فوج الإطفاء شباب من خارج المدينة، كما يقولون.
ولا تقتصر فعاليّة الواسطة والمحسوبيات في فوج إطفاء بيروت على عملية التحاق العناصر فحسب، إنما تدخل أيضاً في تحديد الترقيات التي غالباً ما يحكمها النفس الطائفي، ( قائد فوج الإطفاء هو من حصة الطائفة السنيّة فيما معاونه يجب أن يكون مسيحياً). يطالب عناصر فوج إطفاء بيروت اليوم من خلال سلسلة تحرّكات، بحقوق عدّة من ضمنها إنصاف الرتباء والعرفاء الذين لم تشملهم الترقية الاستثنائية الصادرة بتاريخ 1-7-2018 والتي يجب أن تشمل الجميع، إلاّ أن المناكفات السياسية والطائفية حرمت بعضاً منهم من حقهم في الترقية.
برزت فضائح فوج إطفاء بيروت مؤخراً عبر حرمان الإطفائيين المتمرّنين والمسعفين والمسعفات والمهنيين الملتحقين بدورة العام 2018 والبالغ عددهم 354، من حقّهم في التثبيت، هؤلاء الذين كان من المفترض صدور قرار تثبيتهم في العام 2019 لم يتمّ إنصافهم إلاّ بعد أن قضى ستة منهم في الانفجار. وفي اتصال مع “المفكرة” يشرح محافظ بيروت السابق زياد شبيب (كان على التثبيت أن يتمّ في عهده) أنّ مسألة التثبيت تحتاج إلى موافقة أطرافٍ ثلاثة هم: قائد فوج الإطفاء (تعاقب على هذه الدورة قائدان هما العقيد محمد الحلبي والعقيد نبيل خنكرلي)، والمراقب المالي المندوب من وزارة الداخلية في بلدية بيروت (عبير غلاييني) بالإضافة إلى المحافظ. وبحسب شبيب فإنّ المراقب المالي لم يضع توقيعه على أيّ من الطلبات التي قُدّمت لتثبيت المتطوّعين في عهده، كذلك لم يوافق قائد فوج الإطفاء الحالي العقيد خنكرلي على تثبيتهم بحجّة أنّ الدورة لم تحصل في عهده، لذا بقيت الأمور عالقة لحين استلام المحافظ الحالي القاضي مروان عبود.
يقول عبّود إنّه منذ تسلّمه منصبه وضع نصب عينيه إنصاف عناصر فوج الإطفاء لكن الانفجار سبقه. من هنا أصرّ على تثبيتهم جميعاً وهو يسعى جاهداً لتحصيل الحد الأقصى من التعويضات لعوائل الشهداء.
عبود يقترح، عيتاني يتبنّى، والمجلس البلدي يؤجّل
بعدما يعتبر أنّ “أموال الدنيا لا تعوّض خسارتهم”، يقول المحافظ عبود أنّه عمل على ترقية جميع الشهداء، وطالب البلدية برفع نسبة التعويض من 75% إلى 85% من أساس الرّاتب بالإضافة إلى تعويض 150 مليون ليرة عن كلّ شهيدٍ، إلاّ أن اقتراحه لا يعتبر ملزماً، وهو يحتاج إلى موافقة أعضاء المجلس البلدي.
أما رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني فكان لغاية كتابة هذا التحقيق لا يعلم إلى ماذا ستؤول الأمور، محيلاً المسألة للنقاش وللاجتماع مع أعضاء المجلس البلدي، وقد أعرب (شفهياً) عن تجاوبه وتبنّيه لطلب محافظ بيروت بمنح عائلات الشهداء نسبة 85% من أساس الراتب بالإضافة إلى 100 مليون ليرة كتعويض، فيما لا تزال هذه التمنّيات حتى اللحظة كلاماً في الهواء. وفي معلومات خاصة بـ”المفكرة” فإنّ رئيس البلدية كان قد اقترح مبلغ 30 مليون ليرة كتعويضٍ لعوائل الشهداء عن كل شهيد، إلاّ أنه عاد عن اقتراحه بعد أن ثارت حفيظة المحافظ والعوائل بالإضافة إلى عناصر فوج الإطفاء الذين أكالوا له الشتائم والاتهامات خلال اعتصامٍ أمام مبنى البلدية الخميس الفائت.
عناصر فوج إطفاء بيروت ليسوا بعسكر ولا بمدنيين
يطالب عناصر فوج إطفاء بيروت وعوائل الشهداء اليوم، بلدية بيروت بتحسين شروط تعويضاتهم ومستحقّاتهم، وكانت طريقة تعامل البلدية مع عوائل الشهداء والبدلات المجحفة قد أثارت حفيظتهم، على حدّ قولهم.
يبلغ أساس راتب الإطفائي فور دخوله حوالي مليون و400 ألف ليرة لبنانية، يحوز كلّ سنتين على درجة ويرتفع معاشه مع ارتفاع الرتبة، إضافة إلى مخصّصاتٍ منها بدل المواصلات وبدل الأخطار وبدل عمل إضافي تمّ تخفيضه من 60% إلى 35% مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب بحجّة أنّ معاشات الإطفائي باتت مرتفعة جداً. ويبلغ عدد ساعات عمل الإطفائي في الشهر 240 ساعة في حين أنّ الموظف العادي يعمل 150 ساعة شهرياً، ولا يتضمن راتب الإطفائي أي احتسابٍ لعمله خلال أعطال نهاية الأسبوع والأعياد، ولا حتى لدواماته الليلية التي من المفترض أن يرتفع بدلها عن ساعات العمل الرسمية.
يقول الملازم أول علي نجم، رئيس شعبة العلاقات العامة بفوج إطفاء بيروت، أنّ هناك إجحافاً كبيراً بحق عناصر فوج إطفاء بيروت، فهم ينالون نسبة 42% من أساس رواتبهم بعد انقضاء 20 عاماً من الخدمة، بدون أيّ تعويضاتٍ أخرى. ويؤخذ على بلدية بيروت أنّها فصّلت قانون تقاعد على قياس موظفيها المدنيين الذين تنتهي مخدوميتهم عن عمر64 عاماً على أن يكون في جعبتهم 40 سنة خدمة، في حين أن تقاعد عناصر فوج الإطفاء ينتهي بعمر 56، لذا فمن المستحيل أن يخدموا 40 عاماً وبالتالي لن يستفيدوا من النظام التقاعدي للبلدية. ويطالب نجم بوجود لجنة خاصة بفوج الإطفاء تنظر في مشاكلها ومطالبها، مستغرباً وجود لجنة تقرر مصير عمال فوج الإطفاء في البلدية ولا تضم أحداً من عناصر الفوج، فبالنسبة له لن يفهم معاناة رجال إطفاء سوى رجل إطفاء مثلهم.
عروس الفوج
في منزل الشهيدة المسعفة في فوج إطفاء بيروت سحر فارس، يروي خطيبها جيلبير قصة حبهما التي بدأت قبل سبع سنوات وعيناه تلمعان وهو يذكر ضحكتها. يخجل جيلبير اليوم من خوضه في سجالات تتعلق بالتعويضات والأموال في حين أنّ دماء الشهداء والدموع لم تجفّ بعد. كانت سحر معيلة أهلها ومسؤولة عن دفع أقساط الشقة الشهرية، لذلك يكافح جيلبير لكي ينال أهلها تعويضاً يليق بشهادة سحر ويحفظ لهم كرامتهم وعيشهم.
جيلبير كما عوائل شهداء فوج الإطفاء يطالبون بمعاشٍ تقاعديّ نسبته 85% على أساس راتب 25 سنة خدمة، أي مع كامل الترقيات والبدلات التي كان ممكن أن ينالوها خلال هذه الأعوام، بالإضافة إلى مئة مليون ليرة كتعويض.
محمد شهيد التسيّب والنقص في التجهيزات
تحتضن “لائقة” أرملة الشهيد محمد المولى ابنتها كريستينا. محمد استشهد في العام 2015 قبل رؤية ابنته، حين كان يحاول إخماد حريق في مخزنٍ للأوراق. تروي لائقة لـ”المفكرة” قصة وجعها “قتلوه لمحمد بسبب إهمالهم ومناكفاتهم الداخلية على الترقيات، مات لأنّ ما في أجهزة اتصال بين بعضهم، اختنق تحت وما قدر يبلّغ حدا”. خمس سنواتٍ مرّت على الحادثة ودموع لائقة لم تجف ثم تستذكر ليلة وفاته: نزل محمد وعادل وإطفائي ثالث لإخماد حريق المخزن، كانت كثافة الدخان كبيرة جداً، ما دفع بالشاب الثالث إلى الهرب والصعود طالباً المؤازة، إلاّ أن أحداً لم يكترث حتى قائد المهمّة الذي اعتبر أنّ محمد وعادل هربا من الخدمة وعادا إلى منزليهما. بعد مرور أكثر من أربع ساعاتٍ اقتنع القائد برواية زميلهم وأمر بهدم أحد الجدران. ومع هدم الحائط وُجد محمد وعادل وقد لقيا حتفهما اختناقاً. تستمع كريستينا إلى قصة وفاة والدها وإلى معاناة والدتها في تحصيل حقها من بلدية بيروت، “لا وجود لقانون يرعى استشهاد عناصر فوج الإطفاء، فكلّ عائلة شهيد تحاسب بطريقة مختلفة عن الأخرى”. لائقة التي وصل معاش زوجها التقاعدي اليوم إلى 800 ألف ليرة، كان أحد موظفي البلدية قد أفتى بحرمان ابنتها من حصّتها وتجييرها لحساب جدّيها بدون مسوّغ قانوني، فعانت ما عانته مع المحاكم الشرعية لحفظ حق ابنتها، “زينة الميلاد لي بتكلّف ملايين أو زينة رمضان هول أبدى من ولاد الشهداء لي كانوا عم يحموا الشعب من الموت حرق”.
خسر عناصر الإطفاء أعمارهم وحيواتهم، ترملّت زوجاتهم، تيتّم أطفالهم، واليوم بدلاً من أن تبلسم كلّ مؤسسات الوطن جراحاتهم، جميعها تحاول قضم ما استطاعت من تعويضاتهم ومستحقّاتهم. تنام العوائل كلّ ليلة ولا تعلم كيف ستؤمّن قوت غدها، ولا من سينقذها من غول الجوع والحرمان المحدّق بمستقبلها.
يبدي رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني استعداده لمناقشة طلب عوائل الشهداء بوجود قانونٍ خاصٍ بشهيد فوج الإطفاء، لكنّه ينكر علمه بوجود نقصٍ في المعدّات لدى فوج الإطفاء، محيلاً المسؤولية على قيادة الفوج التي “لم تتقدم بأي طلبٍ لتغطية النقص”. في المقابل، تؤكّد مصادر فوج الإطفاء لـ”المفكرة” وجود عشرات المذكّرات التي تطلب التزوّد بالمعدات والآليات اللازمة، ويفيد المحافظ شبيب في هذه النقطة أنّه لطالما طلب من قادة فوج إطفاء البيروت وبلدية بيروت الاجتماع ووضع لائحة بالمعدات والتجهيزات المطلوبة للموافقة عليها. وكانت وفود من بلدية بيروت قد قامت بزياراتٍ عدّة لمركز قيادة الفوج في الكارنتينا إلاّ أنّ المسائل لم تصل إلى خواتيمها، علماً أنّ فوج إطفاء بيروت كان خسر في العام 2015 اثنين من عناصره هما محمد المولى وعادل سعادة في حريقٍ شبّ في مخزنٍ في محلّة مار إلياس بسبب نقصٍ في المعدّات.
حتى تاريخ كتابة هذا التقرير لم يتلق عوائل شهداء انفجار مرفأ بيروت أي مبلغٍ مالي، وهم لم يتقاضوا بعد المساعدة التي ينصّ عليها القانون بقيمة راتب سنة كاملة فور وقوع حالة الوفاة، وهم ما زالوا بانتظار تحديد نسب وقيمة تعويضات فلذات أكبادهم، هؤلاء الشهداء الذين كانوا بمعظمهم معيلين لعائلاتهم.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.