سيدة فلسطينية تتفقّ ركام منزلها الذي دمّرته الجرّافات الإسرائيلية في الضفة الغربية | المصدر: تقرير منظمةالعفو الدولية
قالت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد إنّ الأفعال الوحشية أو غير الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين المحتلة ترقى إلى مستوى الجريمة ضدّ الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري. وتتمثل هذه الأفعال في “النقل القسري، والاعتقال الإداري والتعذيب، والقتل غير المشروع وإلحاق إصابات جسيمة، والحرمان من الحريات الأساسية أو الاضطهاد، المرتكبة ضدّ السكان الفلسطينيين في إسرائيل (أراضي 48) والأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي ترتبط بنظام القوانين، والسياسات، والممارسات المتّسمة بالتمييز المُجحف (…) وتُستخدم لإنفاذه”.
واتّهمت المنظمة إسرائيل بفرض نظام فصل عنصري في شتى أنحاء فلسطين المحتلّة سواء في غزة والضفة الغربية وأراضي 48 وحتى ضدّ اللاجئين وأبنائهم وأحفادهم خارج الأراضي الفلسطينية، من خلال تعزيز القوانين والسياسات والممارسات العملية التي تتسم بالتمييز المجحف وينعكس هذا النظام في خطاب “الدولة” منذ إنشائها وحتى اليوم.
وأشارت إلى أنّ هذا النظام يطال كلّ جانب فعلياً من جوانب حياة الفلسطينيين، وينتهك حقوقهم الإنسانية بشكل معتاد.
وخلص التقرير الذي حمل عنوان “نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضدّ الإنسانية”، ونشر أمس الثلاثاء، إلى أنّ أنماط الأفعال المحظورة التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين المحتلة تشكل جزءاً من اعتداء ممنهج وواسع النطاق موجَّه ضدّ السكان الفلسطينيين، وأنّ الأفعال الوحشية أو غير الإنسانية المُرتكبة في سياق هذا الاعتداء ترقى إلى مستوى الجريمة ضدّ الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري بموجب القانون الدولي (الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).
وتُعرّف اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي، الفصل العنصري بأنّه أي عمل لا إنساني أو وحشي مرتكب في سياق نظام مؤسّسي من الهيمنة والقمع بصورة ممنهجة بغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية من الأشخاص على أفراد فئة عنصرية أخرى واضطهادها إياهم بصورة منتظمة.
وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أنّ السلطات الإسرائيلية تطبّق “تدابير متعدّدة لحرمان الفلسطينيين عمداً من حقوقهم وحرياتهم الأساسية، بما في ذلك فرض قيود قاسية على حرية التنقل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والاستثمار الضئيل المزمن القائم على التمييز في المجتمعات الفلسطينية داخل إسرائيل، وحرمان اللاجئين من حق العودة”.
وتعيد المنظمة في تقريرها نظام الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل إلى بداية نشوئها حيث اتّبعت “سياسةً صريحةً تتمثل في إقامة وإدامة هيمنة سكانية يهودية وتحقيق أقصى حدّ من السيطرة على الأراضي لصالح الإسرائيليين اليهود، وفي الوقت نفسه تقليص عدد الفلسطينيين إلى أدنى حدّ وتقييد حقوقهم وعرقلة قدرتهم على التصدي لنزع الملكية هذا”.
وتتابع المنظمة أنّ إسرائيل وسّعت سياستها في عام 1967 وراء ما يعرف بالخط الأخضر لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، اللذيْن تحتلهما منذ ذلك الحين. “وفي الوقت الراهن، لا تزال جميع الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل تُدار بغرض منفعة الإسرائيليين اليهود على حساب الإضرار بالفلسطينيين، بينما يستمر إقصاء اللاجئين الفلسطينيين”.
وحدّدت المنظمة العناصر الأساسية لنظام القمع والهيمنة هذا، وهي تتمثل في: “شرذمة الأراضي؛ والتفرقة والسيطرة من خلال الحرمان من المساواة في حقوق المواطنة وفي الحالة القانونية، وفرض قيود على الحركة، وقوانين لمّ الشمل التمييزية المجحفة، واستخدام الحكم العسكري والقيود على الحق في المشاركة السياسية وفي المقاومة الشعبية؛ ونزع ملكية الأراضي والممتلكات؛ وإعاقة التنمية البشرية للفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية”.
ووسّعت على مدى التقرير بشكل مفصّل في كلّ واحد من هذه العناصر بناء على تحقيق معمّق في السياسات والممارسات الإسرائيلية التي طالت كلّ جوانب حياة الفلسطينيين.
وفي مؤتمر صحافي عقدته في القدس لإطلاق التقرير، دعتْ الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار المجتمع الدولي إلى التحرّك لوقف الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، مشدّدة على ضرورة ألّا تقتصر الردود الدولية على الإدانات العقيمة. وأوضحت المنظمة في التقرير أنه ينبغي “إجراء تغيير هائل في مقاربة المجتمع الدولي لأزمة حقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة” نظراً إلى حجم وخطورة الانتهاكات التي وثّقتها في تقريرها”.
كما طالبت المنظمة مجلس الأمن الدولي بفرض حظر شامل على توريد السلاح إلى إسرائيل وفرض عقوبات تستهدف أشخاصاً محددين، مثل تجميد أصول المسؤولين الإسرائيليين الأكثر ضلوعاً في ارتكاب جريمة الفصل العنصري. وتابعت أنه يمكن لجميع الدول ممارسة الولاية القضائية الشاملة على الأشخاص الذين يُشتبه على نحو معقول في ارتكابهم جريمة الفصل العنصري بموجب القانون الدولي. أما الدول الأطراف في اتفاقية الفصل العنصري، فمن واجبها القيام بذلك.
ويقدّم التقرير توصيات لكيفية تفكيك السلطات الإسرائيلية لنظام الفصل العنصري، وكذلك أركان التمييز، والشرذمة، والقمع، التي تديمه. أولاً من خلال “وضع حد للمُمارسة الوحشية المتمثلة بهدم المنازل وعمليات الإخلاء القسري”. وثانياً عبر “منح جميع الفلسطينيين المقيمين فيها وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة حقوقاً متساوية بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي”. كذلك دعت المنظمة إسرائيل إلى “الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين والمُنحدرين عنهم بالعودة إلى ديارهم التي كانت فيما مضى تعيش فيها عائلاتهم، وتقديم تعويضات كاملة إلى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية”.
وأوضحت المنظمة أنّ النتائج التي توصلت إليها تستند إلى “كمّ متنامٍ من العمل الذي قامت به المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والإسرائيلية والدولية التي رأت على نحو متزايد أنّ إطار الفصل العنصري ينطبق على الوضع في إسرائيل و/أو الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
واستهلّت العفو الدولية تقريرها بالإشارة إلى الهبّة الشعبيّة التي شهدتْها القرى والبلدات والمدن في جميع أنحاء فلسطين التاريخية رفضاً لـ “شرذمة الأراضي والعزل اللذيْن يواجهونهما في حياتهم اليومية، وانخرطوا في إضراب عام احتجاجاً على القمع المشترك الذي يعانون منه على يد إسرائيل”. وبدأت كرة النار من حي الشيخ جرّاح في القدس بعد تهديد سكّانه الفلسطينيين بالتهجير عبر سلبهم بيوتهم من أجل إنشاء وحدات سكنية للمستوطنين اليهود في فعل أقلّ ما يقال عنه إنّه تطهير عرقي.
وكانت هيومن رايتس ووتش أصدرتْ في نيسان من العام الماضي أي قبل شهر من الهبّة تقريراً مُشابهاً اتّهم إسرائيل بارتكاب الفصل العنصري والاضطهاد وهما جريمتان ضدّ الإنسانية، وذلك من خلال سياسة شاملة تنفذها الحكومة الإسرائيلية للإبقاء على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين والانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.