أصدَرَ رئيس الحكومة في نهاية الشهر المنقضي المنشور المتعلّق بإعداد مشروع ميزانيّة الدّولة لسنة 2025. يُعتبر المنشور وثيقة توجيهيّة لكافّة الهياكل المتدخّلة في إعداد الميزانيّة لأنّه يضبط المنهجيّة التي سيتمّ اعتمادها في هيكلة نفقات الدّولة. وهو بذلك يُعطينا صورة عامّة ومسبقَة عن السّياسات العموميّة للسّنة الماليّة القادمة، والتي لن تختلف في جوهرها عن السّياسات السّابقة في التقليص من الإنفاق العمومي وتعطّل التنمية نتيجة ذلك. بمعنى أنّ السّنة القادمة لن تختلف عن سابقاتها من حيث غياب سياسة اقتصاديّة يَحكمها خيط ناظم في الحدّ الأدنى، من المفترض أن يحدّدها رئيس الجمهوريّة حسب أحكام الدّستور الذي خطّه بنفسه.
تؤكّد الوثيقة أنّ أولويّة أولويّات السّلطة محصورة في التحكّم في المؤشّرات الماليّة التي تُخاطب عن طريقها المؤسّسات والدّول المقرضة. يظهر ذلك في الاكتفاء باستعراض المؤشّرات الماليّة التي شهدت تحسّنات كميّة طفيفة -رغم بقائها في مستويات عالية- على أنّها “نجاحات حكوميّة”، في مقابل التّغاضي عن التّأثير الكمّي والنّوعي لذلك على مؤشّرات الاقتصاد الحقيقي المتدنيّة، والتي أدّت إلى تسجيل نسبة نموّ بلغت 0.4% للسنة السابقة، في حين كانت توقّعات الحكومة في مستوى 1.8%. لتبدو بذلك الوثيقة التوجيهيّة لإعداد الميزانيّة وكأنّها لسان حال المحاسب العمومي وليس رئيس الحكومة، تحوّلت فيها الأرقام إلى هدف في حدّ ذاته يحجب الواقع ولا يفسّره.
هذا التناول الاقتصادي المتعالي عن الواقع خلقَ مسارين متوازيين؛ يتمثّل الأوّل في “اقتصاد السّلطة” التي تسوّق لتحسّن اقتصادي مزعوم، وأمّا الثاني فيتمثّل في “اقتصاد المجتمع” الذي يشهد تقهقرا متواصلا لمستوى المعيشة. وفي خضم ذلك فإنّ الانطباع العامّ الذي يرسّخة المنشور يتمثّل في تصوير الإنفاق العمومي على أنّه سبب الأزمة الاقتصاديّة وأنّ المخرج يكمن في الحدّ منه.
وهم الإنجازات
تنطلق الوثيقة من مقدّمة عامّة تبرز فيها تأثير الأزمات العالميّة والضّغوطات التي أفرزتها على الماليّة العموميّة وميزانيّة الدّولة. ما انفكّت الحكومات المتعاقبة في السّنوات الأخيرة تتّكئ على الظرف العالميّ الاقتصادي لتبرير الأزمة الاقتصاديّة المحليّة المركّبة. ومنذ تفشّي جائحة “الكوفيد-19” واندلاع الحرب الروسيّة-الأكرانيّة، أصبحت الأزمات العالميّة الشمّاعة التي تُبرّر بها الحكومة الحصيلة الاقتصاديّة الهزيلة وتحجب بها أداءها المتواضع. في حين أنّ الاقتصاد الرّأسمالي العالمي أثبتَ قدرته الفائقة على الصّمود وعلى تجاوز أزماته بسرعة ملحوظة، وهو ما تُبرزه جلّ مؤشّرات الاقتصاد المالي والاقتصاد الحقيقي في الاقتصادات الكبرى. تلتجئ الحكومة إلى السّياق العالمي كحجّة لتهميش العامل الذّاتي في الأزمة الاقتصاديّة الدّاخليّة المتراكمة، ولكن بالخصوص لأنّ تلك الحجّة تتوافق مع المقاربة المحاسبيّة في التّعاطي مع الاقتصاد، وهي المقاربة التي تعتمدها الهيئات والدّول المانحة مع اقتصادات الأطراف.
يَستعرض المنشور جملة من الأرقام المتعلّقة بالتّوازنات الماليّة لسنة 2023 والتي تمّ تصديرها على أنّها إنجازات حكوميّة. حيث ذكر أنّ الجهد الحكومي في السّنة الماضية تركّز حول التحكّم في الميزان التجاري الذي تحسّن بـ 32%، بسبب ترشيد الواردات وارتفاع الصّادرات. بالوقوف عند حدود الرقم يمكن اعتبار ذلك إنجازا، وهي الصّورة السّطحيّة والمثاليّة التي تُسوّقها الحكومة عبر انتقاء المؤشّرات التي تخدم مصلحتها، بينما تتجاهل تأثيرها الكيفي على الاقتصاد الكلّي الذي تتناوله كمجالات معزولة فيما بينها لا يتجاوز حدود التعبير عنها مجرّد الأرقام. فهذا التحسّن في القيمة أكثر منه في الكميّة، بمعنى أنّه تحسّن مالي ناتج بالأساس عن تراجع الواردات، وقد كان على حساب منظومة الإنتاج لأنّ الحكومة انتهجت سياسة الحدّ من الواردات، ليس في مجال الكماليّات والسّلع المقلّدة أو السّلع التي تُنافس المنتوجات المحليّة عن طريق مراجعة رخص التّوريد التي تحتكرها منظومة الرّيع، بل استهدف تخفيض الواردات في الموادّ الاستهلاكيّة الأساسيّة (الحبوب، الزّيوت النباتيّة…) التي تحتكر الدّولة توريدها. إضافة إلى تراجع توريد الأدوية وتراجع توريد المواد الأولية والنصف مصنّعة بـ 6.4% تحت يافطة ترشيد الواردات.
إذا كان المعنى الاقتصادي لعمليّة التّرشيد “La rationalisation” هو الاستغلال الأمثل للموارد المُتاحة من أجل دفع الإنتاجيّة، فما تقوم به الحكومة هو وضعيّة معاكِسة تماما. فعلى الصّعيد الوطني كان العنوان الأبرز للسنة الفائتة نُدرة الموادّ الأساسيّة، والذي مَثّلَ مدخلا لانتشار مظاهر الغشّ والتحيّل وضرب بعض القطاعات التحويليّة بالخصوص في مجال الزّيوت النباتيّة والمخابز وانجرّ عن ذلك فقدان مواطن الشّغل. كما أنّ تقلّص استيراد الموادّ الأوليّة والنّصف مصنّعة أثّر على تواصل انخفاض القيمة المضافة في القطاع الصّناعي، في السنة الماضية، والذي سجّل ذروة تراجعه في الثلاثي الرابع بـ 1.5% بحساب الانزلاق السّنوي بالتوازي مع تراجع الطّلب الداخلي (نفقات الاستهلاك والاستثمار) بنسبة 0.2% خلال الثلاثي الثالث من السنة الماضية بحساب الانزلاق السّنوي، في سياق يتّسم بارتفاع كلفة التّمويل وإشكالات في التزوّد. لذلك لم يكن تراجع عجز الميزان التجاري ناتجا بشكل صرف عن تطوّر الصادرات أو عن وضع حدّ للتوريد العشوائي وإنّما على حساب الإنتاج.
كما تُكرّس الحكومة من خلال الوثيقة التأطيرية لميزانيّة الدّولة لسنة 2025 منهج رئيس الجمهوريّة القائم على الاستثمار السّياسي في التضخّم، بإعتبار أنّ المنحى التنازلي لهذا الأخير يعود فقط إلى التحكّم في مسالك التوزيع والتصدّي للاحتكار والتهريب والمضاربة، والتي تُعتبر رواية مثاليّة لقدرتها الدّائمة على تغذية المقاربة الشعبويّة في التعامل مع ظاهرة الفساد. وإذ يقتضي التوضيح أنّنا لا ننكر ظواهر الاحتكار والتهريب والمضاربة التي نَمَت مع انطلاق مسار الخوصصة منذ سبعينات القرن الماضي، إلا أننا نُنكر بالمقابل على رئيس الجمهوريّة وحكومته التوظيف السّياسي للظواهر الاقتصاديّة ونشير إلى أنّ سياسة الدّولة تمثّل مدخلا لهذه الظواهر. حيث أدّى التمشّي الرسمي إلى تهميش العوامل المحدّدة والمهيمنة التي تنتجها السّياسات العموميّة على حركة الأسعار، على غرار اضطراب الأسواق المرتبط بتقلّص العرض والذي أدّى إلى تنامي ظاهرة التهريب عن طريق غزو الموادّ المهرّبة كالسكّر والقهوة والأرزّ للسوق التونسيّة، بالإضافة إلى الارتباط العضويّ للاحتكار بمنظومة الرّخص التي تقيّد النشاط الاقتصادي، كما تقصي الرّواية الرّسميّة ارتباط ارتفاع كلفة الإنتاج بنسق الأسعار خاصة في القطاع الفلاحي.
علاوة على ذلك يشير الخطاب الرسمي حول التضخّم إلى التنافر بين السّياسة الماليّة للحكومة والسّياسة النقديّة للبنك المركزي، والذي يُرجع تباطؤ نسق ارتفاع الأسعار إلى تراجع الطّلب الدّاخلي. وبشكل أكثر جليّ يُبرز ذلك الهوّة بين خطاب السّلطة حول المنجز الاقتصادي وبين الواقع الاقتصادي الشّعبي المحسوس، فالتّراجع البطيئ في نسق الأسعار يُبقي التضخّم في مستوى مرتفع بمعدّل 9.3% لسنة 2023، والأهمّ من ذلك أنّه يَحمل في طيّاته مؤشّرا مفزعا تتغاضى عنه الحكومة وهو مساهمة مجموعة التغذية والمشروبات في التضخّم بـحوالي 40% على نحو يهدّد الحاجيات البشريّة الأوليّة.
وقد أفضتْ النتائج الأوليّة لتنفيذ ميزانيّة الدولة لسنة 2023، إلى انخفاض طفيف في حجم الدّين العمومي ليبلغ 76.3% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 79.9% سنة 2022. هذا الانخفاض هو نتيجة تراجع موارد الاقتراض بالعملة لمحدوديّة الولوج للسوق الماليّة العالميّة، لكنّه لا يلغي حاجيات التمويل العمومي الملحّة والتي يقع تغطيتها عن طريق السوق الماليّة المحليّة وأدّت إلى ارتفاع ملحوظ في منسوب الدين الداخلي الذي قفز من 34.1% سنة 2020 إلى 44.4% سنة 2023، من الدّين الإجمالي للدّولة. والأهمّ من الأرقام في حدّ ذاتها، هو أنّ معظم الموارد تُوجّه لسداد مستحقّات سابقة للدّولة وليس بغرض التّنمية، كما هو الشأن بالنّسبة للقرض الأخير الذي تحصّلت عليه الحكومة من البنك المركزي بقيمة 7000 مليون دينار، سحبت منه إلى حدّ الآن 3000 مليون دينار خُصّصت لخلاص قرض رقاعي من السوق العالميّة أُصدِرَ سنة 2017. ولا عجب في أنّ “منظومة 25 جويلية” تُشيد “بالنجاح الاقتصادي-السياسي” للسّلطة لقدرتها على سداد الدّيون الخارجيّة في آجالها، بل أكثر من ذلك تعتبره انتصارا للسّيادة الوطنيّة المزعومة.
منهجيّة تُدِين الإنفاق العمومي
تُحيل منهجيّة إعداد الميزانيّة إلى فلسفة الحكومة في الإنفاق العمومي. ويَندرج إعدادها في إطار الميزانيّة متوسّط المدى للفترة 2025-2027، حسب الهيكلة الجديدة التي أقرّها القانون الأساسي للميزانيّة لسنة 2019. ومن المهمّ الإشارة إلى أنّ هذا القانون حديث العهد يتعارض مع “دستور 25 جويلية” لأنه لا يتضمّن نظام الغرفتين (مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم) للمصادقة على ميزانيّة الدّولة وفق دستور الرّئيس، والذي ينصّ أّيضا على أنّ رئيس الجمهوريّة يضبط السّياسة العامّة للدولة، بينما يُعطي قانون الميزانيّة هذه الصلاحيّة لرئيس الحكومة. ويمثّل قانون الميزانيّة المرحلة الأخيرة في مسار تكريس “منظومة التصرّف في الميزانيّة حسب الأهداف” الذي انطلق منذ سنة 2003، وهي منظومة تصّرف جديدة في الماليّة العموميّة. كان اعتماد هذا التمشّي -المعمول به في الدّول الرأسماليّة- أحد أوجه التبعيّة والإلحاق بالمركز الأوروبي، فقد كان أحد بنود “خطّة عمل الجوار” ضمن اتّفاقيّة الشراكة الممضى مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995 وتمّ تركيزه بدعم فنّي ومالي من فرنسا والبنك الدّولي والاتحاد الأوروبي في إطار عولمة أساليب التصرّف للسّيطرة على صيرورة تطوّر دول الهامش بما يتوافق مع مصالح دول المركز.
تصبّ توجيهات المنشور في إطار مزيد الضّغط على النّفقات، أو بالأحرى مزيد من التقشّف بغية النّزول بالمؤشّرات الماليّة إلى مستوى “التّوزانات الماليّة” الذي تطلبه الجهات المانحة والذي تتبنّاه السّلطة. على رأس هذه “التّوزانات” يأتي هاجس السّلطة في تقليص حجم نفقات التأجير من الناتج المحلي الإجمالي. حسب المنشور، سجّلت كتلة الأجور خلال 2023، 13.6% من الناتج الإجمالي. وحسب إطار الميزانيّة متوسّط المدى 2023-2025 تَسعى الحكومة للنزول بتلك النسبة إلى حدود 12.9% خلال السنة القادمة إلى غاية الوصول بها إلى ما دون 12% وفق الإصلاحات التي طرحها صندوق النقد الدولي. ولبلوغ ذلك الهدف، ستُواصل الحكومة -في إطار ما تعتبره إصلاح قطاع الوظيفة العموميّة- تجميد الانتداب وأكثر من ذلك عدم تعويض الشّغورات التي دعا المنشور إلى السعّي إلى تغطيتها بإعادة توظيف الموارد البشريّة. هذا الإجراء يمكن أن يكون صالحا جزئيّا في الوظائف الإداريّة، لكنّه بدون معنى بالنّسبة للوظائف التي تتطلّب الاختصاص وتشكو نقصا كبيرا في الموارد البشريّة مثل مجالات التعليم والصحّة والهندسة. وكان رئيس الجمهوريّة قد أصدر أمرا رئاسيّا سنة 2022 يتعلق بالتنقل الوظيفي للأعوان العموميين لفائدة الوزارات والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، وفق مقاربة قانونيّة بحتة للحراك الوظيفي إنطلقت فيه حكومة إلياس الفخفاخ سنة 2020 عبر الأمر الحكومي المتعلق بالحراك الوظيفي للأعوان العموميّين لفائدة الجماعات المحليّة. وبعد أكثر من سنتين على سريان مفعول الأمر الرئاسي و4 سنوات بالنّسبة للأمر الحكومي لم تُصدر الحكومة أيّة وثيقة إحصائيّة أو تقييميّة لهذا المسار الذي لم يعكس في الواقع أيّ أثر على حال الإدارة وسوء توزيع الموظّفين جغرافيّا ومؤسّساتيّا.
إضافة إلى ذلك، سيتواصل العمل بالحدّ من التّرقيات المستحقّة عن طريق الاكتفاء بنسبة لا تتجاوز 40% ممن تتوفّر فيهم شروط التّرقية بالنّسبة للتّرقيات العادية، بما يعني أنّ الحكومة ماضية في ضرب محفّزات العمل في القطاع العام. فإلى جانب ضعف الأجور وتجميد المنح ستَحرم 60% من حقّهم في الارتقاء الوظيفي. وكمؤشّر على ذلك، قامت وزارة الصحّة في بداية العام الحالي بمراسلة 200 طبيب حديثي التخّرج لانتدابهم، إلا أنّها تفاجأت بمباشرة 6 فقط من بينهم العمل، بينما فضّل البقيّة العمل في القطاع الخاصّ أو الهجرة. يبدو ذلك نتاجا طبيعيّا لمقاربة السّلطة الأحاديّة لبرنامج إصلاح الوظيفة العموميّة، والذي تَقرنه بشكل شبه حصري في نفقات التأجير التي تسعى على نحو مسعور للتّخفيض فيها، بينما تتغاضى عن الإصلاحات الهيكليّة الضّروريّة لتحديث الإدارة على غرار الرقمنة والحدّ من البيروقراطيّة ومراجعة سلّم الأجور وإعادة توزيع الموظّفين في إطار رؤية علميّة تتوفّر على قاعدة بيانات موحّدة، وتأخذ بعين الاعتبار الجانب السّياسي الاجتماعي.
مقابل تجميد الانتداب في الوظيفة العموميّة، لا تطرح السّلطة بديلا في مجال الاستثمار العمومي بشكل مباشر أو عن طريق تحفيز القطاع الخاصّ، يمكّن من التخفيض في نسبة البطالة التي صعدت في الربع الأخير من السنة الفائتة من 15.2% إلى مستوى 16.4% بحساب الانزلاق السنوي. يبدو ذلك جليّا من خلال التّعتيم الممنهج من قبل رئيس الجمهوريّة وحكوماته المتعاقبة لمعضلة البطالة سواء على مستوى الخطاب أو على مستوى النّصوص باعتبارها أحد مآزقه السّياسيّة. فالجزء المخصّص لنفقات الاستثمار ينصّ في معظمه على إجراءات إداريّة روتينيّة لا ترتقي لمستوى توجيهات صادرة عن رئيس حكومة، على غرار طلب “إحكام إعداد كراسات الشّروط والتسريع في تجسيم مكونات المشاريع” و”التأكّد من توفّر جميع الشروط اللازمة لترسيم المشاريع وعدم الاكتفاء بالدراسات الأوليّة وتحيين الدّراسات الفنية” أو “ضبط تكاليف المشاريع والبرامج وضبط روزنامة دقيقة لآجال تنفيذها وتسليمها”. غير أنّها تعكس في ذات الوقت حالة العبث التي تسود الاستثمار العمومي في كافّة مراحله وسوء التصرّف في موارد تمويله المتأتيّة أساسا من الاقتراض الخارجي والتي أكّدها تقرير جرد وضبط وضعيّة القروض والهبات المسندة للدّولة في العشريّة اللاّحقة لاندلاع الثورة وفق الوثيقة المسرّبة التي تحصّلت عليها المفكّرة القانونيّة. حيث بيّن التّقرير حجم الإخلالات الهيكليّة في حوكمة المشاريع العموميّة التي تؤدّي إلى التّرفيع في كلفتها وتقلّص أو انعدام جدواها، بالإضافة إلى عدم قدرة الإدارة على استهلاك كافّة نفقات الاستثمار العمومي رغم ضحالتها والتي من المتوقّع ألا تتجاوز 5.8% من الناتج المحلّي الإجمالي خلال سنة 2023 و5.9% بالنسبة للسنة الجارية. ومن غير المنتظر أن تسجّل ارتفاعا ذو قيمة في ظل توجيهات المنشور التي تأكّد محدوديّة نفقات الاستثمار عبر إعطاء الأولويّة المطلقة لاستكمال المشاريع المتواصلة.