ممثّل النيابة العامة العسكريّة يطلب البراءة للناشط خلدون جابر: حكم يفضح تلفيق الأجهزة الأمنيّة التّهم ضد المتظاهرين


2020-10-08    |   

ممثّل النيابة العامة العسكريّة يطلب البراءة للناشط خلدون جابر: حكم يفضح تلفيق الأجهزة الأمنيّة التّهم ضد المتظاهرين

يوم 13 تشرين الثاني 2019 استدرج الصحافي والناشط خلدون جابر من بين المتظاهرين على طريق القصر الجمهوري في بعبدا من قبل عناصر أمنيّة بلباس مدني، لم يعرف حينها لأيّ جهاز تتبع. قام العناصر بضربه واعتقاله ثم تعذيبه وإخفائه لمدّة 18 ساعة من دون السّماح له بإجراء اتّصال هاتفي. وفوجئ بعدها بأنّه تمّ الادّعاء عليه من قبل النيابة العامّة العسكريّة بمعاملة العناصر الأمنية بالشدّة فيما تمّ حفظ شكواه في دعوى التعذيب التي تقدّم بها بعد الإفراج عنه. أمس الأربعاء في 7 تشرين الأوّل 2020، خرج جابر من المحكمة العسكريّة حاملاً براءته من التّهم التي وجّهت إليه، بتأييد من ممثل النيابة العامّة أمام المحكمة العسكريّة القاضي هاني حجّار الذي ترافع طالباً براءة جابر لعدم توفّر أيّ جرم عسكري بحقّه.

“سحلوني في الشارع، اعتدوا عليّ بالضرب، ونقلوني إلى مركز مجهول، لم يتوقّفوا عن ضربي إلّا إلى حين بصقت الدماء من فمي”. هذا ما جاء في شهادة جابر أمام المحكمة العسكريّة الدائمة في بيروت برئاسة العميد منير شحادة، حيث خضع جابر للاستجواب في الدعوى المقامة ضدّه بادّعاء من النيابة العامّة العسكريّة عليه بجرائم معاملة قوى الأمن بالشدّة، وشتم المؤسّسة العسكريّة وشتم رئيس الجمهوريّة. جابر الذي تلقّى ما تيسّر من تعنيف وضرب خلال التحقيق معه لدى جهاز أمني  كان يجهله، تبيّن لاحقاً أنّه مخابرات الجيش، فتمّ الادّعاء عليه رغم كونه المعتدى عليه، ليخرج أمس من المحكمة العسكريّة حاملاً حكماً من المحكمة العسكريّة يُؤكّد براءته من معاملة قوى الأمن بالشدّة وشتم المؤسسة العسكرية فيما أعلنت المحكمة عدم اختصاصها في جرم “شتم رئيس الجمهوريّة”، هذا إضافة إلى موقف النائب العام القاضي هاني حجّار الذي ترافع خلال الجلسة وطلب البراءة لجابر لعدم وجود دليل على قيامه بالتّهم الموجّهة إليه، بخاصّة أنّ الموجز الذي أرسله جهاز مخابرات الجيش المرسل إلى النيابة العامّة ينحصر فقط في مجال “شتم رئيس الجمهوريّة” التي هي من اختصاص القضاء العدلي وليس المحكمة العسكريّة.

رفض للمحاكمات العسكرية للمدنيين

جلسة جابر واكبها حضور عشرات المتضامنين الّذين تواجدوا خارجاً للتعبير عن تضامنهم معه ورفضاً لمحاكمة المدنيين عسكرياً، وحضر إلى جانبه في المحكمة ثلاثة محامين من لجنة الدفاع عن المتظاهرين هم غيدة فرنجيّة وأيمن رعد وحلا حمزة. ووصلت أصداء الحراك التضامني خارجاً إلى داخل القاعة حيث توجّه القاضي شحادة لجابر قائلاً قبل المباشرة بالاستجواب: “في ناس ناطرينك برّا”. وأضاف مطمئناً، “إن كنت بريئاً من التّهم الموجّهة لك ستحصل على البراءة”. وباشر القاضي شحادة باستجواب خلدون سائلاً إياه عن يوم اعتقاله في بعبدا وعن التّهم الموجّهة إليه، فأجاب خلدون، “كنت أمارس حقي في التعبير عن الرأي ضد الفساد في السلطة”. وأضاف، “استدرجني شخص بلباس مدني وقال لي أنّه يريد أن يتحدّث معي جانباً بعيداً عن مكبّرات الصوت، ثم فوجئت بشخصين إضافيين جاءا سريعاً وسحلاني أرضاً وانهالوا جميعاً عليّ بالضرب وسحبوني إلى سيارة واعتقلوني ثم قاموا بتغطية عينيّ، من ثم خضعت للتحقيق وأنا معصوب العينين طيلة الوقت”. قاطعه القاضي شحادة طالباً منه أن يحدّد ما كان يفعله خلال تواجده في التظاهرة، أجاب خلدون “كنت أتظاهر وأهتف ممارساً حقي في التعبير”. سأله القاضي شحادة: “هتافات من أيّ نوع”، أجاب جابر: “يلّا إرحل يلّا فل إنت منّك بيّ الكلّ” مضيفاً “ليس هتافاً يتضمّن شتائم”، وهو هتاف اشتهر خلال انتفاضة 17 تشرين ضد رئيس الجمهوريّة ميشال عون.

عندها سأله القاضي شحادة إن قام بشتم رئيس الجمهوريّة، فاعترضت وكيلة جابر المحاميّة غيدة فرنجيّة مؤكدّة للمحكمة أنّ شتم رئيس الجمهوريّة ليس جرماً من صلاحيات القضاء العسكري ولا يجوز استجوابه حوله. فبرّر القاضي شحادة سؤاله بـ “إنني أستفسر عمّا حصل معه تحديداً في ذلك اليوم”.

وسأله القاضي شحادة عن عبارة “لو بدّه يصير في دم وشهداء وقواص بدنا نوصل ع بعبدا”، التي دونّها جابر على صفحته على فيسبوك فردّ تلقائياً على رئيس المحكمة بأنّ هذا “من صلاحيات مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتيّة” في تأكيد منه على عدم صلاحية المحكمة العسكرية باستجوابه حول هذه المنشورات. وأبدى جابر معرفة واسعة في حقوقه التي يكفلها الدستور اللبناني الذي استعان فيه ليؤكد أنّ تواجده في التظاهرة ودعوة الناس للمشاركة فيها لا تتخطى ما ورد في الدستور أو في القوانين اللبنانيّة.

وبدوره، سأل المدّعي العامّ العسكري القاضي هاني الحجّار جابر أسئلة استفسر من خلالها إن كان جابر قد أقدم على التضارب مع أي من القوى الأمنيّة المتواجدة في التظاهرة أم بعدها خلال اعتقاله، فنفى جابر حصول أي تضارب مع أحد خلال التظاهرة، وأنّه عندما تمّ ضربه من قبل أشخاص مدنيين لم يكن يعلم أنّهم عناصر عسكريّة حاول مقاومتهم كردّ فعل طبيعي.

وطلب محامو الدفاع عن جابر السماح لهم بتوجيه الأسئلة إلى المدّعى عليه، فسألته فرنجيّة عن تعرّضه للضرب خلال التحقيق، فأجاب: “نعم ولم يتوقف الضّرب العنيف إلّا حين بصقت دماءً من فمي”. ورداً على سؤالها “هل تعلم عند أيّ جهاز كنت محتجزاً؟”، أجاب بالنفي. وعن “ما هو الضرر الناتج عن العنف الذي تعرّضت له؟”، أجاب: “فقدت 70% من سمعي في أذني اليمين، وأصبت بكسر في الأسنان، ورضوض في الجسد وغيرها من الإصابات التي أكّدها تقرير الطبيب الشرعي”. وأضاف، “هذا غير الصّدمة النفسيّة التي أعاني منها حتى اليوم”. وسألته فرنجيّة ما إذا كان قد تقدّم بشكوى ضد الجهاز الأمني الذي تعرّض له بالضرب خلال التوقيف والتحقيق، فأكد أنّه تقدم بشكوى تعذيب ولكنّها حفظت ولم يتم التحقيق فيها.

وبعد الاستجواب، أشار العميد شحادة إلى أنّ “هناك سوء فهم تجاه المحكمة العسكريّة، فهنا يوجد نيابة عامّة وقضاة تحقيق ومحكمة تمييز… وليس كلّ من دخل إلى هذا المبنى هو يُحاكم عسكرياً”. وأوضح أنّ المحكمة العسكرية تستدعي من ادّعت بحقّه النيابة العامّة العسكرية. وأضاف، “الناس تصلها الأمور خطأً فتقوم بالتظاهر عند رئيس المحكمة”. واعتبر القاضي شحادة أنّ “هذه المحكمة لن تظلم أحداً”.

ممثل النيابة العامّة العسكرية يعدّل موقف النيابة بعد قراءة الملف: لا يوجد أيّ جرم عسكري

وقبل أن يتّجه العميد شحادة إلى المرافعات، طلب القاضي حجّار مهلة لقراءة ملف جابر قبل التوجّه إلى المرافعة. وبعد قرابة ربع ساعة، استأنفت الجلسة بمرافعة القاضي حجّار التي تضمّنت طلبات قانونية وصفتها لجنة المحامين أنّها “موقف قانوني نادراً ما يحصل”. المرافعة استهلّها ممثل النيابة العامّة القاضي حجّار الذي شرح بأنّ “موجز التسليم الذي قدمّه جهاز مخابرات الجيش إلى النيابة العامّة حدّد التهم الثلاث التي ادعّت بها النيابة العامّة العسكرية في حين اقتصر محضر التحقيق على أسئلة وجّهت إلى جابر حول شتم رئيس الجمهوريّة وحول آراء ينشرها على فيسبوك ولم يأت المحضر على ذكر أيّة أسئلة وجهت لجابر حول معاملة قوى الأمن بالشدّة أو شتم المؤسسة العسكريّة والتي هي من اختصاص المحكمة العسكريّة للنظر فيها”. ولهذه الأسباب، طلب القاضي حجّار في مرافعته “براءة جابر من التّهم الموجّهة إليه، وإعادة الملف إلى النيابة العامّة العسكريّة لإعادة النظر في تهمة شتم رئيس الجمهوريّة لعدم اختصاص المحكمة العسكرية للنظر فيه”.

وتقدّم وكلاء الدفاع عن جابر بمذكّرة هي بمثابة مرافعة خطيّة تضمّنت تقرير الطبيب الشرعي غابي مشعلاني الذي عاين جابر فور الإفراج عنه وحدّد مدّة تعطيل عن العمل بعشرة أيّام على الأقل، بالإضافة إلى إفادة عن قرار النيابة العامّة العسكرية بحفظ شكوى التعذيب التي تقدّم بها جابر بدون أي تحقيق. وترافعت المحاميّة غيدة فرنجيّة شفهياً، طالبة “إبطال التعقّبات بحق جابر لعدم توفّر أيّ جرم، وعدم إحالة الملف حول شتم رئيس الجمهوريّة إلى القضاء العادي لأنّ القانون يمنع الاستناد إلى أقوال انتزعت تحت التعذيب”. كما عرضت فرنجية أسباب رفض المدنيين لمحاكمتهم أمام القضاء العسكري كونه ليس المكان الطبيعي لهم وشددت أنّ ممارسات النيابة العامّة العسكرية بتلفيق التّهم العسكرية للمدنيين والادّعاء بحقّهم من دون أيّ أدلة وبجرائم غير عسكرية يعزّز من هذه القناعة، وشدّدت أنّ الضرر من هذه الممارسات لا يقتصر على المدّعى عليهم بل يشكّل هدراً للمال العامّ في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد.

وبعد صدور حكم براءته، أدلى جابر لـ “المفكرة” بأنّ “الحكم كان متوقّعاً بالنسبة إلي، بسبب طمأنتي من قبل المحامين من لجنة الدفاع عن المتظاهرين الّذين توكّلوا بالدفاع عنّي”. وأضاف: “أرى أنّه حكم عادل، أثبت أنّه يجب ألّا نُحاكم على أفكارنا وأعمالنا المحقّة المتّصلة بالتعبير عن الرأي”. ومع ذلك، يبقى أنّ جابر الذي تم حفظ ملف شكوى التعذيب التي تقدّم بها إلى النيابة العامة الاستئنافيّة في بيروت، ضد جهاز مخابرات الجيش يرى أنّه لم يتمكّن من الوصول إلى العدالة فيها بعد، ويعزم على إعادة تقديمها من جديد متمسّكاً بحقّه بمحاكمة من تعرّضوا له بالتعذيب.

وأصدرت “لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين” بعد صدور الحكم بياناً أكدّت فيه على أنّ “حكم البراءة الصادر عن المحكمة العسكرية يظهر إدانته لممارستين: أولاً، أنّ العديد من قضاة النيابة العامّة لا يبذلون جهداً لقراءة التحقيقات بل يعتمدون على ما تورده الأجهزة الأمنية من تهم ملفّقة وتعسفية من أجل إحالة المدنيين أمام القضاء العسكري، مما يشكّل هدراً للمال العام وموارد القضاء ويضعف ثقة المدنيين بعدالة القضاء العسكري”. وأضاف البيان، “يظهر من ناحية ثانية جدية لدى البعض الآخر من قضاة النيابة العامّة ورفضهم الإدعاء بطريقة عشوائية ودون الاستناد إلى أدلة جديّة”.

وثانياً، “يدين الحكم ممارسات مخابرات الجيش التعسفية والمخالفة للقانون المتمثلة بتوقيف المتظاهرين والتحقيق معهم حول انتقاد رئيس الجمهورية في تجاوز واضح لصلاحيتها. وهي ممارسات تبقى بدون محاسبة لا سيما من النيابة العامة العسكرية التي حفظت شكوى ضحايا التعذيب لدى المخابرات.” وكرّرت لجنة المحامين “موقفها الرافض للمحاكمات العسكرية للمدنيين، وأكدت “اعتراضها على ممارسات النيابات العامة التعسفية والعشوائية التي تتهم الناشطين بارتكاب جرائم دون أي دليل جدي على وجود جرم”.

للاطّلاع على شهادة خلدون جابر، يرجى مشاهدة هذا الفيديو

للاطّلاع على أسباب انعدام شروط المحاكمة العادلة أمام القضاء العسكري، الرّجاء قراءة هذا الملخص

انشر المقال

متوفر من خلال:

حراكات اجتماعية ، قضاء ، انتفاضة 17 تشرين ، المرصد القضائي ، أجهزة أمنية ، محاكم عسكرية ، حركات اجتماعية ، قرارات قضائية ، اختفاء قسري ، حرية التعبير ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني