تتواصل دعاوى تلويث الليطاني. وفيما واصلت “المفكرة” متابعة جلسات المحاكمات المنعقدة في زحلة والتي بدأت تثمر أحكاما ندرسها على حدة، سجل خلال الأسبوع الفائت انعقاد عدد من الجلسات أمام محكمة بعلبك.

 

11 قضية أمام محكمة زحلة

بتاريخ 2 نيسان 2019، تم النظر في أحد عشر ملفاً من ملفات تلوث نهر الليطاني أمام القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف، وذلك على خلاف الجلسات السابقة، حيث كان معدل عدد الملفات يقارب 30 في كل جلسة. كما صدر في اليوم نفسه حكما إدانة بحق معملي “ألبان وأجبان” و”أحجار باطون ننشر تعليقا بشأنهما على حدة، وقرار إعدادي آخر بحقّ صاحب مبنى ومحال تجارية على مقربة من نهر الليطاني. وقد جاء في القرار الأخير بأن الملف غير جاهز للحكم، بحيث يقتضي التأكد من قيام المدعى عليه بوصل المياه المبتذلة إلى شبكة الصرف الصحي.

حضر الجلسة المدعى عليهم من المؤسسات الصناعية على تنوعها، معامل ألبان وأجبان، حجارة باطون، بطاطا مجلدة، ومواد غذائية. وتخلل الجلسة استماع إلى إفادات بعض المدعى عليهم، وتسليم بعض تقارير الخبراء. وأرجئت جلسات هذا النهار إلى تاريخي 24 نيسان و 29 آيار، على أن يصدر حكمان بتاريخ 14 أيار 2019 بحق معمل “باطون”، ومعمل “ألبان وأجبان”.

خلال الجلسة، طلب وكيل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني المحامي علي عطايا من المحكمة تكريس حق المصلحة بالكشف الدوري على المؤسسات الصناعية سنداً للمادة 102 من قانون المياه رقم 77/2018. وتسمح المادة المذكورة للمؤسسات الاستثمارية العامة للمياه مثل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني التحقق من المخالفات، فتتيح لها الدخول إلى المنشآت الصناعية والكشف عليها والحصول على الوثائق المتعلقة بأجهزتها وأخذ العينات والتدابير الضرورية. كذا، وسنداً للمادة 103 التي تُتيح للمحكمة المختصة أن تفرض إعادة تأهيل الوسط المائي أو النظام البيئي، طلب عطايا أن تُلزم المحكمة أصحاب المنشآت الصناعية الأخذ بتوصيات الخبراء لا سيما تركيب العدادات على محطات التكرير. ويُشكل العداد بحسب عطايا، “الوسيلة الموثوقة لتحديد كميات المياه التي يتم تكريرها، ليتم مقارنتها مع حجم الإنتاج تحسباً من إعطاء معلومات غير صحيحة في وقت لاحق”.

 

محطات التكرير: ما ضمانة فعاليتها؟

يجري المسار القضائي في هذه الدعاوى على إلزام المؤسسات الصناعية المدعى عليها بأن تقوم بمعالجة المياه الصناعية الناتجة عنها، واعتماد إجراءات مثل تركيب محطات تكرير للمياه.

والحال أن بعض المؤسسات لجأت إلى تركيب محطات تكرير ولم تصل إلى النتيجة المطلوبة. إذ تبين في عدد من الملفات أن نتائج الفحوصات المخبرية تُشير إلى أن عمليات التكرير التي تحصل ليست فعالة بنسبة 100%، وفقاً لما جاء في تقارير الخبراء. لهذا يقوم الخبير البيئي بتدوين التوصيات التي يراها مناسبة للوصول إلى النتيجة المطلوبة. وكان لافتاً إشارة الخبير زياد أبي شاكر في تقرير خاص بمعمل ألبان وأجيان أنه يقوم بدراسة طريقة لتكرير أمصال الألبان لتصبح المياه صالحة للاستخدام من جديد، على أن يكشف عن الطريقة عند الانتهاء من الدراسة.

من ناحية أخرى، تظهر شكوك عند بعض أصحاب المعامل بفعالية هذه الإجراءات، ومفادها أن أصحاب المعامل البعيدة عن نهر الليطاني والتي كانت ترمي ملوثاتها في مجارير الصرف الصحي التي تجري في مجاري البلدية نحو نهر الليطاني، لا تزال تقوم بالأمر نفسه بعد تكرير مياهها الملوثة. ما معناه أن المياه المكررة تعود وتختلط بمياه الصرف الصحي الملوثة، والتي تأتي من المنازل والمؤسسات كافة في نطاق البلديات التي لا تكرر مجاريرها. على هامش الجلسة، تحدثت “المفكرة” مع بعض أصحاب المعامل المدعى عليهم، وهي معامل من الفئة الثالثة، وأبدوا اعتراضا على الطريقة التي يتم فيها معالجة التلوث.

يقول صاحب معمل ألبان وأجبان بأن معمله “يبعد 400 متر عن نهر الليطاني، وخلال الفترة السابقة كانت المياه الصناعية تذهب إلى الصرف الصحي”. يُضيف، “الآن بدأت أكرر المياه الصناعية بعدما قمت بتركيب محطة تكرير وهذه المياه تعود إلى الصرف الصحي لتختلط مع المياه الآسنة”. ويوضح بأن معمله في نطاق بلدية لا تقوم بتكرير الصرف الصحي التابع لها، فلا تزال المجارير تصل إلى نهر الليطاني، ما معناه أنه لا فعالية لهذه الاجراءات”. ويرى صاحب المعمل أنه “هناك تجارب أفضل في نطاق بلديات أخرى، حيث قامت بتركيب محطات تكرير مركزية مثل اتحاد بلديات السهل، وفرضت ضريبة على أصحاب المعامل والمصانع”. بالتالي، يشرح صاحب المعمل أنه دفع ما يُقارب 50 ألف دولار ويُضاف عليها ثمن تجديد الفلاتر ومصاريف الكهرباء”. لذا، “من شأن المحطات المركزية أن تخفف الأعباء المادية عن أصحاب المعامل الصغيرة لتشجعها على الاستمرار” بحسب رأيه.

صاحب معمل باطون يرى بأن “الشركات التي تبيع محطات التكرير لا تخضع للرقابة، ما يعني أنه لا يوجد ثقة بالمنتجات التي نشتريها”. وهذه الشركات برأيه، “ولدت في أقل من شهر، وبدأت اتصالات مندوبي المبيعات التابعة لها تنهال علينا بالعشرات بشكل يومي”. ويعتبر الرجل “أن هذه الشركات تستفيد من هذه المرحلة وتضع أسعاراً غير مدروسة، ومتباينة في أغلب الأحيان”. ويؤكد بأنه “لم يتم توجيهنا إلى حلول أخرى، فقط ألزمونا بأن نركب هذه المحطات، ونحن التزمنا لأننا نريد أن ننتهي من هذا الأمر لأجل كفّ التعقبات عنا”.

من جهته يعتبر وكيل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني المحامي علي عطايا، بأن أصحاب المعامل الذين قاموا بتركيب محطات تكرير كان عليهم انتظار الخبرة الفنية لتكشف على منشآتهم وتوصيهم بتركيب محطة التكرير المناسبة لمعملهم”. كذا ويلفت إلى أن “المياه المكررة من المفترض إعادة استخدامها وليس تحولها إلى الصرف الصحي”.

ولجهة البلديات، يؤكد عطايا أنه “هناك ملف يتم البحث فيه عند النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، ويرجح أن يتم “توجيه البلديات لإيجاد الحلول البيئية والمستدامة لمعالجة الصرف الصحي، بعد أن تكون تعهدت بتسوية الوضع”.

بالتالي، يلفت عطايا إلى تجربة بلدة خربة قنافار-البقاع الغربي التي التزمت بحل بيئي مؤقت إلى حين تركيب محطات التكرير. والتجربة هي عبارة عن تحويل مجرى الصرف الصحي إلى أماكن يتم زرعها بالقصب والنباتات أو ما يشابهها قبل أن تصب في النهر”. وتُشير الصفحة الرسمية للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني على فايسبوك بأن “هذا الحل هو حل طبيعي ومستدام وغير مكلف”.

 

جلسات موازية في بعلبك

بالتوازي مع انعقاد جلسات الليطاني في زحلة، كانت القاضية المنفردة الجزائية لميس الحاج دياب تقوم بعقد جلسات للنظر في ملفات سبع منشآت صناعية في بعلبك-الهرمل. وتميزت الملفات هناك كما ينقل وكيل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني المحامي علي سليم، بالمصانع الكبيرة التي يجري محاكمتها من بينها مصنع “ألبان لبنان Liban Lait” الذي تعتبره المصلحة من الملوثين الكبار في بعلبك -الهرمل. وكانت المصلحة نشرت شريط فيديو في صيف 2018 تُشير فيه إلى قناة طويلة يصب فيها الصرف الصناعي التابع للمعمل، ويذهب مباشرة إلى نهر الليطاني. خلال الجلسة، يلفت سليم إلى أنه تم استجواب المدعى عليهم. وبانتظار ورود تقارير الخبراء تم إرجاء الجلسة إلى تاريخ 30 نيسان 2019.

 

جلسات محاكم الليطاني

القضاء أمام اختبار إحياء الليطاني: الملوّثون يمثلون للمرة الأولى أمام قوس المحكمة

الليطاني يواجه ملوثيه أمام القضاء: 43 ملفاً أمام المنفرد الجزائي في زحلة

استكمال محاكمة ملوثي الليطاني: سياسيون ونافذون أمام قوس المحكمة

ملوثو الليطاني أمام القضاء وسط أصداء ميموزا: هل بدأ العد العكسي لمحاسبة ملوثي البيئة في لبنان؟

إرجاء دعاوى تلويث الليطاني بانتظار تقارير الخبراء: الطقس العاصف حال دون إنجازها

“الليطاني” تتسلح بالقانون لمحاربة المهل الإدارية للملوثين

قضايا تلويث الليطاني بانتظار تقارير الخبراء: النيابة العامة لا تصحح ادعاءها ضد شركة النائب ميشال ضاهر للمرة الثانية

تقدم في محاكمة ملوثي الليطاني: أحكام قضائية قريباً