ملف التمديد في سن التقاعد في تونس: هل سيتقدم اتحاد الشغل بشكوى ضد الدولة التونسية لدى منظمة العمل الدولية؟


2016-04-26    |   

ملف التمديد في سن التقاعد في تونس: هل سيتقدم اتحاد الشغل بشكوى ضد الدولة التونسية لدى منظمة العمل الدولية؟

استمعت صباح الأربعاء 20 آفريل 2016 لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح لوزير الشؤون الإجتماعية والوفد المرافق له بخصوص مشروع القانونعدد 52/2015 المتعلق بتنقيح وإتمام القانون عدد 12 لسنة 1985 المؤرخ في 5 مارس 1985 المتعلق بنظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد وللباقين على قيد الحياة في القطاع العمومي.  وأوضح وزير الشؤون الإجتماعية أن قضية العجز الذي تعرفه الصناديق الإجتماعية مرتبط بافتقاد السيولة بالأساس وليس قضية هيكلية. وأضاف بأن هذه الوضعية ظلت على حالها بالرغم من رفع المساهمات بـثلاث (03) نقاط. وهو ما أثّر بصفة مباشرة على الوضع المالي للصندوق الوطني للتأمين على المرض بسبب تزايد عدد المتقاعدين ونقص عدد المساهمين.

كما أفاد مستشار وزير الشؤون الاجتماعية في مداخلته بأن إرساء منظومة الترفيع الاختياري في سن التقاعد سيكون من بين الحلول والتصورات المطروحة لمعالجة عجز الصناديق. وأكد على ضرورة تنويع مصادر التمويل، موضحا بأن الوزارة بصدد العمل على هذا المشروع في إطار قانون المالية بعنوان سنة 2017، مع مراجعة بعض المقاييس صلب منظومة التقاعد وإرساء آليات الحماية الإجتماعية لكافة الأطراف وعدم حصرها في فئة المتقاعدين دون غيرهم. واعتبر أعضاء اللجنة أن مشروع القانون المعروض عليهم لا يمثّل حلا لمعضلة عجز الصناديق الإجتماعية. وأكدوا على ضرورة إرساء نظام الترفيع الإجباري المتدرج في سن التقاعد، باعتبار أن اعتماد النظام الاختياري سيكون نخبوياً بالإضافة إلى عدم قدرته على الترفيع في مداخيل الصندوق. كما أشاروا إلى أن هذا المشروع من شأنه أن يسد الآفاق أمام الشباب ويفاقم مشكلة البطالة. وأضاف أعضاء اللجنة، في جانب آخر، بأن مشروع قانون الترفيع الاختياري في سن التقاعد لا يحقق المساواة بين كل الموظفين العموميين بما أن المنتمين للمؤسسات العمومية ذات الصبغة التجارية والصناعية والمنشآت العمومية يخضعون إلى نظام التقاعد في إطار النظام الخاص.

كما تساءل الأعضاء عن مصادر التمويل البديلة وعن نسبة تقليص العجز المنتظرة من خلال الترفيع في سن التقاعد. وطالبوا بتبسيط مفهوم العجز التقني الذي لا علاقة له بالحوكمة وسوء التصرف.

وأوضح وزير الشؤون الإجتماعية في رده على مداخلات أعضاء اللجنة أن إقرار الترفيع الإجباري المتدرج في سنّ التقاعد هو اجراء ضروري، وهو من الحلول المطروحة إضافة إلى الترفيع في مساهمة الأجراء والتقليص في قيمة الجرايات والعمل على إقرار معلوم جبائي يخلق التوازن المالي ويضمن الحد الأدنى من العيش الكريم لجميع المواطنين، خصوصا أمام خطورة الوضعية المتعلقة بالمتقاعدين في ظلّ الوضع الاقتصادي الراهن والضعف المسجّل على مستوى ميزانية الدولة.

ودعا النائب عن كتلة الاتحاد الوطنى الحر توفيق الجمنى الى ضرورة دراسة الصناديق الاجتماعية وظاهرة الفساد التى تنخرها والى العمل على ترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة واستغلال كافة الموارد الاضافية على غرار الترفيع فى معاليم تسويغ العقارات الراجعة لها بالملكية مشيرا الى أن الترفيع فى سن التقاعد قد يسد الآفاق أمام الشباب
.
وطالبت النائب عن حركة النهضة جميلة الكسيكسى بتوفير المعطيات الاحصائية والاسقاطات الممكنة بشأن النتائج المرتقبة لهذا الاجراء وسيناريوهات تنويع مصادر التمويل منادية بتوضيح الرؤية بخصوص الحوكمة ومشاكل سوء التصرف والعجز التقنى واستنفاذ مدخرات الصندوق وعدم توفر السيولة. ولاحظ النائب عن كتلة الحرة محمد الناصر جبيرة عدم الملاءمة بين عمق أزمة الصندوق وطبيعتها ومضمون المشروع فى ظل عدم وجود قناعة قطعية بأن التمديد الاختياري ستكون له النتائج المرتقبة لحلحلة الأزمة مؤكدا أن الصبغة الاجبارية قد تكون الأكثر ملاءمة مع الوضع الحالي.
ودعا وزراة الشوون الاجتماعية ومن خلالها الحكومة الى القيام باستشارة لدى الموظفين العموميين حول الترفيع القانونى لسن التقاعد وهو ما اعتبره الوزير قد يعطل المسار الذى لم يعد يحتمل التأجيل
.
واعتبر النائب عن النهضة عبد اللطيف المكى أن وجود هذا القانون كعدمه بما أنه لا يتضمن حلا ذا جدوى وانما هو مجرد جرعة من الحلول المغشوشة حسب تعبيره.

وطالب مقرر اللجنة محمد سيدهم من جانبه بتعميق التشاور من أجل التوصل الى صيغة أفضل وقرار يحظى بأكبر قدر من التوافق. واعتبر النائب عن النهضة سمير ديلو أن هذا المشروع لن يحل فى أفضل حالاته المشكل بما أنه حل جزئى يتطلب اجراءات مصاحبة متسائلا عن حدود المضى بين الاجبارى والاختيارى والمدة والاجراءات المصاحبة. وخلص رئيس اللجنة محمد جلال غديرة رئيس اللجنة الى أن كل الاسقاطات والتوقعات تمت على أساس الاختيارى وتولد لدى اللجنة توجه نحو ادراج بعض الفصول تتعلق خاصة باجبارية التمديد.

وفي بيان شديد اللهجة صادر بتاريخ 21 افريل عن قسم التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية التابع للاتحاد العام التونسي للشغل ذكّرت المنظمة الشغيلة بتفاصيل اللقاء الذي جمع مسؤوليها باللجنة البرلمانية في 19 افريل الجاري واعتبرت أن الجلسة التي دامت أكثر من 4 ساعات أفضت إلى  قناعتها بان أغلب النواب يؤيدون ملاحظات الاتحاد على مشروع القانون والمتمثلة في اعتبار الإحالة على المعاش في سن الستين هي القاعدة وأن التمديد هو الاستثناء وكما اقروا بواقعية اعتماد الترفيع بسنتين أو خمس سنوات إضافة إلى سلامة تقديم الطلب قبل سنتين عوض خمس سنوات  كما تجاوب النواب مع الاتحاد بحسب تصوره في ما يتصل بمخرجات الحوار الاجتماعي والمحافظة على مبدأ تواصل الدولة. أما من جانب رئيس اللجنة، فقد قال الاتحاد أن موقفه قد تغير اذ تمسك بالاقتصار على نقاش مشروع القانون الأصلي المحال إلى المجلس دون فتح المجال للخوض في نقاط أخرى بينما تمسك وزير الشؤون الاجتماعية في جلسة 20 افريل امام اللجنة برؤية جديدة تختلف جوهريا لا فقط عن الصيغة التوافقية المعبر عنها في محضر جلسة 1 سبتمبر 2015 بل حتى عن المشرع الأصلي المقدم من الحكومة في جويلية 2015. وفي ظل هذا الخلاف المستفحل، عبر الاتحاد عن خيبة أمله مما اعتبره تدني مصداقية الحوار من جانب الحكومة ونقضها مبدأ تواصل الدولة. كما أشار إلى أن الوزارة قد تخلت عن العقد الاجتماعي وتنصلت منه وبالتالي من التزامات الحكومة. كما اعتبر أن ما أسماه التلاعب بالتوافقات السابقة الممضاة في محاضر جلسات نشرت إلى العموم سيحرج بلا شك الدولة التونسية أمام المنظمات الدولية ذات الصلة وخاصة منظمة العمل الدولية المشرفة على التفاوض والإمضاء على العقود الاجتماعية.

وفي ظل هذا الخلاف المستفحل والذي يهدد بتحوله إلى أزمة اجتماعية حادة تنضاف الى الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، قال الاتحاد في بيانه أنه يحتفظ بحقه في تقديم شكاية ضد الدولة التونسية لدى منظمة العمل الدوليّة بسبب إخلالها بالتزاماتها فيما يخصّ ملف التقاعد.ولا شك أن هذا التهديد الذي يصدرعن الاتحاد لأول مرة والذي ينذر على المستوى المحلي بتحريك الشارع للإطاحة بمشروع القانون سواء في صيغته الأصلية التي قدمتها الحكومة في جويلية 2015 ورفضها الاتحاد أو في الصيغة المفاجئة والمثيرة للجدل التي عرضها الوزير ودافع عنها في جلسة 20 افريل والتي تستعيض عن الصيغة الاختيارية بأخرى إجبارية  يأتي تحسبا لقرب فراغ اللجنة من هذا الملف وصياغة تقريرها النهائي الذي سيعرض على الجلسة العامة في غصون شهر على أقصى تقدير. وستواصل اللجنة النظر في المشروع يوم الخميس 28 أفريل  2016 بداية من الساعة التاسعة والنصف صباحا قصد المرور إلى التصويت وحسم القضية بعد ان أعطت مهلة أسبوع للكتل النيابية لتحسم أمرها في هذا الاتجاه أو ذاك في ظل الخلافات المستشرية سواء بين الحكومة والاتحاد أو بين النواب أنفسهم في ملف لعله من اخطر الملفات المعروضة على المجلس النيابي لمساسه بالسلم الاجتماعية، هذا اذا صدق أن الصناديق ستعجز قريبا لفقدان السيولة عن خلاص معاشات الموظفين المتقاعدين وأكثرهم من ضعاف الحال.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني