ملف الأساتذة والمعلّمين غير المُرسّمين: حكاية التضليل وعدم التزام الدولة


2024-08-29    |   

ملف الأساتذة والمعلّمين غير المُرسّمين: حكاية التضليل وعدم التزام الدولة

“شَرُِفنا كل الشرف بمقابلة زعيمنا، رئيسنا قيس سعيّد. إذن رئيسنا أمرني بانتدابكم دفعة واحدة”؛  هذا بعض ما ورَدَ في كلمة ألقتها وزيرة التربية والتعليم السابقة سلوى العبّاسي -تمّت إقالتها يوم 25 أوت 2024- أثنَاء حفل نُظِّم أمام الوزارة يوم 5 أوت احتفالاً بـ”المكسب الاجتماعي التاريخي”، حسب العبارة المُستعملة في بلاغ وزارة التربية الصادر بتاريخ 2 أوت، والذي “أهداَه” رئيس الجمهورية للأساتذة والمعلّمين “النواب” (المُعَوِّضِين) وأعوان التأطير والمرشدين التطبيقيين المتعاقدين بقرار تسوية وضعيتهم التعاقدية. 

وبالرّغم من عدم صُدور أمر ترتيبي مُفصّل، وعدم نشر قائمات وأعداد المُستفيدين من القرار الرئاسي والوزاري، فقد آثرت الوزيرة السابقة دَعوَة منتسبي الأسلاك المذكورة إلى “إحياء ليلة احتفالية” أمام مقر الوزارة “لنتشارك جميعًا هذه الاحتفالية التاريخية، ونقطع مع عهود القهر والإذلال”، مثلما ورد في كلمة الوزيرة. ولم يَخل الحفل من الزغاريد والهتاف باسم رئيس الجمهورية. 

وكان ملفّ النواب والمتعاقدين حاضرا منذ الاجتماع الأول لرئيس الجمهورية بالوزيرة التي عُيّنَت في منصبها مطلع شهر أفريل الفائت وأقِيلَت منه يوم 25 أوت، وتكرّر تطرّقه إليه في الاجتماعات الموالية، وآخرها الاجتماع الذي عُقِد في 2 أوت الجاري عندما أكد  قيس سعيّد على “ضرورة إيجاد حل نهائي للمعلمين والأساتذة النواب إلى جانب المرشدين التطبيقيين وأعوان المخابر وذلك بالاعتماد على معايير واضحة تضمن حقوقهم”. وعقب هذا الاجتماع نشرَت وزارة التربية البلاغ المذكور الذي زَفّت من خلاله بشرى التسوية. 

لكن يبدو أن النبرة الاحتفالية التي هيمَنَت على البلاغ جعلَت الكثيرين لا يدقّقون في تفاصيله. ساد الانطباع بأن كل المَعنيين بالقرار ستتم تسوية أوضاعهم دفعةً واحدة، والحال أن البلاغ يقول بأن “المكسب الاجتماعي التاريخي سيتحقق قريبًا بصدور أمر يُنظم انتداب المتعاقدين كافة، إما دفعة واحدة أو على دفعات”. وما عزّز الخلط وسوء الفهم حديث الوزيرة المقَالَة أمام بهو الوزارة عن  إصدار الرئيس أمرًا بانتداب المحتفلين “دفعة واحدة”. لكن اتَّضحَ فيما بعد أن “الدفعة الواحدة” تخص سلكي أعوان التأطير والمرشدين التطبيقيين -وهم الأقل عدادا – في حين أن تسوية أوضاع مُنتسبي السلكين الآخرين، المعلمين والأساتذة النواب، ستتم على دفعات.  

 مَضت أكثر من ثلاثة أسابيع على بلاغ الوزارة واحتفالية الوزيرة التي لم تُعمّر طويلا في منصبها، لكن القرار الترتيبي لم يصدر بعد، ربما في انتظار ضبط القائمة النهائية للمنتفعين به وجَدولة الدفعات. 

من هم المعنيّون بالقرار؟ 

التّسوية المُنتظَرة تشمل أربعة أسلاك مهنية: أعوان التأطير المتعاقدون، والمرشدون التطبيقيون المتعاقدون، والمعلّمون، والأساتذة “النواب” (المُعوِّضون المتعاقدون).  

خلال جلسة استماع برلمانية لممثلي وزارة التربية في 17 فيفري الفائت، أفادَ المدير العام للموارد البشرية بأن “العدد الجملي في كل الاختصاصات للنواب في التعليم الثانوي الذين قاموا بعملية التحيين يقدر بـ5581 ، أما بالنسبة للمعلّمين النواب فقد أفادَ أن عددهم الجملي يبلغ 5632 من بينهم 2828 قاموا بعملية التحيين وأن آخر دفعة تم تسوية وضعيتها في سبتمبر 2022″، وأكد إنّ عدد أعوان التأطير المُتعاقِدين بلغ 712 عونا، ولم يُقدّم أرقامًا حول المُرشدين التطبيقيين المُتعاقدين. هذه الأرقام لا تُطابِق الأرقام التي صرَّحَت بها سلوى العباسي في وسائل الإعلام التونسية بعيد الإعلان عن “القرار التاريخي”، فقد تحدّثَت عن انتداب 600 عون تأطير و600 مُرشد تطبيقي دفعةً واحدة، وقَدّرَت عدد المعلمين النواب المعنيين بالانتداب بحوالي 3000 معلّم سيقع انتدابهم على دفعتين أو ثلاث، أما الأساتذة النواب الذين تنطبق عليهم مقاييس الانتداب فصرّحت بأنهم أكثر من 8000 أستاذ سيُنتدبون هم أيضا على دفعات. 

فئة أعوان التأطير تَشمَل المُشاركين في مناظرة انتداب القيمين الأول التي نُظِّمَت سنة 2017 ممن تحصلوا على تقييم عشرة من عشرين فما فوق لكن لم يقع انتدابهم بشكل قارّ، وبدلاً من ذلك تمّ توظيفهم بعقود يتمّ تجديدها كل سنة مقابل عدد ساعات عمل أكثر من تلك المفروضة على القيمين المُرَسّمين وبنصف الأجر تقريبا. أما المرشدون التطبيقيون المتعاقدون فهم الملحقون منذ سنة 2019 بالمخابر التابعة للمدارس الإعدادية والثانوية والمُكلّفون بتعهّد محتوياتها وجردها وتحضير ما يحتاجه الأساتذة من مواد وأدوات وتجهيزات في الدروس والامتحانات التطبيقية. وهي تقريبا نفس المهام التي يقوم بها أعوان وتقنيو المخابر المُرسَّمون، لكن المتعاقدين ينالون أجورا وحقوقا اجتماعية أقل.  

مشكلة المرشدين التطبيقيين وأعوان التأطير تُعتبر حديثة وغير معقدة مقارنة بالملف الأصعب، أي المعلمين والأساتذة المُعوضين. وتمتد جذور هذا الملف الشائك إلى ما قبل  20 عاما تقريبا (2006 بالنسبة للمدرسين في الابتدائي، و2008 بالنسبة فيما يخص الأساتذة في الاعداديات والثانويات)، وحتى أبعد. ملف الأساتذة النوّاب هو قبل كل شيء نِتاج معطيين ترسّخَا في تونس مطلع هذا القرن: بطالة حاملي الشهادات الجامعية وتقليص الإنفاق العمومي في مجالات حيوية منها التعليم.  

في ظل اختلال ميزان العرض والطلب، وجدَت الدولة في  طالبي الشغل من المتخرجين منجما من “المُعوّضين” الذين يمكن استغلالهم لسد الشغورات المتزايدة في  مقاعد التدريس، وتعويض المدرسين المرسمين المتحصلين على إجازات قصيرة أو طويلة المدى. وهكذا ضرَبَت عصفورين بحجر واحد، فمن جهة يُمكِنها توفير مدرّسين مقابل مبالغ زهيدة يمكن التخلص منهم بجرة قلم دون أي تعويضات، ومن جهة أخرى تُخفف بعض الاحتقان في أوساط أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل. لسنوات طويلة عمل المعلمون والأساتذة المعوضون أو “النواب” في ظروف لا تختلف كثيرا عن عمّال اليومية، بأجور لا تصل ثلث أجور المدرسين المرسمين ودون احتساب مدة العطل المدرسية وبلا أي تغطية صحية أو اجتماعية (التقاعد).   

بعد ثورة 2011 وسقوط جدران الصمت والخوف، أتاحَت حرية التنظم والاحتجاج والضغط على أجهزة الدولة، وتبني نقابات التعليم في الاتحاد العام التونسي للشغل تدريجيا لقضيتهم، الإمكانية لآلاف المعوضين من فرض انتدابهم بشكل قار كملف للتفاوض مع وزارة التربية. لكن مسار إدماجهم لم يكن مستقيما ومعبّدًا، إذ تخللته عدة هزّات وارتدادات. 

صِداع مزمن 

 نستعرض فيما يلي أبرز الاتفاقيات والقرارات ذات الصلة بانتداب المعلمين والأساتذة المعوضين منذ 2011 إلى اليوم.

-التعليم الابتدائي: 

كانت اتفاقية 15 جوان 2012 بين وزارة التربية ونقَابة التعليم الأساسي أولى الخطوات التي تحقّقَت في مسار إدماج المعلمين المُتعاقدين و”النواب”، إذ تقرّر إثرها انتداب النوّاب والمتعاقدين على أربع دفعات (2012، 2013، 2014 و2015) وفق نسق 1000  انتداب كحدّ أدنى في كل دفعة، وإنهاء العمل بصيغتي النيابة والتعاقد بداية من سبتمبر 2012 وحصر اللجوء إلى النوّاب والمتعاقدين في المراكز الشاغرة عرضيا على أن يقتصر ذلك على من سبق له العمل بإحدى الصيغتين أو بكلتيهما، واعتماد مقاييس مدة العمل والسنّ والأقدمية في الشهادة العلمية لوضع القائمات وترتيب المعنيين بالانتداب. كان يُفترض بهذه الاتفاقية أن تُغلق الملف بشكل نهائي، لكن عدم التزام الوزارة بانتداب الأعداد المتفق عليها، واستمرارها في سياسة النيابات والتعاقد مع معوضين سابقين وجُدُد، تسبَّبَ في توتر الأوضاع مجدّدًا وزيادة عدد المُطالبين بالانتداب والترسيم.  

في 7 ديسمبر 2015، تمّ توقيع اتفاقية جديدة تَقضي بتمتيع النواب والمتعاقدين بالتغطية الصحية، وإعطاء الأولوية لإدماج المشمولين باتفاقية جوان 2012 ووضع قائمات جديدة لانتداب النواب غير المشمولين بها -ممن قاموا بنيابات تمتد 6 أشهر فأكثر ما بين سبتمبر 2006 وجوان 2015- حتى يقع انتدابهم على أربع دفعات (2016، 2017، 2018، 2019). ولم يكن حظ هذه الاتفاقية بأفضل من سابقتها إذ تعطل تنفيذ بنودها وتطلّبَ الأمر توقيع اتفاق آخر في سبتمبر 2016 بنفس البنود تقريبا. ثم صدَرَ الأمر الحكومي عدد 194 لسنة 2017، وتم توقيع اتفاقية جديدة في 8 ماي 2018 صدر على إثرها أمر حكومي جديد (عدد 58 لسنة 2019)، وبعدها اتفاقية 16 نوفمبر 2022 التي تلاهَا صدور الأمر الحكومي عدد 766 لسنة 2023.   

-الإعدادي والثانوي: 
مسار تسوية وضعية الأساتذة المتعاقدين والنواب تأخرّ قليلا عن مسار المُعلّمين وكان أقل زخمًا، لكنه لم يختلف كثيرا من ناحية التعثر والتعقيد. كانت البداية في أكتوبر 2013 إثر توقيع وزارة التربية ونقابة التعليم الثانوي اتفاقية تقضي بانتداب مباشر للنوّاب المتعاقدين الذين دَرّسُوا بالمدارس الاعدادية والمعاهد ابتداء من 14 سبتمبر 2010 إلى غاية 30 جوان 2013 لمدة سنتين دراستين فأكثر، وفق قائمة البيانات المتوفرة لدى وزارة التربية التي يُرَتّب فيها النواب المتعاقدون ترتيبا تفاضليا حسب مادّة التدريس ومدّتها. أما بالنسبة إلى باقي النواب القائمين بنيابات خلال الفترة الممتدة من 2008 إلى 2013 فإنهم يدخلون في باب الانتداب الاستثنائي ابتداءً من السنة الدراسية 2014 2015 على دفعات بنسبة 10٪ سنويّا من تراخيص انتداب أساتذة التعليم الثانوي باعتماد قائمة البيانات المشار إليها. ونصّت الاتفاقية على ضرورة أن يتم تسديد الشغورات الظرفية المستحدثة باعتماد قائمة البيانات المشار إليها وألا يتم اللجوء الى إسناد النيابات من خارج القائمة إلا عند انعدام الاختصاص. 

تمّت تسوية وضعية الدفعة الأولى. لكن تعثّرَ المسار مجدّدا، مع تباطؤ نسق الانتداب وتزايد طول قائمة النواب المعنيين أو المطالبين بالتسوية، تطلّب عَقد اتفاق جديد بين الوزارة والنقابة في أكتوبر 2016 لإدماج 800 أستاذ معوّض، وآخر في سبتمبر 2017 لإدماج 400 معوض في السنة الدراسية 2017-2018، و1200 معوض في 2018-2019. وكما حدَثَ مع المعلمين لم تَلتزم الدولة بتعهداتها، كما أن كثير من النواب احتجوا على مقاييس الانتداب والترتيب التفاضلي للمترشحين. تطلّبَ الأمر اتفاقية جديدة تم توقيعها في أوت 2020 وقضت بانتداب 4000 أستاذ معوّض بنسق 1000 انتداب في كل عودة مدرسية انطلاقا من السنة الدراسية 2020-2021. وتم بالفِعل انتداب الدّفعات الثلاث الأولى في حين تعللت الوزارة بالضغوط المالية لتأجيل انتداب الدفعة الرابعة قبل أن تعقد اتفاقا جديدا مع النقابة -في ماي 2024- وتتعهّد بانتداب المتبقّين مع بداية السنة الدراسية 2024 – 2025. الآلاف إذن تم انتدَابهم لكن هناك أيضا الآلاف ممن لم تشملهم الاتفاقيات وينتظرون تسوية شاملة بمقاييس مخففة.   

نقاط استفهام 

حتى إذا ما افترضنا أننا نعيش فعليا نهاية صداع دام لأكثر من عشر سنوات وأن السلطة ستُنفّذ كل التزاماتها وفق جدول زمني واضح، تظل هناك بعض التساؤلات حول هذا الملف.  

-التمويل:  

توجيهات رئيس الجمهورية لوزيرة التربية السابقة بانتداب آلاف المعلمين والأساتذة ومئات المرشدين وأعوان التأطير في مدة وجيزة؛ هل كَانت قرارا اتّخذ بعد التشاور حوله مع الوزارات المعنية مثل التربية والمالية والشؤون الاجتماعية، أم أن الأمور تسَارعَت فجأة خلال الأشهر الأخيرة من العهدة الرئاسية الأولى لقيس سعيّد، قبيل الانتخابات بأسابيع؟ كيف ستتمّ تعبئة الموارد المالية اللازمة لتثبيت المعوضين والمتعاقدين؟ قانون المالية لسنة 2024 لم يتضمن بنودا خاصة بانتداب المعلمين والأساتذة المعوضين وتسوية وضعية الموظفين المتعاقدين. بالاطلاع على ميزانية وزارة التربية نجد أن  الاعتمادات المالية المرصودة للانتداب والتسوية لا تشمل إلا المتخرجين من المؤسسات والشعب المتخصصة: 2272 من حاملي الإجازة في التربية والتعليم الناجحين في دورة جوان 2022 (بتكلفة قدرها 86،3 مليون دينار) و100 من خريجي دار المعلمين العليا دورة جوان 2023 (بتكلفة قدرها 2،6 مليون دينار). هل يعني هذا أن تكلفة انتداب النواب والمتعاقدين ستُرحّل إلى قانون المالية 2025؟ وفي هذه الحال من أين ستأتي الموارد المالية؟  

-مقاييس الانتداب:  

مع أهمية هذا القرار -والقرارات التي سبقته في نفس المعضلة- لآلاف العائلات التونسية فإن هناك عدة تساؤلات حول مدى عقلانيته وإنصافه وحتى تأثيره على قطاع التعليم. أولا، الحصول على عقود فترات تعويض في المؤسسات التربوية العمومية لم يكن متاحًا لكل حاملي الشهادات الجامعية بنفس السهولة والكيفية. لسنوَات طويلة لم تكُن مندوبيات التربية تضع معايير واضحة تنطبق على الجميع بدون تمييز. شبكة علاقات كل مترشّح ومدى اطّلاعه على الشغورات الموجودة واحتياجات المؤسسات التربوية (خاصة النيابات طويلة الأمد)، وحتى حَجم المعتمدية والولاية التي يقطُنها، كلها عوامل مؤثرة تحدّد فرص كل طالب شغل في مراكمة فترات طويلة من التعويض تشكّل رصيدا يمكّنه من مرتبة جيدة في قائمة الانتدابات التي تُضبط مع كل اتفاقية أو قرار جديدين. معيار السن -المهم في ترتيب المترشحين وتقسيمهم إلى دفعات- هو الآخر إشكالي: هل هو موضوعي ومنصف؟ جزء من المعنيين بالانتداب تتجاوز أعمارهم ال50 عاما، وجزء آخر فوق ال40 عاما، لكن مراعاة ظروف الأكبر سنا لأسباب اجتماعية وإنسانية هل هو مبرر لظلم الأصغر سنا وربما الأكثر كفاءة في مهنة شاقة تتطلب حضورا جسديا وذهنيا كبيرين وقدرة على مواكبة المتغيرات التكنولوجية والاجتماعية-الثقافية. ألم يكن من الأفضل توزيع المنتدبين بين القسم والإدارة والتأطير وبقية الوظائف ذات الصلة بالعملية التربوية؟  

-ماذا عن المستقبل؟: 

حتى في صورة انتداب كل المُعوضين والمتعاقدين من معلّمين وأساتذة وقيمين ومرشدين تطبيقيين، فهل يعني هذا أنه قد تمّ سدّ كل الشغورات فعليا. لا تقدّم وزارة التربية معطيات دقيقة ومحينة في هذا الصدد، وأغلب الأرقام المتداولة هي فقط تقديرات من مهنيي قطاعات التربية ونقاباتهم. وإذا ما تم فعلا سد كل الشغورات، كيف سيتم تعويض المعلمين والأساتذة المرسمين الذين يضطرون لسبب أو لآخر إلى التغيّب عن مواقع عملهم لمدة طويلة (حوادث، عجز مؤقت، عطل مرضية طويلة المدى، حمل وولادة، السفر إلى الخارج ضمن برامج التعاون الفني، الخ)؟ ستكون المؤسسات التربوية في مثل هذه الحالات في حاجة إلى انتداب موظفين بشكل ثابت أو استجلاب معوضين، والحل الثاني هو الأقرب إلى الواقع. ما هي الصيغة القانونية التي ستعتمدها الدولة مستقبلا مع المعوّضين الجدد؟ وكيف تضمن أنها لن تَجدَ نفسها مُجبرة على التفاوض مجدّدًا مع دفعات جديدة من المطالبين بالانتداب بعد بضع سنوات؟  

قطاع التعليم في تونس، بكلّ مراحله، لم يَعد يَحتمل المزيد من العبث والتخبّط والارتجال. ملف النواب والمتعاقدين وكل ما شابَهُ من صيغ هشة و”ترضيات” و”تسويات” عرجاء طال أكثر من اللازم، وتأثيره على استقرار العملية التربوية وجودتها مدمّر. غَلق هذا الملف بشكل مُنصف وشفّاف ونهائي يجب أن يكون بصيغة لا تقبل التأويل والتمطيط والتراجع. ومهما كان المآل فيجب ألا يكون هذا الملف الشجرة التي تُخفي الغابة، فهو ليس إلا أحد أوجه الأزمة المركّبة يتخبط فيها التعليم التونسي منذ سنوات طويلة وتَستوجب إصلاحا تربويا شاملا. إصلاح تؤكد السلطة السياسية القائمة في تونس منذ 25 جويلية 2021 على تشبثها به وجديتها في القيام به، لكن المنجز إلى حد الآن ضئيل، ولا يوازي حجم الخراب وتَسارعه. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، الحق في الصحة والتعليم



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني