حتى نفهم تفاصيل قضية الساعدي معمر القذافي، لا بدّ أن نرجع بالزمن قليلا لتوضيح طبيعة القضية وكيف حدثت. إذ أنّ الساعدي هو الابن الثالث للزعيم الراحل وكان مهووسا بالرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص، بالرغم من عدم تمتعه بالمهارات اللازمة لممارستها. إلا انه استغل نفوذ والده و لعب كرة القدم في أكبر ناديين في ليبيا وهما الأهلي طرابلس والاتّحاد. كما لعب للمنتخب الوطني وكانت له تجربة احترافية فاشلة في إيطاليا. وكانت المفارقة الكبرى أنه أثناء فترة ممارسته للعبة على المستوى الرسمي، ترأس اتحاد كرة القدم في ذات الوقت ضاربا بمعايير الازدواجية وتضارب المصالح، وقد حدثت وقت إشرافه على اتحاد كرة القدم تجاوزات ومخالفات كثيرة للوائح والقوانين المنظمة للعبة من أجل ترضيته .
بسبب هذا الهوس الرياضي، أحتكّ الساعدي بالرياضيين والمدربين والاعلامين وبكل فئات الوسط الرياضي ومنهم المجني عليه لاعب الاتحاد السابق والمنتخب الوطني بشير الرياني والذي قتل في مارس 2005، وعثر على جثته على مقربة من الاستراحة البحرية للساعدي القذافي. وقد سرت شائعات آنذاك باتهام هذا الأخير بتعذيبه وقتله، على خلفية أن الرياني صرح بأن الساعدي “لا يمتلك موهبة كروية“. وقد كان للحادثة في حينها تداعيات مختلفة وأحدثت ضجة كبيرة خاصة لدى الأوساط الرياضية، الأمر الذي دفع بمعمر القذافي إلى الخروج لتهدئة الأوضاع والتعهد بمحاسبة المجرمين على فعلتهم الشنيعة. إلا أنه لم يحدث أي تحقيق جدي فيها وقيدت ضد مجهول، لتعود إلى الواجهة بعد سقوط نظام القذافي.[1]
حكم دائرة الجنايات بمحكمة استئناف طرابلس
وبعد الثورة والقبض على الساعدي في النيجر وتسليمه لليبيا في 2014 وبناء على بلاغ من أسرة المجني عليه، أعاد مكتب النائب العام التحقيقات في الواقعة سنة 2014 وتمّ تقديم الساعدي إلى محكمة جنايات طرابلس سنة 2016 على عدة تهم أبرزها تهمة القتل العمد للرياني. وبعد تداول المحكمة للقضية لمدة جاوزت العامين، فصلت دائرة جنايات بمحكمة استئناف طرابلس في الدعوى سنة 2018 وأصدرت حكمها ببراءته في أغلب التهم المنسوبة إليه في هذه القضية، وبخاصة في قضية قتل الرياني.[2]
الطعن في الحكم أمام المحكمة العليا
صرح ابن المجني عليه بعد حكم البراءة أن عائلته لن تسكت على الظلم وأنه سيطعن في حكم البراءة وسيقوم بنشر الملف والأدلة على صفحته حتى يعرف الناس الحقيقة[3]. وفي ذات السياق، قدم مكتب النائب العام طعنا في حكم البراءة ، أمام الدائرة الجنائية بالمحكمة العليا. وبالفعل تم تداول القضية في عدة جلسات حتى صدر فيها حكم في الأيام الماضية بنقض حكم محكمة جنايات طرابلس وإعادة محاكمة الساعدي أمام محكمة أخرى. ورغم عدم نشر الحكم وأسبابه، إلا أنه المعروف أنّ المحكمة العليا هي محكمة قانون وليست محكمة وقائع وهي تلغي الحكم في حالة وجود خطأ في تطبيق القانون أو تأويله أو في المنهجية المعتمدة في تعليل الحكم. وفي أول ردة فعل من عائلة المجني عليه، صرح ابنه أن القضية لا زلت مستمرة وأن دم والده لن يضيع هباءً وان هذا الحكم دليل على نزاهة وعدل القضاء الليبي. وأكد ابن المجنى عليه أن عائلته لم تقبل الدية في مقتل والده.[4]
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ينتظر أن تتمّ إعادة محاكمة الساعدي غيابيا، حيث كان انتقل لتركيا مباشرة بعد الافراج عليه في سنة 2021 بقرار من حكومة الوحدة الوطنية وصف في حينها بأنه قرار سياسي من ضمن قرارات عدة للإفراج عن بعض رموز النظام السياسي في إجراء أحادي أخذته الحكومة آنذاك لاستمالة أنصار نظام القذافي وتقوية حظوظها في الانتخابات القادمة وان كانت الحكومة قد صرحت بشكل غير دقيق بأن قرار الإفراج عنه جاء تنفيذاً لقرار قضائي صادر قبل عامين بالتعاون مع مكتب النائب العام وبهدف حلّ إشكالية اكتظاظ السجون. فلو كان هذا هو الهدف حقيقة، لكان عليها أن تفرج عن العديد من المساجين المقبوض عليهم من دون محاكمة والموجودين في سجون تتبع وزارة العدل شكليّا. لكن السلطة المشرفة على السجن في حقيقتها عبارة عن مجموعة مسلحة. وفي تعليق على حكم المحكمة العليا الأخير، علّق المحامي أحمد نشاد أنه ينتظر أن يتمّ تحديد جلسة في محكمة استئناف طرابلس لإعادة نظر الدعوى وأن حضور المتهم من عدمه مسألة إجرائية منظمة بقواعد تكفل السير بالدعوى، وفق ما هو مقرر قانوناً. وعليه، وفي حالة صدور الحكم فيها غيابيا، فإنه سيكون غير نهائي كون الأحكام غيابية هي في حقيقتها أحكاما تهديدية تسقط بمجرد القبض عليه أو تسليم نفسه وتعاد المحاكمة من جديد.
وتعدّ هذه القضية تأكيدا على عجز القضاء الليبي عن التعامل مع قضايا النظام السابق حيث تتميز إجراءاتها بالبطء. ففي قضية الساعدي، تجاوز نظر الدعوى فيها العشر سنوات منذ اتخاذ أول إجراء تحقيق فيها سنة 2014 ناهيك عن قضية مدير المخابرات العامة عبدالله السنوسي وأنصار النظام السابق أو قضية سجن بوسليم.
[1] ماذا بعد إعلان براءة الساعدي القذافي؟ عين على مسؤولي النظام السابق، وعين على القضاء مقال نشر في المفكرة القانونية 6/4/2018
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.