أعلن وزير الاتّصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم عن توجّه لدى شركة ميك 1 المعروفة بشركة ألفا، إلى تلزيم خدمة المحفظة الإلكترونية E-Wallet لشركة “سيول”، وذلك خلال اجتماع للجنة الاتّصالات النيابية في 15/11/2023. وقد أفاد وزير الاتّصالات خلال الجلسة نفسها بأنه متيقّن من قانونية إتمام الصفقة بالتراضي استنادا إلى دراسة أعدّتها شركة “سيول” نفسها[1]. بالمقابل، تفيد المعلومات الواردة للمفكرة أن شركة ميك 2 المعروفة بشركة تاتش تعدّ دفتر شروط يتعلّق بمزايدة لتقديم الخدمة نفسها لمشتركيها.
وللتوضيح، فإنّ الخدمة المسمّاة “المحفظة الإلكترونية” باللغة العربية، تقوم مبدئيا على تطبيق يُمكن تنزيله على هواتف المستخدمين يُستخدم فى عمليات الدفع وتحويل الأموال من مُستخدم إلى آخر عن طريق حسابات مدفوعة مسبقا أو حسابات يتمّ تغذيتها بدفعات تصل إليها. ويُمكن سحب هذه الأموال في أي وقت يرغب به المستخدم أو تحويلها إلى حسابات لدفع فواتير أو الحصول على خدمات أو شراء الحاجات. وفي حين أنّ هذه التطبيقات باتت جزءا لا يتجزّأ من الحياة اليومية في العديد من دول العالم حيث يقوم المستخدم بالدفع في أي مكان عبر هذه التطبيقات المربوطة بحساباته المصرفية ورقم هاتفه، برز هذا النوع من التطبيقات في لبنان في الفترة الأخيرة في ظلّ انهيار القطاع المصرفي كبديل عنه لتسهيل عمليات الدفع الإلكتروني.
إنّ ما يتم التحضير له عبر هذه الصفقة يرشح عن مفاعيل خطيرة ويستدعي الملاحظات التالية:
لماذا خصخصة هذه الخدمة؟
أسباب واهية لتفويت إيرادات كُبرى على الخزينة العامة
إنّ عائدات أيّ خدمة جديدة (المحفظة الإلكترونية) تقدمها شركتا الاتصالات يفترض أن تغذي الخزينة اللبنانية، طالما أنّ ملكية شركتيْ الاتّصالات باتت تعود بالكامل إلى الدولة اللبنانية. ومن هنا، يظهر أن من شأن أيّ خصخصة لهذه الخدمة أن يفقد الخزينة العامة موارد هامة، ويشكل تاليا هدرا للمال العام يعادل قيمة المبالغ التي ستحتفظ بها الشركة المستثمرة. ولا يكون خلافُ ذلك إلا إذا كانت الشّركتان عاجزتيْن تماما عن أدائِها أو فرِض عليهما القيام باستثمارات كبيرة، وهو أمر غير صحيح.
وفي هذا الخصوص، تتذرّع ألفا وتاتش بضرورة التعاقد مع شركة مستثمرة بأنها لا تحوز على ترخيص للقيام بالعمليات المالية والمصرفية الإلكترونية سندا للتعميم الأساسي 69 الصادر عن مصرف لبنان، الأمر الذي يوجب عليها التعاقد مع شركة حائزة على ترخيص مماثل. وهذه الذريعة مردودة: إذ بحسب المعلومات المتوفرة لم تبذل الشركتان أي جهد للحصول على ترخيص من مصرف لبنان، فيما يفترض أن لا يكون لهذا الأخير أي سبب لحجب ترخيص مماثل عن شركات المملوكة من الدولة، وهو ترخيص تحتاجه للقيام بأعمالها وزيادة مواردها وتاليا موارد الخزينة العامة علما أنّه بحسب المعلومات المتوفرة فقد حازت شركة “سيول” على هذا الترخيص. وما يعزز ذلك هو أنّ الشروط المطلوبة في التعميم الأساسي 69 ممكن توفيرها من قبل الشركتيْن إذا ما أنشأتَا شركة جديدة أو شركتين جديدتين للقيام بهذه العمليات، على أن يكون رأسمالها 50 مليار ليرة، كما يمكن حتى البحث في تعديل التعميم في اتجاه استثناء الشركتين المملوكتين من الدولة صراحة من أحكامه.
أما الذريعة الأخرى التي تستند إليها الشركتان تقنية، بحيث صعوبة إدارة هكذا نظام. وهي حجة مردودة أيضا نظرا لقدرة الشركة على التعاقد مع شركات تُقدّم خدمات تكنولوجية بإمكانها تزويدهما بالبرامج المطلوبة لإدارة هكذا خدمات من دون القيام باستثمارات ضخمة أو حتى مكلفة. فعلى سبيل المثال، نظّم المصرف المركزي في سوريا في العام 2021 هذه العملية على أن تتم عبر شركتيْ اتّصالات محليّتيْن، ما يؤكّد على إمكانية تقديم هذه الخدمات من شركات الاتّصالات ولو كانت إمكاناتها محدودة.
بالنتيجة، يظهر أنه لا يوجد سبب موضوعيّ يبرر تخلّي الشركة عن القيام بدور مباشر أو اللجوء إلى خصخصة هذه الخدمة وأن أي تخلّ من هذا النوع سيؤدي عمليا إلى هدر المال العام وإثراء الشركة المستثمرة على حساب جميع اللبنانيين.
وختاما يجدر لفت النظر في هذا الخصوص أن الشركة المستثمرة ستحقق إضافة إلى عائدات الخطة بحدّ ذاتها، أرباحا غير مباشرة بحكم حصولها على داتا ومعلومات أكثر من 4 ملايين مشترك في الشبكة، بما يمكنّها من الاستفادة منها بشكل كبير في عالم الإعلانات أو عبر الalgorithms وغيرها. وهذا الخطر لا يتوقف على تمكين الشركة المستثمرة من استثمار هذه المعلومات، إنّما ينبع أيضا من خروقات الخصوصية للمشتركين.
لماذا خصخصة الخدمة خلافا لقانون الشراء العام؟
بالإضافة إلى الخسارة المتحققة بفعل تمكين شركات من القطاع الخاص جني عائدات من الخدمة المذكورة، ينتظر أن تتضاعف هذه الخسارة بفعل توجّه لدى وزارة الاتصالات بتجاوز مبادئ الشراء العام والشفافية أقله بما يتّصل بإحدى الشركتين. وهذا ما نستشفّه بوضوح كليّ مما أعلن عنه وزير الاتّصالات خلال اجتماع لجنة الاتّصالات النيابية في 15/11/2023 لجهة أنّ التعاقد بين شركة ميك 1 وشركة “سيول” سيتمّ بالتراضي وفق ما بينّا أعلاه.
وبالفعل، يُشكّل الاتّفاق الرضائي المنوي عقده مخالفة واضحة لقانون الشراء العام، الذي حصر في مادته 46 إمكانية إجراء اتفاقات رضائية في حالات استثنائية تستدعي العجلة أو السرّية أو عدم توفّر أكثر من مقدّم وحيد للخدمة. وهي شروط لا يتوفر أي منها في القضية الراهنة في ظل تعدد الشركات المرخص لها القيام بهذه الأعمال في لبنان وبخاصة أنّ شركة “سيول” نشأت منذ بضعة أشهر في لبنان.
وما يزيد من قابلية الأمر للانتقاد هو أن وزير الاتّصالات يسند توجهه لعقد اتفاق رضائي على رأي قانوني صادر عن الشركة التي تنوي شركة ميك 1 التعاقد معها رضائيا. بمعنى أنه بدل أن يستشير محامي الوزارة أو الهيئات الاستشارية العامة كديوان المحاسبة أو هيئة الشراء العام أو هيئة التشريع والاستشارات، فإنه اكتفى باستشارة صادرة عن الشركة التي تترقب الاستفادة من المنفعة، بما يتعارض مع ألف باء الإدارة الرشيدة ويرشح عن تضارب مصالح فادح. ويستشفّ من طريقة التعاطي من وزير الاتّصالات وجود ما يُحاك في الخفاء لإتمام صفقة مبنية على المحاباة ومخالفة للأصول ومقتضيات المصلحة العامة.
بقي أن نشير أن رئيس هيئة الشراء العام جان العلّية وجّه في تاريخ 1/9/2023 إلى شركة الاتصالات كتابا لجهة أن موضوع الE-Wallet يخضع لأحكام قانون الشراء العام. إلا أنها اختارت أن تهمله تماما لمصلحة الأخذ بالرأي الاستشاري الصادر عن الشركة صاحبة المصلحة نفسها.
محاباة لمصلحة من؟
عند البحث عن الشركة المنوي التعاقد معها رضائيا، يتبيّن أنّها قد تسجّّلت في لبنان في تمّوز الماضي وأن موضوعها الرئيسي هو القيام بعمليات تحويل الأموال إلكترونية وأن رئيس مجلس إدارتها هو أرز المر وأن من بين الشركاء الأساسيين رئيس اتّحاد كرة السلة أكرم الحلبي.
كما نستشفّ أنّه بحسب الوزير القرم في اجتماع لجنة الاتّصالات النيابية بأنّ الشركة تُمارس مهاما شبيهة في قبرص. ومن مراجعة سجلّ الشركات القبرصية يتبيّن أنّ أرز المر يدير شركة شبيهة في قبرص تدعى SKASH، وأنّ هذه الشركة تعمل تحت غطاء شركة ASTRO BANK في قبرص، وهو مصرف مملوك من العديد من الشركاء اللبنانيين على رأسهم مجموعة م. الصحناوي، والتي عملت لسنوات في القطاع المصرفي في لبنان.
[1] لوسي بارسخيان، صِدام ناعم في لجنة الإتصالات حول البريد… قبل إسقاطه حكومياً!، صحيفة نداء الوطن، 16/11/2023.