ملاحظات نقدية لمشروع قانون حول حصانات العسكريين بالمغرب.. حان وقت تقنين عدم الإفلات من العقاب


2012-06-25    |   

ملاحظات نقدية لمشروع قانون حول حصانات العسكريين بالمغرب.. حان وقت تقنين عدم الإفلات من العقاب

من المواضيع المطروحة على النقاش في المغرب مشروع قانون "مرعب" يؤول عمليا الى تحصين العسكريين الذين ينفذون تعليمات رؤسائهم على التراب الوطني من أي مسؤولية جزائية. وفي هذا المجال، يسر المفكرة القانونية أن تنشر ملاحظات نقدية للمحامي والباحث المغربي عبد العزيز النويضي وهو حاليا عضو في الهيئة العليا للحوار الوطني حول اصلاح القضاء في المغرب (المحرر).  

يناقش البرلمان المغربي مشروع قانون يتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة الملكية. نقوم بعرض موجز للسياق العام الذي عرض فيه مشروع هذا القانون قبل مناقشة بواعث القلق منه.

السياق العام الذي عرض فيه مشروع هذا القانون
في سنة 2011، حصلت تطورات مهمة على المستوى السياسي والدستوري بفضل امتدادات الربيع العربي إلى المغرب ممثلا بحركة 20 فبراير التي رأت النور مباشرة بعد نجاح الثورتين في كل من تونس ومصر في طرد الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك من السلطة في يناير 2011.
فبعد التظاهرات الضخمة في أكثر من خمسين مدينة مغربية يوم 20 فبراير 2011 مطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد، بادر الملك محمد السادس بالإعلان يوم 9 مارس 2011 عن قراره بالقيام بإصلاح دستوري عميق يروم إعادة توزيع السلطة بينه وبين المؤسسات الديمقراطية أي الحكومة والبرلمان المنبثقين عن الانتخابات، كما يروم تعزيز استقلال القضاء وحقوق المتقاضين وترسيخ ضمانات حقوق الإنسان.
وقد شهدت الأشهر التي أعقبت الإعلان الملكي نقاشا غنيا في المجتمع مواكبة لإنشاء لجنة عينها الملك لمراجعة الدستور قامت بمشاورات واسعة مع الأحزاب والنقابات وتنظيمات المجتمع المدني وانتهى الأمر بعرض دستور جديد على الاستفتاء في 1 يوليوز (تموز) 2011 تضمن تقدما كبيرا مقارنة بدستور 1996 الذي سبقه كما اعقبته انتخابات في 25 نوفمبر 2011 قاطعها نشطاء 20 فبراير وأحزاب يسارية أخرى وتفوق فيها حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية على الأحزاب التقليدية الأخرى مما حمل الملك على اسناد رئاسة الحكومة لزعيمه.
وفي الوقت الذي كان أمل الديمقراطيون أن تتطور الأمور في اتجاه ممارسة الحكومة لسلطاتها في الاتجاه الذي يعزز الإصلاح الدستوري ويترجم ضماناته إلى قوانين ومؤسسات، ما زالت كثير من الممارسات تسير في الاتجاه المعاكس، ومن ضمن ذلك مشروع القانون الذي نحن بصدده اليوم، مما يعطي الانطباع بأن جوهر الأساليب العتيقة لم يتغير وبأن السلطة وأجهزتها وحلفاءها لا يتصرفون طبقا لنص الدستور الجديد وروحه.

بواعث القلق من مشروع القانون
يتضمن المشروع مادة 7 تستحق النقاش وكما تستحق موقفا واضحا.
 سنعرض المادة قبل أن ندلي بملاحظات وتعليق عليها. "الصورة"

التعليق
هناك خطورة أن يؤدي النص إذا بقي على صيغته إلى تكريس قانوني للإفلات من العقاب فيكون خطرا على الحريات وعلى سلامة المواطنين وحيواتهم.  
كما سيكون النص على حالته مخالفا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وللدستور الجديد نفسه ولتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة (التي قامت بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في المغرب بين 1956-1999 أي منذ استقلال المغرب حتى وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، والتي أوصت بإصلاحات دستورية وقانونية لضمان عدم تكرار ما جرى. وسيذهب النص في اتجاه معاكس لمطالب المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية ولتوصيات أجهزة رصد المعاهدات بالأمم المتحدة.  
ومن المآخذ الرئيسية على مشروعية النص التالية:
1- جاء النص بصيغة الإطلاق في تقرير عدم المسؤولية الجنائية للعسكريين بالنسبة لتنفيذ الأوامر داخل التراب الوطني في حين ربط انعدام المسؤولية الجنائية عند تنفيذ الأوامر خارج التراب الوطني باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني،
2- قياسا على ذلك يجب ربط انعدام المسؤولية الجنائية تنفيذا للأوامر داخل التراب الوطني باحترام قواعد الدستور وضمانات حقوق الإنسان،
3– يجب إضافة لما سبق اشتراط أن يتم إصدار الأوامر وتنفيذها مع التقيد بقواعد المهنية والمسؤولية الخاصة التي تناط بالعسكريين في حماية السكان المدنيين وقت السلم أو الحرب أو الاضطرابات الداخلية،
4- ان ينص القانون المذكور على أن العسكريين يتقيدون في ممارسة مهامهم وفي إصدار الأوامر وتنفيذها بمتطلبات احترام حقوق وكرامة الأشخاص وحرمة الممتلكات العامة والخاصة،
5- أن ينص القانون المذكور على ان يتقيد العسكريون باحترام مبدأ التناسب عند الأمر باستعمال القوة وعند تنفيذه بحيث لا يتم اللجوء إليها واستعمالها إلا عند الضرورة وبما يتناسب والهدف المشروع المتوخى أي حماية الأشخاص والممتلكات والوقاية من الجريمة ومن الأفعال المضرة بحقوق وبسلامة الآخرين وبالممتكات الخاصة والعامة وبصفة عامة تطبيق القانون. وأن اي استعمال مفرط للقوة يتجاوز ما يقتضيه الوصول إلى الهدف المشروع ويتسبب في اضرار يرتب مسؤولية مصدري الأوامر أو منفذيها حسب كل حالة على حدة،
6 – أن ينص القانون على أن استعمال الأسلحة النارية أو الرصاص من أي نوع لا يسمح به إلا في الحالات الاستثنائية التي يهدد فيها شخص حياة الآخرين مستعملا أسلحة خطيرة. وأن أي استعمال للأسلحة النارية أو الرصاص يجب أن يعقبه فورا تقرير يوضح على الخصوص ملابساته ومصدري الأوامر وظروف استعماله وآثاره ويرفع التقرير لوزير العدل وللسلطات المختصة الأخرى عند الاقتضاء. ويمكن تسليمه للسلطات القضائية إذا طلبته أو اقتضته إدارة سليمة للعدالة وحقوق الدفاع،
7- إذا اقتضى تنفيذ الأوامر للعسكريين اعتقال أشخاص أو حرمانهم من حرياتهم، فيجب أن يتم ذلك بمراعاة القواعد التي التزمت بها المملكة خاصة بخصوص منع التعذيب وحماية الأشخاص من الاختفاء القسري وغير ذلك من الانتهاكات التي لا مبرر لها في كل الظروف. كما يجب مراعاة الحالة الصحية للمعتقلين وتقديم الإسعافات الضرورية لكل من يحتاجها،
8- يجب ان يمنع القانون المذكور إصدار أي أمر أو القيام بأي سلوك يتضمن ممارسة غير أخلاقية أو فاسدة أو يمنعها القانون،
9- أن ينص القانون على ضرورة إصدار كتيب صغير يوزع على العسكريين ويتضمن – بانسجام مع هذا القانون- قواعد السلوك التي يجب التقيد بها بمناسبة تنفيذ الأوامر خاصة في حالات الأحداث والاضطرابات الداخلية.   

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، المغرب ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني