قدّم نادي قضاة المغرب ملاحظاته حول مسودة مشروع القانون المتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية، والذي أعلنت عنه وزارة العدل بالمغرب مؤخرا، وخلف جدلا واسعا.
المذكرة تأتي في سياق عدد من المذكرات الأخرى التي سبق لنادي قضاة المغرب تقديمها تزامنا مع ورش إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، والتي تجسد الدور الإقتراحي الذي تلعبه تكتلات القضاة، كما تأتي بعد أيام قليلة من إعطاء الإنطلاقة للمحاكمات عن بعد في إطار الإجراءات الإحترازية لمواجهة تفشي وباء الكورونا.
وقد اشتملت المذكرة -التي تنشرها المفكرة القانونية-على شكل ملاحظات شكلية، وملاحظات موضوعية خاصة بالتعديلات المتعلقة بقانون المسطرة المدنية والجنائية، إلى جانب مقترحات عامة.
ملاحظات شكلية
من حيث توقيت الإعلان عن المسودة، سجل نادي قضاة المغرب تحفظه على ضيق الوقت المخصص من طرف وزارة العدل لتقديم الملاحظات حول هذا النص، وهو ما لا يسمح بالقيام بمشاورات كافية مع مختلف الفاعلين في مجال العدالة، توخّيا لإخراج نص تشريعي مجود ودقيق.
من حيث صياغة المسودة ومنهجيته، طالب نادي قضاة المغرب بتدقيق المصطلحات التقنية الواردة في المسودة لتيسير الولوج إلى العدالة من طرف المتقاضين. كما طالب بمناقشة هذه المسودة بشكل متزامن مع مناقشة مشروعي تعديل قانوني المسطرة المدنية والجنائية، لتحقيق الملاءمة بين هذه المشاريع تفاديا لوجود أي مقتضيات متناقضة.
من جهة ثانية، سجل نادي قضاة المغرب عدم شمولية هذه المسودة. فرغم ان عنوانها يوحي بكونها تهم كافة إجراءات التقاضي، إلا أنها غيًبت جزءاً من العمل القضائي وهو عمل النيابات العامة، بحيث لم تتطرّق لطريقة استقبال الشكايات والمحاضر ومدى إمكانية التبادل الرقمي للمعطيات بين القضاء الواقف وباقي المؤسسات وعلى رأسها الشرطة القضائية.
من جهة ثالثة، اعتبر نادي قضاة المغرب أن من شأن إبقاء المسودة على الطابع الإختياري لاستعمال الوسائط الإلكترونية في الاجراءات القضائية أن يفرغ النص من أي طابع ملزم، مقترحا في هذا السياق التنصيص على أن يتم السعي بالتدريج وبعد تأهيل العنصر البشري المعني وفق برامج مضبوطة زمنيا نحو تكريس الطابع الشمولي للمحكمة الرقمية، بدءاً من لحظة تسجيل المقال، مرورا بتبادل المذكرات والمستندات، إلى غاية صدور الحكم الفاصل في الدعوى وممارسة طرق الطعن والتنفيذ وأداء الرسوم والصوائر القضائية.
وانتقد نادي قضاة المغرب في المسودة كثرة الإحالات على نصوص تنظيمية، مما سيسهم في تعطيل تنزيلها، مقترحا في هذا السياق تقليص هذه الإحالات، بحيث لا تشمل مواضيع لها علاقة بالإجراءات القضائية أو حقوق المتقاضين والتزامات الأطراف أو تمس باستقلال القضاء، والإقتصار فقط على الإجراءات التقنية المحضة.
ثانيا-الملاحظات الموضوعية:
1-بخصوص التعديلات المدخلة على قانون المسطرة المدنية:
يلاحظ أن غالبية التعديلات المقترحة في مسودة القانون الجديد لها طبيعة تقنية، وتروم أساسا رقمنة إجراءات التقاضي في المادة المدنية، في إطار تنزيل مشروع المحكمة الرقمية، الذي كان من بين أهم مخرجات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة. كما أنه يعد من بين المطالب الملحة لنادي قضاة المغرب من أجل تخفيف عبء تحرير الأحكام الملقى على عاتق القضاة، وتيسير ولوج المتقاضين إلى العدالة وصدور أحكام قضائية داخل آجال معقولة.
وبالرغم من الطابع التقني للتعديلات الواردة في المسودة، سجل نادي قضاة المغرب عدة ملاحظات تخص التوزيع الداخلي للقضايا بالمحاكم، حيث اعتبر أن ما نصت عليه المسودة من توزيع القضايا داخل المحاكم بين الهيئات المعنية وفق الجمعيات العمومية، بشكل إلكتروني تلقائي يشكل معيارا للشفافية معمولا به في الكثير من الأنظمة القضائية عبر العالم، وهو نظام توصي به العديد من المنظمات والمبادئ الدولية من أجل تدعيم الاستقلال الداخلي للقضاء، مؤكدا أن حالات استبدال القاضي المقرر أو المكلف بالقضية، ينبغي أن تكون واردة على سبيل الحصر، ومنها وجود القاضي في رخصة سنوية أو مرضية أو حالة توقف عن العمل أو بناء على مقتضيات قانونية تمنعه من البت في الملف كالتجريج أو غيره، أو بطلب معلل من القاضي المعني بعد قبوله من طرف الرئيس.
وأوصى نادي القضاة بضرورة مراعاة توزيع القضايا وفق التطبيق الإلكتروني لمعايير دقيقة وموضوعية، قائمة أساسا على مراعاة التوزيع العادل للملفات بين الهيئات والقضاة المقررين، واحترام محاضر الجمعيات العمومية للقضاة بالمحاكم.
كما طالب بمنع إعطاء أي صلاحية لغير أعضاء السلطة القضائية في تكييف مقالات الدعاوى المقدمة للمحاكم من حيث تحديد طبيعة البت فيها من طرف الهيئات الفردية أو الجماعية، وفقا لقانون التنظيم القضائي والقوانين ذات الصلة.
في نفس السياق، أوصى نادي قضاة المغرب بشمول إجراءات الرقمنة كافة المتدخلين في منظومة العدالة، من قضاة ومحامين وكتابة ضبط وخبراء ومفوضين قضائيين وغيرهم. ولهذه الغاية، اقترحت المذكرة إضافة الحسابات المهنية لكلّ العاملين بالمحكمة والمتعاملين معها من أشخاص ذاتيين أو ادارات (علاقة النيابة العامة بالشرطة القضائية مثلا)، وتحديد الجهة التي ستقوم بمهمة إحداث هذه الحسابات.
2-بخصوص التعديلات المدخلة على قانون المسطرة الجنائية
من بين أهم التعديلات الواردة في مسودة مشروع القانون الجديد، تقنين اعتماد وسائل الإتصال عن بعد في إجراءات البحت التمهيدي والتحقيق الإعدادي والمحاكمة.
وعليه، وبخصوص مرحلة البحث التمهيدي، طالب نادي قضاة المغرب بتحديد الضرورة التي تبرّر الاستماع إلى المحروس نظريا عبر هذه التقنية، لكون الغاية من مثول المحروس نظريا أمام النيابة العامة هي التأكد من هويته، ومن شرعية وضعه تحت الحراسة النظرية، والتأكد من عدم تعرضه لأي سوء معاملة.
وبخصوص مرحلة التحقيق الإعدادي والمحاكمة، أكّد نادي قضاة المغرب على أن اللجوء إلى تقنية الإتصال عن بعد ينبغي أن يكون مقيدا بالضرورة والتناسب مع احترام كافة شروط المحاكمة العادلة. وفي هذا السياق، أشارت المذكّرة إلى أن “المتهم إذا كان معتقلا بالسجن المتواجد بدائرة نفوذ قاضي التحقيق، فلا يمكن اللجوء إلى هذه التقنية إلا إذا كانت هناك أسباب جدية تدعو إلى عدم نقله إلى مقر المحكمة، مع ضرورة بيانها في المقرر القضائي”.
كما دعتْ المذكرة إلى عدم حضور موظفي السجن أثناء تنفيذ إجراء الإستماع إلى المشتبه فيه خلال مرحلة التحقيق الإعدادي عن بعد، نظرا لطابع السرية الذي يكتنف مرحلة التحقيق الإعدادي، معللة ذلك بأنه “إذا كانت المراسلات بين المحامي والمعتقل الإحتياطي لا تخضع للمراقبة طبقا لمقتضيات المادة 93 من قانون 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، فإن هذه السرية يجب أن تشمل من باب أولى استنطاق المتهم خلال مرحلة التحقيق الإعدادي، ويمكن تقرير إجراءات تضمن إشرافه عن بعد على مراقبة المعتقل لدواعٍ أمنية من دون الإطلاع على فحوى الإستنطاق الذي يجري بهذه التقنية”.
من جهة أخرى، أوصت مذكرة نادي قضاة المغرب بتدقيق مسطرة التحقيق والمحاكمة عن بعد من خلال التنصيص حول مدى قابلية هذا الإجراء للطعن وأثره على سريان المسطرة.
وخلصت مذكرة نادي قضاة المغرب أن اعتماد إجراءات التقاضي عن بعد في المادة الزجرية ينبغي أن يكون مقيدا بالضرورة، وليس أصلا على خلاف الأمر في القضايا المدنية.
ثالثا-اقتراحات عامة
قدمت مذكرة نادي قضاة المغرب عدة مقترحات لتطوير مشروع القانون المتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية، من بينها:
– النص على ضرورة إيجاد نظام معلوماتي شامل يضمن ولوج القضاة لكافة الأحكام – وخاصة على صعيد الدوائر الإستئنافية – بما فيها قرارات محكمة النقض، قصد الإستئناس بها في اجتهاداتهم والإعتماد عليها في عملهم؛
– وضع كافة الإجراءات الإلكترونية داخل المحكمة أو خارجها في نظام مؤمن يمكن القضاة والموظفين المختصين قانونا الولوج إليه مع وضع المساعدة التقنية بشكل دائم رهن إشارة رؤساء المحاكم والقضاة والموظفين المختصين قانونا داخل كل محكمة قصد التغلب على كل إشكال تقني فردي أو جماعي في حينه؛
– تبنى المحاكمة الرقمية بشكل كامل من تسجيل المقال أو الشكاية ومرورا بتبادل المذكرات إلى الحكم وممارسة طرق الطعن والتنفيذ .
– أداء الرسوم والمصاريف القضائية بشكل إلكتروني تكريسا للنجاعة وتوخيا للشفافية.
– إيجاد طريقة تمكن الأطراف من معرفة أرقام ملفاتهم لتتبعها عن بعد تكريسا للشفافية ومحاربة للنصب والرشوة باسم المحاكم. وفي هذا السياق، اقترحت المذكرة اعتماد خدمة توجيه رسائل نصية قصيرة لأرقام هواتف أطراف الخصومات القضائية قصد إشعارهم بمآل قضاياهم وشكاياتهم؛
-ضرورة تضمين محاضر الجلسات الإشارة إلى أي صعوبة تقنية تواجه إعمال نظام المحاكمات عن بعد في الميدان الزجري؛
-تخصيص الميزانيات المالية والموارد البشرية المؤهلة الكافية والكفيلة بتنزيل مشروع المحكمة الرقمية؛
-تأمين المعطيات الشخصية للأشخاص والمؤسسات.
مواضيع ذات صلة:
في الحاجة إلى تدعيم الاستقلال الداخلي للقضاء في المغرب
الجمعيات العامة بالمحاكم في المغرب…. عود على بدء
دراسة حول الاحتياجات في مجال العدالة في المغرب
استطلاع رأي القضاة حول معوقات تحقيق العدالة في المغرب
قانون التنظيم القضائي في المغرب في محك المحكمة الدستورية
نادي قضاة المغرب يطلق مبادرة لتخفيف عبء تحرير الأحكام عن القضاة
نادي قضاة المغرب يستطلع حول واقع الجمعيات العامة للقضاة بالمحاكم