ملاحظات على هامش توقيف رياض سلامة: تنازل ضمن أطر وضوابط


2024-09-15    |   

ملاحظات على هامش توقيف رياض سلامة: تنازل ضمن أطر وضوابط

ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها ملاحقة رياض بجرم اختلاس وتبييض أموال، حيث حصل هذا الأمر سابقا في قضيّة عمولات فوري، لكنها المرّة الأولى التي يتمّ فيها توقيفه. وقد حصل الأمر بصورة فاجأتْ جميع المراقبين، وبخاصة أنها حصلت من قبل النائب العام التمييزي (جمال حجار) الذي يعدّ القاضي الأقرب بحكم الفهم السائد لوظيفته إلى السلطة الحاكمة. وفيما أتتْ الملاحقة في قضية فوري تبعا لسلسلة من الإجراءات القانونية أمكن الرأي العام متابعتها بدءا من ورود مراسلة من النيابة العامة السويسريّة (2020) وانتهاء بقدوم وفد أوروبي للتحقيق تحديدا في القضية (2023)، بوشرت القضية الجديدة بحق سلامة من دون أيّ مقدّمات سوى ما كان اتّخذه حجّار من تدابير لكفّ يد النائبة العامة في جبل لبنان غادة عون عن التّحقيق في عمولات أوبتيموم (حزيران 2024). آنذاك أي عند الادعاء في قضية فوري، فهم الجميع الأسباب والعوامل التي دفعت النيابة العامة إلى قبول الادعاء على سلامة على مضض وبعد طول ممانعة أو تردّد، لكن اليوم تبقى العوامل التي دفعتها إلى ذلك موضع تأويلات كثيرة وإن رجح منها بشكل خاص التخوّف من وضع لبنان على اللائحة السوداء، مما سيؤدّي إلى التأثير سلبا وبصورة كبيرة على التحويلات والاقتصاد برمّته أو مسار التحقيقات الأوروبية. 

ومن هنا، ولئن أكّدت مؤشّرات كثيرة على كون الملاحقة أتت كما حصل في قضية فوري بفعل تراجع السلطة السياسية عن خطوطها الحمراء في موضوع التحقيق مع سلامة في شبهات جرائم مالية، فإن الأسئلة تتدافع بالمقابل لفهم العوامل التي فرضت على السلطة السياسية التراجع في هذا التوقيت بالذات والأهم مدى هذا التراجع وأبعاده. فهل يتّصل التراجع حصْرا بملاحقة هذه القضية (وقوامها اختلاس 42 مليون د.أ) أم يأتي ضمن التزام بجلاء الحقائق في كيفية إدارة أموال مصرف لبنان، ضمن التزامٍ أوسع بمكافحة تبييض الأموال عملًا بالتزامات لبنان الدوليّة؟ وهل هو يتصل بإجراءات معينة قد يكون توقيف سلامة من بينها أم أنه التزام بمسار مؤدّاه الالتزام بأصول تحقيق شفّاف والأهمّ بإزالة أيّة عوائق أو عراقيل أمامه؟ وفيما تؤشّر بدايات التحقيق إلى بذل قوى وازنة جهودا لم تعد تُخفى على أحد من أجل ضمان إبقاء القضية في إطار محدّد، فإن حرصها على بذل هذه الجهود ولو بشكل ظاهر إنّما يؤشّر في الوقت نفسه على حالة الترقّب والحذر التي تعيشها هذه القوى تبعا لفتح هذه القضيّة، والأهم حالة الخوف من أن تضطرّ إلى مزيد من التنازلات أو حتى أن تفقد سيطرتها تماما على مسار التحقيقات وبخاصة في حال تسرّب الأدلة والحقائق وتحول مطلب المحاسبة إلى ما يشبه كرة الثلج بفعل عوامل داخلية وخارجية. 

كما يظهر التدقيق في هذه القضية كما في مآل قضية فوري أن هذه القوى ما برحت تحتفظ لنفسها بفعل هذا الحذر والخوف بإمكانية تعطيل كلّ المسار القضائي في حال أصبح انزلاقها في التّنازل أكثر تكلفةً عليها من كلفة ممانعتها أيّ تدقيق جدّي في حسابات الماضي. 

من هذه الزاوية، يبدو التحقيق جزءًا من تفاوض مستمرّ (تفاوض يفترض أنه يتناول حرية سلامة كما مدى القضية) مع ما يفترضه ذلك من ترقّب واحتمالات التوجّه نحو تقليص القضية أو توسيعها. 

هذا ما سأحاول الإحاطة به في هذا المقال.       

ملاحقة بطعم تنازل سياسيّ  

الأمر الأول الذي يقتضي تسجيله على هامش هذه القضيّة هو أنّ ملاحقة سلامة وبخاصة توقيفه إنما يؤشّران إلى تراجع سياسيّ واضح في اتجاه تقليص مدى نظام الإفلات من العقاب مع ما يستتبعه ذلك من خرق في  جداره السميك، وإن ما زلنا نجهل إذا كان هذا التقليص آنيا أو دائما. 

هذه المؤشرات تتأتى من معطيات عدة، أبرزها الآتية: 

أولا، إن التوقيف حصل بقرار من النائب العام التمييزي الذي يمثل المركز القضائي الأكثر اتصالا بالسلطة الحاكمة، أقله حسب فهم شاغلي هذا المنصب له. بمعنى أنه القاضي الذي يجدر به أن يحدّد ملامح السياسة الجزائيّة بالتنسيق مع السّلطة السياسيّة، ومع مراعاة الاعتبارات الأمنية والسياسية. وهذا الأمر إنما يشكل دليلا شبه دامغ على أن يكون حجّار قد اتّخذ قراره بموافقة تامة من السلطة السياسية.  

ثانيا، إن الادعاء تمّ من قبل النائب العام المالي علي ابراهيم الذي عدا سوابقه المزمنة في تسكير الملفات المالية الضخمة، كان رفض بنفسه طلب النائب العامّ التمييزي السابق غسان عويدات الادّعاء ضدّ سلامة في قضية فوري رغم قوة الأدلة فيها على خلفية أنّه كان رئيسه في هيئة التحقيق الخاصة وقد أصرّ على موقفه على نحو أدّى إلى تأخير الادعاء لما يقارب ستة أشهر. ولم يحصل الادعاء بعدئذ إلا من قبل محام عام آخر وتحت ضغط الوفد الأوروبي. ولا يرد على ذلك أن سلامة توقف عن كونه رئيس هيئة التحقيق الخاصة بعد انتهاء ولايته في مصرف لبنان، طالما أنّ انتهاء الولاية لا يحذف العلاقة القوية التي كانت قائمة بينهما والتي كانت تفرض على علي إبراهيم إحالة الملف إلى محام آخر في دائرته. أما وأنه سارع إلى الادّعاء في اليوم نفسه وبذاته ومن دون أي سؤال، فإن ذلك يشكل مؤشرا على انخراطه الشخصي في تنفيذ ما يجب أن يكون من دون أي هامش في تأخير الادّعاء أو التنحّي عنه أيا تكن الأسباب.    

يضاف إلى ذلك مجموعة من المعطيات أهمها مثول رياض سلامة نفسه أمام النائب العام التمييزي من دون محام والذي ما كان ليحصل لولا ترتيبات سياسية سواء تمّ ذلك اتفاقا أو إكراها أو استدراجا. كما يضاف رضوخه لقرار قاضي التحقيق بتوقيفه من دون استئنافها، بما يؤشر إلى علمه الأكيد أن الاستئناف لن يغير أي شيء في القرار في هذه المرحلة. وكل هذه الوقائع تبقى لافتة بالنسبة إلى شخص مثله استمرّ على ادّعاء براءته طوال السنوات الماضية ممتنعا بشكل عامّ عن التعاون مع أي هيئة رقابية أو قضائية. وليس أدلّ على ذلك من رفض سلامة المتكرر المثول أمام اللجنة النيابية للمال والموازنة في 2020، والممانعة التي أظهرها لأي تدقيق جنائي بحجج السرية المصرفية مما أدّى إلى تأخير مهمة شركة الفاريز ومارشال وإثقالِها بقيود جعلت تدقيقها أشبه بتدقيق حسابي منه إلى تدقيق جنائي. يضاف إلى كل ذلك اتخاذه بالتنسيق مع وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية تدابير واضحة للتهرب من تبليغه وجوب الحضور أمام النائبة العامة في جبل لبنان غادة عون فضلا عن تعمّده مخاصمة أي قاضٍ قد يخشى عدم التزامه بما يطلبه أو يريده، وهو الأمر الذي بلغ أوجه من خلال الطعن في 4 هيئات للهيئة الاتهامية في بيروت في 2023 و2024، مما أدّى إلى تعطيل قضية فوري نهائيا. فكيف يعقل لرجل تميّز برفضه التعاون مع أي مساءلة إلى هذه الدرجة أن يحضر بذاته ومن دون أي دفاع للتحقيق لو لم يكن ذلك في إطار تخطيط سياسي يقوم إما على تعاونه وإما على إكراهه؟   

تنازل ضمن أطر وضوابط؟

الأمر الثاني الذي يجدر التوقف عنده كما أوضحنا في المقدمة هو حرص واضح من قوى وازنة داخل القضاء وخارجه على إبقاء التنازل ضمن إطار وضوابط محددة مسبقا. وليس أدلّ على الحرص الشديد في فرض هذا الإطار والضوابط من اعتماد حجج واهية أو أساليب مشكوك في مشروعيتها لهذه الغاية وفق ما نفصله أدناه.

ويتجلّى ذلك في التشديد على ضوابط ثلاثة: 

الأول، حصر الادعاء في قضية اختلاس وتبييض أموال لا تتعدى قيمتها 42 مليون د.أ، علما أن العملية تندرج ضمن ما بات يعرف عمولات “اوبتيموم” والتي بلغت قيمتها ما يقارب 8 مليار د.أ والأهم أن العملية تندرج ضمن نهج يشتبه أنه أدى إلى تزوير حسابات مصرف لبنان والإيحاء خداعا أنها حسابات دائنة، بما يخفي فجوة قدرتها شركة ألفاريز ب 50 مليار د.أ في بداية 2020 وهي فجوة أدت إلى التهام القسم الأكبر من الودائع. وتاليا، لا يفهم حصر الادعاء بهذا المبلغ المحدود نسبيا إلا على أنه مسعى لحصر ملاحقة سلامة ضمن أطر محددة مسبقا، بما بخالف عنوة ما تفرضه المعطيات المتوفرة من خروج من هذه الأطر. وما يعزّز ذلك هو اتفاق النيابة العامة التمييزية/ المالية ومصرف لبنان على حصر الادعاء بهذا المبلغ حتى اللحظة، في موازاة حرص شديد على استبعاد تدخّل أيّ مرجع آخر من شأنه أن يفرض توسّعا في التحقيق كما نوضح أدناه. .   

وهذا ما ينقلنا إلى الضابط الثاني، والذي تمثّل في المساعي الجارية على قدم وساق لكفّ يد نائبة عامة جبل لبنان غادة عون تماما عن كل ما يتّصل بعمولات أوبتيموم، من خلال أساليب تخرج بداهة عن القانون وبحجج ما برحت تغرق العدلية في عبث غير مسبوق. ويجدر هنا التنبيه إلى أن هذا المسعى ليس جديدا إذ أنّ عون غالبا ما تعرّضت لقرارات ترافقت أحيانا مع حملات إعلامية وسياسية، فضلا عن انتهاج مخاصمتها أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز للغاية نفسها. وقد خرجت هذه المساعي إلى العلن في أوائل حزيران 2024 حين أصدر الحجار تعميما إلى الضابطة العدلية بالامتناع عن العمل بأيّ إشارة صادرة عن عون، مما يؤدّي عمليا إلى الحدّ من إمكانية تنفيذ قراراتها، بحجة أن الانتظام العام يفرض عليها الكفّ عن النظر في أي قضية يقدم فيها المدعى عليه دعوى مخاصمة ضدها على أساس المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية. آنذاك أصدر ائتلاف استقلال القضاء بيانا حمل عنوانا معبّرا: “وقف التحقيق في الجرائم المالية يفقد النيابات العامة معنى وجودها” نبّه فيه إلى عبثية التفسير المعتمد من النائب العام التمييزي للمادة 751 والذي يجعلها بمثابة سلاح خارق يخوّل أي مدعى عليه من وقف التحقيقات القضائية ضده بإرادته المنفردة وإلى أجل غير مسمى تبعا لتعطيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز بقرار سياسي. وعليه، دعا الائتلاف مجددا القضاة (ومنهم النائب العام التمييزي جمال الحجار) إلى الاجتهاد لتعطيل التعسف في استخدام هذه المادة من منطلق أن تطبيقها على النحو الذي ورد بات يهدد حق التقاضي وواجب الدولة ومعها النيابة العامة في ضمان الأمن الاجتماعي وحقوق الدولة وكلها حقوق وواجبات ذات قوة دستورية. وما حصل بعد توقيف سلامة هو مضاعفة الخطوات لكفّ يد عون عن الملف من خلال تطورين: أولا، أن ادعاء حجار تناول جزءا من تحقيقات عون بما يؤشر إلى استيلائه على ملف عالق لدى نائب عام آخر بما يشكل تجاوزا لصلاحيّاته، ثانيا، أن المدير العام لوزارة العدل ارتأى من دون مقدمات أن يعمّم في تاريخ 9 أيلول 2024 أي بعد أيام من توقيف سلامة على رؤساء محاكم الاستئناف (ومن ضمنهم رئيس محكمة جبل لبنان) تعميما كان أصدره ميقاتي منذ 3 أشهر في اتجاه هؤلاء بوجوب العمل بتعميم النائب العام التمييزي بكفّ يد عون عن القضايا التي تتمّ فيها مخاصمتها. وهذا التصرّف مستغرب للغاية. فعدا عن قدم تعميم ميقاتي، فإنه يعدّ بحكم غير الموجود لكون رئيس الحكومة غير مختص بتوجيه تعاميم إلى رؤساء المحاكم ولتعارضه الفاقع مع مبدأ الفصل بين السلطات. ومؤدّى هذا التعميم في حال العمل به استكمال محاصرة عون من خلال تجريدها ليس فقط من إمكانية الاستعانة بالضابطة العدلية بل حتى بكتّابها في النيابة العامة، مما يؤدي عمليا إلى وقف عملها بشكل كامل، تماما كما حصل نتيجة تعاميم عويدات ووزير العدل هنري خوري بحق المحقق العدلي طارق بيطار فيما يتصل بقضية تفجير المرفأ.      

أما الضابط الثالث لحصر القضية في إطارها، فقد تمثل في مسعى لا يقلّ وضوحا في استبعاد هيئة القضايا (وهي الهيئة المخولة قانونا تمثيل الدولة أمام المحاكم) عن القضية، وهنا أيضا انطلاقا من حجج واهية. وقد تمثل ذلك في قرار قاضي التحقيق الأول بلال حلاوي عدم قبول حضورها الاستجواب إلى حين إثبات صفتها، وذلك بناء على طلب سلامة والنيابة العامة المالية. وقد كلفها حلاوي بشكل خاص إثبات أمرين: الأول أن الوزارة المختصة (وزارة المالية) قد طلبت منها التدخل في هذه القضية ملمحا بذلك أنه ليس لها التدخل في القضية من تلقاء نفسها، والثاني أن الدولة قد تكبدت ضررا خاصا من جراء المخالفات المعزوة إلى سلامة ملمحا بذلك أن اختلاس مبالغ من أموال مصرف لبنان لا يشكل بحد ذاته إضرارا في مصالح الدولة طالما أن لمصرف لبنان شخصية معنوية مستقلة عن الدولة. 

وفيما أن المطلب الأول كان أثير من قبل في قضية فوري وانتهى  بعدما أرسل وزير المالية يوسف الخليل إلى الهيئة كتابا استغرب فيه توجيه طلب له في هذا الشأن مسلما بصلاحيتها القيام بما تراه مناسبا لحماية حقوق الدولة، فإنه ينمّ بأية حال عن إرادة في إخضاع مهامّ هيئة القضايا للاعتبارات والضوابط السياسية التي يضمنها وجوب الحصول مسبقا على موافقة الوزير المختص من دون أن يكون لها التدخل في أي دعوى من تلقاء نفسها حماية لمصالح الدولة، وذلك خلافا لمبدأ استقلالية هذه الهيئة في الدفاع عن الصالح العام. أما المطلب الثاني فقد فند ائتلاف استقلال القضاء في بيانه الصادر في تاريخ 13 أيلول 2024 مدى غرابته في ظروف القضية الحاضرة. فعدا عن أن الدولة هي المالك الوحيد لمصرف لبنان وأنها تتحمل وفق المادة 116 من قانون النقد والتسليف خسائره بشروط محددة، مما يجعلها طبعا متضررة من أي استيلاء على أمواله، فإن المخالفات المعزوة إلى  إدارة مصرف لبنان أسهمت بصورة أساسية في الانهيار المثلث غير المسبوق أي الانهيار المالي والاقتصادي والنقديّ. ومؤدّى هذا الانهيار خسارة الدّولة القيمة الفعليّة للعديد من حساباتها المصرفية المودعة لدى مصرف لبنان وقيمة مواردها وعملتها الوطنيّة فضلا عن الضرر الجسيم الذي أصاب مرافقها العامة واقتصادها وقطاعها المصرفيّ. وقد ذهب الائتلاف إلى حد القول أنّ الضرر الذي تكبدته الدولة من جراء المخالفات المعزوة إلى سلامة يكاد بكون أكبر ضرر تعرضت له دولة من جراء أعمال حاكم مصرفها المركزي، فضلا عن كونه من أكبر الأضرار التي تسبب بها موظف عام لبناني لدولته، بمعنى أن كلمة ضرر تفقد معناها المتعارف عليه منطقيا ولغويا في حال اعتبار أن الدولة لم تتضرر من أعمال سلامة. 

تنازل مع حفظ حق الرجوع إلى الوراء 

فضلا عما تقدم، يجدر أن نلحظ أنّه لا يوجد أيّ دليل على السعي لحماية التحقيق إزاء المصير الذي لقيته التحقيقات في قضية فوري وتحديدا إزاء مخاصمة القضاء على أساس المادة 751 المشار إليها أعلاه بهدف تعطيله. وفي حين من المستبعد أن يلجأ سلامة إلى كفّ يد القضاء وهو موقوف بفعل حاجته إلى يد تفرج عنه، فإنه سيكون مطلق اليدين لفعل ذلك في حال الإفراج عنه وفور حصول ذلك، تماما كما سبق له أن فعل في قضية فوري. وعليه، ومع إعراض السلطة الحاكمة عن تنحية آلية تعطيل القضاء بفعل هذه المادة، فإنها تكون بذلك ما تزال محتفظة بإمكانية تعطيل التحقيق الذي باشرته إذا رأت مصلحة في ذلك. 

ومن هذه الزاوية، يصبح إبقاء سلامة شرطا ضروريا لحماية التحقيق وإثبات جديّته بمفهوم المادة 107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. 

خلاصة

مما تقدم، وإذ يظهر جليّا لأيّ مراقب أنّ توقيف سلامة يؤشر إلى تنازل من قبل السلطة السياسية في ملف الأزمة المصرفية المالية، فإنّ تساؤلات جدّية تبقى قائمة حول العوامل التي دفعتها إلى هذا التنازل أو ماهيته أو مداه، وبخاصة في ظلّ حصر الادّعاء في عملية واحدة تبقى هامشيّة رغم أهميتها بالنسبة إلى حجم الأزمة. وما يعزز هذه التساؤلات هي الجهود القائمة على قدم وساق لاستبعاد النيابة العامة في جبل لبنان وكفّ يدها ومعها هيئة القضايا ومعها الدولة التي تمثلها. ويبقى طبعا الخطر الأكبر من إمكانية تعطيل التحقيق بشكل كامل في حال الإفراج عن سلامة تماما كما حصل في قضية فوري، بما يؤشر إلى احتفاظ السلطة بصلاحيات التراجع عن تنازلها في حال رأت مصلحة في ذلك. إلا أنه ورغم هذه الصورة القاتمة، فإنه من البيّن أن هذا التنازل يشكل خرقا في جدار الإفلات من العقاب، وهو خرق يخرجنا من حالة الثبات السابقة ويفتح أمامنا آفاقا جديدة لتوسيع هذا الخرق. فلنراقب ولنفعل. 

لقراءة المقال باللغة الانكليزية

انشر المقال

متوفر من خلال:

قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني