أصدرت المحكمة الدستورية المغربية يوم 13-09-2017 قراراً جديداً لها هو الثاني من نوعه الذي يهم البتّ في النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ومراقبة مدى مطابقته للدستور ولمقتضيات القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة؛ بعدما سبق لذات المحكمة أن رفضت بتاريخ 29-07- 2017 البتّ فيه على حالته بسبب ما اعتبرته عيبا في الشكل، وقد قررت المحكمة في قرارها الجديد هذا بعد فحص مواد النظام الداخلي، "مادة مادة، أنه ليس فيها ما يخالف الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بالسلطة القضائية والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، باستثناء تسع من مواده. فما هي الإيجابيات التي حملها هذا القرار؟ وما هي أهم النقاط التي كانت مثار خلاف حتى قبل قرار المحكمة؟ وما هو مآل النظام الداخلي بعد هذا القرار؟
إيجابيات هامة لصالح مؤسسة القضاء:
يتضح من قراءة النظام الداخلي وقرار المحكمة الدستورية موضوع التعليق، أنه تحققت مكاسب عدة لفائدة القضاء على مستوى تصريف العمل اليومي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية لا يمكن نكرانها، ذلك أنه من بين 74 مادة المكونة للنظام الداخلي تحفظت المحكمة على تسع مواد أو جزء منها فقط وأن تحفظ المحكمة على بعض المواد كان أيضا لصالح مؤسسة المجلس كما سنرى.
ويمكن رصد أهم ما تحقق من مكاسب في الجانب المذكور قبله كما يلي:
تمت المصادقة على ما اقترحه المجلس الأعلى للسلطة القضائية فيما يهم تدبيره الإداري والمالي، حيث استحدث المجلس في نظامه الداخلي عدة أقطاب إدراية ومالية ودراسية، وتحت هذه الأقطاب توجد عدة وحدات وشُعب ومصالح وأقسام ولجان دائمة وموضوعاتية، مما سيمكن المجلس من أداء عمله اليومي على أحسن ما يرام، ولن يعود مستقبلا مبرر الموارد عائقا لعمله. كما أنه من المعلوم أن هذه الهياكل كلها تتطلب ميزانية مهمة وبمصادقة المحكمة الدستورية عليها سوف يصبح النظام الداخلي بمثابة قانون يبرر اعتماد ميزانية من طرف الدولة لتسيير هذه المصالح الكبيرة.
كما صادقت المحكمة الدستورية على مقتضيات تهم مواضيع أخرى لها علاقة بتدبير الوضعية الفردية للقضاة من حيث "تحديد المدة اللازمة لتسجيل القضاة الذين صدرت في حقهم عقوبة الإقصاء المؤقت عن العمل في لائحة الأهلية للترقية، وشروط ومعايير الانتقال من محكمة إلى أخرى، ومسطرة الاطلاع على تقارير تقييم الأداء الخاص بالقضاة"، وهي كلها مقتضيات تهم معيارية عمل المجلس فيما له صلة بتدبير وضعية القضاة كيفما كان تقييمنا لمقتضيات النظام لداخلي في هذا الجانب، وهي معيارية يمكن أن تنعكس على استقلال القرار القضائي وسدّ منافذ التدخل أكثر فأكثر. .
إعادة ربط بعض هياكل المجلس التي لها علاقة بتدبير الشأن المهني للقضاة بالمجلس بكامل أعضائه، ومنها مؤسسة المفتشية العامة للشؤون القضائية التي صرحت المحكمة الدستورية بكونها يجب أن تمارس مهامها باستقلالية وفق القانون الذي سوف ينظمها ولكنها تتبع في أداء عملها للمجلس في كليته. وهذا تطور إيجابي جدا لأنه سيمنع من أن تصبح المفتشية العامة بيد مسؤول واحد، كان في السابق هو وزير العدل واليوم الرئيس المنتدب للمجلس مثلا. وفي نفس الإطار، صرّحت المحكمة أيضا بعدم قانونية إحداث وحدة بجانب الرئيس المنتدب "للشكايات والتظلمات تتكون من أطر قضائية وإدارية مختصة يعينهم الرئيس المنتدب وتعمل تحت إشرافه المباشر". وعللت ذلك بضرورة وجود هيكل إداري واحد يعالج الشكايات والتظلمات الواردة من المواطنين يكون تابعا في عمله للمجلس. ومن ذلك، أيضا، ما صرحت المحكمة بعدم قانونية ما ورد في النظام الداخلي من أن المجلس هو الذي يقيم علاقات تعاون وشراكة مع المؤسسات والهيئات الأجنبية الشبيهة والمماثلة وليس الرئيس المنتدب الذي يبرم هذه الاتفاقيات والشراكات ويحيط المجلس علما بها بمناسبة تنفيذها فقط كما ورد في مشروع النظام الداخلي.
من ايجابيات قرار المحكمة الدستورية أيضا منع شعبة الشكايات بالمجلس المنصوص عليها في النظام الداخلي من مراسلة المسؤولين القضائين بالمحاكم بشكل مباشر لأن ذلك يعطي لجهة إدراية مهمتها معالجة الشكايات فقط صلاحية البحث والتحقيق مع القضاة والتي هي من مهام جهات أخرى وفق ما نص عليه الدستور والقانون. وقد جاء في تعليل المحكمة الدستورية فيما يخص هذه النقطة ما يلي: "وحيث إن إحداث أجهزة إدارية لتلقي الشكايات أو التظلمات، يجب أن يقترن بحصر مهامها في التدبير والمعالجة، دون أن يمتدّ عملها إلى تجهيز ملف الشكايات والتظلمات من الجانب القضائي، اعتبارا للضمانات التي خصّ بها الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية المسطرة التأديبية، لاسيما تخويله لقضاة مفتشين من ذوي الخبرة القيام بمهام البحث والتحري".
نقطة الخلاف….. الوشايات بالقضاة:
يتضح من خلال قرار المحكمة الدستورية موضوع التعليق، أن هذه الاخيرة لم تشرعن بشكل واضح وصريح مسألة الوشايات بالقضاة الذي عرف نقاشا حادا في وسائل الاعلام المغربية إثر صدور مشروع النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وقد أثار هذا الموضوع وزير العدل والحريات السابق السيد مصطفى الرميد، بحيث اعتبر أن باب الوشايات لا يجب أن يسد من طرف المجلس لأنه طريق من طرق محاربة الفساد في القضاء، بينما اعتبرت آراء اخرى أن التشكي وإن كان حق من حقوق المواطنين، فإنه يجب أن يمارس بهوية معلومة حتى لا يؤدي إلى عرقلة عمل المؤسسات بشكايات كيدية ووهمية وكي لا يؤثر على استقلال القضاء عبر إغراقه بعدة شكايات بمناسبة بته في ملف قضائي معروض عليه.
وقد ذهبت المحكمة في قرارها الأخير بشأن هذا الموضوع إلى اعتبار أن المجلس ليس من حقه أن يضع شروطا للتشكي أمام المواطنين لكون القانون التنظيمي للمجلس لم يمنحه هذه الصلاحية، وإنما منحه فقط بيان كيفية "تدبير ومعالجة التظلمات والشكايات". وبالتالي، فإنه يمكن القول أن المحكمة لم تناقش أصلا موضوع الوشايات كما أثيرت في الإعلام، مما يستشف معه أنها رفعت الغطاء الشرعي عنها واقتصرت على الشكايات والتظلمات التي يبقى للمجلس أن ينظم طرق وضعها من طرف المواطنين بكيفية معلومة وواضحة. بل ويستطيع المجلس في إطار سنه لإجراءات تلقي الشكايات وضع تفاصيل من شأنها سد الباب أمام الوشايات كوضع نماذج تسحب من موقع المجلس أو بمقره يتم بواسطتها طلب بيانات من المشتكين كعناوينهم ورقم الهاتف تسهيلا للتواصل معهم وفق ما هو معمول به لدى المجلس الاعلى للقضاء الفرنسي.
مآل النظام الداخلي بعد قرار المحكمة الدستورية …
بما أن المحكمة الدستورية وجهت ملاحظات وصرحت بعدم دستورية وقانونية بعض المواد في النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية (تسع مواد أو جزء منها فقط من أصل 74 مادة)، ولم تأمر بنشر النظام الداخلي بالجريدة الرسمية كشرط لازم لبدء العمل به، فإنه عمليا سوف يعاد النظام الداخلي إلى المجلس من أجل تنقيحه وإعادة ملاءمة المواد التي صرحت المحكمة بعدم دستوريتها أو قانونيتها ومن ثم ارجاعه إلى المحكمة من جديد. وسوف تراقب هذه الأخيرة عندئذ فيما إذا التزم المجلس بالدستور والقانون في المواد التسع المشار إليها اعلاه وتقوم بالتصريح بدستوريته وقانونيته أو بعدمها إذا تبين لها ذلك، على أنه لا يمكن لها أن تعود لمناقشة المواد التي صرحت بمطابقتها للدستور والقانون.
– من باب المقارنة فإن العديد من الانظمة القانونية الاروبية القريبة من المغرب تمنع نظام الوشايات امام المجلس الأعلى للقضاء – راجع الحالة الفرنسية مثلا في موقع المجلس الاعلى للقضاء الالكتروني على الرابط الآتي : http://www.conseil-superieur-magistrature.fr/requetes-des-justiciables تاريخ المشاهدة هو 16-09-2017
– "Vous devez impérativement formuler votre requête par écrit, à adresser uniquement par la voie postale au Conseil supérieur de la magistrature, 21, boulevard Haussmann 75009 Paris."- أنظر نفس الموقع الاليكتروني اعلاه.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.