ملاحظات حول قرار قضائي بشأن “ودائع المصارف”: تقديس المدنّس وتدنيس المقدّس


2024-04-16    |   

ملاحظات حول قرار قضائي بشأن “ودائع المصارف”: تقديس المدنّس وتدنيس المقدّس
رسم رائد شرف

في تاريخ 6/2/2024، أصدر مجلس شورى الدولة قراره في القضيّة المقامة من جمعية المصارف ضدّ الدولة اللبنانية لإبطال “شطب ديون مصرف لبنان تجاه المصارف” وهو بندٌ ورد ضمن استراتيجية التعافي والنهوض الاقتصادي التي أقرّتها الحكومة في 2022. وقد أسند شورى الدولة قراره على أنّ الودائع كما الديون تحظى بقدسيّة الملكية الخاصّة وأنّه يتعيّن على الدّولة تغطية الفجوة الناجمة عن الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان، وبخاصّة أنّ ودائع المصارف لدى هذا الأخير تمّ استخدامها من قبل الدولة في تغطية الأعباء العامّة. واللافت أنّ القرار صدر في اليوم نفسه لتسريب مسوّدة مشروع قانون أعدّت بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي وتقوم أساسًا على حماية جزء من الودائع مقابل إخضاع الأجزاء الأخرى لعملية قصّ شعر تصل إلى 80%. وعليه، سارعتْ جمعيّة المصارف إلى استخدام هذا القرار فور نشره كسلاح دعائيّ لتقويض المسوّدة المذكورة قبل أن يتسنّى للوزراء مناقشتها حتّى. 

وقبل المضيّ في مناقشة الحجج التي بُنِي عليها هذا القرار، يُلحظ أنّ شورى الدّولة اجتهد بهدف تبرير وضع يده على هذه القضيّة، رغبةً منه في إصدار قرار حول مدى شرعيّة الاستراتيجية الحكوميّة، وذلك خلافًا لاختصاصه الذي ينحصر قانونًا واجتهادًا في النظر في القرارات النافذة والضارّة حصرًا (وليس مجرّد خطة) وفي مطلق الأحوال في التوجّهات التي تدخل ضمن صلاحية الإدارات الخاضعة لرقابته (وتاليًا ليس في التوجّهات التي تدخل ضمن صلاحية المجلس النيابي والذي يخضع لرقابة المجلس الدستوري حصرًا). هذا مع العلم أنّ الهيئة الحاكمة قد اختارتْ هذا التوجّه على أساس حجج واهية وخلافًا لتقرير المستشار المقرّر ومطالعة مفوّض الحكومة اللذين كانا انتهيا إلى وجوب ردّ المراجعة لهذا السبب بالذات. واللافت أنّ حماسة المجلس في هذا المضمار تلاقتْ مع حماسة رئيسه الذي كان بادر إلى إعداد مسوّدة اقتراح قانون لمعالجة مسألة الودائع قبل أشهر من صدور القرار، وهي مسوّدة سارع إلى إيداعها لدى رئاسة مجلس النوّاب واحتوتْ على أفكار وآراء تشكل بصورة من الصور رأيًا مسبقًا في القضية التي عاد ونظر فيها، خلافًا لما يفرضه موجب التحفّظ في معناه الكلاسيكي. 

إلّا أنّه ومن دون التقليل من خطورة توجّهات المجلس ورئيسه، فإنّي سأكتفي هنا بمناقشة لبّ ما طرحه مجلس شورى الدولة في قراره، انطلاقًا من كونه على الأقل تعبيرًا عن رأي قضائيّ سيطرح مجددًا أمام المجلس الدستوري أو أمام أيّ مرجع قضائي آخر في حال انتهى المجلس النيابي إلى وضع خطة الحكومة موضع التنفيذ. 

القرار يعلن قدسية ودائع المصارف التي تكونت في إطار الهندسات الجرمية

حقوق الدائنين هي حقوق ملكيّة بحمى المادة 15 من الدستور؟  

في هذا الصّدد، ينخرط مجلس شورى الدولة في نقاش طبيعة الحماية القانونية للودائع وضمنًا للديون. فهل تعدّ حقوق ملكية وتتمتّع تاليًا بالحماية القانونية للمادة 15 من الدستور مثلها مثل أي ملكية خاصّة أو عامة، فلا يجوز استملاكها أو شطبها إلّا لقاء تعويض وفي حالات المصلحة العامّة، أم أنّ الديون هي مجرّد حقوق شخصيّة لا تدخل ضمن تعريف الملكيّة؟ هذا السؤال يطرح للمرّة الأولى في لبنان حيث أنّ تطبيق المادة 15 انحصر حتى الآن في الملكية العقارية أو الحقوق العينيّة (الحق على عين المال) من دون أن يطبّقها أيّ مرجع رسمي من قبل على الديون أو الحقوق الشخصيّة والتي ترتبط بطبيعتها بالشخص المدين وبالثقة فيه. وقد أفاد مجلس شورى الدولة أنّه يستلهم موقفه من قرارات المجلس الدستوري الفرنسي والمحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان، وأيضًا من بعض الفقه الفرنسي الذي انقسم بين مؤيدين للنظرية الكلاسيكية للملكية التي تربط حق الملكية بالحقوق العينيّة ومؤيّدين للنظرية الحديثة للملكية التي باتت تقارب حقوق الملكية بصورة أوسع. وعليه، قرّر مجلس شورى الدولة استنادًا إلى هذه المراجع أنّ “حق الملكية” المذكور في المادة 15 من الدستور والذي فسّر دومًا أنّه يقتصر على الملكية العينية، إنّما يشمل أيضًا الديون والودائع، ممّا يفرض تاليًا على الدول موجب تأمين ردّ الديون أو التعويض عن الدائنين في حال شطب الديون. وقد عمد إلى ذلك تبعًا لاستعراض طويل للمراجع من دون أن يكبّد نفسه ولا للحظة، عبء قياس أثر هذا الموقف على بلدٍ بات يرزح تحت ديون تتجاوز أضعاف دخله الوطني، وكأنّما للقواعد والمفاهيم القانونية وجود ذاتي لا علاقة له بما يلائم أو يناقض الصالح العام ويمكن تعديل فهمها وتوسيع مداها من دون أي حاجة للنظر فيما قد ينشأ عنها من أضرار أو مخاطر اجتماعية.

واللافت أكثر أنّ المجلس برّر هذه القفزة في الهواء بمجموعة من الأخطاء الماديّة واللغويّة والتي حملته إلى ترجمة قرارات المجلس الدستوري الفرنسي على غير ما هي عليه، ممّا أضعف حججه وأظهر ركاكتها. 

الخطأ الأوّل تمثّل في الخلط بين الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن (1789) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبنتيجة هذا الخطأ، اعتبر القرار أحكام الإعلان الأوّل جزءًا من النظام القانوني اللبناني، فيما أنّ الصحيح أنّه ليس لهذه الأحكام أيّة قوة قانونية في لبنان، بخلاف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يتمتع بالقوّة الدستورية وفق مقدّمة الدستور. وهذا الأمر إنما شكّل دليلًا قاطعًا على أنّ مجلس شورى الدولة لا يملك معرفة كافية بالنصوص الدولية، وتاليًا النصوص ذات القوّة الدستورية، ممّا يطرح أسئلة حقيقيّة حول مؤهّلاته لابتداع قراءات جديدة للمفاهيم والحقوق الواردة في الدستور.

وفيما بقيتْ تأثيرات هذا الخطأ على وجهة القرار محدودة رغم خطورة دلالاته (طالما أنّ المادة 15 من الدستور والمادة 17 من الإعلان العالمي الملزم للبنان تضمّنتا أحكامًا مشابهة للإعلان الفرنسي)، فإنّ الخطأ الثاني المرتكب من مجلس شورى الدولة أدّى على العكس من ذلك إلى تحديد وجهة القرار بالكامل. هذا الخطأ تمثّل في قلب معنى قرارات المجلس الدستوري الفرنسي التي أعلن العمل على هديها. فبعدما أورد القرار مرجعًا فرنسيًا ورد فيه حرفيًا أنّ المجلس الفرنسي يستبعد تمامًا اعتبار الديون من عناصر حق الملكية بمفهوم المادة 17 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن، وذلك خشية أن تصبح الدولة ملزمة بضمان تحصيل الديون وتعويض الدائنين في حال شطب ديونِهم، عاد ليُترجم هذا المرجع إلى العربية بصورة مناقضة لمعناه، وصولًا إلى اعتبار أنّ المجلس الفرنسي أكّد “أنّه من الموجبات الدستورية التي تقع على الدولة، موجب تأمين ردّ الديون أو التعويض على الدائنين في حال شطب الديون”. هكذا بكل بساطة قبل أن يعلن مجلس شورى الدولة تأييده لهذا الموقف بعدما فهمهُ ونقلهُ بصورة مناقضة تمامًا لمعناه. 

وما يزيد من فداحة هذا الخطأ أنّ المجلس خلص بالنتيجة ليس فقط إلى الموافقة على اعتبار الدّيون من عناصر الملكية، بل أيضًا إلى الموافقة على النتيجة العملية لذلك أي تحميل الدّولة مسؤولية ضمان تسديد هذه الديون، كل ذلك من دون أن يطرح على نفسه ولو سؤالًا عمّا قد يحصل في حال عجزها عن ذلك. ويلحظ تاليًا أنّ المجلس الدستوري الفرنسي الموجود في دولة ذات مالية مضبوطة نسبيًا توجّس من مفعول أي إعلان من هذا القبيل خشية أن تتحمّل الدولة عبء هذه المسؤولية، فامتنع عن ذلك. أمّا مجلس شورى الدولة اللبناني الذي يحكم في دولة ترزح تحت الديون، فلم يجدْ حرجًا في القفز نحو الغاية من قراره (الإعلان) الصادر خارج اختصاصه من دون أن يتوقّف ولو لحظة لقياس ما يعنيه ذلك من نتائج واقعية، أقلّه لجهة أثره على حسن سيْر مرفق العدالة الذي هو جزء منه. 

أما الخطأ الثالث المرتكب من المجلس، فقد تمثل في استشهاده بقرارات قديمة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أضفَتْ بموجبها حماية خاصّة على حقوق الدائنين، من دون أن يُشير من قريب أو بعيد إلى القرار الصادر عن هذه المحكمة لاحقًا في قضيّة “ماماتاس وآخرون ضد اليونان” (2016) ولا إلى الدليلٍ الذي نشرتْه في عام 2022 حيث جاء صراحةً “أنّ تدخّل الدولة عبر فرض تدابير مقيّدة للملكيّة وترمي إلى تخفيض الدين العام، مبرّر طالما أنّها تسعى إلى هدف مشروع قوامه الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وإعادة هيكلة الدين العام في سياق أزمة اقتصادية خطيرة” (بند 442 من الدليل). والواقع أنّ من شأن العمل بهذا الاجتهاد أن يسمح باستبعاد النتائج التي وصل إليها القرار حتى ولو أحاط الديون بحماية الملكية الخاصّة، طالما أنّ تقييد ممارسة حق الملكية يكون مبرّرًا في حال ثبوت مصلحة عامّة قوامها معالجة تداعيات الأزمة المالية والاجتماعية. ومن المؤسف جدًا أنّ مجلس شورى الدولة غض الطرف عن هذا الاجتهاد، ممّا حرمه إمكانية تقييم مدى نجاعة الاستراتيجية الحكومية على ضوء الظروف الحاضرة من دون الاكتفاء بإطلاق أحكام قيمية قابلة للنقاش أقله لجهة انفصالها تمامًا عن الواقع. 

وممّا تقدم، وعدا عن أنّ القرار أتى مُفعمًا بالأخطاء القانونيّة والمنهجية والتناقضات، فإنّه أدّى عمليًا إلى مفاقمة المشاكل إلى حدّ التعجيز بدل المساهمة في رسم المنهجية الكفيلة بتذليلِها والوصول إلى الحلول. وكان من الأفضل بكثير لو أنه اكتفى بوضع مبادئ عريضة للحلول الممكنة والعادلة لتقاسم الخسائر وحماية ما أمكن من الودائع من منطلق مدى جدارتها (مثل وجوب تبرير أي انتقاص من أي حق بالمصلحة العامة بعد إخضاعه لفحص التناسب، وعدم جواز منح الحماية للودائع غير المشروعة أو الفوائد الفاحشة، وجوب تعزيز الحماية للودائع ذات الوظيفة الاجتماعية أو ودائع غير المحترفين، وجوب استكمال التدقيق الجنائي في الهندسات المالية وما شابه من أعمال غير قانونية) بدل رفع علم أحمر (علم قدسية الودائع) وهو علم سارعتْ جمعية المصارف إلى استغلاله خدمة لنفوذها، وعمليًا لتعطيل أي حلّ يراعي الحد الأدنى من المصلحة العامّة أو ربما وهذا هو الأسوأ لفرض حلّ ينتهي إلى وضع المصارف يدها على ممتلكات الدولة ومرافقها العامّة (وتاليًا مواردها الموروثة والحالية والمستقبلية) بهدف استيفاء ودائعها.    

من له الغنم ليس عليه الغرم  

بالإضافة إلى الحجّة الأولى أعلاه، برّر مجلس شورى الدولة قراره في إبطال شطب ودائع المصارف لدى مصرف لبنان بأنه يعني عمليًّا تخصيصها لتسديد فاتورة الأعباء العامّة (العجز في الموازنة العامّة في السنوات السابقة) وتاليًا تكليف المصارف (ومن خلالها المودعين لدى المصارف) عبئًا أكبر من سواها خلافًا لمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون. 

والواقع أنّ هذه الحجّة لا تصمد عند التدقيق في الظروف التي نشأتْ فيها هذه الودائع لدى مصرف لبنان ولا في كلفتها التي يُرجّح أن تكون قد شكّلت السّبب المباشر للانهيار المالي الذي ما تزال الدولة ترزح تحته. وتبيانًا لذلك، نذكّر بما ورد في التقرير الجنائي لشركة “ألفاريز ومارسال” لجهة أنّ العجز في موازنة مصرف لبنان لم يحصل إلّا بعد مباشرة الهندسات الماليّة وأنّ كلفتها تكاد تعادل قيمة مجموع الخسائر الحاصلة لديه. ويلحظ أنّ التقرير أشار إلى عدم تمكّن شركة التدقيق من إجراء التحقيقات اللازمة من أجل تحديد ظروف إنجاز هذه الهندسات وكيفية اختيار المصارف المستفيدة منها وشروط التعاقد معها أو أيضًا مصدر العمولات الباهظة التي سدّدتها المصارف في سياق هذه العمليات لجهات ليست دائمًا معروفة، لافتًا إلى ضرورة استكمال التقرير بهذه التحقيقات. كما نذكّر بما أثبته الخبير الاقتصادي توفيق كسبار لجهة أنّ المصارف وزّعت على المساهمين فيها أرباحًا عالية بقيمة 25 مليار دولار تبعًا للهندسات الماليّة، خلال سنوات ما قبل الأزمة. وأوّل ما نستشفه من هذه المعطيات هو وجود شبهات قوية بأنّ هذه الهندسات (ومعها تكوين ودائع المصارف لدى مصرف لبنان) إنّما حصلت في إطار مخطّط جرميّ تشاركت فيه عدد من المصارف مع حاكم مصرف لبنان فيما قد يشكل جمعية أشرار لارتكاب إحدى أكبر الجرائم الحاصلة في لبنان، وهو مخطّط وضع أثقل الأعباء العامّة في تاريخ لبنان على كاهل مصرف لبنان وصولًا إلى الاستيلاء على أموال المودعين وتفقير شرائح واسعة من الشعب فضلًا عن تدمير المرافق العامّة ومعها الخدمات والوظائف العامّة. 

ورغم كلّ هذه الشبهات، لم يجدْ شورى الدولة حرجًا في إعلان الودائع المتكوّنة في ظلّ هذه الهندسات بالذات، مقدّسة أو أسوأ من ذلك، في إعلان المصارف ضحية لا مساواة في توزيع الأعباء العامّة. وما يزيد من فداحة وعبثية القرار لهذه الجهة، هو أنّ رئيس مجلس الشورى فادي الياس (وهو رئيس الغرفة التي أصدرت القرار موضوع هذا التعليق) كان على علم وقناعة تامّين بعدم مشروعية الهندسات المالية، كما يتحصّل بوضوح من اقتراح القانون الذي أعدّه بهدف المحافظة على الودائع والذي تبنّته وقدّمته كتلة “التحرير والتنمية”. فقد جاء حرفيًا في هذا الاقتراح أنّه يتعيّن على المصارف ردّ عائداتها من الهندسات الماليّة الحاصلة ابتداءً من تشرين الأوّل 2015. فكأنّما شورى الدولة اختار أن يفصل عن وعي كامل بين  مبدأ المساواة أمام الأعباء العامّة واللامساواة الثابتة في الاستيلاء على الأموال العامّة، وأن يعلن بشكل شبه صريح أنّ من له الغنم ليس عليه الغرم أو عمليًا أنّ الغنم للمصارف والغرم على الشعب.  

تسخير الدولة لتسديد العجز في حسابات مصرف لبنان

أما الحجّة الثالثة التي ساقها القرار، فهي حجّة مستمدّة من المادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تفرض على الدولة سدّ العجز الحاصل في موازنة مصرف لبنان من موارد الخزينة العامّة. ومفاد هذه الحجّة أنّه يتعيّن على الحكومة أن تعمل على تأمين الموارد الضرورية من أجل سدّ مجمل خسائر مصرف لبنان (فجوة 60 مليارًا كما جاء في القرار) بدل شطب هذه الخسائر من خلال شطب ودائع المصارف. 

والواقع أنّ هذا الموقف يتعارض مع مضمون نصّ المادة نفسها الذي يتحدّث بوضوح ومن دون لبس عن العجز الحاصل في نتائج سنة بعينها، بما يتماشى مع أصول المحاسبة العموميّة، حيث تتقرّر موازنة الدولة سنة فسنة في قانون يصدر عن مجلس النوّاب، بعد التثبّت من الخسارة الحاصلة في حسابات مصرف لبنان. بمعنى أنّه يتعيّن على الدولة وفق هذا النصّ سدّ العجز في موازنة مصرف لبنان سنة فسنة ضمن الموازنة السنوية العامّة. أمّا أن يفسّر شورى الدولة أنّ هذه المادة تُحتّم على الدولة تحمُّل عبء الخسائر التي اختار حاكم مصرف لبنان إخفاءها والتستّر عليها طوال سنوات مُعلنًا في قيوده تحقيق أرباح (وفق ما أثبتَه تقرير التدقيق الجنائي)، فإنّ ذلك لا يقلّ عبثية عن الحجج المثارة أعلاه. 

فعدا عن تناقضه مع النظام اللبناني ومبدأ سنوية الموازنة، فإنّ من شأن تكليف الدولة سدّ خسائر بالمليارات بنتيجته، أن يحرمها من إمكانية توفير الموارد التي تحتاج إليها من أجل القيام بسائر وظائفها سواء في ضمان الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية أو ضمان حسن إدارة المرافق العامّة أو حماية الوطن. 

خلاصة

انطلاقًا ممّا تقدّم، جاز القول إنّ شورى الدولة عمد في قراره إلى رفع مكانة ودائع المصارف أيًّا كانت مشروعيّتها ليضعها في مصاف المقدّسات، مقابل إلقاء أثقال كبرى على كاهل دولة ترزح تحت الديون، على نحو يمنعها من أداء وظائفها النبيلة في ضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وهي الوظائف التي انوجدتْ من أجلها. وهذا ما يفسّر عنوان هذا المقال لجهة أنّ القرار يؤدّي إلى تقديس ودائع المصارف الحاصلة ضمن إطار الهندسات المالية “المشبوهة” مقابل تدنيس الدولة أو وظائفها. وهذا في الواقع أسوأ ما يمكن لمجلس يتكنّى بأنّه مجلس “شورى” للدّولة، أن يفعله.    

نشر هذا المقال في العدد 72 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان

لقراءة المقال باللغة الانكليزية

لتحميل العدد بصيغة PDF

انشر المقال

متوفر من خلال:

مصارف ، قرارات قضائية ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني