ملاحظات حول تعديل نظام شركات الأوف شور في لبنان: هكذا تم تسهيل عمليات الفساد


2019-05-31    |   

ملاحظات حول تعديل نظام شركات الأوف شور في لبنان: هكذا تم تسهيل عمليات الفساد

في عددها رقم 59 الصادر في نيسان 2019 المخصص لعرض مجمل الأعمال والمستجدات القانونية والحقوقية خلال سنة 2018، نشرنا تعليقات على أبرز القوانين الصادرة خلال هذه السنة. ومن بين القوانين التي تناولناها في هذا السياق القانون التعديلي لنظام شركات الأوف شور (المحرر).

في جلسته المنعقدة بتاريخ 25\9\2018، أقّر مجلس النواب إقتراح القانون المقدم من النائب ياسين جابر والرامي إلى تعديل بعض أحكام المرسوم الاشتراعي رقم 46 الصادر في 24 حزيران 1983 (نظام شركات المحصور نشاطها خارج لبنان – أوف شور) والذي حمل الرقم 85.

من المعلوم أن دراسة تعديل قانون التجارة قائمة منذ حوالي خمسة عشر عاما. وكان إقتراح قانون تعديل نظام شركات الأوف شور مطروحاً على البحث في الجلسة التشريعية، من ضمن رزمة من إقتراحات القوانين الرامية إلى تعديل قانون التجارة البرية والتي بلغ عددها ثمانية. وقد تم إقرارها لاحقا في الجلسة التشريعية المنعقدة في 7/3/2019.

وهذه الإقتراحات المتعلّقة بأجزاء مختلفة من قانون التجارة البرّية، قدّم أحدها النائب الراحل روبير غانم، وخمسة منها النائب ياسين جابر، واقتراح آخر النائب السابق روبير فاضل، وآخر النائبة السابقة جيلبرت زوين. وكانت لجنة الإدارة والعدل قد كلّفت لجنة فرعية دراستها جميعاً وتقديم صيغة شاملة لها. وعقدت هذه اللجنة الفرعية ما يفوق 125 جلسة بمشاركة عدّة جهات معنية أو مختصة أبرزها رئاسة الحكومة والمصرف المركزي وجمعية المصارف وبورصة بيروت واتّحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان ونقابتي المحامين في بيروت وطرابلس. وبالفعل أقرّت لجنة الإدارة والعدل هذه الإقتراحات معدّلة في 9/5/20181.

وأبرز التوجهات التي تضمّنتها هذه الإقتراحات “إلغاء الأسهم لحامله والأسهم لأمر تماشياً مع النصوص التي أقرها المجلس النيابي”، وأحكاماً جديدة حول إصدار أسهم تفضيلية وإيصالات إيداع عمومية “تسمح للشركات المغفلة تأمين التمويل الذي قد تحتاجه الشركة خلال فترة معيّنة”، وأحكاماً جديدة حول اندماج وانشطار الشركات، وتعديل أحكام الإفلاس لجهة تأمين المساواة بين الجنسين، وإقرار شركة الشخص الواحد وتعديل أحكام المادة 844 موجبات وعقود لتتماشى مع ذلك. كما تضمّنت الإقتراحات تعديل أحكام الإفلاس لجهة تأمين المساواة بين الجنسين، مع إلغاء القرينة القائلة بأن الأموال المنقولة وغير المنقولة التي تؤول إلى الزوجة أثناء الزواج تعدّ “مشتراة بنقود زوجها” حتى إثبات العكس ويقتضي إدخالها ضمن موجودات التفليسة، أي ما يعرف بالـprésomption mucienne.

إلا أنه، وإثر الجلسة المنعقدة في 25\9\2018، تمّ التصويت على اقتراح قانون الأوف- شور منفصلاً، فيما أعيد اقتراح قانون التجارة إلى اللجان المشتركة ليدرس “خلال مهلة شهر واحد فقط”. واتضح من خلال المناقشات البرلمانية أن غالبية النواب لم يكونوا على إطلاع على مضمون اقتراحات تعديل قانون التجارة منها الاقتراح المذكور. وحصل لغط إذ تمّت دراسة اقتراح تعديل نظام شركات الأوف-شور في لجنة الاقتصاد والتجارة، وفي لجنة الإدارة والعدل من ضمن رزمة الإقتراحات المذكورة أعلاه. وأوضح النائب عن كتلة التنمية والتحرير ياسين جابر أن “هناك قانونين منفصلين”، وقال: “هناك قانون الأوف -شور كما عدلته لجنة الاقتصاد والتجارة، وهناك قانون التجارة البرية. لذا أمكن فصلهما لأن لا علاقة لهما ببعضهما البعض”.

ونتيجة لذلك وبدل أن تتركز مناقشات النواب على مضمون الإقتراحات المذكورة، اقتصرت مداخلاتهم على وجوب الفصل أو عدم الفصل بين اقتراح قانون تعديل نظام شركات الأوف -شور والإقتراحات الأخرى كما عدّلتها لجنة الإدارة والعدل. ففي حين اعتبر بعض النواب أنه ممكن الفصل بينها (النائب ياسين جابر والنائب إبراهيم كنعان) اعتبر البعض الآخر أنه يقتضي السير بها كلّها (النائب نواف الموسوي والنائب جهاد الصمد) أو البدء بمناقشة إقتراح قانون التجارة البرّية تحديداً لأن الموضوع يتعلّق بإقرار شركات بشريك واحد، وقانون التجارة هو الأساس ونظام الأوف -شور هو استثناء. (وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي والنائبة رولا طبش).

وفي ختام نقاش طويل، وبناء على اقتراحه، أعلن الرئيس بري عن إحالة إقتراح القانون المتعلق بالتجارة البرية إلى اللجان المشتركة لدراسته لمهلة شهر، بينما أقرّ القانون المتعلق بنظام الشركات المحصور نشاطها خارج لبنان “أوف – شور” بمادة وحيدة دون أي نقاش في المضمون، غير الذي جرى حول وجوب الفصل أو عدم الفصل بين اقتراحات القوانين.

أبرز تعديل حمله القانون 85 هو السماح بتأسيس شركة “أوف-شور” بشريك واحد. والمستغرب هو الإصرار، رغم طول النقاش، على تمرير القانون قبل البتّ يتعديلات قانون التجارة الذي هو الأساس ويقتضي إرساء مبدأ إنشاء الشركات بشريك واحد فيه أولاً، إذ أن الأوف-شور ليست سوى نوع خاص من الشركات. ويقتضي التنويه إلى أن هذا الموقف عبّر عنه بشكل خاص الوزير جريصاتي في النقاشات حيث اقترح وبالنسبة لشركات الشريك الواحد “تعديل قانون التجارة أي نعود إلى المبدأ من ثم ننتقل إلى الأوف-شور الذي هو استثناء”2. والمهمّ التذكير أن نظام شركات “الأوف-شور” (المادة 3) يُخضع هذه الشركات للأحكام التي تخضع لها الشركات المغفلة في كل ما لا يتعارض وأحكامه، فيؤدي تطبيق القانون 85 إلى بعض التناقضات التشريعية، خصوصاً مع عدم إقرار مبدأ إنشاء شركات الشخص الواحد وتنظيم مفاعيلها بشكل عام في قانون التجارة. فتنص المادة 79 من قانون التجارة المرتبطة بتأسيس الشركات المغفلة على أنه “لا يجوز أن يقل عدد المؤسسين عن ثلاثة”. إلا أنه ومع إقرار مبدأ امكانية تكوين شركة من شخص واحد مع تعديل قانون التجارة في 7/3/2019، يكون المشرّع قد أعاد الإتساق إلى القانون التجاري.

وقد جاء في أسباب القانون الموجبة، بعد إلقاء الضوء على أهمية شركات “الأوف شور”، أنّ الممارسة العملية “أظهرت (…) أن عددا كبيراً من مؤسسي هذا النوع من الشركات يستقدم معه أشخاصاً صوريين لتأسيس الشركة، مع ما يرافق ذلك من إشكالات قانونية وأعباء على المستثمرين” وذلك بسبب عدم إمكانية إنشاء هذه الشركة من قبل شريك واحد. ودائمًا وفقًا للأسباب الموجبة، وبعد أن قام لبنان بالإجراءات اللازمة التي أدت إلى شطب اسمه عن اللائحة السوداء لتبييض الأموال، يأتي التعديل المقترح من باب “تسهيل إقدام رجال الأعمال على إدارة أعمالهم في الخارج من الأراضي اللبنانية، دون أن يكون هناك خطر لاستخدام هذه الشركات لأعمال وتحويلات مالية مشبوهة”.

إلا أنه وإن قارنّا التعديل على نظام شركات “الأوف-شور” مع القانون 106 الذي عدّل قانون الإجراءات الضريبية والذي أُقر بعد حوالي شهرين (بتاريخ 12\11\2018)، يتضح ما يلي:

  • في حين شدّد القانون 106 المسؤولية الضريبية على الشركات المؤسسة والناشطة في لبنان ملزماً إياها بإعطاء المعلومات عن هوية “صاحب الحق الاقتصادي” (beneficial owner)، سهّل قانون تعديل نظام شركات “الأوف-شور” عملية تأسيس مثل هذه الشركات والتي يتميّز نظامها بالإعفاءات الضريبية الواسعة التي تتناولها في البلد التي أنشئت فيه،
  • وبالنظر إلى ما سبق وإلى ضرورة مكافحة ظاهرة إنشاء مثل هذه الشركات لارتكاب جرائم التهرّب الضريبي أو حتى تبييض الأموال، يخشى أن يضحي السماح بتأسيس مثل هذه الشركات من قبل شريك واحد أداة لتسهيل الصوريّة، عوضاً عن الخروج منها كما حاولت الأسباب الموجبة الركون إليه، ملوّحة بأن الإجراءات التي اتخذها لبنان في سبيل شطب اسمه عن اللائحة السوداء لتبييض الأموال كافية للحؤول دون ذلك.
  • نشر هذا المقال في العدد | 59 |  نيسان 2019، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

 لمن القانون في لبنان؟

1 تجدر الإشارة إلى أنه وفي 24/4/2018 أحالت الحكومة مشروع قانون إلى مجلس النواب يرمي إلى تعديل الكتاب الخامس من قانون التجارة البرية.

2 وذهب في اتجاه مشابه موقف النائبة رولا طبش عند مناقشة قانوني التجارة والأوف-شور.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني