ملاحظات حول الصيغة الأولى لمشروع قانون المجلس الاعلى للقضاء التونسي (1):


2015-01-29    |   

ملاحظات حول الصيغة الأولى لمشروع قانون المجلس الاعلى للقضاء التونسي (1):

من أهم القوانين المنتظرة تنزيلا للدستور التونسي، القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء. وهو قانون يقتضي وفق الدستور اقراره ضمن ستة أشهر من اجراء الانتخابات التشريعية أي في 23-4-2015 كحد أقصى. وبالطبع، تشكل العملية التشريعية لوضع هذا القانون امتحانا أساسيا للديمقراطية التونسية الفتية، نظرا لوظائف المجلس والانتظارات المعلقة عليه ضمانا لاستقلال القضاء. كما تشكل في ظل الأوضاع العربية القاتمة امتحانا لامكانية التغيير في المنطقة العربية ولا نبالغ اذا قلنا استحقاقا عربيا. وتبعا لذلك، من الطبيعي أن تولي المفكرة القانونية اهتماما فائقا لهذه الورشة في مختلف مراحلها وتفاصيلها، آملة أن تتحول الى ورشة عربية مشتركة. وفي هذا الاطار، تنشر هنا الجزء الأول من ملاحظاتها على الصيغة الأولى لمشروع القانون المذكور (المحرر).

نشرت وزارة العدل التونسية بتاريخ 27/01/2015 على موقعها الرسمي”مشروع القانون الاساسي للمجلس الاعلى للقضاء”[1]. والمشروع الذي أعدّته “لجنة فنية” حسبما ذكر على الموقع، هو صياغة أولية قابلة للتعديل على ضوء الملاحظات التي قد ترد عليه. وفي ختام ذلك، ينتظر أن تنجز وزارة العدل المشروع الحكومي لقانون المجلس الاعلى للقضاء الذي أوجب الفصل 148 خامسا من الدستور التونسي ان يتم ارساؤه في اجل اقصاه ستة اشهر من تاريخ اجراء الانتخابات التشريعية [2]. ويجدر التذكير أن المجلس الأعلى للقضاء يضمّ حسب الدستور مجلس القضاء العدلي.ومجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي، فضلا عن الجلسة العامة للمجالس القضائية الثلاثة.
ويرتقب أن تحتلّ أحكام المشروع المتصلة بكيفية تشكيل المجلس الاعلى للقضاء ومجالس القضاء الثلاثة المكونة له الجانب الأكبر من النقاشات خصوصا منها تلك الاحكام التي تتعلق بثلث أعضاء المجلس من غير القضاة. فالهيئة الوطنية للمحامين تتمسك بأن اعتبار المحاماة كشريك في إقامة العدل تستدعي ان يكون الأعضاء من غير القضاة بالمجلس الأعلى للقضاء من المحامين. وتتمسك في المقابل الهياكل القضائية بكون النص الدستوري اقتضى ان يكون هؤلاء من المستقلين من ذوي الاختصاص، مما يمنع اختيارهم من بين المحامين حصرا[3]. وقد اختار واضعو المشروع الأولي تجنب التمثيل القطاعي في المجلس الأعلى للقضاء بحيث فتحوا باب الترشح لعضويته “لكل ذوي الاختصاص من المستقلين”. واناط المشروع المنشور بلجنة وطنية استحدثها[4] تلقي ترشحات غير القضاة، ومن ثم البت فيها وفق معايير الخبرة والكفاءة والنزاهة والحياد[5]. حاول مشروع القانون اذا تجاوز الخلافات التي قد يسببها التطرق المباشر لتمثيل المهن القضائية وترك تحديد مفهوم التخصص للجنة التي أرساها. ويتعارض هذا التوجه مع ما يستدعيه المنطق القانوني من وجوب الزام اللجنة المستحدثة بمعايير موضوعية محددة ودقيقة لمفهوم التخصص بما يتلاءم مع اختصاصات مجلس القضاء في فروعه المتعددة[6]. وبالامكان القول ان تجاوز المشروع لتمثيلية المهن في مجالس القضاء وبحثه عن بديل لذلك لم يحقق الغاية منه. انما أدى لحل يصعب القبول به من مكونات المشهد القضائي من غير القضاة وقد يؤدي اذا ما اعتمد لنزاعات حول قرارات التعيين في هذه المجالس بما قد يعطل عملها خصوصا وان فقه قضاء المحكمة الادارية مستقر حول “ضرورة التحديد المسبق لشروط المفاضلة بين المترشحين احتراما لقاعدة المساواة في الترشح “للمناظرات”[7]. ويستدعي تجاوز الإشكالية القائمة أن تقدّم مكونات المشهد القضائي تصورات أكثر عملية تتجاوز “التعقيد” وعدم المشروعية التي ميّزت مشروع القانون.

وعلى صعيد آخر، يلاحظ أن مشروع القانون لم يشترط  تفرغ اعضاء المجلس من القضاة المنتخبين ومن غير القضاة للعمل بأي من مجالس القضاء. واكتفى مشروع القانون بتأكيد استحقاق اعضاء مجالس القضاء لمنح وامتيازات مالية. وكان يفترض بالنظر لاهمية مهام مجالس القضاء العليا ان يتم تفريغ أعضاء المجالس غير المعينين بصفاتهم للعمل فيها. كما كان يحبذ ان يكون رئيس المجلس ونائبه ورؤساء مجالس القضاء العدلي والإداري والمالي ونوابهم من غير القضاة المعينين بصفاتهم، وبالتالي ممن يتفرغون للعمل فيها. فضمان التفرغ يشكل شرطا لحسن أداء اعضاء مجالس القضاء لأدوارهم، وهو يحول دون تحوّل العمل الاصلي لعضو المجلس الاعلى للقضاء الى مبرر لتقصيره في حضور اعماله. كما يبعد التفرغ بالنسبة لاعضاء المجلس من غير القضاة شبهة استعمال صفة عضو مجلس قضائي في التربح وذلك خصوصا لمن يباشرون نشاطا مهنيا “حرا” على علاقة بالعمل القضائي .

ويستخلص- ختاما- مما سلف أن “مشروع القانون” لم يقدّم حلولا لمسألة عضوية غير القضاة لمجالس القضاء بما يفقد المشروع اهميته ويجعل منه مجرد تصور يستبعد تحوله لمشروع قانون، ولا سيما أن وزير العدل أكد سابقا التزامه بتمثيل قطاع المحامين بمجلس القضاء الاعلى. ومن جهتها، تتجه الهياكل المهنية لكتابات المحاكم للمطالبة بحقها في التمثيل بمجلس القضاء و انهاء السعي لتهميش دورها في مرفق العدالة. بالمقابل، يدفع القضاة لتمثيلية اكبر للاساتذة الجامعيين على اعتبار ان من شأن الصفة الاكاديمية أن تعزز الميل الى الاستقلالية.

الصورة منقولة عن موقع noonpost.net



[1]يراجع مشروع القانون المنشور بموقع وزارة العدل التونسية
http://www.e-justice.tn/index.php?id=137
[2]اجريت الانتخابات التشريعية يوم 23/10/2014 و يستفاد من ذلك ان تاريخ 23/04/2015 يكون الاجل الدستوري الاقصى لمباشرة المجلس الاعلى للقضاء اعماله.
[3]يراجع تصريح القاضي السيد احمد صواب لصحيفة التونسية بتاريخ 10/01/2015 والذي اتى به    ”  انه من بين الإشكاليات المطروحة اليوم والمتعلقة بالمجلس الأعلى للقضاء هو نسبة المنتخبين بين القضاة كم ستكون، كما أن المسألة الأهم والتي لي فيها تحفظ كبير، هي مسألة الأعضاء من غير القضاة، خاصة إن كانوا محامين، وهو ما يطرح نوعا من التضارب في المصالح، لان المحامي أصبح هنا يتدخل في المسار المهني والتأديبي للقضاة، وبالتالي أصبحت لديهم سلطة لمراقبتنا وفي نفس الوقت يترافعون أمامنا وهو ما اعتبره تضاربا في المصالح، ولذلك اقترحت أن يكون المحامون الأعضاء في المجلس الأعلى للقضاء من المتقاعدين أو من غير المباشرين للمهنة، ثم انه لماذا لا تقع المعاملة بالمثل، كاعتماد نسبة 10 بالمائة من القضاة للقيام بالتدريس في جامعات الحقوق، والمعهد الأعلى للمحاماة، نحن لسنا ضد دخول المحامين والجامعيين في كل ما تعلق بالقضاة، لكن بشرط المعاملة بالمثل “
[4] نص على هذه اللجنة الفصلين 22 و23 من المشروع و تضم في عضويتها : رؤساء محكمة التعقيب والمحكمة الادارية ودائرة المحاسبات وعمداء كليات الحقوق الخمسة بتونس ومدير المعهد العالي للتصرف ( لا يوجد تبرير لاختيار مدير معهد التصرف دون غيره من المؤسسات الجامعية المتخصصة في المحاسبة والاقتصاد )ومديري المعهد الاعلى للقضاء ومعهد المحاماة ومركز الدراسات والابحاث القضائية ومدير المدرسة القومية للادارة وممثل عن رئاسة الجمهورية وممثل عن الحكومة وممثل عن مجلس نواب الشعب ( لم يذكر النص كيفية اختيار العضو الممثل لمجلس الشعب بما يطرح السؤال حول الجهة التي لها اهلية التعيين هل هي رئاسة المجلس ام جلسته العامة )
[5] يبلغ عدد الأعضاء المستقلين من غير القضاة حسب المشروع  تسعة بالنسبة لمجلس القضاء العدلي من مجموع سبعة وعشرين عضوا فيما يبلغ عددهم سبعة من جملة واحد وعشرين عضوا يمثلون تركيبة المجلس الأعلى للقضاء للمحكمة الإدارية وذات الأمر بالنسبة للمجلس الأعلى للمحكمة المالية .
[6] يلاحظ في هذا الاطار ان مفهوم التخصص قد يتغير من مجلس قضائي لآخر  فالتخصص بالنسبة للمحكمة المالية التي تباشر وظائف قضائية ورقابية مالية يشمل منطقيا المتخصصين في المالية العمومية فيما قد يشمل التخصص بالنسبة للقضاء الاداري من يباشرون وظائف في الادارة العمومية ليكون التخصص غير ذلك بالنسبة للقضاء العدلي ويبدو ان التخصص والاستقلالية بالنسبة للقضاء العدلي الذي يؤدي اعتباره قضاء الحريات التوسع في ” معيار التخصص ” ليشمل المهتمين بحكم نشاطهم او مهنهم او تكوينهم بالمحاكمة العادلة والحريات                                                
[7] يراجع في خصوص موقف المحكمة الادارية من مبدأ المساواة بين المترشحين لشغل عضوية اللجان مقال “المحكمة الادارية تدخل على خط الحوار الوطني وتفرض الالتزام بالقانون على رجال السياسة” محمد العفيف الجعيدي نشر بالمفكرة القانونية بتاريخ 12/11/2013
انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني