بعد طول انتظار، أصدرت اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف بالمغرب تقريرها الأول الذي يغطّي فترة سنةٍ من عمل اللجنة مند تنصيب أعضائها بتاريخ 05 سبتمبر 2019. يستعرض التّقرير حصيلة أعمال اللجنة، ويُشير إلى العراقيل والإكراهات التي واجهتْها. كما يقدّم مجموعةً من المقترحات للنهوض بواقع التكفّل بالنساء ضحايا العنف سواءً على مستوى القوانين أو الإجراءات أو الممارسة.
تذكير بالإطار القانوني المنظّم لعمل اللجنة الوطنية
تنصّ المادة 11 من قانون محاربة العنف ضدّ النساء على إحداث لجنةٍ وطنيّةٍ للتكفّل بالنساء ضحايا العنف تتولّى ممارسة المهامّ والاختصاصات المنصوص عليها في هذا القانون[1]. ويعيّن رئيس الحكومة رئيسها، وهي تعقد اجتماعاتها مرّة في السنة على الأقلّ، وكلما دعتْ الضرورة إلى ذلك، بدعوة من رئيسها أو أغلبية أعضائها.
وقد صدر المرسوم الذي يحدّد تأليف اللجنة وكيفيّات سير عملها، كما ينظّم عمل خلايا التكفّل بالنساء ضحايا العنف بالمحاكم.
وتعدّ اللجنة الوطنيّة آليّة مؤسساتيّة جديدة مختصّة في قضايا العنف ضدّ النساء والفتيات بصفة عامّة، والتكفّل بضحايا العنف على وجه الخصوص. وتبرز أهميّتها بالأساس في مأسسة آليات التنسيق بين مختلف المتدّخلين في مجال محاربة العنف ضدّ النساء، حيث أسند اليها القانون عدّة صلاحيات تروم ضمان التواصل والتنسيق بين مختلف التدخّلات لمواجهة العنف ضد النساء، والمساهمة في وضع آليات لتحسين تدبير عمل خلايا التكفّل على صعيد كافة الصعيد الوطني، بالإضافة إلى اختصاصات أخرى تتعلّق بالشراكات والتعاون وتقديم المقترحات، وإعداد التقارير.
صعوبات تواجه عمل اللجنة الوطنيّة
رصد التقرير الأول مجموعة من الإكراهات التي واجهتْ عمل اللجنة، يمكن تصنيفها فيما يلي:
صعوبات مالية: تتمثّل في قلّة الإمكانيات اللوجيستيّة للاشتغال
بسبب عدم التوفّر على مقرّ للجنة وغياب ميزانيّة خاصّة بها تمكّنها من القيام بمهامّها داخل ميزانية رئاسة الحكومة وهو ما يشكّل عائقًا أمام اللجنة لبلوغها الأهداف المُتوخّاة من إحداثها،
صعوبات بشرية: تتمثل في عنوان بارز أفرده التقرير وهو “ضعف الإمكانيات مقارنة بالمهام”، حيث تعاني اللجنة من عدم توفر موارد بشرية خاصّة باللجنة فضلا عن عدم تفرّغ أعضاء كتابتها، وهو ما ينجم عنه عدّة أعطاب منها ضعف التوثيق الإلكتروني لأعمال اللجنة.
صعوبات تقنية: سجّل التقرير غياب توحيد المعطيّات الإحصائيّة وغياب مؤشّرات موحّدة متعلّقة بالعنف ضدّ المرأة. وهو ما نجمت عنهصعوبات في استثمار المعطيات الواردة عليها نظرا لغياب معجم موحد لتنصيف الأفعال الجرميّة المرتكبة في حق المرأة، وقد دعا التقرير إلى ضرورة إحداث قاعدة بيانات وطنيّة موحّدة لتقييم وضعيّة المرأة المعنّفة بالبلاد ووضع خريطة وطنية حسب نوع العنف ومكان ارتكابه والخدمات المؤسساتية المتوفرة لدى المتدخلين.
صعوبات في التنسيق والتفاعل: وفي هذا الإطار،سجّل التقريرضعف التجاوب المؤسساتيّ مع اللجنة الوطنيةوهو ما يمثّل عقبةً في مهامّ عمل اللجنة القائم أساسًا على التنسيق بين القطاعات المتعدّدة المعنيّة بالموضوع.
توصيات التقرير الأول لدعم التنسيق وتشجيع التبليغ عن العنف
تضمّن التقرير الأول للجنة الوطنية للتكفّل بالنساء ضحايا العنف عدّة توصيات لتجاوز الاختلالات المسجّلة، تتعلّق أساسًا بتجويد منظومة التكفّل، وتيسير ولوج النساء المعنّفات إلى العدالة، وتطوير آليات المواكبة واليقظة، وتعزيز الشراكات وتقوية آليات الرصد وجمع المعطيات.
فعلى مستوى الرصد وتدقيق الإطار المفاهيمي، دعا التقرير إلى اتّخاذ تدابير عدّة بهدف تشجيع التبليغ عن حالات العنف وجمع المعطيات المرصودة ومعالجتها، من بينها:
- إيجاد مؤشّرات موحّدة وتعميمها على المستوى الوطني لرصد واقع العنف؛
- وضع معجم مصطلحات متعلّق بظاهرة العنف بغية توحيد المفاهيم وسهولة تصنيف حالات العنف (نفسي، الكتروني).. وتعميمه على المراصد والمراكز الطبية وكافة المتدخلين المعنيين؛
- وضع آلية لرصد الإحصائيات المتعلّقة بالعنف ضدّ النساء التي تتوفّر عليها الجمعيات مع مراعاة المقتضيات المتعلقة بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي التي ينصّ عليها القانون رقم 08-09 المتعلّق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي؛
- إحداث آليّات الرصد والتبليغ عن العنف في المراكز الطبية والمستشفيات ومهنيي الصحة والصيادلة؛
- تطوير حلول تكنولوجيّة لرصد العنف الإلكترونيّ ضد النساء والتبليغ عنه؛
- وضع آليات لرصد العنف ضدّ النساء في أماكن الشغل؛
- تعميم الممارسات الفضلى في مجال رصد حالات العنف ضد النساء وكيفية التصدي لها.
- تجهيز مراكز الاستقبال والاستماع المحدثة لدى القطاعات المعنية وفق القانون 103.13 بآليات ووسائل تسهّل رصد وتتبّع الحالات.
وعلى مستوى التنسيق دعا التقرير الى دراسة إمكانية تبادل المعطيات بين كافة المتدخلين لتفادي تكرار رصد الحالات؛ إلى جانب تطوير النظام المعلوماتيّ الخاصّ بالعنف ضد النساء وتعزيز التنسيق البين قطاعي والمؤسساتي في تبادل المعطيات، قصد التمكّن من رصد وتتبّع ونشر المعطيات المتعلقة بالعنف ضد النساء والتوفّر على إحصائيات دقيقة وفق الممارسات الفضلى؛
أما على مستوى التحسيس والتوعية، فقد أوصى التقرير بتكثيف الجهود التحسيسية والتوعوية لتشجيع النساء على التبليغ لعكس صورة حقيقة للظاهرة وتيسير سبل معالجتها إلى جانب وضع برامج توعوية للتحسيس بخطورة ظاهرة العنف ضد النساء بجميع أشكاله، والتعريف بمقتضيات قانون العنف ضد النساء وتشجيع الإعلام بكلّ أنواعه والمؤثّرين في مواقع التواصل الاجتماعي للانخراط في مناهضة العنف ضدّ النساء.
أما على مستوى تعزيز القدرات، فقد أوصى التقرير أيضا بضرورة التكوين والتكوين المستمر لكل السلطات المكلفة بإنفاذ القانون ولكافة المتدخلين في مجال محاربة العنف ضد النساء.
ملاحظات حول التقرير الأول للجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف
رغم أهمية التقرير الذي يأتي لرصد حصيلة عمل اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، فإنه يمكن ابداء عدة ملاحظات عليه:
- من حيث توقيت صدوره: يُلاحظ أنّ التقرير الذي يفترض أن يرصد حصيلة سنة من عمل اللجنة، تأخّر صدوره، مما جعل مضمونه يشمل حصيلة أكثر من سنة. وقد تمّ تبرير تأخير صدور التقرير بالصعوبات التقنية والمالية التي تواجه عمل اللجنة، ولا سيما بسبب ما خلفته جائحة كورونا من تأخير وتعطيل في عقد الاجتماعات؛
- من حيث مضمون التقرير، يلاحظ أنّه لم يتضمّن إحصائيات جديدة تخصّ تدخلات البنيات المتعلقة بالتكفّل سواء بالمحاكم أو المستشفيات أو مراكز الدرك والأمن، وإنما اقتصر على إعادة نشر الاحصائيات المتعلقة بالعنف ضد النساء التي سبق وأن نشرتها الجهات المعنية سواء رئاسة النيابة العامة أو مديرية الأمن الوطني أو المندوبية السامية للتخطيط، أو بعض الوزارات كوزارة التضامن ووزارة الأسرة … مما يعني عدم وجود إحصائيات محيّنة تخص عمل اللجان الجهوية المتعلّقة بالتكفل، ويشير هذا المعطى الى وجود صعوبات في التنسيق بين اللجنة الوطنية واللجان الجهوية، وهو ما يمكن إرجاعه إلى طبيعة كلّ لجنة، باعتبار اللجنة الوطنية تتبع السلطة التنفيذية، ممثلة في رئاسة الحكومة، واللجان الجهوية تابعة للسلطة القضائية.
- ركّز التقرير بشكل كبير على الأنشطة التي نظّمتها اللجنة الوطنيّة بشكل جعله أقرب الى تقرير أنشطة، منه الى تقرير حول حصيلة عمل اللجنة.
- في نفس السياق، يلاحظ أن التقرير لم يرصد بشكلٍ كافٍ الإشكاليّات القانونيّة العمليّة التي تواجه عمل خلايا التكفّل بالنساء ضحايا العنف، خاصّة ما يتعلق بصعوبات وصول الناجيات من العنف إلى المساعدة القضائية، بسبب التأخر في تنزيل باقي الإصلاحات المتعلقة بمنظومة العدالة في المجال الاجرائي وعلى رأسها مراجعة قانون المسطرة الجنائية وقانون المسطرة المدنية وتحيين المرسوم الملكي المتعلق بالمساعدة القضائية، فضلا عن عدم مراعاة الالتقائية في الإصلاحات التشريعية التي تمّ إجراؤها. فرغم صدور قانون جديد للتنظيم القضائي، إلا أنّه أغفل التنصيص على إحداث غرفٍ خاصّة بالبتّ في قضايا العنف ضدّ النساء بشكل يوفّر ضمانات التفرّغ والتخصّص للهيئات القضائيّة ويتيح عقد جلسات خاصّة للبتّ في هذه القضايا تراعي احتياجات الناجيّات من العنف وفق أفضل التجارب الدولية. كما لم يتمّ تتويج تجربة أقسام قضاء الأسرة بشكلٍ يكفل الارتقاء بها إلى محاكم متخصّصة في الأسرة، دون إغفال الإشكاليات التي يثيرها الاختصاص المحلّي في عمل خلايا العنف وما إذا كانت تابعة لأقسام قضاء الأسرة أو للمحاكم الزجرية رغم التداخل الكبير الموجود بين اختصاصاتهما، بشكل يؤثر أحيانا على ولوج النساء الناجيات من العنف إلى خدمات الخلايا القضائية الموجودة بالمحاكم.
وأخيرا يبقى التقرير الأول للجنة الوطنية وثيقة على درجة كبيرة من الأهمية لكونه يرصد حصيلةً تزيد عن سنة من عمل وأنشطة اللجنة ويرصد واقع التكفّل بالنساء ضحايا العنف بكل ما يواجهه من عراقيل وتحديات.
مواضيع ذات صلة
قانون محاربة العنف ضد النساء بالمغرب يدخل حيز التنفيذ
نشر قانون مكافحة العنف ضد النساء بالمغرب في الجريدة الرسمية
تحالف ربيع الكرامة يقدم ملاحظاته حول مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء
قراءة نقدية في مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء في المغرب
قراءة ثانية في مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء في المغرب
عن تجربة خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف في المغرب
أول حكم قضائي يجرم العنف النفسي بالمغرب
أول حكم قضائي لمنع الاتصال بالضحية إعمالا لقانون العنف ضد النساء في المغرب
أول تطبيقات تدابير الحماية في قانون العنف ضد النساء بالمغرب: العلاج النفسي كبديل عن العقاب
رئاسة النيابة العامة بالمغرب تتحرك لمحاصرة العنف ضد النساء في زمن الكورونا
[1]- حددت المادة 12 من قانون محاربة العنف ضد النساء اختصاصات اللجنة الوطنية فيما يلي:
-ضمان التواصل والتنسيق وطنيا بين تدخلات القطاعات الحكومية والإدارات المركزية المعنية بموضوع العنف ضد النساء؛
-إبداء الرأي في مخططات عمل اللجان الجهوية والمحلية، المشار إليها في المواد 13 و15 بعده، وتتبع تنفيذها؛
-تلقي تقارير اللجان الجهوية والمحلية وفحصها؛
-رصد واقتراح إمكانات تطوير عمل اللجان المحلية والجهوية؛
-المساهمة في وضع آليات لتحسين تدبير عمل الخلايا المشار إليها في المادة 10 أعلاه، واللجن الجهوية والمحلية ومواكبة عملها مركزيا؛
-تقوية وتفعيل آليات الشراكة والتعاون بين اللجن الجهوية واللجن المحلية وجمعيات المجتمع المدني وباقي المتدخلين.
-إصدار تقرير سنوي عن حصيلة العمل.