صادق مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى للبرلمان) بداية الشهر الجاري على مشروع القانون رقم 75-15 يتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الانسان . وهو المشروع الذي أعدته وزارة العدل والحريات وتبنته وزارة الدولة الجديدة المكلفة بحقوق الإنسان المحدثة سنة 2017 بمناسبة تنصيب الحكومة الجديدة. وتأتي إعادة تنظيم المؤسسة المذكورة اعتبارا للمستجدات الدستورية والقانونية بالمغرب بعد إقرار دستور 2011. كما ولّد مشروع القانون هذا بعض النقاشات بخصوص تركيبته المقترحة وكذا بعض صلاحياته. وبداية نتعرف على أهم محطات إصلاح المجلس الوطني لحقوق الإنسان مند تأسيسه إلى الآن، ثم نقف على أهم المستجدات التي حملها الإصلاح الأخير.
أهم محطات إصلاح مؤسسة المجلس الوطني لحقوق الانسان
تأسس مجلس حقوق الإنسان في المغرب سنة 1990 تحت مسمى "المجلس الإستشاري لحقوق الانسان"، بقرار من الملك الراحل الحسن الثاني وذلك ضمن إطار الانفتاح السياسي الذي كان بدأه على مجموعة من القضايا التي عرفها الماضي المغربي من انتهاكات لحقوق الإنسان في سنوات السبعينات والثمانينات وانغلاق سياسي وغير ذلك. وقد ترافقت أو تعززت خطوة تأسيس المجلس الاستشاري هذا بخطوات أخرى، منها العفو عن مجموعة من المعتقلين السياسيين بداية من سنة 1990 وإحداث المحاكم الإدارية سنة 1991 وفتح قنوات الاتصال مع المعارضة اليسارية بداية من سنة 1994 توجت بوصولها لرئاسة الحكومة سنة 1998. لكن صلاحيات المجلس في تلك الفترة كانت استشارية فقط، بحيث كانت تقدم تقارير للملك تهم الحالة العامة لحقوق الإنسان أو حالة خاصة بعينها. وفي سنة 2001، تمّ تعديل قانون المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان ليتلاءم مع مبادئ باريس حول المجالس المعنية بحماية حقوق الإنسان، والتي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بمقتضى القرار رقم 134/34 الصادر بتاريخ 20-09-1993. وعليه، تم منحه بعض الصلاحيات الجديدة مع اعطائه بعض الاستقلالية فضلا عن إعادة النظر في عضويته. ويبقى أهم انجاز قام به المجلس في ظل رئاسته من طرف المعتقل السياسي السابق الأستاذ إدريس بنزكري هو إشرافه على "هيئة الانصاف والمصالحة " التي تولّت ملف العدالة الانتقالية بالمغرب سنة 2004 . بيد أن التحول الكبير هو ذلك الذي عرفه سنة 2011 قبل إقرار الدستور الجديد بشهور قليلة، بحيث تم تحويله بمقتضى قانون جديد إلى "مجلس وطني لحقوق الانسان" وتم منحه عدة صلاحيات عززت من استقلالية إلى حد ما. كما تمت إعادة النظر في تركيبته التي أخرج منها بعض الوزراء الذين كانوا أعضاء بالصفة في المجلس السابق وسجل حضور جمعوي مهم في المجلس الجديد إذ ذاك، فضلا عن إحداثه للجان جهوية مكونة من أعضاء على الصعيد الجهوي للمغرب شملت أزيد من 16 جهة. ورافق هذا التحول القانوني تحول على مستوى طريقة الاشتغال. فقد عرف المجلس نشاطا كبيرا منذ تلك الفترة إلى الآن تُجسده عدة آراء كانت جريئة أحيانا تهم الحريات الفردية وغيرها وإصداره لعدة تقارير تهم مجال اشتغاله فضلا عن الحضور الدائم في الأنشطة والندوات. وأخيرا تم إنشاء معهد للتكوين في مجال حقوق الإنسان تابع له باسم رئيسه السابق الراحل إدريس بنزكري الذي يطلق عليه بعض الحقوقيين بالمغرب "مانديلا" المغرب .
فما هي أهم المستجدات التي حملها الإصلاح الأخير؟
مستجدات مشروع القانون رقم 75-15 بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان
جاء المشروع الجديد بمستجدات عدة تهمّ عضويته التي دخل عليها بعض التغييرات الطفيفة وكذا منحه صلاحيات جديدة، فضلا عن النقاشات المرتبطة بعضوية البرلمان التي طفت إلى السطح بمناسبة مناقشة القانون في مجلس النواب.
ففيما يخص عضوية المجلس، يقترح مشروع القانون الجديد تركيبة مشكلة من 28 عضوا عوض 30 عضوا في القانون الحالي. وتختلف طريقة التعيين وفق المشروع، بحيث يعين الملك تسعة أعضاء، منها خمس شخصيات لها خبرة في ميدان حقوق الإنسان، وعضوين باقتراح من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد استشارة أعضاء المجلس والجمعيات المهنية القضائية وعضوين باقتراح من المجلس العلمي الأعلى (مؤسسة دستورية دينية)، بينما يعين رئيس الحكومة ثمانية أعضاء من شخصيات وهيئات مهنية كالأطباء والصحفيين والمحامين وأساتذة الجامعات، وثمانية آخرين يعينهم رئيسا البرلمان (مجلس النواب والمستشارين) بعد استشارة الفرق البرلمانية والجمعيات المدنية.
وقد دار نقاش كبير في لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، حول ضرورة بقاء عضوية البرلمانيين بصفتهم داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فيما رفضت الحكومة الانفتاح على هذا المقترح. كما رفضت العديد من الجمعيات الحقوقية تعيين تمثيليتها بواسطة رئيسي البرلمان. كما ناقش القضاة الأمر ورفض نادي قضاة المغرب أن يتم تعيين جميع القضاة من طرف رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية مقترحا زيادة عدد تمثيلية القضاة على أن يقوم المجلس بكامل أعضائه بتعيين نصف العدد فيما تقترح الجمعيات المهنية للقضاة النصف الآخر حفاظا على استقلالية عضوية القضاة بالمجلس الوطني المذكور.
وأما عن صلاحيات المجلس الجديدة، يتمثل أهمها في اقتراح المقترح إيجاد آلية وطنية محدثة لدى المجلس لتعزيز مسار حماية حقوق الإنسان بالمغرب. وقد تضمنت هذه الآلية فرعين لها هما أولا الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، وثانيا الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال. ومعلوم أن اعتماد هذه الآليات يدخل في باب الالتزامات التي يفرضها توقيع الدول على اتفاقية مكافحة التعذيب والإلزامات ذات الصلة بها. وقد عرف إقرار هذه الصلاحية الجديدة بعض النقاش الحقوقي حولها، بين قائل بضرورة أن تكون الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب مستقلة عن المجلس نفسه، وبين من يعتبر أنه لا بأس من أن تكون تابعة للمجلس الوطني لحقوق الانسان والحكم على فعاليتها ونجاعتها يجب أن يكون انطلاقا من عملها. ويشار إلى أن المشرع اللبناني كان اعتمد في 2016 التوجه نفسه لجهة إنشاء هيئة وطنية للوقاية من التعذيب ضمن المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وتجدر الإشارة أخيرا إلى أن المجلس الحالي انتهت ولاية اعضائه منذ مدة.
– تم تنصيب حكومة سميت بالمغرب "بحكومة التناوب "في ابريل 1998 ترأسها المعارض السابق الاستاذ عبدالرحمان اليوسفي .
– هيئة الانصاف والمصالحة تاسست في 07 -04-2004 بقرار من الملك بناء على توصية من المجلس الاستشاري لحقوق لحقوق الانسان .
– جاء في بيان لنادي قضاة المغرب صدر بتاريخ 10-02-2018 حول هذه النقطة ما يلي :". يسجل نادي قضاة المغرب بكل أسف ضعف تمثيلية الجهاز القضائي داخل تركيبة المجلس الوطني لحقوق الإنسان وفق الصيغة المنصوص عليها في مشروع القانون المنظم للمؤسسة المذكور، وذلك بالمقارنة مع باقي التمثيليات الأخرى، في الوقت الذي يعتبر فيه الجهاز القضائي الجهة الساهرة على ضمان الحقوق و الحريات، وبهذا الخصوص فإن نادي قضاة المغرب يطالب من جهة بضرورة إعادة النظر في تركيبة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالشكل الذي يضمن تمثيلية ملائمة للجهاز القضائي داخل تركيبة هذه المؤسسة إن على المستوى الجهوي أو الوطني، مع ضرورة إعادة النظر في طريقة اختيار تمثيلية الجهاز القضائي، من خلال تخويل المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، ومعه الجمعيات المهنية للقضاة صلاحية اختيار ممثليهم داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ".
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.