نشر مجلس القضاء العدلي مساء يوم 25-05-2018 المعايير التي سيعتمدها عند إعداده للحركة القضائية للسنة القضائية 2018-2019 التي يفرض قانونه الأساسي أن يعلنها قبل موفى شهر جويلية. وإّ بدا هذا الإعلان في ظاهره عودة من المجلس إلى تقليد سبق واعتمدته الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، إلا أنه يعكس في حقيقته تصورا جديدا لتنظيم تنافس القضاة على الخطط القضائية، تصورا متعثرا مؤداه تحويل الحركة إلى مناسبة لصناعة الاستتباع والانسجام أكثر من كونها مناسبة ل.
يضاف إلى ذلك، أن المجلس لم يسعَ إلى استشارة القضاة وهياكلهم بشأن تصوره قبل إقراره. وهو بذلك فوّت فرصة تطوير ممارسة الديمقراطية التشاركية في الوسط القضائي والتي كان يمكنه استلهام قواعدها من تجربة "المسار التشاركي في إعداد النصوص القانونية"[1] الذي تعتمده السلطات السياسية في صياغتها لمشاريع النصوص القانونية الترتيبية الهامة.
نظام التقييم: الانتقال من نظام الملاحظات إلى نظام التنقيط
في هذا الصدد، تظهر المقارنة بين الشروط المعلنة وشروط نظام التقييم المعتمدة من الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي تباينا معبرا.
فبالعودة إلى نظام تقييم القضاة الذي كانت وضعته الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، نلحظ أنه يقوم على ثلاثة أسس هي الآتية:
أولا، تقييم المؤهلات الشخصية العامة وتتعلّق بسلوك القاضي وقوة شخصيته وكيفية تعامله مع محيطه من مساعدي القضاء ومتقاضين،
ثانيا، تقييم المؤهلات المتعلقة بجودة العمل وتمثّل المعيار الصناعي والعلمي المرتبط أساسا بالكفاءة ويتعلّق بحرص القاضي على تحيين المعلومة القانونية.
ثالثا، تقييم المؤهلات المتعلقة بالقدرة على إنجاز العمل تمثّل المعيار المرتبط بالمواظبة والانتظام في العمل والانخراط في ثقافة الفريق بالنسبة لأعضاء النيابة وكذلك التحكّم في التكنولوجيات الحديثة لتسهيل إنجاز العمل في أقصر الآجال[2].
واعتمد في هذا التقييم على نظام الملاحظات الذي يصنف القضاة ضمن أربع فئات:
القاضي الممتاز، وهو الذي ينجز عمله بدرجة عالية من النجاعة والجودة،
القاضي الجيّد، وهو الذي ينجز عمله دون تأخير وعلى أحسن وجه،
القاضي المقبول، وهو الذي ينجز عمله بطريقة عادية ومرضية،
القاضي دون المقبول، وهو الذي يجد صعوبة في إتمام عمله أو لا يتمّه على الوجه المطلوب[3].
على خلاف هذا التصور توجه مجلس القضاء العدلي لإرساء معايير تقييم تشمل:
أولا، الكفاءة الصناعية،
ثانيا، النشاط العلمي من المؤهل العلمي والنشريات من مقالات في مجلات محكمة ومؤلفات[4]،
ثالثا، الأقدمية في الاختصاص[5].
وبدل نظام الملاحظات، اعتمد التصور الجديد على نظام التنقيط (الأعداد) من خلال تخويل صاحب صلاحية التقييم، إسناد عدد عن كل عنصر تقييم واعتبار مجموع الأعداد المسندة الحاصل الذي يعتمد في التفاضل بين المتنافسين على الخطط القضائية.
تقييم غير شفاف يفتح باب الممالقة والزبونية
يستدعي التدقيق في تفاصيل نظام التقييم الملاحظات الآتية:
أولا، أن عنصر الكفاءة الصناعية تم حصره في حاصل أقصى قدره عشر نقاط فيما لم يتم تحديد حاصل أقصى لغيره من عناصر التقييم. وقد يؤدي هذا الأمر إلى إسناد خطط وظيفية لقضاة يشكون ضعفا صناعيا بفضل تميزهم عن غيرهم بالمؤهل العلمي أو بالأقدمية أو بالنشر والتأليف فيما كان يجب أن تكون الكفاءة والتميز المهني عناصر التقييم الأساسية وغيرها مكملات لها.
ثانيا، لم تتضمن معايير التقييم أي إجراءات تضمن حق القاضي في الاطلاع على التقييمات التي تسند له من رؤسائه في العمل أو على النقاط التي يسندها إليه المجلس الأعلى للقضاء، بما يحول دون تحقيق الشفافية المطلوبة. وكان يفترض وقد تم اعتماد نظام التنقيط أن يتم ضمان حق القضاة المتناظرين على الخطط الوظيفية في الاطلاع على حاصلهم من النقاط ليتمكنوا من المنازعة فيه عند الضرورة وعلى حاصل غيرهم من القضاة ليعرفوا بداية حظوظهم في نيل الخطط التي يرومون الترشح لها وليراقبوا تاليا مدى التزام مجلسهم بما فرض على نفسه من قواعد[6].
ثالثا: أقحم أعضاء المجلس الأعلى للقضاء في عناصر التنقيط حقا لكل واحد منهم بإسناد القاضي نقطة تضاف لحاصله. وتبدو هذه الإضافة التي لا تخضع لأي ضابط موضوعي أداة تدخل وشراء ذمم للقضاة اعتمدت لتضمن ولاء الطامحين منهم الشخصي لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء. وهذا الأمر يؤكد مجددا أن ثقافة التسلط ما زالت تحكم جانبا في الفضاء القضائي الداخلي وتحول دون الاعتراف للقضاة بحقهم في تقييم موضوعي لنشاطهم المهني يكون هدفه الانتصار للكفاءة بدل صناعة الاستتباع والانسجام.
رابعا: أكد المجلس أنه سيعتمد في إسناد الخطط الوظيفية على الشروط المنصوص عليها بالأمر عدد 436 لسنة 1973 المؤرخ في 21/9/1973. ويلاحظ هنا أنه كان ينتظر منه عوض هذا الإعلان أن يعيد تصور شروط جديدة لإسناد الخطط الوظيفية تلائم التطورات التي عرفها توزيع القضاة بين الرتب الثلاث بما يمنع اضطراره لاحقا للتكليف في سد الشغورات وهو أمر يبدو حصوله مرجحا[7].
وترجو المفكرة على ضوء ملاحظاتها أن يتراجع المجلس الأعلى للقضاء بشكل عاجل عن تصوره لما يتضمنه من منزلقات خطيرة، وأن يبادر إلى دعوة الهياكل القضائية والمنظمات الحقوقية إلى إبداء تصوراتها في هذا الشأن في اتجاه وضع نظام تقييم تشاركي وضامن لغلبة الكفاءة والاستقلال على أي اعتبار آخر.
للاطلاع على النص، انقر/ي على الرابط ادناه
[1] بموجب المنشور عدد 31 لسنة 2014 تولت رئاسة الحكومة التونسية إحداث خدمة تتمثل في نشر بعض مشاريع النصوص القانونية والترتيبية على العموم لإبداء ما لهم من ملاحظات حولها للاطلاع على التجربة يمكن زيارة موقع " البوابة الوطنية للاعلام القانوني " والذي تتم عبره تلك الاستشارات .
[2] ليلى الزين -تقييم أداء القضاة التونسيين: تصورات لتقييم موضوعي يضمن حق المواجهة -22-05-2015 المفكرة القانونية
[3] ليلى الزين المرجع السابق .
[4] – ورد بالمعايير" تسند من قبل المجلس إلى جانب النقاط المسندة من الرؤساء المباشرين النقاط التالية:
*0.25 نقطة لكل مقال منشور في مجلة محكّمة
* 0.75 نقطة لكل مؤلف منشور
* 02 نقاط شهادة الدكتوراه
*01 نقطة شهادة الماجستير "
[5] ورد بالمعايير " – تسند للمترشح مجموع نقاط يساوي عدد السنوات التي شغل فيها خطة وظيفية ولا تحتسب أي نقطة للمترشح إذا أعفي من الخطة التي شغلها نتيجة إخلاله بمبادئ النزاهة أو الحياد أو الاستقلالية أو لنقص في الكفاءة.
– تسند نقطة عن كل سنة تخصص ( بمعنى إذا كانت الخطة المطلوبة وكيل جمهورية أو وكيل عام فإنّ النقاط تسند كاملة للمترشح الذي باشر أعمال النيابة العمومية في كامل مسيرته القضائية) كذلك إذا تلقى المترشح تكوينا خصوصيا في الخطة المترشح إليها."
[6] كانت المفكرة القانونية قد نبهت في حوار أجرته اثر إعلان الحركة القضائية للسنة القضائية 2017-2018 مع الناطق الرسمي باسم المجلس الأعلى للقضاء عماد الخصخوصي لأهمية أن يطور المجلس ثقافة الانفتاح على القضاة وأن يعتمد عناصر تقييم موضوعي تضمن للقضاة حق الاطلاع على تقييماتهم " يُعزى لكم أنكم تكرسون ثقافة الإنغلاق. فأنتم لا تقبلون بأي دور تشاركي ولو محدود لمجتمع القضاة في صناعة تصوراتكم، وفق ما ورد في بلاغ جمعية القضاة التونسيين الصادر بتاريخ 08-09-2017 والذي اتهمكم صراحة بثلاثة أمور: (1) تجاوز مبدأ الاستماع للهياكل الممثلة للقضاة الذي أرسته الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي والذي يعد ضمانة من ضمانات الشفافية، (2) الحدّ من مبدأ الإستماع لرؤساء المحاكم والمؤسسات القضائية في نطاق الإعداد للحركة بالإقتصار على البعض منهم بما حال دون الوقوف على الاحتياجات الحقيقية لكل المحاكم ومس بمعايير تقييم القضاة من حيث الكفاءة والنزاهة والإستقلالية والحياد، و(3) عدم إقرار آلية لتفعيل مبدأ المواجهة باعتباره من ضمانات استقلالية القضاة عند تقييمهم والإبقاء على أسلوب التقييم السري والأحادي. " وكان جوابه عن هذا السؤال "ظروف إعداد الحركة القضائية الخاصة بالقضاء العدلي كانت صعبة باعتبار ضيق الوقت الذي تم إعدادها خلاله وصعوبة إنجاز حركة قضائية لأول مرة بالنسبة لأغلب أعضاء مجلس القضاء العدلي. وقد فرض هذا الأمر مرحليا تنازلا عن تقاليد سبق أن أرستها الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي في هذا المجال. ويهمني هنا أن أشدّد على أن المجلس سيتجاوز هذا الخلل في الحركات القضائية المقبلة في اتجاه يكرس التزامنا الكامل بكل معايير الشفافية وتطويرها. وسيتم مستقبلا في هذا الإطار الاستماع لهياكل القضاة وللمشرفين على كل المحاكم. والأهم من كل هذا نتعهد بأن نلتزم مستقبلا باحترام حق القضاة في الاطلاع على تقييمات المشرفين عليهم، فيما يتعلق بتقييم أدائهم المهني وفيما يتعلق بما قد ينسب لهم من مؤاخذات قد تؤدي لسحب خطط وظيفية منهم. وفيما تعلق بتقييم الحركة القضائية، ..للاطلاع على الحوار كاملا https://legal-agenda.com/article.php?id=3933
[7] يراجع ملاحظات أولية حول الحركة القضائية الجديدة في تونس – المفكرة القانونية