بتاريخ 25-06-2016، قرر رؤساء الكتل النيابية بمجلس نواب الشعب التونسي منح أولوية مطلقة في العمل التشريعي لمشروع القانون الأساسي عدد 49 لسنة 2015 الذي يتعلق بالمصالحة الاقتصادية والمالية مع من يتهمون بالضلوع في الفساد المالي في ظل المنظومة الاستبداية.حاولت لجنة التشريع العام التي تعهدت بالدراسة الفنية لمشروع القانون إنجاز التعهد خلال الدورة النيابية الجارية[1].إلا أنها لم تتوصل لانهاء عملها رغم سرعة وتيرته. وينتظر أن يضطر هذا رئيس مجلس نواب الشعب التونسي الاستاذ محمد الناصر لأن يقرر خلال الأيام القادمة دورة استثنائية للمجلس التشريعي ستكون المصادقة على مشروع قانون المصالحة من أهم الاعمال التشريعية التي ستدرج في جدول أعمالها[2].
وبتاريخ 11-08-2015، أودعت رئاسة الجمهورية بمجلس نواب الشعب مبادرتها التشريعية التي تتعلق بالمصالحة الاقتصادية والمالية. وقد قوبلت الخطوة في حينها بمعارضة واسعة شملت الطبقة السياسية والمجتمع المدني وهيئة الحقيقة والكرامة. تمسكت رئاسة الجمهورية بمبادرتها ورفضت سحبها وتوجهت في مقابل ذلك إلى إعلان قبولها بمقترحات التعديل التي سيتم تقديمها أثناء مناقشة المجلس التشريعي للمشروع. كما تولت صياغة مقترحات تعديل لمشروع القانون إلا أنها تكتمت على مضمونها الذي لم يعلن رسميا. وكذلك حجب المجلس التشريعي بشكل كامل المعطيات حول "تعديل رئاسة الجمهورية" في خطوة تتعارض مع الحق في النفاذ للمعلومة المقرر قانوناً. وقد برر المجلس ذلك بأن لجنة التشريع العام قررت الاعتماد في نقاشها العام على مشروع القانون في صيغته الأصلية واعتبار النص المعدل مجرد مقترح تعديل. تولت في المقابل مواقع اعلامية تسريب نص ذكر أنه يتعلق بتعديلات رئاسة الجمهورية لمبادرة اللجنة التشريعية[3]، فيما سربت وسائل إعلام أخرى نصاً آخر نشرته منظمة "أنا يقظ" وذكر أنه يخص ذات التعديل.[4] ويخشى أن يؤدي حجب المعلومة إلى دفع الأصوات المعارضة لنصه إلى مناقشة أفكار عامة واتخاذ مواقف تفتقر للدقة والموضوعية وتستند للنسخة الاصلية من مشروع القانون، حال أن كل الاطراف السياسية بما في ذلك الداعمة للمشروع التفتت عن تلك الصيغة.
وكانت المفكرة القانونية قد تقدمت فيما تعلق بمشروع القانون المصالحة في صيغته الأولى بملاحظات[5]، تأكدت موضوعيتها بصدور الرأي الاستشاري للجنة البندقية حول ذات المشروع بتاريخ 26-10-2015 والذي انتهى تقريبا لذات المؤاخذات التي أثارتها المفكرة القانونية.
وقبل المضيّ في إبداء الملاحظات بشأن هذين المشروعين المسرّبين، تقتضي الإشارة أولا إلى أن مشروع القانون في تعديلاته كما في صياغته الأساسية حافظ على التصور الذي برز في القانون الأساسي للعدالة الانتقالية[6] في تونس. وقد تمثل هذا التصور في إعتماد معاملة تمييزية إزاء انتهاكات الحقبة الاستبدادية، قوامه فتح المجال واسعا للصلح مع رجال الأعمال ومن يتهمون بجرائم تبديد ونهب أموال المجموعة الوطنية مقابل التعامل الصارم مع غيرهم ممن تنسب لهم انتهاكات أخرى[7]. وعليه، كرس مشروع القانون الاساسي للمصالحة الاقتصادية والمالية مجددا فكرة الصلح الميسّر مع من يتهمون بالانتهاكات المالية ولم يلتفت لفكرة المصالحة مع غير هؤلاء. ويبدو هذا التوجه مستغربا خصوصا وأن النظام الاستبدادي الذي تهدف مسارات العدالة الانتقالية لطي صفحة انتهاكاته يُعد الفساد المالي من أهم ما ينسب له من مؤاخذات.
كان يفترض أن تؤدي مسارات العدالة الانتقالية بداية من القانون الاساسي للعدالة الانتقالية وانتهاء بالقوانين المكملة له ومنها المشروع المقترح الى فرض قيم عدالة شاملة لا تميز بين "المتهمين باعتباراتمصلحية. إلا أن هذا لم يتحقق بعدما اتجهت الارادة السياسية للسعي السريع ‘لى مصالحة من يتهمون بالفساد المالي بدعوى الحاجة لكفاءتهم ومالهم في مقابل تمسكها بضرورة معاقبة من يتهمون بانتهاكات أخرى انتهت الطبقة السياسية لتجاوز آثارها فعليا وحكمت على أداوت التنفيذ التي استعملت فيها بضرورة المعاقبة.
وتؤكد المفكرة القانونية التي كانت اول من نبهت للمأزق الاخلاقي الذي يميز مسار العدالة الانتقالية التونسية أن اتجاه مشروع القانون لتعميق البعد غير المبدئي لمسار العدالة الانتقالية في تونس يؤشر على استمرار حالة عدم العدالة وهي تدعو بالتالي لمراجعة هذا التوجه.
ومع مراعاة ما تقدم من ملاحظات جوهرية تطال صلب التوجه التشريعي، تتولى المفكرة القانونية هنا إبداء ملاحظات تفصيلية حول مشروع القانون المقترح باعتماد صيغ التعديلات المسربة والمختلف في شأنها، على أمل أن يسهم مجهودها في حماية قيم العدالة. ولتحقيق الغاية المرجوة، تعتمد المفكرة القانونية نصّي التعديلين المسربين في محاولة منها للتصدي لحجب المعلومة.[8]
1- ملاحظات المفكرة القانونية حول الفصل الأول من مشروع القانون:
تطابقت صيغة الفصل الأول المحدد للأهداف العامة لمشروع القانون في النسختين المنسوبتين لرئاسة الجمهورية. وحافظت هذه الصيغة على الأحكام التي وردت في النص الأصلي مضيفة إليها تأكيداً على أن الغاية من مشروع القانون هي: "اتخاذ إجراءات من شأنها دفع الاقتصاد الوطني". وترى المفكرة القانونية أن الربط بين مشروع القانون والعدالة الانتقالية يطرح جملة من المسائل:
أولا: مقايضة غير أخلاقية بين القبول بالمصالحة والعفو عن جرائم اقتصادية وديون
في نسخته المسربة من جمعية أنا يقظ، اقترح المشروع في الفصل 11 منه عفوا تشريعيا عاما عن كل من اتهم باصدار شيك بدون رصيد او اعترض عليه في غير الصور القانونية وحررت في شأنه شهادة عدم خلاص قبل دخول القانون حيز التنفيذ بشرط خلاص المستفيد ومصاريف الاعلام للبنك المسحوب عنه الشيك. ويلحظ أن هذا الفصل يستعيد السياسة المعمول بها منذ زمن، حيث باتت السلطات السياسية تصدر بشكل شبه دوري كل خمس سنوات تقريبا عفوا تشريعيا عن المتهمين والمحكوم عليهم في هذا المجال[9]. وتقدر المفكرة القانونية أن إقحام العفو التشريعي عن جرائم الشيكات يخرج عن هدف قانون المصالحة المعلن بالفصل الأول، وتبدو الغاية من التنصيص عليه صلب مشروع قانون المصالحة هي كسب مساندة شعبية للمشروع توازي حملات معارضيه التي تحاول من جهتها خلق حالة رفض عام له[10]. وبهذا المعنى، يبدو المشروع وكأنه يعرض مقايضة غير أخلاقية بين القبول بالمصالحة والعفو عن جرائم اقتصادية.
وذات الغاية تتجلى في اقحام تنازل الدولة عن المبالغ المستحقة أصلا وفائضا قبل 31-12-2015 بعنوان قروض المال المتداول المسندة من الصندوق الوطني للصناعات التقليدية لفائدة الحرفيين والمؤسسات الحرفية في المشروع (الفصل 13).
ثانيا: الربط بين الأزمة الاقتصادية والمصالحة الاقتصادية والمالية
ربط واضعو المشروع في صيغته الاصلية وفي صيغتيهالمعدلتين بين مبادرة المصالحة والأزمة الاقتصادية. ويعني هذا الربط النفعي أنّ المجموعة الوطنية تحتاج للمال الفاسد لتجاوز أزمتها الاقتصادية. وترى المفكرة القانونية ان هذا الطرح يفقد مسار العدالة الانتقالية جانبا من قيمه الاخلاقية ويتعارض مع قيم العدالة.
2- العفو التشريعي عن موظفي الدولة وأشباههم الذين تورطوا في منظومة الفساد:
يرسي الفصل الثاني من مشروع القانون مبدأ عفو تشريعي عام عن الموظفين وأشباههم بالنسبة للأفعال التي تمّت مقاضاتهم من أجلها والمتعلقة بالفساد الإداري والمالي والمتّصلة بمخالفة التراتيب واستغلال النفوذ وسوء استخدام السلطة أو الوظيفة أو سوء التصرّف في الأموال العمومية..فيما يستثني الفصل الثالث من المشروع من الانتفاع بالعفو التشريعي قضايا الارتشاء والاستيلاء على الاموال العمومية.
وعليه، اعتبر المشروع عدم استفادة الموظفين والمسؤولين ماليا بشكل مباشر من عمليات الفساد المالي مبرراً لتمتيعهم بعفو تشريعي شامل للمؤاخذة الجزائية والمدنية. وتعتبر المفكرة القانونية أن هذا المعيار يغفل أن جانبا من المسؤولين والموظفين تورطوا في منظومة الفساد بشكل قصدي بحثا عن امتيازات غير مباشرة تمثلت في مزايا وظيفية وعلاقات بمراكز النفوذ المالي والسياسي وضمنت لهم الحصول على عدد من المزايا الخاصة. وهذا التورط يفقدهم صفة الضحية لمنظومة الفساد الذي يسعى واضعو مشروع القانون لالصاقها بهم.
وبمعزل عن مدى جدية اعتماد عدم الاستفادة المالية المباشرة من الفساد كمعيار للعفو، تعتبر المفكرة القانونية أن إغلاق ملفات فساد الموظفين العموميين المشتبه بهم من دون أبحاث مسبقة، يضرب مسار كشف حقيقة منظومة الفساد خلال الحقبة الاستبدادية في العمق ويؤدي لمنع تفكيكها. كما أن هذا المنحى يجهض مسار إصلاح المؤسسات الذي اقتضاه قانون العدالة الانتقالية، علاوة على أنه يخرق مبدأ عدم الافلات من العقوبة وتحميل المسؤوليات الذي أرساها قانون العدالة الانتقالية.
وقد ذهبت الصيغة التي كشفت عنها جمعية أنا يقظ أبعد من ذلك. فقد نص الفصل الثاني من مشروع القانون في فقرته الثالثة على أن "تتولى الوزارات المعنية والمؤسسات والمنشآت العمومية إرجاع الموظفين العموميين الراجعين اليها بالنظر الى عملهم في خطط وظيفية معادلة على الأقل للتي كانوا يشغلونها قبل إيقافهم عن العمل أو سجنهم وذلك في أجل أقصاه شهر من دخول هذا القانون الاساسي حيز النفاذ دون اللجوء إلى أي إجراء إداري أو تأشيرة مسبقة للغرض". وتقدر المفكرة القانونية أن إعادة الإدماج الوظيفي مع التمتيع بالخطة الوظيفية الأصلية على من تورطوا في منظومة الفساد وأثبتت الأبحاث القضائية والإدارية خطأهم الجسيم سيؤدي فعليا لفرض سيطرة هؤلاء على الإدارة التونسية بما يتعارض بشكل كامل مع أهداف العدالة الإنتقالية المتمثلة في تنقية الإدارة من المتورطين في الفساد.
3- ملاحظات في خصوص لجنة المصالحة واختصاصها والإجراءات أمامها:
اتجه مشروع القانون لاستحداث لجنة مصالحة تتعهد بمطالب الصلح التي يتقدم بها "من حصلت لهم منفعة من أفعال تتعلق بالفساد المالي أو الاعتداء على المال العام". ولكن، كيف تكونت هذه اللجنة؟ وما مدى اسنجام تكوينها مع تكوين هيئة الحقيقة والكرامة المنشأة بموجب قانون العدالة الانتقالية؟ وما مدى استقلاليتها؟ وكانت لجنة البندقية رأت في رأي استشاري سابق [11]، بأن استحداث هيكل مستقل يخصص لمعالجة الفساد المالي لا يتعارض مع الدستور وهو مبرر موضوعيا اعتبارا لاتساع اختصاص هيئة الحقيقة والكرامة من حيث المواضيع والفترة الزمنية المشمولة بنظام العدالة الانتقالية. وأول ما نلحظه في هذا المجال هو أن صيغتي التعديل اختلفتا فيما يتعلق بتركيبة تلك اللجنة.
تركيبة اللجنة
ففي المشروع الذي نُشر في وسائل الاعلام، اقترح الفصل الرابع إنشاء اللجنة من رئيس هيئة مكافحة الفساد رئيساً ومن الكاتب العام لهيئة مكافحة الفساد كاتبا عاما، بالإضافة إلى ثلاثة قضاة عدلي ومالي وإداري ومحام وخبير محاسب وممثلعنالجمعياتالناشطةفيمجالالحوكمةومكافحةالفساد.وقد سبق الإعلان عن الاقتراح حملة تسويق اعلامي واسعة لرئيس هيئة مكافحة الفساد الاستاذ شوقي الطبيب حوّلته الى رمز من رموز التصدي للفساد وذلك رغم أن الهيئة التي يرأسها لم يسجل لها نشاط ذو أهمية خاصة. وبدا أن هذه الحملة تهدف إلى تلميع صورة لجنة المصالحة من خلال تلميع صورة رئيسها المقترح، بناء على اعتبارات شخصية والدعاية الإعلامية لا على نجاح عمل المؤسسات التي يديرها. ويخشى أن يؤدي إسناد رئاسة لجنة المصالحة لرئيس موكول له مهمة رئاسة هيئة مكافحة الفساد ليس فقط إلى إضعاف هذه الأخيرة، بل أيضاً إلى تحوير مهام أبرز أعضائها من مكافحة الفساد إلى إعفاء فئات المتورطين فيه. فعلى فرض وجود مصلحة في العفو أو المصالحة في قضايا الفساد في نظام ما قبل الثورة، فإنه لمن الأنسب أن تتولى الأمر الجهات المشرفة على العدالة الانتقالية، فيما تتولى هيئة مكافحة الفساد ما انوجدت للقيام به أي مكافحة الفساد لا إعفائه.
وبالفعل، يبدو أن صيغة التعديل المسربة من جمعية "أنا يقظ" عادت عن المقترح السابق. فبموجبه، باتت لجنة المصالحة تتكوّن من رئيس لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة، رئيسا ومن ثلاثة قضاة ماليين وعضو هيئة الحقيقة والكرامة المختص في المالية وخبيرين محاسبين مباشرين. وتظهر هذه الصيغة أقلّ تناقضا مع تركيبة هيئة الحقيقة والكرامة.
استقلالية اللجنة
ولكن ماذا بشأن استقلالية أعضاء اللجنة؟ هنا نلحظ أن طرق تعيين الأعضاء المقترحين من هيئات ومجالس مستقلة عن السلطة التنفيذية، تجاوزت في الصيغة الأخيرة المؤاخذات التي سبق للمفكرة القانونية وللجنة البندقية أن اثارتها عند نظرها في الصيغة الأصلية لمشروع القانون والتي تتعلق باستقلالية اللجنة عن السلطة التنفيذية. بالمقابل، تبقى اللجنة أقل استقلالية من حيث شروط عملها على مستويات عدة، وذلك في مختلف الصيغ المسربة. ولعل أهم الأمور القابلة للنقد هنا هي الصلاحيات الواسعة المعطاة لرئيس اللجنة والتي توليه هيمنة شبه مطلقة وعلى الأقل تحكما في مواعيد الدعوة إليها وتحديد جداول أعمالها. كما يسجّل أن كل النسخ المتداولة لمشروع القانون نصت على أن آلية التوافق هي المبدأ في التداول صلب اللجنة وأن التصويت لا يلجأ إليه الا عند تعذر ذلك. ويبدو هذا الاختيار خطيراً على سلامة اجراءات التداول داخل اللجنة على نحو قد يؤدي لتدعيم هيمنة رئيس اللجنة على أعمالها.
الآجال المحددة للنظر في ملفات الفساد غير كافية
يهدف مشروع القانون لطي ملف الفساد المالي بشكل سريع. ولتحقيق السرعة، حدد مشروع القانون في كل النسخ المسربة أجلا أقصى قدره ستين يوما لتقديم مطالب الصلح للجنة تحتسب بداية من تاريخ نشر قرار تسمية أعضائها بالجريدة الرسمية. وحدّد مشروع القانون أجل نظر اللجنة في الملفات التي تتعهد بها، فكان الأجل في التعديل المسرب إعلاميا ثلاثة أشهر تقبل التمديد لمرة واحدة بأمر حكومي، فيما كان الأجل في التعديل المسرب من جمعية انا يقظ ستة اشهر تمدد لمرة واحدة بقرار معلل.
ويؤدي تحديد آجال النظر في ملفات الفساد القصير فعليا لمنع الأبحاث الاستقرائية. ويستحيل تبعا لذلك على اللجنة تقدير قيمة الأموال المستولى عليها أو المنفعة المتحصل عليها خارج إطار المعطيات التي يقدمها عارض مطلب الصلح، رغم أن مشروع القانون أجاز لها نظريا الاستعانة بخبراء في المجال. ويبدو المشروع المسرب من جمعية انا يقظ في اسناده قرار التمديد للجنة أقل انتهاكاً لاستقلاليتها.
وتلاحظ المفكرة القانونية في هذا الإطار أن مشروع القانون في كل الصيغ المتداولة لم يرتّب أيّ أثر على عدم بتّ اللجنة في مطلب الصلح في الأجل القانوني، بما يطرح السؤال حول المغزى من تحديد هذا الأجل. ويلاحظ في هذا الاطار أن الربط بين الصلح وتحديد لجنة المصالحة للمبالغ التي يجب دفعها كتعويض عن المبالغ المستولى عليها يمنع اعتبار عدم اصدار اللجنة لقرار خلال المدة القانونية قبولا ضمنيا منها بالمصالحة خصوصا وأن القانون لم ينص على ذلك. ويستدعي تجاوز الإشكال ترتيب اثر قانوني على امتناع اللجنة عن اتخاذ قرار أو تفويتها للأجل القانوني في نظر الملف يبين كيفية التعامل مع طلب الشخص المعني.
استثناء الفارين من العدالة، ولكن ماذا بشأن القصّر؟
وفي إطار متصل بعمل لجنة المصالحة، نص الفصل الخامس فقرة ثانية من نسخة المشروع التي سربتها جمعية انا يقظ على أنه "يمكن للأشخاص المجمدة أرصدتهم أو المصادرة أملاكهم المبينين في القائمة التي نص عليها المرسوم عـدد 13 لسنة 2011 المؤرخ في 14-03-2011 أن يتقدموا بمطلب صلح في الغرض شريطة أن يكون ذلك بصفة شخصية دون وكالة وفي الآجال التي اقتضاها الفصل 07 من هذا القانون الأساسي". ويستفاد من أحكام هذا الفصل أن كل من شملتهم المصادرة يمكن أن يتقدموا مباشرة بمطلب صلح يؤدي لمراجعة قرارات المصادرة في حقهم بشرط أن يتقدموا شخصيا بمطلبهم في أجل قانوني يسقط الحق عند انقضائه.
ويبدو تحديد الحق في طلب مراجعة قرارات المصادرة بالحضور الشخصي محاولة لرفع الحرج عن اللجنة فيما يتعلق بملفات الفارين خارج البلاد التونسية من المعنيين بالمصادرة. لكنه يطرح بالمقابل تساؤلات حول مدى احترام هذه القاعدة لمبدأ المساواة أمام القانون وللحق الدستوري في إنابة محام.
وتلاحظ المفكرة القانونية في سياق متصل أن المصادرة شملت أموال قصّر، بما يكون معه من غير القانوني فرض تقدمهم بمطلب مصالحة شخصي، فضلا عن التساؤل بشأن شرعية سريان آجال إسقاط في حقهم.
4- ملاحظات فيما يتعلق بالمصالحة مع جرائم الصرف: تبييض المال الفاسد
لم يلتفت مشروع القانون للبحث في مصدر الأموال المهربة للخارج أو العملات الاجنبية الممسوكة خارج المسالك القانونية. اكتفى مشروع القانون باقتراح صلح مع من يمسكون تلك الأموال على نحو يضمن ضخ تلك الاموال في الدورة الاقتصادية بتونس مقابل خطية مالية.
ويبدو جليا أن مشروع القانون اهتم أساسا بما يعتبره مصلحة اقتصادية آنية، فاتجه إلى تحفيز من هربوا أموالا خارج البلاد التونسية أو أخفوا تلك الأموال بتونس إلى ضخها في الدورة الاقتصادية. ويؤدي هذا الاتجاه للقبول بدور للمال الفاسد مجهول المصدر بالدورة الاقتصادية، كما يؤدي هذا الاختيار لمنح أصحاب الأموال المهربة من فرص لاستثمار أموالهم بتونس بما يؤدي لتعزيز نفوذهم في الساحة الاقتصادية وبشكل تبعي في الساحة السياسية.
خلاصة
هذه المقترحات إنما تشكل مؤشرا إضافيا على المقاربة الاقتصادوية المعتمدة في الصيغ المختلفة لهذا المشروع. فهذه المقاربة تبدي ما يشبه الهوس بالايجابيات العاجلة المراد تحقيقها على الصعيدين الاقتصادي والمالي، فيما تغفل تماما بالمقابل تقدير الآثار السلبية المستقبلية لتوجهها. وتقترح المفكرة القانونية في هذا الإطار أنه يتعين دراسة الادوار السلبية التي لعبها المال السياسي الفاسد في الحياة السياسية التونسية ليتم الموازنة بين المقاربة التي اعتمدها مشروع القانون وغيرها من المقاربات بحثا عن المصلحة الوطنية. ختاما، تدعو المفكرة القانونية لإطلاع الرأي العام بشكل رسمي على الصيغة التشريعية المعتمدة، ليتسنى للمواطنين ابداء آرائهم بخصوصها، وفي كل الأحوال التريث في مشروع القانون لحاجته الأكيدة لمراجعات جذرية.
[1]يراجع مقال " اعادة ترتيب الاولويات بمجلس نواب الشعب " الشروع في مناقشة قانون المصالحة " – صحيفة الصحافة ليوم 07-07-2016 والذي ورد به تصريح لمقررة لجنة التشريع العام سناء المرنيسي اتى به " انه سيتم برمجة مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية للمصادقة عليه في الجلسة العامة قبل موفى الدورة البرلمانية الحالية او في دورة استثنائية ان وجدت
[2]يبدو من شبه المؤكد ان تتم الدعوة لدورة استثنائية
ستنظر الدورة في الجانب السياسي بالشأن الحكومي أي بسحب الثقة من الحكومة الحالية ومنح الثقة للحكومة التي ستخلفها والمسماة حكومة الوحدة الوطنية
وينتظر ان تتعهد الدورة حسبما تعهد رئيس مجلس نواب الشعب بندوته الصحفية التي عقدها يوم 25-06-2016 في الجانب التشريعي بقوانين : المصالحة الاقتصادية – مشروع قانون اصدار مجلة الاستثمار(68-2015)، ومشروع قانون مراجعة منظومة الامتيازات الجبائية(25-2016)، ومشروع قانون المصالحة الاقتصادية (49-2015)، ومشروع قانون ضبط النظام الأساسي للأراضي الاشتراكية (07-2016) ، ومشروع قانون الوقاية من الاتجار بالأشخاص ومكافحته (29-2015) ، الى جانب مشروع إحداث مجلس التونسيين بالخارج
[3]يراجع مقال هذا محتوى قانون المصالحة الاقتصادية و المالية الجديد
http://t24.tn/articles/26370
[4]يراجع النص كما نشر بموقع الشارع المغاربي نقلا عن جمعية انا يقظ
http://acharaa.com/ar/126574
[5]يراجع مقال ملاحظات المفكرة القانونية حول مشروع قانون المصاحلة الاقتصادية والمالية بتونس – نشر في مجلة المفكرة القانونية تونس، العدد 2- وفي موقع المفكرة القانونيةالالكتروني.
[6]أعلنت الحكومة من خلال الوزير المكلف بالملف السياسي بتاريخ غرة اوت 2013 أن جلسة التنسيقيّة المنبثقة عن المجلس الأعلى للتصدّي للفساد تسير نحو فضّ ملف رجال الاعمال الذين تتم متابعتهم قضائيا بتهمة الفساد وحسمه بشكل نهائي ضمن قانون خاص ينتظر أن ينحصر بالجرائم الاقتصادية من دون جرائم الاستبداد وغيرها من الجرائم وأن يمكّن المجموعة الوطنية من استرجاع حقها من هذه الأموال التي نهبت أو تمّت الاستفادة منها دون وجه شرعي – راجع مقال يراجع مقال "تجليات العدالة الانتقالية في تونس: أو نافذة للكشف عن مأزق المفاهيم الجميلة " محمد العفيف الجعيدي – نشر بموقع المفكرة القانونية 22-09-2013
[7]يراجع مقال العدالة الانتقالية في تونس: اذا كنت ضعيفا فعقاب، واذا كنت قويا فلنصالح – محمد العفيف الجعيدي – نشر بتاريخ 30-01-2013 – موقع المفكرة القانونية
[8]تنشر المفكرة القانونية جدولا مقارنا للنصوص المسربة بما يسمح لقرائها ومتابعيها من تبين الاختلاف بينها اولا ومن توضح اي النصوص يمثل فعلا النص الذي سيعتمد لاحقا في تعديل المبادرة التشريعية
[9]صدر آخر عفو تشريعي في مادة الشيكات بموجب المرسوم عدد 30 لسنة 2011 مؤرخ في 26 أفريل 2011 ويتعلق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد كان بذات احكام العفو المقترح سنه
[11]ملاحظات اللجنة الاوروبية من أجل الديمقراطية عبر القانون (المعروفة بلجنة البندقية) المضمنة صلب رأيها المصادق عليه بجلستها العامة عدد 104 بتاريخ 23-24 أكتوبر 2015 بخصوص مشروع القاون الاساسي للمصالحة الاقتصادية والمالية