مكافحة جريمة الإتجار بالبشر يضّعفها نصوص القانون


2018-09-13    |   

مكافحة جريمة الإتجار بالبشر يضّعفها نصوص القانون

ما برحت السلطات الرسمية في الأردن تؤكد نيتها في اتخاذ التدابير تحسبا لممارسات الإتجار بالبشر، وملاحقة مرتكبيها وحماية ضحاياها، تطبيقا لقانون منع جريمة الإتجار بالبشر عام 2009. وقد تجلى ذلك من خلال الاستراتيجية الرسمية المعلن عنها وأيضا من خلال إنشاء وحدة مكافحة لجريمة الإتجار بالبشر في عام 2013.

سنحاول في هذا المقال إجراء مراجعة سريعة لمدى تجاوب القضاء مع هذا القانون، سواء في شقه الزجري أو شقه الحمائي للضحايا.

جدل القانون

يلاحظ محامون أن تطبيقات القانون تبقى محصورة في قضايا محددة بعينها، رغم شمولية التعريف القانوني للإتجار بالبشر[1]. وغالبا ما يؤْثر القضاء وصف الأفعال المحالة إليه بأنها انتهاكات عمالية ينطبق عليها أحكام قانون العمل الأردني، حتى ولو توفرت مؤشرات على ارتكاب جرائم إتجار بالبشر. وهذا القصور، يعزوه عاملون في منظمات حقوقية، إلى غياب الثقافة أو الدراية القضائية في هذا المجال.

المدّعون العامون يفتقرون للمعرفة بأبعاد هذه الجريمة العابرة للوطنية وفق مركز تمكين للدعم والمساندة والمتخصص بحقوق العمالة المهاجرة. وغالبا ما تنعكس قلة المعرفة هذه على مجريات القضايا التي قد تصنف في كثير منها على أنها “إنتهاكات عمالية”، مع ما يستتبع ذلك لجهة إفلات المخالفين من العقاب بمجرد دفع الغرامة المترتبة عليهم.

ضحاياه من غير الأردنيين كثر

تشكل قضايا استغلال غير الأردنيين في العمل، الحجم الأكبر من بين أشكال الإتجار بالبشر المحتملة، رغم قلة ملاحقتها. يعزو “بيت العمال” الأمر إلى عدم وضوح التشريعات ذات العلاقة بهذه الجريمة وخاصة قانون منع الإتجار بالبشر وتعريف جريمة الإتجار بالبشر، الأمر الذي يعيق وصول الضحايا إلى العدالة ويتسبب في إفلات الجناة من العقاب.

نجد في هذا السياق عددا من الإحصاءات:

ففي تقرير حكومي منشور حديثا، يظهر حصول ملاحقات قضائية في 165 قضية محولة من وحدة الإتجار بالبشر، منذ شهر كانون الثاني-2018 وحتى 30 حزيران الماضي؛ 11 منها فقط تم وصفها على أنها قضايا إتجار، فيما 147 منها تم وصفها على أنها قضايا عمالية.

كما أن رصد وحدة المكافحة يكشف وجود 6 قضايا مرتبطة بجريمة اتجار بالبشر خلال العام 2017 فقط، وهي قضايا شملت 20 ضحية و14 جانيا محتملا. وقد بلغت عدد الشكاوى المقدمة إلى الوحدة عام 2016، حوالي 363 شكوى تمت إحالتها إلى المدعي العام بعد تكييف (27) قضية بجريمة الإتجار بالبشر جلها مرتبطة بعاملات منازل.

وكان مدير وحدة المكافحة في العام 2016، حيدر الشبول أعلن عن تكييفهم 142 قضية اتجار بالبشر منذ العام 2013 حتى نهاية شهر تشرين الثاني 2016.

تعليقا على هذه الأرقام، ترى منظمة بيت العمال أن هذه الأرقام لا تعكس بالضرورة الحجم الحقيقي للمخالفات التي ترتكب في هذه القطاعات وهي تعدّ ضئيلة بالمقارنة مع حجم هذه القطاعات وعدد العمال المتوقع تعرضهم للإنتهاكات. ويلحظ أن عدد العاملات الآسيويات في قطاع العمالة المنزلية يصل إلى قرابة ال 60 ألف من الحاصلين على تصاريح عمل وما يقارب من 20 ألف عاملة أخرى تعمل دون تصريح عمل وفق توثيق منظمة “بيت العمال” بالاعتماد على إحصاءات وزارة العمل.

وكان تقرير الخارجية الأميركي لقياس حالة الدول في مكافحة الجريمة، قد صنّف الأردن في الدرجة الثانية، محافظا على ذات المرتبة للسنة السابعة ما يعني أنه لم يطرأ أي تقدم من حيث درجة إلتزامه بالمعايير الدنيا لحماية ضحايا الإتجار بالبشر. كما يوصي تقرير الخارجية الأميركية، الأردن بإدخال جملة من الضمانات لكي تكون الدولة جاهزة في التعامل مع ضحايا العنف الجريمة العابرة للوطنية، من بينها ضمان “الملاحقة القضائية” و”ضرورة إﻧﺸﺎء ﺻﻨدوق تعويض اﻟﻀﺤﺎﻳﺎ”.

ختاما في هذا السياق، نذكر أنه في إطار الإعداد لهذا التقرير، زوّدنا مركز تمكين للدعم والمساندة بقائمة بجنسيات ضحايا الإتجار بالبشر والتي تعود في أغلبها إلى جنسيات أسيوية (فلبينية، بنغالية، سيرلانكية) وأفريقية (أوغندية، غانية) وعربية (عراقية) فضلا عن الجنسية الأردنية في عدد قليل من الحالات. وهذا ما سيكون موضع درس على حدة.

أحكام قضائية: عمل قسري وبيع كلى

بتاريخ 27 شباط 2018، حكمت محكمة بداية جزاء- جنايات (جنايات صغرى) في عمان على مواطنين أردنيين بتهمة “الإتجار بالبشر” لاحتجازهما عاملتين من الجنسية الفلبينية في منزل وإجبارهما على العمل في منازل لقاء أجور لا يتقاضيانها فضلا عن محاولات ممارسة الجنس معهما، وبعد هروب العاملتين، وتقديم شكوى مباشرة وتوقيف المتهمين. حينها قررت المحكمة الواقعة بعد أخذ الشهادات، بأنها تتناسب وجناية الاتجار بالبشر فضلا عن جنحة عرض الفعل المنافي للحياء المسند لكل منهما.

بناءً على ما تقدم، فقد تم تجريم المتهمين بجناية الاتجار بالبشر المسندة إليهما وفقا لأحكام المادة (3) من قانون منع الإتجار بالبشر والحكم عليهما بالأشغال المؤقتة لمدة ثلاث سنوات والرسوم والغرامة خمسة آلاف دينار.

واقعة أخرى لأحد المواطنين، كان قد تلقى عرضا ماليا بقيمة 6 آلاف دولار مقابل بيع كليته، وعلى أن تُجرى العملية في جمهورية مصر العربية، لكن الطرف الثالث “السمسار” حاول استغلال الضحية عبر اقتطاع مبلغا من المتفق عليه، ما دفع الضحية للشكوى.

محكمة الجنايات، وفي حكمها، استندت على نص قانون منع الإتجار بالبشر، الذي يشمل (استغلال الاشخاص وخداعهم وإعطاءهم مبالغ مالية بهدف نزع الأعضاء) وحيث انه ثبت من خلال الملف التحقيقي وما ورد بشهادة المحكوم عليه فيما يخص استدراجه من قبل المحكوم عليه لبيع كليته واستقباله من المتهم آخر في مصر ومساعدته بالفحوص الطبية لإتمام عملية بيع الكلية، فإن هذه الأفعال إنما تشكل كافة أركان الجريمة المسندة له.

نص القانون

يُعد الأردن الدولة العربية الثالثة من حيث سن قانون مكافحة جريمة الإتجار بالبشر، بعد البحرين والإمارات، لكنه أخفق في تكييفه مع السياق الأردني.

ومن الإخفاقات التي يشدد عليها المحامي حمادة أبو نجمة والذي شغل سابقا أمين عام وزارة العمل ولندا كلش مديرة مركز تمكين للدعم والمساندة، الآتية:

  • حصر حالات تلك الجريمة في العمل الجبري والأطفال وبيع الأعضاء والعمل في الدعارة، فيما أغفل ضحايا التسول وتزويج القاصرات.
  • إغفال تعريف الضحية والمتضرر،
  • لم ينص على تدابير حمائية للشهود والضحايا بشكل خاص،
  • لم يعالج حالة استخدام الأطفال في إنتاج المواد الإباحية،
  • قـانون منـع الإتجـار بالبشـر قاصـر في بعض أوجهه عن بروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص، كما أن قوانين العمل، والعقوبات، والإقامة والأجانب غير منسجمة تماماً ومتطلبات مكافحة الإتجار بالبشر كما يرصدها مركز تمكين للدعم والمساندة.

مسودة جديدة للقانون

صاغت وزارة العدل مسودة جديدة لقانون منع الإتجار بالبشر، آلت إلى تشديد العقوبات على المتورطين بتلك الجريمة، وتوفير حماية أكثر فاعلية للمجني عليه والمتضرر من تلك الجريمة؛ من خلال خدمات مقدمة للضحية من لحظة التعرف عليها ولحين العودة الطوعية أو إعادة الاندماج بالمجتمع بحيث تكفل الدولة حمايتها كما تكفل سلامتها النفسية والجسدية والمعنوية وإعادة تأهيلها ودمجها. وقد شملت هذه الحماية تسهيل عودة الضحية إلى بلدها على نحو آمن وتوفير الحماية الأمنية والمساعدة القانونية، ومراعاة مصلحة الطفل الفضلى.

وفق مسودة القانون الجديد والذي ما يزال في طور المشاورات بين الحكومة والمنظمات الحقوقية، فإن المأمول هو تضمين “إنشاء صندوق لحماية ومساعدة ضحايا الإتجار بالبشر، وسيكون للصندوق شخصية اعتبارية، وينشأ من خلال نظام، وسيجري تحديد موارد مالية وبشرية ويرصد مبلغ له في الموازنة العامة”.

دار للضحايا

دار الكرامة، واحدة من استحقاقات تطبيق القانون، تأسست العام 2015 وبدأت في استقبال الضحايا في العام 2017، استقبل (175) ضحية لغاية شهر أيلول من العام 2017، فيما استقبلت الدار بالشراكة مع اتحاد المرأة: 114 حالة إيواء لإناث من ضحايا الاتجار من مختلف الجنسيات، وذلك منذ بداية العام حتى شهر حزيران الماضي، ليصل تراكم عدد الفتيات حاليا في الدار إلى 330 فتاة من جنسيات مختلفة، كن تعرضن لانتهاكات وشبهة إتجار بالبشر. وقد تم تأمين (193) تذكرة سفر لضحايا الاتجار بهذه الفترة.

يبدو أن إنشاء الدار إنجاز يحُسب للدولة التي لم تتوان من ذكره في تقارير المراجعة الدولية لمجلس حقوق الإنسان. لكن الإشكالية تكمن في نظام دور الإيواء الخاص بضحايا الإتجار بالبشر، الذي يغيب عنه بقاء الضحية المدة الكافية بغية التأهيل النفسي فضلا عن عدم قبوله للضحايا الذكور.

تذكر الناشطة لندا كلش باتصالات عدة بمركز تمكين لإيواء ضحايا، آخرها اتصال تلقته من إحدى سفارات البلدان الأسيوية بشأن إيواء ثلاثة من ضحايا الإتجار بالبشر كانوا لجأوا إلى مبنى السفارة. وتستخلص كلش من كثرة الاتصالات هذه أن “الدار لا تستقبل العديد من هؤلاء الضحايا” أو أن قدرتها على الإيواء غير كافية.

من جهة أخرى، يشدد التقرير الرسمي المُسمى (الجهود الأردنية الرسمية حيال الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان UPR)، ضمن خانة “المنجز” على تقديم استشارات قانونية للضحايا من خلال تعاون مع منظمات حقوقية.

أسس الأردن اللجنة الوطنية لمنع الإتجار بالبشر بموجب المادة الرابعة من القانون، يرأسها وزير العدل، وعضوية عدد من ممثلي مختلف الوزارات والجهات الرسمية وغير الرسمية. ومن مهام اللجنة رسم السياسة العامة لمنع الإتجار بالبشر وتقديم المقترحات والتوصيات اللازمة بشأنها .

تعمل اللجنة الوطنية حاليا على تعديل نظام دور إيواء المجني عليهم والمتضررين من جرائم الإتجار بالبشر رقم (30) لسنة (2012) الصادر بمقتضى المادة رقم (7) من قانون الإتجار بالبشر رقم (9) لسنة (2009)، وذلك ليتواءم مع صيغة مشروع تعديل قانون منع الإتجار بالبشر.

تكييف القضية

بين سنتي 2015 و2018، قدم مركز تمكين إخبارات عدة لوحدة مكافحة الإتجار بالبشر، وتبين إحصاءات المركز أن نسبة تكييف القضايا على أنها قضايا إتجار بالبشر بلغت 6% من مجموع القضايا المخبر عنها. كما تبين أن نسبة القضايا التي جرت فيها تسوية من مجموع القضايا المخبر عنها المقدمة في سنتي 2016 و2018 قد بلغ 31.5%.

يتحفظ مركز تمكين للدعم والمساندة على آلية تكييف وحدة منع الإتجار بالبشر لقضايا. فثمة قضايا يتم تكييفها على أنها انتهاكات عمالية وتنطبق عليها أحكام قانون العمل الأردني، من تسوية أجور، إعادة جوازات سفر، أو منح تذاكر سفر، وبالتالي لا تذهب قط إلى القضاء في حال حصول تسوية، لغياب الحق العام فيها.

سبق وأن طالب “تمكين” في تقريره المفصل الذي حمل عنوان: (وقاية، حماية، ملاحقة وشراكة: مكافحة الإتجار بالبشر في الأردن فجوات بين التشريع والتطبيق) للعام 2016 بإعادة النظر بقانون الإقامة وشؤون الأجانب، بـ”إحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي ينص على عدم جواز إعادة أي شخص يعتقد أنه قد يتعرض للتعذيب أو غيره من انتهاكات حقوق الإنسان. كما طالب المركز بضمان أن تكون إجراءات الإبعاد القسري محاطة بضمانات إجرائية وموضوعية تضمن كحد أدنى الطعن لدى مرجع قضائي بقرار الابعاد، كذلك أن يكون القرار مسبباً والحصول على الترجمة المختصة والمساعدة القانونية ولحين تنفيذ الإبعاد.

جدول حول القضايا التي قدمها مركز تمكين لوحدة مكافحة الإتجار بالبشر:

سنة

عدد الإخبارات

القضايا المكيفة على أنها جرائم إتجار بالبشر

القضايا التي تمت تسويتها

2015

86

6

غير معروف

2016

159

5

98

2017

85

7

غير معروف

2018 (النصف الأول)

28

2

15

المجموع

358

22

تعلق لندا كلش على هذه الأرقام أنه كان هنالك مؤشرات عديدة على حصول إتجار بالبشر في العديد من القضايا التي لم يتم تكييفها على أنها كذلك. وهي ترجع الأمر إلى عدم دراية المدعين العامين ولا القضاة بتطبيقات القانون وسياقه.

رغم زخم الإخبارات والحالات المتعلقة بانتهاكـات واقعـة علـى عمـال مهــاجرين وقعــوا أو يحتمــل وقــوعهم ضــحايا لجريمــة الإتجــار، إلا أن الافلات مـن العقـاب الـرادع، وعـدم تـوفير الحمايـة اللازمـة أو المناسـبة يبقى السـمة الغالبـة فـي القضـايا التـي جـرت دراسـتها وتحليـل نتائجها في مركز تمكين. ويضيف المركز أنه “علينا أن ننظر إلـى نـوع الحمايـة التـي تحتاج إليهـا الضـحية أثنـــاء مرحلـــة التحقيـــق والمحاكمـــة وأن لا يغيـــب عـــن ذهـــن الـــدارس وواضـــع الاســــتراتيجية والتشـــريع، الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للضحية ومنها مثلا اللغة”.

مقالات ذات صلة:

حمادة أبو نجمة للمفكرة: لا انتصاف للضحية من دون ضمان لجوئها إلى القضاء


[1]  يعرّف القانون الأردني في مادته الثالثة، جريمة الإتجار بالبشر، على أنها أي إستقطاب أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بغرض استغلالهم عن طريق التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على هؤلاء الأشخاص أو استقطاب أو نقل أو إيواء أو استقبال من هم دون الثامنة عشرة متى كان ذلك بغرض استغلالهم ولو لم يقترن هذا الاستغلال بالتهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من الطرق الواردة في البند (1) من هذه الفقرة.

في ذات المادة، تعرف كلمة (الاستغلال) استغلال الأشخاص في العمل بالسخرة أو العمل قسرا أو الاسترقاق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء أو في الدعارة أو أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي. وتعتبر الجريمة ذات طابع (عبر وطني) في حال ارتكبت في أكثر من دولة، أو تم التحضير أو الاعداد أو التخطيط لها أو الإشراف عليها في دولة أخرى، وإذا ارتكبت في أي دولة عن طريق جماعة اجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية في أكثر من دولة، وإذا ارتكبت في دولة وامتدت آثارها إلى دولة أخرى .

انشر المقال

متوفر من خلال:

لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني