أن يختفي طفل في الحادية عشرة من عمره وتنقطع اخباره وتستنفر اجهزة الدولة بحثا عنه، فهذا الامر لغاية الان قد يكون عاديا ومألوفا. ولكن ما لا يمكن قبوله او حتى توقعه أن يكون هذا الطفل محتجزا بغير وجه حق لدى احدى الجهات الحكومية.
قصة يوسف
هذه قصة يوسف العنبتاوي ابن الحادية عشرة من عمره الذي غادر منزل عائلته في منطقة المحطة بعمان قبيل المغرب يوم الخميس 30/10/2014 لمرافقة احدى خالاته الى منزلها القريب من منزل عائلته. ولقاء مرافقته لها، قامت هذه الأخيرة بمكافأته بمبلغ اربعين قرشا كانت سببا لمأساته. ففي اثناء عودة الطفل يوسف وحيدا الى منزل اهله، فوجىء بباص يترجل منه شخصان بلباس مدني يرافقهم رجل امن بزيه المعتاد. انقضوا عليه وادخلوه عنوة للباص الذي جاب به شوارع عمان، وهو يصرخ بوجوههم ويتوسل لهم ان يتركوه وشأنه ويعيدوه الى اهله ولكن من دون جدوى. وقد تبين للطفل يوسف أن خاطفيه موظفو مكافحة التسول قبضوا عليه لاعتقادهم أنه يتسول في الشارع العام. ووفق ما يروي يوسف انه اثناء مسير الباص باتجاه مركز للاحداث في طبربور شاهد محل والده التجاري وابلغهم انه ليس متسولا كما اتهموه واشار لهم الى محل والده حتى يتأكدوا من ذلك. لكنهم لم يعيروا كلامه اي اهتمام. وبعد ان وصلوا الى طبربور قاموا بنقله الى مركز احداث في مادبا وهناك لم يتمكن الابلاغ عن مكان تواجده.ووفقالتصريحات الناطق الاعلامي باسم وزارة التمنية الاجتماعية، أن وجود الطفل يوسف في دار مركز المتسولين لم يكن احتجازا انما اجراء قامت به فرق مكافحة التسول والتي تضم مراقبي سلوك من التنمية الاجتماعية ومن الشرطة. وقد قاموا بضبطه اثناء تسوله على اشارة المحطة وضبط بحوزته نصف دينار جرى مصادرتها منه وتم ايداعه في مركز رعاية المتسولين في مادبا عند الساعة الثانية عشر من مساء يوم الخميس الموافق 30/10/2014. وفي اليوم التالي، تم عرض الفتى على اخصائي اجتماعي طلب منه عنوان اهله ورقم الهاتف ولم يعرف الطفل رقم هاتف لذويه وبقي في المركز حتى صباح الاحد بتاريخ 2/11 حيث تم عرضه على قاضي الاحداث الذي قرر الاحتفاظ به في مركز رعاية المتسولين في مادبا، مشيرا ان الوزراة لا تملك الا الاذعان لقرار القاضي[1].
ومن الملاحظ على تصريحالناطق الاعلامي لوزارة التنمية الاجتماعية أن مراقب السلوك قرر احتجاز الطفل يوسف في المركز لانه لا يعرف عنوان اهله ولا ارقام هواتفهم وكأن هناك من يحفظ رقم هاتف امه او ابيه هذه الايام حتى وإن لم يكن طفلا في الحادية عشرة من عمره ، كما أضاف الناطق الاعلامي باسم وزارة التنمية الاجتماعية ''فواز الرطروط'' ان الطفل ''يوسف العنبتاوي'' والذي تم القبض عليه من قبل لجان مكافحة التسول مؤخراً بالقرب من منطقة المحطة كان عليه علامات تدل على انه متسولاً . وأضاف الرطروط في تصريحات صحفية ان الطفل كان في منطقة مقطوعة وحافي القدمين وبيده نصف دينار وبدت عليه علامات التسول ، حيث تم القاء القبض عليه [2]، وهكذا يكون اي شخص من وجهة نظر وزارة التنمية الاجتماعية حافي القدمين ويمتلك مبلغا زهيدا من المال متسولا ، إذ أن هذه علامات التسول بحسب رأي الوزارة . وفي هذه الاثناء كانت عائلة الطفل يوسف تعيش اسوأ لحظات العمر فهب ما يقارب 400 شخصا من أقاربه ومعارف أهله للبحث عنه في المستشفيات والأماكن التي كان يتردد عليها.وأعلن مسؤول امني في مديرية الامن العام الى انه منذ الابلاغ عن فقدانه، تم تشكيل فرق عدة للبحث والتحري عنه من قبل شرطة وسط عمان والبحث الجنائي، واستخدام كلاب الأثر، ناهيك عن استخدام الآليات (مركبات الامن العام) في البحث عنه، وقد قدر أكلاف البحث هذه بعشرات آلاف الدنانير الأردنية. وبيّن المسؤول الامني ان وزارة التنمية الاجتماعية لم تبلّغ عن احتجازهاللطفل بالرغم من ان مديرية الامن العام نشرت صور الطفل وعممت عليه عبر وسائل الاعلام[3].وفي هذا اشارة واضحة لتحميل وزارة التنمية الاجتماعية المسؤولية عن ذلك.واستمر احتجاز الطفل يوسف لمدة خمسة ايام وحتى يوم الاثنين الموافق 3/11، حيثتم العثور عليه من خلال موظفة في مركز احداث مادبا والتي شاهدت صورته على احد مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) وتأكدت ان هذا الطفل هو ذات الطفل الموجود لدى مركز الاحداث وقامت بابلاغ المختصين لديها.وقامت وزيرة التنمية الاجتماعية بعد ذلك بالافراج عنه بموجب صلاحياتها. وقد سلمت ذويه الطفل بعدما وقع والده تعهدا بعدم تسوله مرة اخرى، وعلى ان يمثل الطفل في اليوم التالي بحضور والده امام مدعي عام الاحداث لاتمام اجراءات تكفيله.وقد أكد والد الطفل يوسف انه سيقاضي وزيرة التمنية الاجتماعية وموظفيها نظرا لاحتجازهم ابنه دون وجه حق بداعي التسول. ومن جهة اخرى اكد عم الطفل يوسف أن وزير الداخلية حسين المجالي طلب مقابلة ذوي الطفل، وذلك من أجل إنهاء الموضوع وإغلاقه مضيفا أن عددا من موظفي وزارة التنمية الاجتماعية قاموا بزيارته بالمنزل، لتبرير ما أقدموا عليه[4].
ومن جهتها اكدت مديرية الامن العام ان تعاملها مع المتسولين يقتصر على من تجاوزت اعمارهم الثامنة عشرة، اما الاحداث فهم من اختصاص وزارة التنمية الاجتماعية وحدها. واضاف مصدر في مديرية الامن العام ان المديرية حاولت التواصل مع وزارة التنمية الاجتماعية اكثر من مرة للبحث عن الطفل الا ان ذلك تعذر في البداية مشيرا الى انه من واجب مراكز الايواء ان ترسل نسخة من اسماء النزلاء لديها الى مديرية الشرطة لغايات التسجيل والتثبيت وهو ما لم يحصل مع يوسف بسبب تعطل الفاكس. واما بشأن وجود رجل امن مع كوادر الوزارة عند مكافحة التسول فأوضح المصدر ان ذلك اجراء اعتيادي وهو لحماية موظفي الوزارة اثناء قيامهم بعملهم[5].
الملابسات القانونية لاحتجاز الطفل يوسف
بحسب ادعاء موظفي وزارة التنمية الاجتماعية، فإن ما قاموا به هو تطبيق لقانون العقوبات والذي تجرم المادة ( 389 ) منه التسول[6] وتتيح لوزير التنمية الاجتماعية تكليف موظف او اكثر لاستقصاء الجرائم الواردة في المادة حول التسول وجمع الصدقات والتبرعات والقبض على مرتكبيها[7]. ويبدو من ملابسات احتجاز الطفل يوسف أنه قطعا لم يكن متسولا، وما اشار له موظفو مكافحة التسول من دلائل على اعتباره متسولا لا يمكن الركون اليها،فهي دلائل قد تظهر على نسبة عالية من الاطفال الاردنيين وهم ليسوا بمتسولين بالطبع. كما أن الاجراءات التي اعقبت احتجاز الطفل يوسف فيها مغالطات ومخالفات عديدة لآلية عمل فرق مكافحة التسول وقد ترقى لمستوى جريمة الحرمان من الحرية. فاحتجاز طفل لمدة خمسة ايام دون وجه حق هو جريمة بحق الطفولة قبل ان تكون جريمة بحق القانون. فبموجب المادة (246) من قانون العقوبات الاردني، كل من قبض على شخص وحرمه حريته بوجه غير مشروع يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بغرامة لا تزيد على خمسين دينارا. ومن هنا، فإن ما اقدم عليه موظفو وحدة مكافحة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية قد يدخل في باب جريمة الحرمان من الحرية. أما بخصوص وزيرة التنمية الاجتماعية فإذا كان لا يطولها التجريم على النحو السالف ذكره، فإن مسؤوليتها في هذه الحالة سياسية باعتبارها الرئيس الاداري الاعلى لوزارة التنمية الاجتماعية وتقوم هذه المسؤولية امام الملك بمقتضى المادة (35) من الدستور الاردني[8]، وامام مجلس النواب بمقتضى المادة (51) من الدستور[9]. وفي حال عدم تحريك المسؤولية السياسية للوزيرة من قبل اي من الجهتين اعلاه، فإنه من مقتضيات الالتزام الادبي بالمسؤولية أن تتقدم الوزيرة باستقالتها كما يحصل في العديد من البلدان التي يتحمل فيها المسؤولون مسؤولياتهم الاخلاقية والادبية قبل القانونية والسياسية.
[6]– تنص المادة ( 389/1 ) من قانون العقوبات الاردني رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته على انه " كل من : ب – استعطى او طلب الصدقة من الناس متذرعا الى ذلك بعرض جروحه او عاهة فيه بأية وسيلة اخرى ، سواء كان متجولا او جالسا في مكان عام … يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر او ان تقرر المحكمة احالته على اية مؤسسة معينة من قبل وزير التنمية الاجتماعية للعناية بالمتسولين لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات …"
[7][7]– المادة ( 389 / 4 ) من قانون العقوبات الاردني رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته .
[8]– تنص المادة ( 35 ) من الدستور الاردني على أنه " الملك يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء " .
[9]– تنص المادة ( 51 ) من الدستور الاردني على أنه " رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون امام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة كما ان كل وزير مسؤول امام مجلس النواب عن اعمال وزارته " .
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.