مقدّمة الورقة البحثية: حين تكون جرائم التعذيب في عهدة القضاء العسكري


2024-07-10    |   

مقدّمة الورقة البحثية: حين تكون جرائم التعذيب في عهدة القضاء العسكري

في أيلول 2022، شكّل خبر مقتل اللاجئ السوري بشّار عبد السعود خلال احتجازه لدى مركز مديرية أمن الدولة في تبنين (بنت جبيل، جنوب لبنان) صدمة لدى الرأي العام اللبناني، بخاصّة بعد انتشار صور مؤثّرة لآثار التعذيب على جثّته. وأعادت هذه الحادثة إلى الأذهان المَظلمة التي ذهب ضحيّتها الممثّل المسرحي زياد عيتاني قبل أكثر من أربع سنوات، إثر تلفيق تهمة العمالة له. وقد جاء القرار الاتّهامي الصادر عن القضاء العسكري، بعد أقلّ من ثلاثة أشهر على مقتل السعود، ليُظهر أنّ أساليب التعذيب تُعتمد بشكل ممنهَج في مركز الاحتجاز المذكور، بحيث يكاد يُصبح طقسًا من طقوس التوقيف والتحقيق والاحتجاز، وأنّه يشتدّ في ظلّ اشتداد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يمرّ بها لبنان وتردّي أحوال مؤسَّسات الدولة وموظّفيها والمقيمين فيها.

لكنَّ القانون اللبناني والاتّفاقيات الدولية تحظر التعذيب حظرًا عامًّا لا يقبل أيّ استثناء ولا أيّ تبرير مهما اشتدّت الظروف، إذ يُعَدّ التعذيب من أخطر الجرائم في الأنظمة الحديثة لما ينتج منه من أذًى شديد، لا يطال أجساد ضحاياه وأرواحهم فحسب، إنّما كرامة مجتمعاتهم وإرادتها أيضًا. إلّا أنّ لا مفعول لهذا الحظر ما لم يترافق مع آليّات محاسبة فعّالة تهدف إلى معاقبة مرتكبي جرائم التعذيب، وإعادة الاعتبار إلى ضحاياها، وردع تكرارها. فمنذ مصادقة لبنان على اتّفاقية الأمم المتّحدة لمناهضة التعذيب في العام 2000 وإقراره قانون معاقبة التعذيب رقم 65 في العام 2017، لم نتمكّن من رصد أيّ حكم قضائي يقضي بإدانة أحد لارتكابه جرم التعذيب باستثناء حكم يتيم صادر عن محكمة استئناف بيروت في العام 2013.[1] ويعود ذلك بشكل أساسي إلى توجُّه السلطات القضائية إلى الالتفاف على القوانين والالتزامات الدولية، وامتناعها بشكل ممنهَج عن إجراء تحقيقات جدِّية في قضايا التعذيب.

في هذا السياق، شكّل القرار الاتّهامي في قضيّة السعود، الذي أدّى إلى انطلاق أولى المحاكمات أمام القضاء العسكري لمتّهَمين بارتكاب التعذيب بموجب القانون رقم 65/2017، خرقًا في جدار الإفلات المُعمَّم من العقاب في جرائم التعذيب. لكن في موازاة ذلك، اعتمد القرار تفسيرًا متحفّظًا للقوانين أدّى إلى إقرار اختصاص القضاء العسكري للنظر في جرائم التعذيب، بما يخالف المعايير الدولية والتوجُّهات الحقوقيّة التي تحصر النظر في جرائم التعذيب بالمحاكم العادية. فبالرغم من صفته الاستثنائية، يتمتّع القضاء العسكري في لبنان بصلاحيات جدّ واسعة لملاحقة عدد كبير من الجرائم، إلى حدّ أنّها تكاد تشمل أيّ نزاع جزائي بين مدني وأحد أفراد الأجهزة العسكرية والأمنية. كما أنّه يعتمد أصولًا خاصّة تختلف عن تلك المعتمَدة أمام المحاكم العادية، بما يخالف مبادئ المساواة والمحاكمة العادلة التي ترسيها المواثيق الدولية وفقًا لما تمّ تفصليه في الورقة البحثية السابقة.

انطلاقًا من هذا الواقع، ارتأت “المفكّرة القانونية” ضرورة البحث في أفق المحاسبة الممكنة لقضايا التعذيب أمام القضاء العسكري. وعليه، تهدف هذه الورقة البحثية إلى المساهمة في هذا النقاش من خلال البحث في مدى صلاحية القضاء العسكري للنظر في جرائم التعذيب (1)، والتدقيق في كيفيّة تعامله مع شكاوى التعذيب من خلال مراجعة عيّنة من خمس قضايا عُرضت أمام القضاء العسكري بعد إقرار القانون رقم 65/2017 (2). وتأتي هذه الورقة البحثية الثانية ضمن سلسلةٍ من الأوراق التي تبحث فيها “المفكّرة” في دور القضاء العسكري في محاسبة جرائم التعذيب، بعد الورقة البحثية الأولى التي بحثت في مدى توفّر مبادئَ المحاكمة العادلة أمام القضاء العسكري للمشتبه فيهم وللضحايا.[2]

المنهجية

تستند هذه الورقة البحثية إلى مراجعة الإطار القانوني الدولي واللبناني المتعلّق بجرائم التعذيب والقضاء العسكري، وإلى مقابلات أُجريت خلال شهر تمّوز 2023 مع رئيس المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت (العميد خليل جابر) وأربعة محامين قاموا بتمثيل ضحايا جرائم التعذيب أمام القضاء العسكري، وصحافية من “المفكّرة” تغطّي جلسات المحاكمات العسكرية،[3] فضلًا عن المعرفة والخبرة التي اكتسبَتها مُعدَّة هذا التقرير في هذا المجال. ونشير إلى أنّنا طلبنا أيضًا مقابلة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية في بيروت (فادي عقيقي) ورئيس محكمة التمييز العسكرية (القاضي جون قزّي)، لكنّهما رفضا مقابلتنا. كما تقدّمنا بطلبات للحصول على إحصائيات حول قضايا التعذيب، استنادًا إلى قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات، إلى قلميَ النيابات العامّة التمييزية والعسكرية، من دون أن نلقى أيّ جواب لغاية تاريخ إعداد هذا التقرير.

كما تستند هذه الدراسة إلى أعمال “المفكّرة” المُستمرّة في رصد العمل القضائي والبرلماني، لا سيّما متابعتَها مسارَ إقرار قانون معاقبة التعذيب وتعديله في المجلس النيابي، ومراقبتَها المحاكمات أمام المحاكم العسكرية ومن ضمنها المحاكمات في قضايا التعذيب، بالإضافة إلى مشاوراتها غير الرسمية مع عدد من المعنيّين في قضايا التعذيب والمحاكمات العسكرية، ومنهم قضاة ومحامون وعاملون في منظَّمات غير حكومية.

بالإضافة إلى ذلك، تستند هذه الدراسة إلى مراجعة عيّنة من الملفّات القضائية المتعلّقة بخمس قضايا تعذيب عُرضت أمام القضاء العسكري. وقد تمّ اختيار هذه العيّنة نظرًا إلى كون الأفعال جرَت بعد صدور قانون معاقبة التعذيب في العام 2017 وقدّم الضحايا بشأنها شكاوى تعذيب أُحيلت جميعها أمام القضاء العسكري، كما أنّها قضايا حظيَت باهتمام الإعلام والرأي العام. وقد تمكّن فريق البحث من الوصول إلى مستندات قضائية متعلّقة بها، والاستناد إلى مقابلات أجرَتها “المفكّرة” سابقًا مع عدد من هؤلاء الضحايا ووكلائهم في إطار توثيقها قضايا التعذيب. وعليه، شملت العيّنة شكاوى التعذيب التي قدّمها زياد عيتاني (2018)، خلدون جابر وحسن شعيب (2019)، “الحدّاد” وهو اسم مستعار لضحيّة تعذيب محتمَلة طلب عدم نشر اسمه (2021) وعائلة بشّار السعود (2022).

ولا تدّعي الدراسة إجراء تقييم شامل لتعامل القضاء العسكري مع قضايا التعذيب، بل رسم توجّهاته العامة في هذا الشأن بهدف الإضاءة على الآليّات والممارسات التي تسهم في تكريس الإفلات من العقاب في جرائم التعذيب، والتي تستوجب تاليًا المعالجة انطلاقًا من الموجبات القانونية المُلقاة على القضاء. كما أنّ التركيز على القضاء العسكري لا يلغي أهمِّية تقييم أداء القضاء العدلي في هذا المجال، الذي يظهر أنّه لا يزال يتقاعس أيضًا عن ملاحقة جرائم التعذيب والتحقيق فيها بجدّية.

وصف العيّنة

تتألّف العيّنة من خمس قضايا تقدّم فيها الأشخاص المعنيّون بشكاوى حول تعرّضهم للتعذيب إلى النيابة العامة التمييزية بين العامَين 2018 و2022. وقد جرَت أفعال التعذيب المشكوّ منها في الفترة الممتدّة بين نهاية العام 2017 ومنتصف العام 2022، وفي أثناء الاستقصاء والتحقيق الأوّلي (عيتاني وجابر وشعيب والسعود) والمحاكمات (الحدّاد). جميع الضحايا المحتملين هم من الذكور اللبنانيين الذين تعرّضوا لإيذاء جسدي وأعطال جسدية مُوَقّتة أو دائمة نتيجة التعذيب، باستثناء بشّار السعود، وهو لاجئ في لبنان من الجنسية السورية حيث أفضى تعذيبه إلى الموت. أمّا لجهة الجناة المحتمَلين، فقد عزت الشكاوى أعمال التعذيب هذه إلى عناصر من مديرية أمن الدولة (عيتاني والسعود)، والحرس الجمهوري ومخابرات الجيش (جابر)، والشرطة العسكرية (جابر والحدّاد) وقوى الأمن الداخلي (شعيب). ولم ينتج من هذه الشكاوى أيّ ادّعاء بجرائم التعذيب بموجب القانون رقم 65/2017 إلّا في قضيّة السعود.

ونعرض تاليًا موجزًا عن هذه القضايا، مع الإشارة إلى أنّنا سوف نناقش تفاصيلها في متن هذه الدراسة.

●       زياد عيتاني

تشكّل قضيّة زياد عيتاني إحدى أكبر المظالم التي حظيت باهتمام الرأي العام اللبناني خلال السنوات الأخيرة. زياد عيتاني[4]، لبناني، مولود في العام 1975، وهو ممثّل مسرحي مقيم في بيروت. في تاريخ 23/11/2017، أوقفته عناصر من أمن الدولة في بيروت بشبهة التعامل مع إسرائيل. وقد شابَت التحقيقَ معه مخالفاتٌ قانونية عدّة، أبرزها حرمانه من الاستفادة من حقوق الدفاع بموجب المادّة 47 من أصول المحاكمات الجزائية، وتسريب مضمون التحقيق في وسائل الإعلام. وتمّ احتجازه لمدّة خمسة أيّام في مركز أمن الدولة في السوديكو، ثمّ تمّ نقله إلى نظارة النيابة العامة العسكرية في المحكمة العسكرية. وأفاد عيتاني بتعرّضه للعنف الجسدي والمعنوي خلال التحقيق معه من أجل إرغامه على الإدلاء باعترافات غير صحيحة، ممّا أدّى إلى كسور في أسنانه وفقًا لتقرير طبيب الأسنان الذي عاينه بعد إخلاء سبيله في 14/03/2019.

ادّعى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية على عيتاني بجنايات تتعلّق بالعمالة (الموادّ 278 و283 و284 من قانون العقوبات) وأحاله موقوفًا أمام قاضي التحقيق العسكري (رياض أبو غيدا). مَثل عيتاني أمام قاضي التحقيق في 1/12/2017 وأدلى بتعرّضه للتعذيب، فتمّ عرضه في اليوم نفسه على الطبيب العسكري الذي أفاد في تقريره بأنّ عيتاني “بصحّة سليمة” و”صالح لدخول السجن”، و”هو فقط بحاجة إلى نظّاراته بسبب ضعف النظر الذي يعاني منه”. وبعد إحالته إلى التحقيق لدى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، قرّر القاضي إخلاء سبيل عيتاني في 13/03/2018 بعد 110 أيّامٍ من توقيفه. وفي 29/05/2018، خلُص القرار الاتّهامي إلى منع المحاكمة عن عيتاني واتّهام سوزان سمعان الحاج، وهي مقدّمة في قوى الأمن الداخلي، وإيلي منير غبش، بالافتراء عليه من خلال اختلاق أدلّة إلكترونية مزيَّفة. وأصدرت محكمة التمييز العسكرية حكمًا مبرمًا في 13/04/2021 بإدانة غبش بجناية اختلاق أدلّة (المادّة 403 من قانون العقوبات) والحاج بجنحة كتم الجريمة (المادّة 399 من قانون العقوبات).

تقدّم عيتاني بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية في 28/11/2018 ضدّ عناصر أمن الدولة المشتبه بضلوعهم في تعذيبه. وإذ أحالت النيابة العامة التمييزية الشكوى إلى النيابة العامة العسكرية للتحقيق فيها، أعلنت هذه الأخيرة عدم اختصاصها لتحيل الشكوى مجدّدًا إلى القضاء العدلي في 10/6/2019. وبعد سنتَين ونصف السنة من مباشرة المحامي العام الاستئنافي في بيروت (زاهر حمادة) التحقيق فيها، قرّر في 11/01/2022 حفظها من دون أيّ تعليل. ولم يصدر لغاية اليوم أيّ ادّعاء بالتعذيب بحقّ عناصر مديرية أمن الدولة.

●       خلدون جابر

خلدون حافظ جابر[5]،لبناني مولود في العام 1991، وهو صحافي. في تاريخ 13/11/2019، أوقفته عناصر من مخابرات الجيش والحرس الجمهوري خلال مشاركته في تظاهرة أمام القصر الجمهوري في بعبدا (جبل لبنان) إثر اندلاع انتفاضة 17 تشرين، على خلفيّة هتافاته المعارضة لرئيس الجمهورية. تمّ احتجازه في مكان غير معروف يُعتقد أنّه تابع لمخابرات الجيش، ثمّ لدى الشرطة العسكرية في جبل لبنان. وتبعًا لتنظيم محضر تحقيق رسمي من قبل الشرطة العسكرية، قرّر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية (بيتر جرمانوس) تركه وإحالته إلى فصيلة راس بيروت التابعة لقوى الأمن الداخلي لوجود خلاصة حكم بحقّه في مخالفة عدم نقل هويّة، فأُطلق سراحه في اليوم التالي لتوقيفه.

وقد شابَت توقيفَه والتحقيقَ معه مخالفاتٌ عدّة، منها عدم الالتزام بالمادّة 47 من أصول المحاكمات الجزائية، ممّا حمل محاميّي لجنة الدفاع عن المتظاهرين على التقدّم بإخبار بالإخفاء القسري إلى النيابة العامة التمييزية التي حفظتها من دون تحقيق بعد الكشف عن مكان توقيفه. وأفاد جابر بتعرّضه للعنف الجسدي والمعنوي خلال إلقاء القبض عليه والتحقيق معه لدى مخابرات الجيش والشرطة العسكرية لمعاقبته على المشاركة في التظاهرات والحصول على اعترافات، ممّا أدّى إلى كسر أحد أضراسه وثقب في طبلة أذنه وانخفاض في حاسّة السمع لديه، إلى جانب العديد من الكدمات على جسمه وفقًا للطبيب الشرعي الذي عاينه في 14/11/2019 فور إطلاق سراحه.

في تاريخ 18/12/2019، تقدّم جابر بشكوى تعذيب أمام النيابة العامة التمييزية بالتزامن مع شكاوى قدّمها 16 متظاهرًا آخر. وقد قرّرت معاونة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية (منى حنقير) حفظ الشكوى في 3/02/2020. وادّعى معاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية (رولان الشرتوني) ضدّه في تاريخ 27/11/2019 بجرم معاملة عناصر الجيش بالشدّة وشتم المؤسّسة العسكرية وتحقير رئيس الجمهورية (المادّتان 381 و386 من قانون العقوبات)، ومَثل جابر في تاريخ 7/10/2020 أمام المحكمة العسكرية التي انتهت في اليوم نفسه إلى إعلان براءته من الجرائم العسكرية وعدم اختصاصها لمحاكمته بجرم تحقير رئيس الجمهورية. فأحالت النيابة العامة العسكرية ملفّه إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان لملاحقته في هذا الجرم.

●       حسن شعيب

حسن محمّد شعيب[6]، لبناني مولود عام 1993، ومقيم في بيروت. في تاريخ 18/10/2019، أوقفت قوى الأمن الداخلي شعيب وعشرات الأشخاص خلال مشاركتهم في تظاهرة في وسط بيروت فور اندلاع انتفاضة 17 تشرين. تمّ احتجاز شعيب والتحقيق معه في فصيلة الأشرفية في بيروت التابعة لقوى الأمن الداخلي. وقد شابَت التحقيقَ معه مخالفاتٌ عدّة، منها عدم الالتزام بالمادّة 47 من أصول المحاكمات الجزائية. قرّر النائب العام التمييزي (غسّان عويدات) تركه رهن التحقيق في اليوم التالي، بعد مرور 30 ساعة على توقيفه. وأفاد شعيب بأنّه تعرّض للعنف الجسدي والمعنوي على يد قوى الأمن الداخلي بعد إلقاء القبض عليه وخلال نقله في آليّة عسكرية إلى الفصيلة لمعاقبته على المشاركة في التظاهرات، ممّا أدّى إلى كسر في عظم الإبهام والعديد من الكدمات على جسمه وفقًا لصور الأشعّة التي أجراها في المستشفى في 19/09/2019، ولتقرير الطبيب الشرعي الذي عاينه في 21/10/2019.

في تاريخ 18/12/2019، تقدّم شعيب بشكوى تعذيب أمام النيابة العامة التمييزية بالتزامن مع شكاوى قدّمها 16 متظاهرًا آخر. وقد قرّرت معاونة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية (منى حنقير) حفظ الشكوى في 3/02/2020. وادّعت معاونة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية (مايا كنعان) ضدّه في تاريخ 7/05/2020 بجرم معاملة عناصر الأمن بالشدّة والتخريب (المادّتان 381 و733 من قانون العقوبات)، ومَثل شعيب أمام المحكمة العسكرية مرّتَين في 12/4/2021 و3/11/2021 التي انتهت إلى إبطال التعقّبات بحقّه لعدم توافر العناصر الجرمية.

●       “الحدّاد” (اسم مستعار)

“الحدّاد” هو اسم مستعار[7] لرجل لبناني، مواليد العام 2000، ومقيم في طرابلس. في تاريخ 14/8/2021، حصلت حركة احتجاجية من قبل السجناء في نظارة الشرطة العسكرية في ثكنة فخر الدين في بيروت حيث كان الحدّاد موقوفًا لصالح النيابة العامة العسكرية، اعتراضًا على عدم تزويدهم بالطعام. وخلال قمع عناصر الشرطة العسكرية الاحتجاجَ، أفاد الحدّاد وسجناء آخرون وعائلاتهم بأنّ بعض السجناء تعرّضوا للضرب لمعاقبتهم على التمرّد، ممّا أصابهم بجروح ورضوض.

في تاريخ 17/08/2021، تقدّم وكيله بشكوى تعذيب إلى النيابة العامّة التمييزية. وفي 22/09/2021، أمر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الشرطة العسكرية بالاستماع إلى إفادة الحدّاد وبإخضاعه لمعاينة طبِّية من قبل طبيب السجن وطبيب شرعي. وقد خلُصت المعاينة التي أُجريت بعد أكثر من شهر على الحادثة إلى عدم وجود أيّ كدماتٍ على جسده. كما أنكر الحدّاد تعرّضه للتعذيب خلال تحقيق الشرطة العسكرية معه خلافًا للقانون رقم 65/2017. فحفظت النيابة العامّة العسكرية الشكوى، وطلبت من مجلس نقابة المحامين في طرابلس في 4/10/2021 إذنًا لملاحقة وكيله بجرم الافتراء (المادّة 403 من قانون العقوبات)، إلّا أنّ المجلس رفض في 27/10/2021 منح الإذن لاعتباره أنّ الطلب يشكّل محاولة للتملّص من تطبيق قانون معاقبة التعذيب.

●       بشّار السعود

تشكّل قضيّة بشّار السعود[8] أبرز قضايا التعذيب التي كُشِف عنها خلال العام الماضي، بعدما نشرت جريدة لبنانية، في تاريخ 5/09/2022، خبرَ وفاته تحت التعذيب خلال التحقيق معه في مركز مديرية أمن الدولة في تبنين (بنت جبيل، جنوب لبنان)، وتداولت وسائل الإعلام صورًا وفيديوهات تظهر آثار التعذيب على جثّته، ممّا أثار صدمة في الرأي العام. السعود لاجئ سوري في لبنان، مسجَّل لدى مفوّضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، مولود في العام 1992 ومقيم في مخيّم شاتيلا قرب بيروت. في 30/08/2022، أوقفته دورية من شعبة الخدمة والمعلومات في المديرية العامة لأمن الدولة للاشتباه بانتمائه إلى تنظيم داعش، وسلّمته إلى مركز تبنين. بعد أقلّ من ثلاث ساعات على وجوده في المركز، نقله الصليب الأحمر جثّة إلى مستشفى تبنين. وبعد إبلاغ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالوفاة، باشر التحقيق في وفاته وتبيّن وجود آثار التعذيب على موقوفَين آخرَين في المركز، فادّعى في 5/9/2022 بحقّ خمسة عناصر من أمن الدولة، من ضمنهم النقيب المسؤول عن المركز، بجرائم التعذيب ومخالفة الأوامر، وأمر بتوقيفهم وإحالتهم أمام قاضي التحقيق العسكري.

وفي 29/11/2022، أصدرت قاضية التحقيق العسكري (نجاة أبو شقرا) قرارًا اتّهاميًّا قدّم رواية مفصّلة حول أعمال التعذيب التي جرت في المركز بحقّ السعود وموقوفَين آخرَين، وانتهى إلى اتّهام النقيب وثلاثة عناصر بجناية التعذيب التي أفضَت إلى الموت (المادّة الأولى من قانون معاقبة التعذيب، البند ب/4)، والظنّ بالنقيب وبعنصرَين بجنحة التعذيب (المادّة الأولى من قانون معاقبة التعذيب، البند ب/1)، والظنّ بجميعهم بجنحة مخالفة الأوامر (المادّة 166 من قانون القضاء العسكري). وعليه انطلقت المحاكمة في هذه القضيّة أمام المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت، وهي المحاكمة الأولى التي تجري أمام القضاء العسكري بموجب قانون معاقبة التعذيب. وقد عقدت المحكمة جلستها الأولى في 16/12/2022 حيث استجوبَت العناصر الخمسة، ومن ثمّ عقدت جلسة ثانية في 5/05/2023 وأُرجئَت المحاكمة إلى 17/11/2023.

لتحميل الدراسة بصيغة PDF


[1] التعذيب بالفرّوج استئنافًا بعد 9 سنوات من حصوله، والعقوبة غرامة فقط، المفكّرة القانونية، 21/03/2013.

[2] غيدة فرنجية، أي محاكمة عادلة أمام القضاء العسكري في لبنان؟ المفكّرة القانونية ومركز جينيف لحوكمة قطاع الأمن (ديكاف)، شباط 2024.

[3]  يتضمّن الملحق لائحة بالأشخاص الذين تمّت مقابلتهم في إطار الإعداد لهذه الدراسة.

[4] للمزيد من التفاصيل حول القضيّة: جويل بطرس، نزار صاغية، قضية عيتاني، رسم كاريكاتوري للنظام اللبنانيّ: هكذا رقصنا على مذبح المحاكمة العادلة، المفكّرة القانونية، 5/05/2019. شهادة زياد عيتاني حول تعرّضه للتعذيب، المفكّرة القانونية، 17/04/2019.

[5] للمزيد من التفاصيل حول القضيّة: نزار صاغية، بقع التعذيب التي لا تراها النيابات العامّة: شكاوى الثوّار في عهدة المشكو منهم، نُشر في العدد 66 من مجلّة المفكّرة القانونية – لبنان، تشرين الأوّل 2020. لور أيّوب، ممثّل النيابة العامة العسكريّة يطلب البراءة للناشط خلدون جابر: حكم يفضح تلفيق الأجهزة الأمنيّة التّهم ضد المتظاهرين، المفكّرة القانونية، 8/10/2020. مقابلة مع خلدون جابر حول تعرّضه للتعذيب، المفكّرة القانونية، 6/10/2020.

[6] للمزيد من التفاصيل حول القضيّة: نزار صاغية، بقع التعذيب التي لا تراها النيابات العامّة: شكاوى الثوّار في عهدة المشكو منهم، نُشر في العدد 66 من مجلّة المفكّرة القانونية – لبنان، تشرين الأوّل 2020. إيناس شرّي، المحكمة العسكرية تبرّئ حسن شعيب: “حقّي لا يزال مسلوبًا“، المفكّرة القانونية، 5/11/2021.

[7] للمزيد من التفاصيل حول القضيّة: بشير مصطفى، تمرّد في ثكنة فخر الدين: سجناء بلا طعام وبلا محاكمة، المفكّرة القانونية، 25/08/2021. بشير مصطفى، المحامي صبلوح في مواجهة النيابة العامة العسكرية: هل بدأت ملاحقة المدافعين عن ضحايا التعذيب؟، المفكّرة القانونية، 11/10/2021. لور أيّوب، الأمن العام يتهجّم على محامٍ لا يخضع: صبلوح يواصل نضاله لفرض التحقيق بقضايا التعذيب، المفكّرة القانونية، 8/02/2022.

[8] للمزيد من التفاصيل حول القضيّة: نبيلة غصين، بشار عبد السعود قضى في أقبية تعذيب مفتوحة من دون محاسبة وزوجته ترفض استلام جثته، المفكّرة القانونية، 8/09/2022. لبنان: شكوى تعذيب لاجئ سوري حتى الموتيجب محاكمة عناصر قوى الأمن المتهمين في المحاكم الجزائية العادية، المفكّرة القانونية، 26/09/2022. نزار صاغية، لين أيّوب، التعذيب الممنهج في أروقة أمن الدولة (1): تغيَّر الراوي، تغيّرت الرواية، المفكّرة القانونية، 14/12/2022. نزار صاغية، لين أيّوب، التعذيب الممنهج في أروقة أمن الدولة (2): جرائم التعذيب بعهدة القضاء العسكري، المفكّرة القانونية، 16/12/2022. نبيلة غصين، المحاكمة الأولى لجرائم التعذيب في غياب ذوي الضحية، المفكّرة القانونية، 20/12/2022. لين أيّوب، إرجاء جلسة المحاكمة في مقتل بشار السعود تحت التعذيب وعودة عن مكافأة المتهم، المفكّرة القانونية، 5/05/2023. لور أيّوب، القضاء العسكري يرفض مجدّدًا استلام أدلّة من ورثة ضحيّة التعذيب بشّار السعود، المفكّرة القانونية، 17/11/2023.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، أجهزة أمنية ، محاكم عسكرية ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني