أحال وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل في تاريخ 30/8/2024 مقترح مشروع قانون موازنة العام 2025 إلى مجلس الوزراء. وفي حين يُسجّل التزام وزارة المالية بالمواعيد المحددة قانونا للإحالة قبل بداية شهر أيلول، يُرتقب أن تكمل الحكومة هذا المسار وتُحيل المشروع إلى مجلس النواب قبل عقد تشرين الثاني تمهيدا لإقرارها قبل بداية العام 2025، وهو أمر متوقّع لمحاولة التهرّب من إنجاز قطع الحساب حسبما نشرحه أدناه.
وعلى عكس الموازنات في السنوات السابقة التي كانت تستفيض في إعدادها وزارة المالية وتُدخل ما يزيد عن مائة مادّة فيها، برز الاقتضاب في هذا المقترح حيث لم تتخطّ مواده 49 مادّة، قسم كبير منها موادّ متعلّقة بتقنيات الموازنة وإصدارها وإجازة الجباية والإنفاق وغيرها. وعليه، انعكس ذلك على مضمون المقترح بحيث غابت عنه أيّة مقاربة واضحة لأيّ من الأزمات الراهنة، فأضحت الموازنة أشبه بموازنة تشغيلية لتصريف الأعمال من دون أن تحمل معها أجوبة على العديد من المشكلات الراهنة.
وعليه، أمكن تسجيل الملاحظات التالية:
استمرار غياب قطع الحساب
تكمن المخالفة الأبرز في عدم إرسال قطع الحساب عن عام 2023. إذ نصّ قانون المحاسبة العمومية صراحة في المادّة 195 منه على وجوب أن تضع مصلحة المحاسبة العامة لدى وزارة المالية قطع حساب الموازنة الذي يجب تقديمه إلى ديوان المحاسبة قبل 15 آب، بالإضافة إلى حساب المهمة العامّ الذي يجب تقديمه قبل الأول من أيلول، وهما إجراآن لم يحصلا.
فبخلاف ما حصل عند إقرار قوانين الموازنة لسنوات 2017-2018-2019-2020 و2024 حيث تم التأكيد على ضرورة إنجاز قوانين قطع حساب واستثنائية تجاوز هذه القاعدة أو على الأقل ضرورة تعزيز موارد ديوان المحاسبة لضمان احترامها، بدا المقترح هذه المرة وكأنه يطبّع تماما مع هذه المخالفة إلى درجة تجاهلها وتجاهل ضرورة معالجتها بالكامل.
هذه المخالفة المستمرّة قد تجد ما يبرّرها لدى الحكومة. إذ عند مناقشة مشروع موازنة 2024، أضافت لجنة المال والموازنة مادّة تمنح الحكومة مهلة سنة من تاريخ إقرار القانون (12/2/2024)، وذلك لإنجاز عملية إنتاج جميع الحسابات المالية المدققة منذ 1993 وحتى سنة 2022 وإحالة مشاريع قوانين قطع الحساب التي لم تقر فيها إلى مجلس النواب. وعليه، يتبيّن أنّ هذه المادة تُعنى حصرا بقطوعات الحسابات عن سنوات 2022 وما قبل من دون أن تأتي على ذكر قطع الحساب عن العام 2023 الذي كان يُفترض أن ترسله وزارة المالية، ولا يُمكن بأي شكل من الأشكال لوزارة المالية أو للحكومة أن تتذرّع بها لعدم إرسال قطع حساب العام 2023.
من هذا المنطلق، يُطرح التساؤل عن سبب استمرار غياب قطع الحساب على الرغم من أنّ ديوان المحاسبة قادر على التدقيق فيه بخاصة بعد انتهائه من التدقيق في قطوعات حساب أكثر من 7 سنوات آخرها كان قطع حساب العام 2020. وعليه، تبقى صدقيّة الأرقام الواردة في المقترح وكل السياسات والإجراءات الواردة فيه موضع شكّ ومبنيّة على تقديرات غير ثابتة لنتائج تنفيذ الموازنات السابقة. إذ أنّ أولوية إقرار قطع الحساب على الموازنة تجد ما يبررها ليس فقط في المادة 87 من الدستور بل أيضا بأهمية المعطيات التي يجدر أن يتضمّنها قطع الحساب والتي تسمح للمجلس النيابي التحقق من كيفية تنفيذ الموازنة السابقة فعليا وتاليا من مدى صدقية البيانات أو التوقعات الواردة في مقترح الموازنة، وكلها معطيات يحتاج إليها مجلس النواب لممارسة دوره الرقابي على تنفيذ قوانين الموازنة السابقة كما دوره التشريعي في إقرار قانون موازنة جديدة.
بالمقابل، وبفعل الاقتضاب الواضح في المقترح، قلّت المخالفات الأخرى المتمثلة في زجّ فرسان الموازنة والمخالفات لمبدأ سنوية الموازنة وهما برزتا حصرا في تمديد مهل تشييد البناء لثلاث سنوات للأجانب الذين اكتسبوا حقوقا عينية عقارية (المادة 38).
غياب أي معالجة لأزمة الوظيفة العامة
غاب عن المقترح أي مقاربة تتعلّق مباشرة بأوضاع الموظفين العموميين، سواء فيما يتعلّق برواتبهم أو أوضاعهم الوظيفية والتقاعد وغيرها. وفي حين أنّ إصلاح وضع الوظيفة العامة لا يُفترض أن يكون عبر قانون الموازنة، فإنّ عدم مقاربة الموضوع لا في هذا القانون ولا خارجه ولا تخصيص اعتمادات لأي تحسين في الأجور، إنما يعكس النيّة في إبقاء الأوضاع المزرية في الوظيفة العامّة وللمُتقاعدين كما هي. وليس أدلّ على ذلك من المادة الوحيدة المتعلّقة بأوضاع هؤلاء والتي علّقت تطبيق أحكام المادة 81 من موازنة 2019، والتي تضع حدّا أقصى للرواتب وملحقاتها والمخصصات التي يتقاضاها الموظف. وفي حين تمّ تعليق هذه المادة أيضا في موازنة 2022، إلّا أنّ هذا التعليق الآن رُبط بإقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة.
وفي ظلّ عجز الحكومة والمجلس النيابي حتّى اللحظة عن إعداد هذه السلسلة، يتبيّن أنّ جوابها الوحيد لأزمة رواتب القطاع العام في هذه الموازنة هو السماح لبعض الموظفين بتقاضي مخصصات أو أتعاب أو بدلات من خلال تعيينهم في لجان أو الاستحصال على بدلات معينة من دون أن يدخل أيّ منها في أساس الراتب.
غياب الإصلاحات الضريبية
على عكس الموازنات السابقة، خلتْ الموازنة من مواد تُعدّل في الشطور الضريبية أو تفرض ضرائب جديدة أو تتيح إمكانية تقسيط الضرائب أو إجراء تسويات عليها أو الإعفاء منها. جلّ ما ورد في هذا الصدد هو زيادة بعض الرسوم كرسوم وزارة الشباب والرياضة ورسوم براءات الاختراع ورسوم للأمن العام وغيرها. بالمقابل، برز مجددا أنّ العائدات المتوقعة من الضريبة على الأملاك البحرية هي صفر، كجميع السنوات السابقة.
وفي تحليل لأرقام المقترح، أفاد موقع صفر بأنّ الضرائب المباشرة على الدخل والأرباح والملكية لا تزيد عن 17% من مجمل الإيرادات، وأنّ 66% من الإيرادات سوف يأتي من الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك، بما يوضح استمرار حالة اللاعدالة الضريبية الراهنة التي فضّلت وزارة المالية النأي بنفسها عنها مجددا.
غياب الإنفاق المجدي
تشكل الرواتب والأجور وملحقاتها قرابة 53% من الإنفاق، بالإضافة إلى حوالي 19% للإنفاق التشغيلي للمرافق العامة، وحوالي 7.5% لتغطية فوائد الديون. بالمقابل، يظهر مجددا أنّ الإنفاق الاستثماري لا يتعدّى 9% من النفقات وهو إنفاق سيخصص أغلبه لصيانة الطرقات بحسب موقع صفر أيضا، مع الاستمرار بتأجيل قوانين البرامج في الموازنة (المشاريع الكبرى) للسنة الخامسة تواليا.
وعليه، يظهر أنّ وزارة المالية تنأى بنفسها أيضا عن الإنفاق الاجتماعي أو المجدي، حيث لا يتبيّن أنّ اعتمادات إضافية ستخصص لمعالجة آثار العدوان الإسرائيلي المستمر أو لخطة طوارئ لمعالجة أي تطورات متعلّقة بالحرب الراهنة. واللافت في هذا الصدد، أنّ مساهمة الدولة في رواتب وأجور موظفي ومستخدمي مجلس الجنوب قد زادت ضعف ما تمّ زيادته للاعتماد المخصص للمجلس للتعويض لأهالي الشهداء وللجرحى والمتضررين.
للاطّلاع على مقترح مشروع قانون موازنة العام 2025