تقدم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) بمقترح قانون قصد تعديل مقتضيات المادة 152 من مدونة الأسرة، وإضافة “الخبرة الجينية” كسبب لإلحاق نسب الأبناء بآبائهم.
أسباب تقديم مقترح القانون
أشارت مذكرة تقديم مقترح القانون الجديد إلى بعض أسباب وضعه، ومن بينها “ما يلاحظ على المستوى العملي أن العديد من الأشخاص يرغبون في الاعتراف بنسب طفل معين إليهم عن طريق اللجوء الى الاقرار، إلا أنهم يرغبون في إجراء الفحوصات الجينية اللازمة قبل الاعتراف بنسب الطفل، وذلك للتأكد من صحة البنوة البيولوجية، غير أن مدونة الأسرة لا تتيح إجراء الخبرة الجينية إلا بمقتضى قرار قضائي بعد إثبات شرعية العلاقة، وتعتبر أن الإقرار سبب مستقلّ للحوق النسب دون ضرورة تقييده بإجراء فحص جيني.
مضمون التعديل المقترح
يتضمن المقترح تعديل مادة وحيدة من مدونة الأسرة وهي المادة 152 منها، والتي تنص على أن: أسباب لحوق النسب هي الفراش، والشبهة، والاقرار، حيث يقترح المشروع إضافة سبب رابع، وهو “الخبرة الجينية التي تؤكد أن الولد مجهول النسب المقر به ابن لطالب إجرائها”.
ملاحظات حول المقترح
يأتي هذا المقترح ليدعم المركز القانوني للآباء الراغبين في الاعتراف بنسب أطفال لهم مولودين خارج إطار مؤسسة الزواج، من خلال تخويلهم إمكانية المطالبة بشكل طوعي بإجراء فحص الحمض النووي للتأكد من وجود علاقة بيولوجية بينهم وبين الطفل الذي يرغبون في نسبتهم إليهم.
من حيث صياغة المقترح، يلاحظ أنه استعمل عبارات تحمل نوعا من الوصم تجاه الأطفال المزدادين من أبوين غير متزوجين، حيث وصفهم ب”مجهولي النسب”، كما أن التعديل المقترح اقتصر على إضافة سبب لأسباب لحوق النسب وهي الخبرة الجينية للتأكد من صحة الإقرار، علما أن مقتضيات الإقرار بالنسب منصوص عليها في مواد أخرى من بنود المدونة وهي المواد 160 وما بعدها، والتي تنظم شروط الإقرار بالنسب وآثاره بالنسبة للأبوين وللأطفال.
يأتي هذا المقترح ليدعم حق الأب البيولوجي في التأكد من صحة الإقرار بشكل طوعي عن طريق إجراء فحص الحامض النووي، من دون أن يمنح الأم أو الطفل إمكانية اللجوء إليه في حالة إنكار الأب البيولوجي أو رفضه الاعتراف بطفله بحيث لم يقدم المقترح إمكانية لهم للمطالبة بإجراء الخبرة الجينية الذي يبقى مقيدا بضرورة إثبات الأم أو الطفل العلاقة الشرعية أي وجود علاقة زواج قانوني أو غير موثق أو خطبة؛
يعيد هذا المقترح إلى الواجهة تعامل القضاء المغربي مع قضايا إثبات نسب الأطفال المزدادين خارج إطار مؤسسة الزواج. ففي الوقت الذي حاولت بعض المحاكم الابتدائية الاعتراف بنسبهم عن طريق إجراء الخبرة الجينية والاعتراف بالبنوة بينهم وبين الأب البيولوجي وتحميل الآباء مسؤولية الإنفاق عليهم، إلا أن محكمة النقض تصدّت لهذه الاجتهادات وقضتْ بإلغائها، متمسكة بالتطبيق الحرفي لمقتضيات المادة 148 من مدونة الأسرة والتي تنص على أن البنوة غير الشرعية ملغاة بالنسبة للأب ولا ترتب أي أثر من آثار البنوة الشرعية.
وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد أوصى في تقريره السنوي بضرورة حماية حقّ الطفل في النسب بغضّ النظر عن الوضعية العائلية للأبوين، كما طالبت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب في مذكرتها بخصوص تعديل مدونة الأسرة بضرورة اعتبار مصلحة الطفل الفضلى في كل بنود المدونة وفي قضايا النسب والبنوة على وجه الخصوص، وأوصت فدرالية رابطة حقوق النساء بضرورة الارتقاء بالخبرة الجينية لتصبح سببا من أسباب لحقوق النسب على غرار الزواج والخطبة والإقرار.
وتشير إحصائيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى أن المحاكم الابتدائية المغربية سجلت ما مجموعه 163174 قضية تتعلق بالولادة ونتائجها وذلك خلال الفترة ما بين 2017 و2021، وتأتي قضايا النسب في المرتبة الثانية بنسبة 7.23 بالمائة، مباشرة بعد قضايا النفقة، ويعكس المنحنى المبياني لهذه القضايا اتجاها نحو الارتفاع. ففي سنة 2017 سجلت 2485 قضية نسب، وقد ارتفع الرقم سنة 2021 الى 2745 قضية نسب أمام أقسام قضاء الأسرة وحدها، علما بأن هذه الإحصائيات لا تشمل حالات إثبات النسب بطريقة وديّة عن طريق الإقرار أو التسجيل في الحالة المدنية. كما لا تشمل النزاعات المقدّمة أمام القضاء الزجري، فيما تشير إحصائيات غير رسمية أخرى إلى تسجيل حوالي 50 ألف ولادة خارج إطار مؤسسة الزواج[1] من مجموع 640 ألف ولادة تسجل سنويا.
ويشكل فتح ورش تعديل مدونة الأسرة بعد مرور حوالي 20 سنة على المصادقة عليها فرصة من أجل إعادة مطلب الاعتراف القانوني بالخبرة الجينية كوسيلة لرفع الحيف والتمييز والإقصاء والوصم الاجتماعي الذي يطال فئة الأطفال المزدادين خارج إطار مؤسسة الزواج والذين يتعرّضون لشتّى أنواع الانتهاكات.
يمكنكم هنا الاطلاع على نسخة من مقترح قانون تعديل مدونة الأسرة
مواضيع ذات الصلة
المغرب يفتح ورش مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من صدورها
محكمة النقض بالمغرب تحسم سلباً في بنوة الطفل الطبيعي
محكمة الاستئناف تلغي أول حكم بأبوة طفلة مولودة خارج الزواج: هل آن الأوان لتعديل مدونة الأسرة؟
القضاء المغربي ينتصر للمرة الثانية لحق الطفل الطبيعي في انتسابه لأبيه
الولادات خارج اطار مؤسسة الزواج سبب لتنامي ظاهرة أطفال الشوارع بالمغرب
سابقة قضائية في المغرب: الإعتراف ببنوة الطفل الطبيعي من أبيه والتعويض لأمه
مُتبنّون يطالبون بحق معرفة جذورهم، مطالب خاصة في طور التحول الى قضية عامة في لبنان
التبني في تونس من مفخرة تشريعية الى موضوع سؤال
[1] احصائيات جمعية انصاف.