
“
علمت “المفكرة” من مصادر مطلعة أن القاضي المقرر بالدائرة القضائية المتخصصة بقضايا العدالة الانتقالية في تونس شرع في إجراء الأبحاث والاستقراءات في الملف عدد 54 والمتعلق بأحداث باب سويقة والذي سبق لهيئة الحقيقة والكرامة أن أحالته بتاريخ 31-12-2018 على دائرته من دون لائحة اتهام ومن دون أن تكون قد باشرت فيه أبحاثها. وفيما خلا التقرير النهائي للهيئة من أي ذكر لهذه القضية، يلحظ أن القضية بلغت الهيئة من خلال شكاية قدمها ذوو الأشخاص الثلاثة الذين تم إعدامهم على خلفية مشاركتهم في هذه الأحداث والذين كانوا ينتمون إلى حركة النهضة.
وللتذكير، تولت يوم 27-02-1991، مجوعة من الأفراد تبين أنهم ينتسبون لحركة النهضة مداهمة المقر الجهوي للحزب الحاكم حينها التجمع الدستوري الديمقراطي بتونس المدينة والذي يصطلح على تسميته “بلجنة التنسيق الحزبي بباب سويقة”. تعرض أحد الحراس لطعنات متعددة بآلة حادة أدخلت في مخرجه قبل أن يتم حرق المقر بمن فيه ومما أسفر عن وفاة شخصين. أدينت الواقعة في حينها بشكل واسع محليا كما أدت لإعلان قيادات بارزة في الحركة عن انسلاخها منها لممارستها درجات ترفضها من العنف منهم نور الدين البحيري رئيس كتلتها النيابية حاليا بالمجلس التشريعي وعبد الفتاح مورو نائب رئيس المجلس. استشعر من جهته نظام بن علي في حينه خطورة الاعتداء على مقر من مقراته وعمل على استصدار أحكام قضائية رادعة في حق من ضلعوا في الواقعة تبرز صرامة الدولة وعدم تسامحها.على مستوى الدائرة الجنائية الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بتونس لم تكن الأحكام كما كان منتظرا بعدما تمسك عضوان من الهيئة القضائية برفض تسليط عقوبة الإعدام عن أي من المتهميْن لاعتبارات تتعلق بحداثة سنهم وقناعاتهم الفكرية. ولم يرضِ الحكم الصادر النظام السياسي الذي كان قد دخل مرحلة هامة من مراحل العنف في تاريخه وتم لاحقا وبفعل ما يرجح أن يكون تدخلا سياسيا في عمل القضاء نقض هذا الحكم الذي عد مخففا ولتعاد المحاكمة مجددا وتصدر ثلاثة أحكام بالإعدام في حق بعض من اتهموا فيها، وقد نفذت هذه الأحكام كلها.
ويستدعي هذا الأمر ملاحظات عدة:
أولا، يؤشر قبول الدائرة المتخصصة بإجراء أبحاث واستقراءات في قضايا تعهدت بها لم تتضمن أبحاثا وقرار اتهام ومنها هذه القضية عن كونها (أي الدائرة) تتجه لقبول أن تكون جهة اتهام وجهة محاكمة في الوقت نفسه، رغم ما يثيره هذا التداخل في عملها من سؤال حول التزام محاكماتها بشروط المحاكمة العادلة.
ثانيا، أن من شأن إحالة هذه القضية إلى هذه الدوائر أن يركز الأضواء على قضية أدت فيها حركة النهضة أدوارا عنفية، بما يتعارض مع الصورة التي أعطيت لهذه الحركة حتى الآن طوال مسار العدالة الانتقالية وفي التقرير النهائي للهيئة، حيث ظهرت هذه الحركة عموما مظهر الضحية التي عانى مئات من أعضائها من الاضطهاد السياسي للنظام السابق. وكان يعتقد في أوساط متابعي العدالة الانتقالية أن الهيئة تجنبت إحراج الحركة من خلال تنحية ذكر هذه القضية في تقريرها، فأتت إحالة هذه القضية لتنقض هذا الاعتقاد. وبالطبع، ينتظر أن يكون لهذه القضية وقع كبير لتزامن الإعلان عنها مع قرب الاستحقاق الانتخابي.
“
متوفر من خلال: