عقد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء العدلي من مجموعة الواحد والعشرين الرافضين لترشيحات الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي بتاريخ 09-01-2017 الإجتماع الأول لما ذكروا أنه المجلس الأعلى للقضاء العدلي. تجاهل من حضر منهم الإجتماع قرار المحكمة الإدارية الإستعجالي الذي صدر في صباح لقائهم وأمر بتأجيل الإجتماع.
لم يتعرض البيان الذي صدر عن الإجتماع لمبررات عدم الإذعان للمقرر القضائي المحلي بالتنفيذ العاجل. لكن ذكّر القضاة المساندون لهذا الشق في تدويناتهم في صفحات التواصل الإجتماعي بأن الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي لم تكن تذعن لأحكام المحكمة الإدارية بما يكون معه سلوك مجلس القضاء العدلي منسجما مع السوابق في المجال. وهذا التبرير مفجع، إذ أنه يستشف منه أن مخالفة الأحكام القضائية من قبل الهيئات القضائية بات أمراً مبرراً ومشروعاً أو كأن مخالفة القانون في أحد أحكامه يولد عرفاً بمخالفة القانون في كل مرة. وما يزيد الأمر قابلية للنقد هو صدور هذه المخالفة عن أعضاء منتخبين في المجلس الأعلى للقضاء (المجلس الأول ما بعد الثورة) والذي يفترض به أن يكون "الضامن لحسن سير القضاء واستقلاله" وفق الفصل 114 من الدستور أي أن يكون في طليعة من يتصدّون لظاهرة الإمتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية. فما سبب وجود المجلس أو اي ضمانة لاستقلال القضاء إذا تم تشريع مخالفة الأحكام القضائية؟ وألا يؤدي ذلك إلى إباحة القضاء من قبل أشخاص انتخبوا لضمان استقلاله؟
وانطلاقا من ذلك، وبقطع النظر حول الجدل الدائر في الأوساط القضائية التونسية حول صحة إجراءات الدعوة لعقد الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للقضاء العدلي وعن توفر نصاب انعقاده من عدمه في ظل حجب من حضروه معطيات بطاقة حضوره، فإن اقتران الإنعقاد الأول للمجلس الأعلى للقضاء العدلي برفض تنفيذ حكم قضائي يشكل حدثا صادما بكل المقاييس. وهو يشكل مؤشرا آخر على خطورة الصراع المدمّر بين أعضاء المجلس الجديد والذي يتجه يوما بعد يوم إلى تدمير القيمة الإعتبارية لمجلس القضاء الذي ناضلت أجيال من القضاة والحقوقيين التونسيين من أجل إرسائه.
الأمر الإيجابي في المسألة هو أن بلوغ الصراع هذه الدرجة من الخطورة دفع جانبا من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ومن ممثلي هياكل قضائية يحسبون على الشق الذي عقد الاجتماع إلى إعلان رفضهم لخرق حلفائهم واجب احترام المقررات القضائية. فكان أن أعلن وليد الهلالي رئيس اتحاد القضاة الإداريين ومعه السيد أحمد صواب عضو المجلس الأعلى للقضاء عن رفضهما لاقتران تركيز المجلس الأعلى للقضاء بخرق القانون.
قد تدلّ هذه المعارضة في بعدها الأول عن انقسام جديد وسط مكونات المجلس الأعلى للقضاء. ولكن البحث عن الايجابي فيها يحتم النظر إليها كمؤشر يؤكد تمسك جانب كبير من القضاة بقيم المجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة أكثر من تمسكهم به كهيكل تدور الصراعات حول التموقع داخله. وهو أمر متى تم تثمينه قد يصلح منطلقا لحوار جاد بين الفرقاء يمنع انزلاق مجلسهم إلى حالة من إثنين أولهما الموت القيمي وثانيهما الموت السريري قبل الانعقاد.
المفكرة القانونية تناشد مجدداً جميع قضاة تونس للعمل لحماية الإنجازات الدستورية والقانونية التي تحققت بفضل الثورة. فلا تكون حروب التموقع بين الهياكل القضائية سبباً لنسف إحدى أبرز ضمانات استقلال القضاء.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.