معتقلو لبنان رهائن: كيف حوّلت إسرائيل الأسرى إلى ورقة تفاوض سياسيّة؟


2025-05-17    |   

معتقلو لبنان رهائن: كيف حوّلت إسرائيل الأسرى إلى ورقة تفاوض سياسيّة؟

في آذار 2025، أفرجت السلطات الإسرائيليّة عن خمسة معتقلين لبنانيين، أربعة، مدنيّون وجندي في الجيش اللبناني. لم يكن هذا الإفراج معزولًا ولم تقدّمه الحكومة الإسرائيلية كخضوع لمقتضيات قانونية أو كنتيجة لوقف الأعمال العدائيّة، بل وُظّف في سياق سياسي، وجاء مصحوبًا بتصريحات علنية إسرائيلية وأميركية تربط مصير المعتقلين اللبنانيين بمسار تفاوضي جديد، عبر تشكيل لجان دبلوماسية ثلاثة تُعنى، من بين ملفات أخرى، بقضية الأسرى.

تكشف هذه اللحظة عن تحوّل بالغ الدلالة في ملف المعتقلين اللبنانيين الذين لا يزال 14 منهم قيد الاعتقال في إسرائيل وفقًا لتوثيق “المفكّرة”: من احتجاز لأسباب عسكرية مزعومة، إلى احتجاز يُدار كأداة تفاوض سياسي. يضاف ذلك إلى ما تضمّنته شهادات بعض المفرج عنهم التي تفيد بأنّهم خضعوا خلال التحقيق لتعذيب وإهمال طبيّ ومحاولات انتزاع اعترافات وتجنيد للعمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية، تحت التهديد بالاحتجاز المفتوح.

الأخطر أنّ القسم الأكبر من الاعتقالات وقع في مرحلة ما بعد وقف الأعمال العدائية، أي خلال فترة الانسحاب الإسرائيلي التي يفترض أنّها مخصّصة لضمان العودة الآمنة للمدنيين، بحسب إعلان تطبيق القرار 1701. كما أنّ استمرار احتجاز مقاتلين بعد انتهاء القتال يُعدّ خرقًا واضحًا لاتفاقية جنيف الثالثة، التي تفرض إطلاق سراح أسرى الحرب من دون تأخير.

بهذه المعطيات، يعالج هذا التحقيق إشكالية قانونية وسياسية: أنّ إسرائيل لا تكتفي باحتجاز اللبنانيين، بل تستخدمهم كورقة تفاوض مع الدولة اللبنانية، بما يفتح الباب أمام توصيف هذا الاحتجاز كجريمة أخذ رهائن بموجب القانون الدولي.

خريطة الاعتقال والإفراج 

تشير المعطيات التي جمعتها “المفكرة” إلى أنّ المعتقلين اللبنانيين يُصنّفون زمنيًا ضمن مجموعتين: الأولى تضمّ ستة مقاتلين من حزب الله أُسروا قبل وقف إطلاق النار، وخلال التصدّي المباشر للغزو الإسرائيلي، ويُعتبرون قانونًا أسرى حرب يتوجّب الإفراج عنهم فور انتهاء القتال. ويُضاف إلى هذه المجموعة القبطان البحري المدني عماد أمهز، الذي اختطفته القوات الإسرائيلية خلال العدوان في عملية إنزال بحريّ في مدينة البترون الساحلية، بعيدًا عن أي جبهة قتال. ورغم أنّ اختطافه تم خلال الحرب، تؤكّد الجهات اللبنانية الرسمية وغير الرسمية أنّه غير منخرط في أي نشاط قتالي، ما يجعل احتجازه، بحسب المعطيات، أقرب إلى اعتقال تعسّفي يفتقر لأي أساس قانوني.

أما المجموعة الثانية، فتضمّ على الأقلّ سبعة مدنيين خُطفوا بعد وقف إطلاق النار، بعضهم من منازلهم، وآخرون خلال محاولتهم العودة إلى بلداتهم، أو بعد انسحاب الاحتلال وعودتهم إليها. هذا النمط من الاعتقال، سواء تمّ خلال الحرب في ظروف غير قتالية، أو بعدها، لا يمكن تبريره ضمن “الشرعية القتالية”، بل يمثل خرقًا للحماية التي يكفلها القانون الدولي للمدنيين، ويطرح مؤشرات على استخدام الاعتقال كأداة ضغط أو انتقام أو تفاوض.

وقد برزت خلال توثيق “المفكّرة” ضمن فترة ما بعد وقف إطلاق النار، انتقائيّة في سياسات الاعتقال والإفراج نفسها: مجموعات من المعتقلين يُفرج عنها بعد ساعات أو أيام من اعتقالها، مع الإبقاء على أفراد منها بشكل عشوائي، قبل أن تتّضح نوايا  الابتزاز السياسي مع استمرار احتجاز جميع الأسرى الذين اعتُقلوا خلال الحرب، مقابل الإفراج الجزئي عن المدنيّين الذين اعتُقلوا في ظروف تتشابه فيما بينها بعد وقف إطلاق النار.

رهن سياسي لمصير سائر المعتقلين

حتّى اليوم، لا تزال إسرائيل تحتجز 14 لبنانيًا على الأقل. تشير شهادات جمعها فريق “المفكّرة” إلى أنّه، وحتّى تاريخ 11 آذار 2025، كان 12 منهم معتقلون في سجن عوفر الذي يقع جنوب مطار بن غوريون، وجريح واحد في سجن الرملة في الضفة الغربية، في حين يبقى مصير المعتقل الرابع عشر، وهو جريح، مجهولًا. ولا يسمح الاحتلال الإسرائيلي لأي جهة محايدة، وعلى رأسها الصليب الأحمر الدولي، بزيارة الأسرى والرهائن اللبنانيين، بحسب ما تؤكّد المنظمة الدوليّة لـ “المفكّرة”.

ولم تفصح السلطات الإسرائيلية عن عدد المعتقلين أو هويّاتهم، وعُرفت أسماء المعتقلين فقط من خلال شهادات أدلى بها مفرج عنهم لـ “المفكّرة”. ويوحي هذا التعتيم المتعمّد برغبة في المساومة على المعلومات، لا على الحريّة فحسب، بما يكرّس استخدام المعرفة ذاتها كسلاح تفاوضي.

وقد جاء الإفراج عن المعتقلين الخمسة في 11 و12 آذار 2025 في إطار سياسي صريح، ربطه بيان ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية بإطلاق “مجموعات عمل مشتركة” بين إسرائيل ولبنان، خُصّصت إحداها لـ “قضية المعتقلين اللبنانيين لدى إسرائيل”. 

كما تحدّث البيان نفسه عن لجنة لـ”قضية” الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة – رغم أنّ هذا واجب مفروض بموجب القرار 1701 وإعلان وقف الأعمال العدائيّة – ولجنة ثالثة للحدود البرية. في اليوم نفسه، أكدت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، عبر بيان رسميّ ومقابلة تلفزيونية، أنّ الحديث يدور عن “جهود لجمع لبنان وإسرائيل” ضمن “مجموعات عمل”، “يقودها دبلوماسيون”، وهو ما يُكرّس ثمنًا سياسيًّا عاليًا للتفاوض، ويتعارض مع موقف لبنان الثابت الرافض للاعتراف المتبادل.

في المقابل، أظهر الخطاب الرسمي اللبناني تحفّظًا واضحًا على الخلل الجوهري في هذا الإطار التفاوضي الناشئ، وعلى مخالفته لأعراف التفاوض المتكافئ. وقد جرى التعامل لبنانيًا مع هذه اللجان الثلاث على أنها “مقترحة”، خلافًا للإعلان الإسرائيلي الذي أكّد “الاتفاق عليها”.

بالأصل، لم يتطرّق إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني إلى مصير أسرى الحرب، رغم أن الإفراج عنهم مُلزِم قانونًا. وفي 26 كانون الثاني، وبعد يوم من انتهاء مهلة الستين يومًا المحددة للانسحاب وفق الإعلان عينه، وفي أعقاب اعتداءات إسرائيلية على مدنيين حاولوا العودة إلى قراهم، أوقعت عشرات الشهداء والجرحى، أعلن البيت الأبيض تمديد الترتيبات حتى 18 شباط، وضمّن بيانه بندًا يشير إلى “بدء محادثات بوساطة أميركية بشأن إعادة المعتقلين اللبنانيين”. وقد تبعه بيان لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أكّد تمديد الترتيبات وأشار إلى أنّ “الولايات المتحدة الأميركية ستبدأ، بناءً على طلب الحكومة اللبنانية، مفاوضات لإعادة المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية”.

لاحقًا، ومع التطوّر المتمثّل بالإعلان الإسرائيلي الأميركي بشأن اللجان الثلاث، وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي في نيسان الماضي، قال الرئيس اللبناني جوزيف عون ردًّا على سؤال: “المقترح الأميركي لا نزال ندرسه… و(يحضر) هنا مبدأ التفاوض… عندما نتفاوض بشأن الأسرى، نحن لا نحتجز أسرى إسرائيليين في سجوننا، بل لدينا أسرى لبنانيون (في السجون الإسرائيلية). إذًا، على ماذا أريد أن أتفاوض؟ ماذا سأقدّم في المقابل؟”

بهذا المسار، يتضح أن إسرائيل حاولت فرض مقاربة تفاوضية تُدرج المعتقلين ضمن سلة قضايا سياسية أوسع، في حين جاء الموقف اللبناني حذرًا في تعامله مع الأمر الواقع، مؤكدًا أولوية استعادة معتقليه.

في ضوء هذه المعطيات، لم تعد قضية المعتقلين اللبنانيين مجرّد مسألة عالقة فحسب كنتيجة للغزو الإسرائيلي والاحتلال الذي تبعه، بل باتت تُدار بوضوح كأداة تفاوض سياسي. فإسرائيل لا تتعامل مع هؤلاء المعتقلين بوصفهم موقوفين على خلفية عسكرية أو أمنية، بل كأوراق ضغط تُستخدم في إطار تفاوض أوسع، يتخطّى مصيرهم الشخصي ليُقايض على ملفات سيادية وحدودية.

جريمة أخذ رهائن

من الناحية القانونية، يميّز القانون الدولي الإنساني بوضوح بين فئتين من المحتجزين: أسرى الحرب والمدنيين. الفئة الأولى تشمل المقاتلين المنتمين إلى القوّات المسلحة أو إلى حركات مقاومة منظّمة ممّن يقعون في قبضة العدو خلال النزاع، ويخضعون لحماية اتفاقية جنيف الثالثة. وبموجب المادة 118 من الاتفاقية نفسها، يُفرج عن هؤلاء “بدون تأخير بعد وقف الأعمال العدائية الفعلية”.

أمّا المدنيون الذين لا يشاركون في القتال، فيتمتّعون بحماية مطلقة من الاعتقال التعسّفي ومن كافة أشكال العنف، ولا سيما من جريمة أخذ الرهائن، كما تنص المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف، واتفاقية 1979 الدولية لمناهضة احتجاز الرهائن.

وتعرّف هذه الاتفاقية الأخيرة أخذ الرهائن بأنّه: “احتجاز أي شخص مع التهديد بقتله أو بإيذائه أو باستمرار احتجازه، بهدف الضغط على طرف ثالث، سواء كان دولة أو منظمة دولية أو أي جهة أخرى، للقيام بفعل معيّن أو الامتناع عنه كشرط للإفراج عنه”.

ويؤكّد الاجتهاد القضائي للمحاكم الدولية (بخاصة في يوغوسلافيا وسيراليون) أنّ النية التفاوضية أو الابتزازية لا يُشترط أن تكون موجودة عند لحظة الاعتقال، بل قد تتشكّل لاحقًا خلال فترة الاحتجاز. ما يهم هو كيفية استخدام هذا الاحتجاز لاحقًا: هل تحوّل إلى وسيلة ضغط أو ابتزاز سياسي؟ وهل استُخدم المعتقلون كورقة تفاوض مع طرف ثالث؟

بالعودة إلى الحالة اللبنانية، فإنّ استمرار إسرائيل في احتجاز أسرى حرب ومدنيين بعد وقف الأعمال العدائية، واستخدام مصيرهم في سياق تفاوضي مُعلن مع الدولة اللبنانية، يرقى قانونيًا إلى مستوى جريمة أخذ رهائن. 

وبالتالي، فإنّ هذا الملف لم يعد مجرّد حالة احتجاز غير قانوني، بل تحوّل إلى نموذج موثّق لجريمة حرب متمثّلة في أخذ رهائن لأغراض سياسية. ويضاعف من خطورة هذا المسار، أنّه لا ينفصل عن ملفات سيادية كبرى، إذ يُدرج ضمن سلة تفاوضية أوسع تشمل مصير الأراضي اللبنانية المحتلة، والحدود البرّية، ما يحوّل قضية المعتقلين من مسألة قانونية بحتة إلى أداة تفاوض على مستقبل السيادة الوطنية نفسها.

عنف منسّق… لا انتهاكات معزولة

لا يتجلّى الانحراف في الغرض من الاحتجاز – من الاعتقال الأمني إلى الابتزاز السياسي –  فقط في طبيعة المفاوضات، بل في الطريقة التي يُدار بها جسد المعتقل داخل السجن. فإدارة الرهينة لا تقتصر على حجبه عن العالم الخارجي، بل تشمل إخضاعه لعنف مادي ونفسي ممنهج، وتوظيف ألمه، وصمته، ومرضه، كامتداد لوضعه التفاوضي. من هنا، لا يمكن فصل الظروف التي يعيشها المعتقلون في مراكز التحقيق والسجون عن الجريمة الأصلية: تحويل الإنسان إلى وسيلة ضغط.

ففي تحقيقات سابقة، وثّقت “المفكرة” شهادات معتقلين لبنانيين أُفرج عنهم في المرحلة الأولى من الاعتقالات، أي قبل بروز النيّة التفاوضية الإسرائيلية، تحدّثوا عن احتجازهم في مواقع حدودية وخضوعهم لخمس جلسات تحقيق خلال فترة قصيرة. تنوّعت الانتهاكات التي تعرّضوا لها بين الضرب المبرح، والتجويع، والحرمان من النوم، وتقييد الحركة، والتعذيب النفسي والإهانات الجنسية. وفي إحدى أخطر الشهادات، أكّد أحد المدنيين تعرّضه لاعتداء جنسي باستخدام آلة حادّة، بما يشكّل جريمة اغتصاب. 

أما من أُفرج عنهم في 11 آذار 2025، فقد مكثوا في السجون الإسرائيلية لأسابيع، خضعوا خلالها لنمط تحقيق مماثل، ثم نُقل الأصحاء منهم إلى سجن عوفر، والجريح الوحيد بينهم إلى سجن الرملة. وقد أدلوا بإفادات شديدة الأهمية حول أوضاع أسرى الحرب والمعتقلين الآخرين.

في هذه الإفادات، وردت شهادات عن استخدام التعذيب والتهديد ضمن استراتيجية متكرّرة لانتزاع الاعترافات أو فرض التعاون، بما في ذلك تهديد مباشر بالاغتصاب خلال الساعات الأولى من الاعتقال، كما وصف أحد المعتقلين: “كان هذا أسوأ كوابيسي، كنت أناجي الله أن يُفعل بي أي شيء من ضرب وتعذيب وقتل، لكن لا ينفذوا تهديدهم باغتصابي”.

وبالتالي  فروايات التعذيب والتهديد تشكّل شهادات على جرائم، لكنها أيضًا عنصر ضغط نفسي جماعي، ما يجعلها تؤدّي وظيفة مباشرة أو غير مباشرة للضغط على الطرف المطلوب منه التفاوض، لا سيّما مع استمرار منع الصليب الأحمر الدولي من ممارسة ولايته القانونية بالوصول إلى المعتقلين والتثبت من سلامتهم.

الإبقاء على الحياة ورقة تفاوض؟

لا تقتصر ممارسات إسرائيل في حق الأسرى والرهائن اللبنانيين على العنف المباشر خلال التحقيق، بل وثّقت “المفكّرة” انتهاكًا خفيًّا لا يقل خطورة: الإهمال الطبي المتعمّد، بوصفه وسيلة أخرى للسيطرة والابتزاز التفاوضي.

من بين الجرحى، أُفرج عن حسين قطيش في 11 آذار بعد احتجازه في سجن الرملة المخصص للمصابين. وقد نقل قطيش شهادة بالغة الأهمية عن حالة الشاب علي ترحيني (19 عامًا)، المصاب برصاصة إسرائيلية أثناء اعتقاله، ويقترب من إنهاء شهره الرابع في السجن الإسرائيلي. ووفق رواية قطيش، لم يتلقَّ ترحيني سوى الحد الأدنى من العناية، ما أدى إلى تدهور خطير في حالته، وصولًا إلى تقرّح من الدرجة الرابعة كشف عن عموده الفقري، مع غياب العلاج الفيزيائي الضروري لاستعادة حركته.

في المقابل، لا يزال مصير الجريح الثالث حسين كركي مجهولًا منذ اعتقاله في 26 كانون الثاني في واقعة استُشهدت فيها والدته، خلال محاولتهما العودة إلى قريتهما مع انتهاء مهلة الانسحاب الإسرائيلي منها، ضمن مسيرات شعبية. وتتقاطع إفادات المفرج عنهم لـ “المفكّرة” مع غياب اسمه عن سجني الرملة وعوفر.

أما حسين قطيش نفسه، فقد روى لـ “المفكرة” تفاصيل دقيقة عن تجربته في مستشفى صفد، قبل أن ينقل إلى سجن الرملة، حيث أُبقي مقيّدًا بالأصفاد، معصوب العينين، محرومًا من المسكنات رغم الآلام الشديدة الناتجة عن إصابة بالغة في قدمه اليسرى: “كنت أصرخ طالبًا مسكّنًا، لكن كان الرد دائمًا: ‘اسكت’… شعرت أنهم يريدون إبقائي حيًا فقط، لا أكثر. لا لشفائي، بل فقط للحفاظ على حياتي”.

بهذا المعنى، يُستثمر الإبقاء على الحياة أيضًا كتكتيك تفاوضي، في امتداد لسياسة ممنهجة تُشيّء الإنسان وتُخضع مصيره لحسابات الاحتلال، داخل السجن كما على طاولة التفاوض.

رهائن المشروع، لا الحرب

في ظلّ التعتيم الكامل على مصير المعتقلين، يعيش الأهالي في قلق مستمر بين احتمال الاستشهاد أو الفقدان. بعد نشر تحقيق “المفكرة” في آذار، تواصلت عائلة أحد الأسرى مع الفريق التحريري. وبناءً على إذن من أحد المدنيين المفرج عنهم، والذي التقى ابنهم داخل المعتقل، أمكن تنسيق أوّل تواصل بين العائلة والمفرج عنه: وقد شكّل ذلك لحظة الاطمئنان الأولى للعائلة إلى أنّ ابنها لا يزال حيًّا وتأكيد أسره.

وتُظهر الشهادات أنّ المعتقلين اللبنانيين، سواء كانوا أسرى حرب أو مدنيين اعتُقلوا بعد وقف إطلاق النار، يواجهون اليوم تهمًا موحّدة بـ “التخريب”، بحسب الشهادات التي جمعتها “المفكرة” من عدد منهم. وهي تهم جوفاء، إذ اعتُقلوا جميعًا من داخل الأراضي اللبنانية، سواء كأسرى حرب، أو كمدنيين في أرضهم لا يجوز اعتقالهم. بهذا الاستخدام المنهجي لتهمة لا أساس قانوني لها، تتّضح مأسسة جريمة أخذ الرهائن ضمن النظام الإسرائيلي نفسه. 

إسرائيل ليست بصدد الاحتفاظ بأسرى أو معتقلين، بل بصدد إدارة رهائن. وهكذا يتحوّل الإنسان، مقاتلًا أو مدنيًا، إلى أداة تفاوض في مشروع احتلال لا يسعى إلى أمنه، بل إلى تثبيت بقائه كمشروع قائم بحد ذاته: مشروع احتلال.

ما يوثّقه هذا التحقيق لا يتعلّق بانتهاكات معزولة، بل ببنية احتلالية تجرّد الأسير من حمايته القانونية، والمدني من صفته المدنية، وتحوّل الإنسان إلى مادة تفاوض، في إنكار ممنهج لإنسانيّته.

ورغم أنّ مصير ملف الأسرى والرهائن اللبنانيين معلّق بحكم الأمر الواقع بمآلات العدوان المستمر على لبنان، فإن تسمية الجريمة باسمها تبقى أساسًا لمنع تزوير الحقائق وتطبيع الجرائم.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لبنان ، مقالات ، جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني