لا يزال أحد عشر ناشطاً قابعاً خلف القضبان في آخر نتائج عمليات التوقيف العشوائية التي مارستها أدوات السلطة الأمنية خلال تظاهرة 8 تشرين الأول. وكان مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر قد ادعى في 10/10/2015، على 19 متظاهراً اعتبروا "فارين عن العدالة" وأحالهم جميعا أمام القضاء العسكري، وذلك بعد أن تم الافراج عن 43 متظاهر كانوا قد اوقفوا خلال التظاهرة.
منذ تظاهرة الخميس 8/10/2015 التي شهدت أعنف ردٍّ من قبل السلطة على حرية التعبير، بدا واضحاً ان هناك قراراً سياسياً بقمع المتظاهرين لترهيبهم ووضع حد "لحراك شعبي" دخل في شهره الثالث دون اي تراجع أو إستسلام. على أن الأسلوب "القمعي" الممارس ضد المتظاهرين لم يسهم بفرط التحركات بل زاد الناس عزيمة وإصراراً على البقاء في الشارع حتى الإفراج عن جميع المعتقلين.
وعليه شهدت العاصمة بيروت وضواحيها سلسلة من الاعتصامات بدأت نهار الجمعة 9/10/2015 عند الساعة السابعة مساء أمام وزارة الداخلية والبلديات حيث قام عدد من الناشطين بقطع الطريق وإفتراش الأرض منعاً لفتحها وإطلاق الصرخات ومنها: "سجل عالكتاب دولتنا دولة إرهاب"، "يا دولة لو فيكي رجال جيب العسكر من عرسال". كما شهد مخفر قصر عدل منطقة الجديدة، إعتصاماً استمر حتى الواحدة فجرأ لإطلاق سراح متظاهرين تم نقلهم الى هناك. أما نهار السبت فقد بدأ ومنذ الصباح بسلسلة من الوقفات التضامنية أمام مخفر رأس بيروت "حبيش سابقاً"، ومخفر الرملة البيضاء. ومساء نظّم اعتصام أمام منزل مدعي عام التمييز سمير حمود وذلك رفضاً لتحويل المعتقلين الى المحكمة العسكرية والإفراج الفوري عنهم.
وبكل الأحوال، فإن تعنت السلطة واستمرارها في توقيف "سجناء الرأي" لم يكن مفاجئاً لأحد. وفي هذا السياق قامت "المفكرة القانونية" بإستطلاع لرأي الناشطين حول استمرار عملية توقيف المتظاهرين وعما يرونه من رد على هذا الموضوع.
يرى جورج عازار ان استمرار توقيف الناشطين هو أمر مرفوض بتاتا وقال: "نحن لن نسمح بالاستفراد بالناشطين وسوف نستمر بالضغط عبر القضاء ومن خلال لجنة المحامين الموكلة بالدفاع عن هؤلاء الأشخاص الذين هم الآن معتقلي رأي. أعتقد أن الشعب بدأ يعي ان هذا الحراك هو الذي يؤمن له حقوقه. وهذا الحراك مستمر والعملية الارهابية التي قامت بها السلطة نهار الخميس لا يجب ان ترهب الحراك ولا ان تحبط عزيمته". واعتبر عازار أن "التصعيد الأول والأهم يكون من خلال فتح ملفات فساد السلطة وتقديم الإخبارات وإستمرار الاعتصامات أمام أمام وزارة الداخلية ومراكز السلطة والقضاء حتى الإفراج عن المعتقلين وكف الملاحقة القانونية بحقهم".
تؤكد الناشطة نعمت بدر الدين أن هناك قراراً سياسياً قد اتخذ بعدم إطلاق سراح المعتقلين لافتةً إلى ان المسؤولية تقع على عاتقي وزيري الداخلية والعدل. وقالت" البعض يقول بأنه لا علاقة لوزير العدل بهذا الموضوع ولكن هذا غير صحيح فالقضاء والقضاة هم من مسؤوليته. من هنا ستحصل خطوات تصعيدية، لأننا نريد التمسك بتطبيق القانون ولأن هناك تجاوزات قانونية تحصل، أكان ذلك من خلال توقيف الناس من دون إشارات قضائية ومحاولة ترهيبهم وضربهم وتهديدهم لثنيهم عن النزول الى الشارع. أم من خلال منع المحامين من رؤية الموقوفين. لكن نحن كلنا اصرار وستكون هناك العديد من الخطوات التصعيدية ونقول لهم إذا كنتم تظنون ان التوقيف سيسكتنا هيا اسجنونا جميعاً".
"هم يحاولون في كل مرة تلقيننا دروسا لا نتعلمها بل على العكس يزيدوننا إصراراً وعزيمة. في كل مرة تلجأ القوى الأمنية للقمع يكون الشارع أقوى" هكذا يصف الناشط سامر عبدالله كيفية تعاطي السلطة مع "الحراك الشعبي" ويتابع قائلاً: "يظنون ان هذا الحراك سيستمر لفترة من ثم يعود الهدوء الى الشارع ولكننا كمواطنين جاهزين لأية ردة فعل ضمن الاطار السلمي الذي كنا ومازلنا نعتمده منذ بداية التحركات". ورأى انه بموازاة عملية الضغط التي يؤمنها الشارع يجب دراسة فكرة التوجه الى القضاء للمحاسبة.
تجد ناي الراعي أن السلطة الحاكمة تستمر في الأسلوب الوحيد الذي تعرف اعتماده وهو القمع واستخدام القوة والتعنيف والترهيب لإسكات الناس. واعتبرت ان:" الرد الوحيد على هذا الأمر بما أننا نحن متظاهرون عزّل ننزل بأجسادنا الى الساحة بأن نمضي الى الأمام والتصعيد". أما عن الأسلوب المناسب للتصعيد فقالت: "يجب الا نستبعد فكرة قطع الطرقات أمام وزارة الداخلية او المحكمة العسكرية أو أن نخيّم في الساحات. بالنهاية صحيح ان الحراك لا يملك رؤية سياسية بديلة ولكن في الوقت عينه قادر عالى ان يفضح فساد السلطة وافلاسها في وجه مواطنين يطالبون بالتغيير وبالتالي يجب الاستمرار بهذا الفضح للنهاية".
لم يفاجئ مازن السيد بإستمرار اعتقال المتظاهرين لأنه يرى انه دائما "نتوقع الاسوء من السلطة" لذلك يجد ان الحل هو في استمرار التظاهر ضدها وقال: "ان ربط عملية إخراج المعتقلين بإنسحاب الناس من الشارع هو أكبر دليل على أنه لا يوجد شرعية حقيقية لهذا الاعتقال وهو مجرد عملية "خطف رهائن" وتحقيق المطالب على أساسه لإسكات الشارع". وعن الأسلوب الأمثل للتصعيد في ظل هذا الواقع قال: "نحن كأفراد ربما نريد ان يكون الوضع راديكالي أكثر. ولكن في النهاية يجب ان يكون هناك نوع من التوافق من اجل المحافظة على تماسك الحراك. ولكن بالحد الادنى اعتقد انه يجب عدم التراجع أمام كل أساليب العنف وقد تحقق ذلك نهار الخميس حين بقيت الناس مرابضة في الشارع لأكثر من ست ساعات، وربما يحتاج الأمر المزيد من التنظيم والمنهجية في الشارع للصمود أمام عنف القوى الأمنية".
وأيضاً لم يفاجئ الناشط وائل عبدالله باستمرار اعتقال المتظاهرين. وعن ذلك قال: "إنّ توقيف المتظاهرين هو جزء من السياسة التي تنتهجهها هذه السلطة السياسية. المطلوب لصالح الجميع ان تقوم السلطة بالافراج عن الشباب الموقوفين. هي تظن أن بإمكانها ضرب الحراك لكن ما نراه اليوم من تضامن من أجل إطلاق سراح المعتقلين يدل وبشكل قاطع ان الناس لا تواجه بالقمع. هذه السلطة غبية لدرجة انها تستمر بالمواجهة عن طريق القمع وهي تخدمنا بهذه الطريقة". وعن الأسلوب الأمثل للتصعيد قال:"هناك عدة اشكال للتصعيد نحتفظ لنفسنا بطريقتها وتوقيتها نحن بمواجهة مفتوحة وليس لدينا ما نخسره. يجب على هذه السلطة ان تفهم ان الشعب اللبناني ما عاد لديه ما يخسره وبالتالي كل الاساليب المتاحة".
يجد جهاد الشمعة أن السلطة تعمد استدراج الناس الى مواجهة معها عن طريق الاعتقالات العشوائية للمتظاهرين عوضاً عن ان تبادر لتحقيق ولو جزء من مطالب الشعب المحقة: "نحن نتحمل من 1992 الاهانة والضرب. وهذا الحراك طبيعي وهو ردة فعل طبيعية للتراكمات السابقة والناس التي نزلت بنفس لاطائفي هي بداية لحراك كبير. لذا على الحكومة ان تباشر باعطاء الحقوق للناس حتى تنتهي هذه المسألة. فإذا اعتبرنا ان هذه السلطة لم تسرق الشعب ولكن استلموا الكهرباء ماذا حصل فيها؟ استلموا النفايات ماذا حصل بها اليوم؟ والتربية والمياه؟ لنقل انهم لم يسرقونا ما هو المشروع الذي قاموا بإنجازه؟ هذه الطائفية السياسية أنتجت أشخاص غير قادرين على قيادة الدولة وعليهم اما ان يرحلوا او يعالجوا الموضوع على نحو سليم لترتاح الناس".
يؤكد الناشط عطالله السليم على "ضرورة تكثيف وتيرة التحركات ليس امام وزارة الداخلية وحسب وإنما أمام المخافر حيث يحتجز الشباب لأنه حتى هذه اللحظة لا توجد بوادر لإطلاق سراحهم. ان العمل في هذه المرحلة يجب ان يكون على مستويين؛ لجنة محامي الحراك التي عليها المتابعة بالضغط القانوني والتظاهرات التي تشكل ضغطاً شعبيا والتي يجب ان تسير على نحو موازي. وفي حال استمرار توقيف المتظاهرين يجب الانتقال الى خطوات اخرى مثل قطع الطرقات والتظاهر أمام الإدارات الرسمية".
وتجد ناديا حمزة في الاعتقالات العشوائية للمتظاهرين دليلاً على "ضعف الطبقة الحاكمة" وقالت: "كلما وقع أحد منا نصبح أقوى من ذي قبل. هم الآن يتخبطون ببعضهم البعض لأنهم عاجزين عن الوقوف في وجه الحقيقة ونحن الحقيقة. هم يعلمون أنهم فاسدون. أنا اود ان اسأل من هو أكثر شخص يخاف على بيته ويقفله؛ أليس الحرامي؟ هم يقطعون الطرقات من ساحة رياض الصلح الى النجمة وغيرها وهذا دليل على خوفهم على أنفسهم لأنهم حرامية". اما عن الأسلوب الأمثل للتصعيد فرأت ان: "اعتماد اسلوب المفاجئات هو الاجمل نحن لن نسكت وسنستمر برفع الصوت عاليا لدينا حرية التعبير التي نص عليها الدستور وسنبقى في الشارع الى حين إطلاق سراح جميع المعتقلين".
"أحرار خلف القضبان" هو الشعار الذي أطلق رداً على استمرار القرار السياسي بتوقيف ناشطي الحراك الشعبي. ويبدو أنه كلما استمرت السلطة بإنتهاج أسلوب القمع والعنف كلما إزداد الناس اصراراً وتمسكاً بالشارع لتحرير الموقوفين وللدفاع عن مطالبهم.