تقدمت النائبة بولا يعقوبيان باقتراح قانون بتاريخ 13 شباط 2024 يرمي إلى تنظيم عملية إعادة إعمار الأبنية المتهدمة جرّاء العدوان الإسرائيلي على لبنان.
وقد نصّت المادة الأولى من الاقتراح على تطبيق أحكام القانون رقم 263 الصادر بتاريخ 14 نيسان 2014 على “إعادة بناء الأبنية المتهدمة كليًّا أو جزئيًّا من جرّاء أي عدوان إسرائيلي على لبنان بما في ذلك العدوان الحاصل اعتبارًا من تاريخ 8 تشرين الأول 2023”. هذا مع العلم أنّ القانون رقم 263 الصادر سنة 2014 نص على إمكانية “إعادة بناء الأبنية المتهدمة كليًّا أو جزئيًّا جرّاء العدوان الإسرائيلي” بحيث يحقّ لمالك العقار إعادة بنائه وفقًا لما كان عليه قبل الهدم باستثناء “الأجزاء المصابة بالتخطيط المصدق” و”الأجزاء المعتدية على الأملاك العامة أو الخاصة” على أن تعفى عملية إعادة البناء هذه من كافة الرسوم والغرامات والطوابع المالية المتوجبة قانونًا بما فيها رسوم الإنشاءات ورسوم نقابتي المهندسين. وتضيف المادة الرابعة من هذا القانون على أن أحكامه تطبّق على الأبنية المتهدمة من العدوان الإسرائيلي التي أعيد بناؤها قبل صدور القانون.
بينما نصت أيضًا المادة الثانية من الاقتراح على إعفاء جميع السيارات والآليات التي أصبحت أو تصبح خارج الخدمة بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان من أيّ رسم سنوي وبمفعول رجعيّ يعود إلى تاريخ بدء العدوان، على أن تشمل هذه المادة أيضًا العدوان الحاصل اعتبارًا من 8 تشرين الأول 2023.
وقد جاء في الأسباب الموجبة أن لبنان دائم التعرّض للاعتداءات الإسرائيلية. لذلك “كان من صلب واجبات الدولة الوقوف إلى جانب شعبها ودعم ثباته في أرضه” عبر “رفع الضرر عنه ولا سيّما من خلال إقرار التشريعات الآيلة إلى هذه النتيجة”. وتضيف الأسباب الموجبة أنّ هذه الأضرار تشمل الأبنية والسيارات ما يحتّم إيجاد تشريع دائم من أجل معالجة هذه المسألة ولا يقتصر فقط على عدوان معيّن حصل في الماضي أو يحصل الآن بل يتعلق بأي عدوان مستقبلي.
إن هذا الاقتراح يستوجب الملاحظات التالية:
تشريع دائم لعدوان متكرّر
لا شكّ أن هذا الاقتراح يتميّز بطبيعته الاستباقية إذ هو يعالج تداعيات العدوان القائم حاليا بينما القانون رقم 263 صدر سنة 2014 أي بعد سنوات من انتهاء حرب تموز 2006. وقد تنبه الاقتراح إلى وجود خلل في القانون الصادر سنة 2014 لجهة التضارب في تحديد الإطار الزمني لتطبيقه ما بين عنوانه الذي نص على “إعادة إعمار الأبنية المتهدمة بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006” والمادة الأولى من القانون التي جاءت مطلقة بحيث تكلمت على “إعادة بناء الأبنية المتهدمة من جراء العدوان الإسرائيلي” من دون الإشارة إلى عدوان جرى في زمان محدد.
ويظهر هذا التوجه في صياغة الاقتراح الذي يشمل في عنوانه ومضمونه “أيّ عدوان اسرائيلي على لبنان بما في ذلك العدوان الحاصل اعتبارًا من تاريخ 8/10/2023”. وهكذا يعمد الاقتراح إلى استبدال التشريع الاستثنائي بتشريع دائم، الأمر الذي يساهم بتزويد الدولة استباقيا بنصوص قانونية دائمة تسمح لها بمعالجة هذا الجانب من الاعتداءات الاسرائيلية من دون انتظار إقرار قوانين جديدة بعد فترة طويلة من حدوثها. فإذا كان هذا الاقتراح يعترف ضمنيا بواقع لبنان الصعب الذي يترقّب دائما شنّ حروب عدوانية على أرضه وشعبه لكن في الآن نفسه يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح الذي يفرض على الدولة الاستعداد لمجابهة هذا الاحتمال لا أن يقتصر دورها على ردود الأفعال لاحقا ما يخلق استقرارا تشريعيا طويل الأمد.
اقتراح متكامل
يلاحظ أن الاقتراح الحالي قد دمج بين تمكين أصحاب الأبنية المتضررة من إعادة إعمارها مع إعفائهم من الإجراءات والرسوم المتوجبة وإعفاء السيارات التي أصبحت خارج الخدمة جرّاء العدوان، عكس ما قام به المجلس النيابي الذي كان سابقا قد فصل بين الموضوعين وأقرّهما ليس فقط بوقت متأخر لكن أيضا بشكل غير متزامن إذ أنه أقرّ قانون إعادة الإعمار سنة 2014 ولم يتنبّه إلى موضوع السيارات إلّا بعد حوالي 15 سنة على حصول حرب تموز 2006 وإصابة المواطنين بأضرار في سياراتهم وذلك عبر القانون رقم 206 الصادر في 30 كانون الأول 2020 والذي نصّ على إعفاء كل السيارات والآليات التي أصبحت خارج الخدمة وبمفعول رجعي يعود إلى 13 تموز 2006 “بفعل العدوان الإسرائيلي في ذلك العام”. من الملاحظ أن الاقتراح الحالي تبنى بشكل شبه حرفي أحكام قانون 2020 لكنه أشار مجددا إلى أن أحكامه تنطبق على كافة الاعتداءات الاسرائيلية بما فيها ذلك الذي بدأ في تشرين الأول 2023.
وقد شرحت الأسباب الموجبة الغاية من المادة الثانية إذ أشارت أن أصحاب هذه السيارات يتأخّرون عن القيام بالمعاملات اللازمة في الدوائر المختصة لوضعها خارج الخدمة “لاعتقادهم أن ذلك يحرمهم من التعويض الذي قد يقرر عن تلك الأضرار فيؤدّي ذلك إلى تراكم الرسوم السنوية المقررة” ما يكبّد المواطنين أعباء إضافية عن آليات ومركبات غير صالحة للسير. إذ إنه من المفترض بهم تسجيل هذه المركبات المدمّرة بصفة أنقاض في مصلحة تسجيل السيارات ما يعفيهم من الرسوم المفروضة قانونًا. لذلك جاء هذا الاقتراح كي يعالج هذه الإشكالية ما يسمح لهم بالحصول على التعويض حتى لو لم يقوموا بالمعاملات المطلوبة لإخراج المركبة من السير.
محاذير دستورية يجب التنبّه إليها
على الرغم من أن العدوان الحالي لا يزال مستمرا وأن قيمة الأضرار التي ستنجم عنه لا تزال غير معلومة، إلا أنه يجب التنبّه إلى أن مقاربة هذا الاقتراح للأضرار تنحصر في المركبات والأبنية المهدمة ولا تتناول الأضرار الكبيرة التي لحقتْ الأراضي والمحاصيل الزراعية والمنشآت الصناعية ما يعني أنه لا يعالج إلا جانبا بسيطا (وإن كان مهما) من تداعيات العدوان الإسرائيلي من دون أي إشارة إلى الجوانب الأخرى التي قد لا تقلّ أهمية. هذا مع العلم أنه كان من الحريّ أن يندرج هذا الجهد التشريعي ضمن جهد تشريعي أشمل يعزز جهوزية لبنان في مواجهة الكوارث كما يتناول كيفية التعويض على المتضررين من جرائها.
من جهة أخرى، يتبيّن أن هذا الاقتراح الذي يهدف إلى إيجاد إطار قانوني دائم يقتصر فقط على الأضرار الناجمة عن إحدى الكوارث التي قد تصيب لبنان (الاعتداءات الإسرائيلية) من دون التطرّق إلى الأضرار الناتجة عن كوارث طبيعية أو بفعل دول أخرى قد تلحق بالبنية التحتيّة اللبنانيّة. وعليه، يكون الاقتراح في هذا المجال قد ميز بشكل غير مبرّر بين أوضاع قانونية مشابهة ما قد يجعله مشوبا بعيب مخالفة الدستور لأنه ينصّ على أحكام استثنائية سيستفيد منها البعض بينما يحرم منها البعض الأخر كون الأضرار لم تنجم عن عدوان شنته إسرائيل. بهذا المعنى، هو يبدو وكأنه ينظم المواجهة مع إسرائيل أكثر مما يهدف إلى وضع قاعدة عامة ودائمة للتعامل مع ضحايا الكوارث. إذ بمعزل عن خطورة الجرائم الإسرائيلية، يبقى أن المتضرر بفعل عدوان إسرائيلي يعتبر في نفس الوضعية للمتضرر بفعل عدوان بشري آخر أو بفعل كارثة طبيعية.
وهكذا يمكن القول أن هذا الاقتراح الحالي يعيد التذكير بضرورة وجود تشريعات في لبنان تعالج تداعيات الأزمات والكوارث والحروب من ضمن خطط متكاملة، وهذا أمر يحتاج في الأساس إلى وجود سلطة تنفيذية فعالة ومؤسسات رسمية تعمل بشكل سليم. فالتصدي للعدوان لا يكون من خلال مبادرة انطلقت من نائب بمفرده، على رغم من نواحي الاقتراح الايجابية، لكن عبر تبني تشريع خاص يستند إلى خطط تضعها مسبقا مختلف مؤسسات الدولة من أجل تعزيز جهوزية هذه الأخيرة وحماية المجتمع قدر الأمكان.
لقراءة اقتراح القانون كاملا