مظلمة كبرى في مطار الدار البيضاء: مواطن ليبي عالق بالمطار بانتظار رفع الحظر الجوي


2020-04-08    |   

مظلمة كبرى في مطار الدار البيضاء: مواطن ليبي عالق بالمطار بانتظار رفع الحظر الجوي

قضت محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط مؤخرا[1] بإلغاء الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 23 مارس 2020[2]، والذي قضى بأحقية مواطن ليبي عالق بالمنطقة الدولية بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء في الولوج إلى التراب الوطني رغم قرار اغلاق الحدود، المتخذ عقب إعلان حالة الطوارئ الصحية في البلاد.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى مقال استعجالي رفعه الدفاع، يعرض فيه أن موكله “مواطن ليبي الجنسية، يعمل بدولة ليبيريا، وقد أخذ رحلة إلى تونس متوجهة عبر مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء. إلا أنه تفاجأ عند وصوله إلى المغرب بإعلان السلطات المغربية إغلاق حدودها الجوية، مما تعذّر معه إقلاع الطائرة التي كان سيتوجه على متنها إلى تونس. وإذ بقي تبعا لذلك عالقا بقاعة العبور بالمطار، بعدما تفاجأ بالمصالح الأمنية تمنعه من الدخول إلى المغرب، إلتمس من رئيس المحكمة الإبتدائية رفع الضرر اللاحق به، وإصدار إذن له بولوج التراب الوطني مع تعهد قنصلية بلده بالتكفل به لغاية رفع الحظر الجوي.

وقد استجاب رئيس المحكمة الادارية بالدار البيضاء لطلب المدعي وأذن بدخوله إلى التراب الوطني بعد اخضاعه لفحص طبي للتأكد من خلوه من فيروس كورونا. وقد اعتمد الحكم الإبتدائي على “القواعد العامة ومبادئ العدالة بمفهومها الواسع والتي تراعى من طرف قاضي المستعجلات لتحقيق دوره الإيجابي في رفع الأضرار وحماية الحريات العامة للأفراد ومراكزهم القانونية“.

قرار محكمة الاستئناف

تقدم الوكيل القضائيّ للمملكة، بمقال استئنافي نيابة عن وزارة الخارجية ومديرية الأمن الوطني ضد الأمر الإبتدائي معتبرا أنه “قد خرق قرار الحظر الصحّي الذي اتخذته السلطات لمواجهة خطر تفشي وباء كورونا المستجد، والذي يندرج ضمن القرارات السيادية”، ولكونه “يمس بمبدأ فصل السلطات لأن القاضي الإداري يحكم، ولا يوجه أوامر للإدارة”، فضلا عن أنه “قرار غير معلّل خاصة وأن تنفيذه يستدعي التأكّد من خلو المعني بالأمر من الفيروس، وهو ما يستوجب تدخل وزارة الصحة، وهي الجهة التي لم يتم استدعاؤها في القضية”، ملتمسا إلغاء القرار.

وقد استجابت محكمة الاستئناف الإدارية لمقال الاستئناف وقررت إلغاء قرار رئيس المحكمة الإدارية، معتمدة على العلل التالية:

-أن تواجد المدعي في المنطقة الدولية بالمطار هو أمر يرجع إلى قرار السلطات وهو “قرار سيادي لا يمكن تعطيل آثاره القانونية إلا في الحالات التي يقررها قرار الحظر نفسه، أو قرارات لاحقه متخذة من طرف نفس السلطة المختصة”؛

-“لا مجال للدفع بمقتضيات المادة 38 من قانون دخول وإقامة الأجانب بالمغرب، والتي تتعلق بالإجراءات المواكبة للاحتفاظ بالأجنبي في منطقة الإنتظار لأسباب فردية تخصّ هذا الأخير ويسري تطبيقها في الحالات العادية وليس استنادا على أوضاع استثنائية”.

– الإذن للأجنبي بالدخول إلى التراب الوطني يستلزم التوفر على سندات الدخول وليس في الملف ما يفيد أن المدعي يتوفر على تأشيرة الدخول إلى المغرب.

وعليه، قضت محكمة الاستئناف الإدارية بإلغاء قرار رئيس المحكمة الإدارية بالرباط، وبعد التصدي رفض الإذن للمدعي بالدخول إلى التراب الوطني والإقامة فيه طيلة فترة الحظر الجوي المعلن عنه طبقا لقرار الطوارئ.

تعليق على القرار

اعتبر المحامي بهيئة مراكش صلاح فكري في تعليقه على القرار أنه يبرز “البون الشاسع بين التعليلين الواردين في كل من القرار الابتدائي وقرار محكمة الاستئناف. ففي الوقت التي قام فيه رئيس المحكمة الإدارية بالبيضاء بصفته قاضيا للمستعجلات بمحاولة للموازنة بين وضعية المسافر الذي بقي عالقا في المطار نتيجة المنع الاضطراري للطيران، والمصلحة العامة التي تقتضي اتخاذ كافة الإجراءات الإحترازية الكفيلة بمواجهة فيروس كورونا، معتمدا للبتّ في القضية على القواعد العامة ومبادئ العدالة بمفهومها الواسع”، لرفع أي ضرر، و”تحقيق دوره الإيجابي في حماية الحريات العامة للأفراد ومراكزهم القانونية”، فإن القرار الاستئنافي “لم يتطرق إلا لمعطى وحيد يتمثل في أن قرار السلطات المغربية هو قرار سيادي بامتياز” و أنه “لا يمكن تعطيل آثاره القانونية أو الخروج على مقتضياته إلا في الحالات التي يقررها”، مغفلا أي فحص للوضعية الخاصة والاستثنائية للمتقاضي، رغم كل ما قد يكون في ذلك من إضرار بالغ بمصالحه ومن مس خطير بحرياته الأساسية المكفولة بمقتضى الدستور والمواثيق الدولية.

وتساءل المتحدث عن الإجراء الذي سينبغي اتخاذه في حق المدعي الذي قد يظل محتجزا بالمطار طيلة فترة الحجر الصحي والحظر الجوي إذا ما استلزمت وضعيته الصحية نقله لمستشفى وإخضاعه للعلاج، أسيعتبر القاضي الإداري أن القرار السيادي يبرر أن يموت هذا الشخص دون أدنى مواكبة طبية بالمطار، حسبه في ذلك أنه أخطأ التقدير عندما اختار حجز سفره على متن طائرة وطنية، عابرا الدار البيضاء في رحلته من ليبيريا إلى تونس؟ أليس القضاء مؤتمنا على حماية السلامة الجسدية للأفراد وحرياتهم الأساسية، لاسيما في الحالات الاستثنائية التي تبرر تدخله بشجاعة؟

مختتما تعليقه: “كانت هذه النازلة فرصة استثنائية للقضاء الإداري المغربي – في إطار ظرفية دولية استثنائية – ليبرهن عن عمق تجذره الحقوقي، وتشبته بتحقيق “مبادئ العدالة بمفهومها الواسع”، إلا أن هذه الفرصة قد تم تفويتها للأسف”

  • مواضيع ذات صلة:

المحكمة الإدارية بالدار البيضاء تقرّ بحقّ أجنبي في الدخول إلى المغرب مع احترام الاجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس الكورونا


[1]-قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 420 الصادر بتاريخ 26 مارس 2020 في الملف عدد 2020/7202/422.

[2]-أمر رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء عدد 239 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 في الملف عدد 2020/7101/358.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، المغرب ، ليبيا



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني