“

ككل يوم تقريبا، يشهد قصر العدل في بيروت جلسات محاكمة في قضايا كثيرة. وكالعادة يشهد وصول الموقوفين تأخيرا ويصل غالبهم مقيد اليدين والرجلين، ولا تفكّ إلا قيود اليدين ليمثلوا بالمقابل مقيّدي الرجلين خلافا لقانون أصول المحاكمات الجزائية. أمس، تلقى المرصد القضائي لاستقلال القضاء وشفافيته مجموعة من الملاحظات حول مجريات إحدى هذه الجلسات (المحرر).

بدأت جلسات القاضية المنفردة الجزائية فاطمة جوني أمام محكمة الجزاء في قصر العدل في بيروت عند الساعة التاسعة والنصف من يوم الخميس الواقع فيه 4/10/2018. سارت الجلسات بشكل روتيني، رافقها كالعادة تأخر وصول الموقوفين إلى قصر العدل. وقد قطع روتين الجلسة بموقفين حازمين للقاضية جوني، أبرزا احترامها لحقوق الإنسان وتمسكها باستقلالها في مواجهة ثقافة التدخل في القضاء.

في موقفها الأول، حرصت القاضية على الدفاع عن حقوق الموقوف حيث رفضت بشكل قاطع بدء إستجواب أحد الموقوفين قبل فك القيود من رجليه. وكانت هذه القاضية تميزت على غرار بعض القضاة، بعدم جواز مثول أي من الموقوفين مقيدا أمامها. وموقفها يتميز بذلك عن عدد آخر من القضاة الذين طبّعوا على ما يبدو مع تقييد أرجل الموقوفين لأسباب أمنية، خلافا لقانون أصول المحاكمات الجزائية.

أما الموقف الثاني الذي تردّد صداه في أرجاء الجلسة وسمعه عدد كبير من المحامين والمتقاضين الحاضرين، فقد تمثل في مخاطبة القاضية جوني لأحد المدعى عليهم الماثلين أمامها، حيث توجهت إليه بالسؤال:

“عم تشكيني عند الوزير يا فلان؟؟”

عندها تلعثم المدعى عليه بالكلام ولم يسعفه لسانه.

فتابعت القاضية جوني، “حطّ ببالك، أنا لا أخاف إلّا من القانون….والله…إذا كنت بريئاً سأحكم ببراءتك وإذا كنت مذنباً سأحكمك مهما كلّف الأمر”.

عدا عن أن هذا الموقف يعكس تبرّم عدد من القضاة من الممارسات السائدة لدى جمهور المتقاضين في التوسط لدى سياسيين، وضمنا لدى وزارة العدل، على أمل تحسين مواقعهم في الدعاوى القضائية، (وهي ممارسات تؤشر إلى مدى انتشار ثقافة التدخل في القضاء)، فإنه يشكل درسا للمحامين والمتقاضين والسياسيين بوجوب الابتعاد عن هذه الممارسات.

تأمل المفكرة أن ينخرط المزيد من القضاة في إلقاء دروس مماثلة.

“