بعد مطالبة طويلة الأمد، استطاعت نقابة المحامين ان تقنع الحكومة بضرورة تعديل قانونها رقم 11 لسنة 1972، ومشروع القانون أصبح الآن في ديوان التشريع والرأي لغايات إرساله لمجلس الأمة بهدف اقراره. النقابة بررت التعديلات على القانون الحالي بقولها انها ضرورية لتعزيز استقلالية المحامي وليكون مواكبا للاتفاقيات والمواثيق الدولية والعربية التي صادق عليها الاردن وأصبحت واجبة التطبيق.
المطلع على مشروع القانون المعدل يجد ان النصوص المنوي تعديلها تجاوزت الأهداف السابقة ليصبح الهدف منها تحقيق مكاسب مادية للمحامين وليس فقط تعزيز الاستقلالية على الرغم من أنه لم يسبق أن سجلت حالة تعرّض فيها محام إلى مضايقات أو إشكاليات بسبب القضايا التي يترافع بها حتى لو اتخذت الطابع السياسي أو الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام كما هو الحال بالنسبة للمحامين الذين يترافعون عن أشخاص أسندت إليهم تهم الإرهاب أو تمس بأمن الدولة من التنظيمات والتيارات المختلفة.
وللتوضيح سنعرض لأهم نصوص القانون المعدل، وذلك على النحو التالي:
أولاً: تعديل المادة (5) المتعلقة بمهام نقابة المحامين من خلال إضافة عبارة "والدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان" إلى الفقرة الأولى من هذه المادة لتصبح "الدفاع عن مصالح النقابة والمحامين والمحافظة على فعالية المهنة وضمان حرية المحامي في أداء رسالته والدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان." وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نذكر بأن الدفاع عن الحقوق والحريات العامة كان من صلب عمل النقابات العمالية والمهنية منذ بداية نشأتها، بل أن النقابات المهنية لديها لجان متخصصة للدفاع عن الحقوق والحريات، كما ان هذا الحق مكفول في الدستور الذي جرّم في المادة السابعة كل اعتداء على الحقوق و الحريات العامة.
ثانياً: إضافة عبارة الحكام الإداريين والضابطة العدلية إلى نهاية المادة السادسة التي نصت على "أن من مهام المحامي التوكل عن الغير للادعاء بالحقوق والدفاع لدى كافة المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها عدا المحاكم الشرعية ولدى المحكمين ودوائر النيابة العامة". والسبب ان المحامي لم يكن يتمتع بأية صلاحيات أمام هذه الجهات. وما يجدر ذكره أن الحاكم الإداري يتمتع بصلاحيات قضائية، المتمثلة بالتوقيف الإداري وفرض الإقامة الجبرية بموجب قانون منع الجرائم. وفيما يتعلق بالضابطة العدلية فهي المسؤولة عن مرحلة التحقيق الأولي أو ما يعرف بمرحلة الاستدلال بحسب ما جاء في قانون اصول المحاكمات الجزائية، وفي الحالتين لا يوجد لدى المحامي أي دور يذكر امام هاتين الجهتين وقد سبق ان تعرضت هذه القوانين للانتقاد من قبل اللجان الاتفاقية والتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية، إلا انها لم تعدّل لغاية الآن. لكن السؤال المطروح: هل هناك ضرورة لهذا التعديل طالما أن القوانين المعنية التي هي أساس المشكلة لم تعدل؟ فقانون منع الجرائم يعطي الحاكم صلاحيات تقديرية لفرض عقوبة مبنية على قناعته الشخصية وقانون اصول المحاكمات الجزائية لا يضمن التمثيل القانوني للشخص امام الضابطة العدلية من خلال محام أو حضور محام لمراحل التحقيق علما بأن التشريعات الأردنية تنص على حق التمثيل القانوني فقط في الجرائم أمام محكمة الجنايات الكبرى والقضايا الحقوقية التي تزيد عن ألف دينار. اما الجنح والجنايات الأخرى، فيستطيع الشخص المثول بنفسه امام القاضي دون محامي الأمر الذي يخل بحق الدفاع الذي كفلته المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان باعتباره احدى ضمانات المحاكمة العادلة.
ثالثاً: بخصوص المساعدة القانونية المجانية، عدّل المشروع نص المادة (100) الذي جاء فيه " أ- لنقيب المحامين ان يكلف اي محام بخدمة مهنية مجانية يقدمها للنقابة مرة واحدة في كل سنة وتقصر هذه الخدمة المجانية على القيام بأحد الاعمال الآتية: … 7- ان يقوم بالدفاع عن شخص ثبت للنقيب فقره وعدم استطاعته دفع اية اجور للمحامي، وفي مثل هذه الحالة على المحكمة ان تحكم للمحامي بأتعاب المحاماة على خصم موكله، اذا ظهر ان ذلك الخصم غير محق" لتصبح أن يقوم المحامي بالدفاع عن النقابة وأي شخص ثبت للنقيب فقره وعدم استطاعته دفع أية أجور للمحامي….." أي أنه تم إضافة النقابة كشخص اعتباري للحصول على المساعدة القانونية المجانية مثلها مثل الفقير.
رابعاً: فيما يتعلق بحصانة المحامي، نجد ان مشروع القانون أضاف وعدّل الكثير على نص المادة (40) المتعلقة بهذا الموضوع، وذلك على النحو التالي:
– اضافة عبارة (على الرغم مما ورد في أي قانون آخر) الى مطلع الفقرة 1 التي جاء فيها "يتمتع المحامي لدى المحاكم والدوائر والسلطات التي يمارس مهنته امامها بالحرية التامة بحيث لا يجوز توقيفه او تعقبه من أجل أي عمل قام به تأدية لواجباته المهنية ولا يتعرض المحامي تجاه هذه المحاكم والدوائر والسلطات التي يمارس مهنته امامها الا للمسؤولية التأديبية وفق احكام هذا القانون". وهنا تجدر الإشارة إلى أن عبارة "على الرغم مما ورد في أي قانون آخر" اصبحت تكرر بكثرة في مشاريع القوانين المختلفة، باعتبارها طريقة سهلة لصياغة مشاريع القوانين وتريح واضع النص من مراجعة التشريعات المرتبطة بالقانون المنوي تعديله، وقد يكون الهدف من هذا التعديل نصوص قانون العقوبات لسنة 1960 المتعلقة بإهانة المحكمة وقانون انتهاك حرمة المحاكم لسنة 1959 التي قد تؤدي إلى مساءلة المحامي جزائيا بسبب سلوكيات معينة أثناء المحاكمة أو في حالة قيامه بنشر طعن بحق قاض او محكمة او نشر تعليقا على حكم قاصدا بذلك تعريض مجرى العدالة للشك والتحقير. ولكن تطبيق هذه النصوص امر نادر سواء أكان ذلك بحق المحامين أو غيرهم.
– تعديل الفقرة 3 التي تنص على "لا يجوز تفتيش محام اثناء المحاكمة" لتصبح أ-لا يجوز تفتيش المحامي اثناء المحاكمة او اثناء مزاولته لأعمال المحاماة ولا تفتيش مكتبه او مراسلاته او بريده الالكتروني او حجزه ولا استجوابه الا بعد ابلاغ نقيب المحامين ليحضر او يوفد من ينتدبه من اعضاء المجلس، ولا يعتد بإسقاط المحامي حقه بذلك تحت طائلة بطلان الاجراءات. ب-لا يجوز ملاحقة المحامي لفعل نشأ عن ممارسة المهنة او بمعرضها الا بقرار من مجلس النقابة بإذن الملاحقة ولمجلس النقابة تقدير ما إذا كان الفعل ناشئا عن ممارسة المهنة او بمعرضها. ج-يتوجب على مجلس النقابة اصدار القرار بإذن الملاحقة او رفضه خلال شهر من تاريخ ابلاغ النقيب وقوع الفعل بكتاب خطي، فاذا انقضت مهلة الشهر دون ان يصدر المجلس قراره فيعتبر الاذن حاصلا ضمنا.
– تعديل الفقرة 4 التي تنص "على النيابة ان تخطر النقابة عند الشروع في تحقيق اي شكوى ضد محام وللنقيب او من ينتدبه ان يحضر جميع مراحل التحقيق" بحيث يضاف إلى آخرها عبارة (والمحاكمة)
-إلغاء نص الفقرة 6 التي تنص على " يعاقب من يعتدى على محام اثناء تأديته اعمال مهنته او بسبب تأديتها بالعقوبة المقررة على من يعتدى على قاض اثناء تأديته وظيفته او بسبب تأديته لها" ويستعاض عنه "يعاقب كل من اعتدى على محام او أهانه بالإشارة او القول او التهديد اثناء قيامه بأعمال مهنته او بسببها بالعقوبة المقررة لمن يعتدي على قاض اثناء تأديته وظيفته او بسبب تأديته وظيفته".
المشروع ايضا عدل في مجموعة من النصوص المتعلقة بمنع المحامي من القيام بأعمال أخرى، تحديد الحد الأعلى لفترة التدريب، تحديد اتعاب المحاماة في حالة الخلاف عليها، تأديب المحامي والرداء الخاص بالمحامي أمام المحاكم.
بالمقابل نجد أن هناك بعض النصوص المنوي تعديلها تهدف بشكل أساسي إلى زيادة فرص العمل أمام المحامين ومنع القانونيين من ممارسة بعض أعمال المحاماة المصرح بها في التشريعات المختلفة، ومن الأمثلة على ذلك:
-منع المشروع غير المحامين المسجلين في سجل المحامين الأساتذة مزاولة مهنة المحاماة بالرغم مما ورد في أي تشريع آخر أو اتفاقية من ذلك من خلال تعديل المادة 9، والهدف هنا منع مجموعة من موظفي الدولة الذين يملكون حق الدفاع عن الجهة التي يعملون لديها امام المحاكم مثل موظفي الدائرة القانونية بأمانة عمان. هذا وتجدر إلى الإشارة إلى أن قانون النقابة الحالي قد نص صراحة في المادة 43/3 على السماح للموظفين في المصالح الحكومية او الهيئات العامة او دوائر الاوقاف بالمرافعة أمام المحاكم طالما انهم حاصلون على إجازة الحقوق، إلا ان مشروع القانون ألغى هذه الفقرة بالكامل.
-تعديل المادة 42 التي تنص على أنه لا يجوز ان يسجل لدى الدوائر المختصة او أي مرجع رسمي عقد او نظام أية شركة تزيد قيمته على خمسة آلاف دينار الا اذ ذيل بتوقيع أحد المحامين الاساتذة المزاولين، لتصبح "لا يجوز أن يسجل لدى الدوائر المختصة أو أي مرجع رسمي عقد أو نظام أي شركة أو مؤسسة تجارية إلا إذا ذيل بتوقيع أحد المحامين الأساتذة المزاولين وتصديقه بخاتم النقابة.
-تعديل الفقرة الأولى من المادة 43 التي تنص على أنه "على كل مؤسسة تجارية او صناعية عامة ، وعلى كل شركة مساهمة او اية شركة او مؤسسة اجنبية او اي فرع او وكالة لها مهما كان رأسمالها وعلى كل شركة مساهمة خاصة او شركة عادية يزيد رأسمالها على مائة وخمسين الف دينار ان تعين لها وكيلا او مستشارا قانونيا من المحامين المسجلين في سجل المحامين الاساتذة بموجب عقد خطي مسجل لدى كاتب العدل ويترتب عليها اشعار النقابة خطيا باسم وكيلها او مستشارها القانوني خلال شهر واحد من تاريخ تعيينه" لتصبح أكثر اتساعا لتشمل "كل مؤسسة تجارية أو صناعية عامة، وكل شركة مساهمة عامة وأي فرع لها، وأية شركة مساهمة خاصة، وأي شركة محدودة المسؤولية، وأية شركة أو مؤسسة أجنبية أو أي فرع أو وكالة لها وكل مكتب إقليمي أو تمثيلي، والشركات والمؤسسات لدى المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة مهما كان رأسمالها ، وباقي أنواع الشركات والمؤسسات الأخرى التي لا يقل رأس مالها عن خمسين ألف دينار أو تستخدم خمسة موظفين فأكثر.
-تعديل المادة 50 بحيث تم اعطاء المحامي الحق بالحجز على اموال موكله لنتيجة الفصل في نزاع حول الاتعاب.
قد يكون مشروع القانون قد أعطى ضمانات إضافية للمحامي، لكنه في الوقت نفسه وسّع من نطاق الزامية الاستعانة بمحام في الكثير من المجالات، ولا يبدو من النصوص السابقة أن الهدف هو ضمانة الحق بالتمثيل القانوني بقدر ما هو تحقيق مكاسب مادية أكبر للمحامين. كما ان المشروع أغفل موضوع المساعدة القانونية المجانية بحيث لم يطور النص إلا لمصلحة النقابة كما لم يحاول من توسعة نطاقها واقتصر الأمر في القضايا التي يوجب القانون فيها ضرورة توكيل محامي.
تعزيز استقلالية المحامي والتأكيد على حصانته أمران غاية في الأهمية ومن مرتكزات المحاكمة العادلة، لكن الأهم هو تمكين الأفراد من الحصول على المساعدة القانونية عند الحاجة إليها وليس إلزام المؤسسات والشركات المختلفة بالاستعانة بمحام خلافا لرغبتها. وطالما أن من الأسباب الموجبة لمشروع القانون المعدّل هو الالتزام بالمعايير الدولية، فإننا نذكر بنص المادة 3 من المبادئ الأساسية الخاصة بدور المحامين لسنة 1990 الصادر عن الأمم المتحدة التي تنص على " تكفل الحكومات توفير التمويل الكافي والموارد الأخرى اللازمة لتقديم الخدمات القانونية للفقراء ولغيرهم من الأشخاص المحرومين، حسب الاقتضاء، وتتعاون الرابطات المهنية للمحامين في تنظيم وتوفير الخدمات والتسهيلات وغيرها من الموارد" وكذلك المادة 25 التي تبرز دور الرابطات المهنية للمحامين في ضمان حصول كل فرد على الخدمات القانونية بطريقة فعالة ومتسمة بالمساواة.