مشروع قانون تنظيم الاعلام السمعي والبصري الخاص في اليمن: نصوص فضفاضة في خدمة السلطات الرسمية


2013-04-01    |   

مشروع قانون تنظيم الاعلام السمعي والبصري الخاص في اليمن: نصوص فضفاضة في خدمة السلطات الرسمية

في العام 2010، أثار مشروع قانون لتنظيم وسائل الاعلام السمعي والبصري والالكتروني تقدمت به الحكومة لغطا واسعا لكونه بدا وكأنه يهدف الى تسليح السلطات بأداة قانونية تسمح لها بالسيطرة على هذه الوسائل الاعلامية وبتشديد الخناق عليها. وقد بدا من خلال ذلك بمثابة محاولة رسمية لايجاد اطار قانوني يسمح بلجم حرية الرأي والتعبير وتقييد نشاط عدد كبير من هذه الوسائل التي كانت تثير غضب السلطات. وفي مواجهة مشروع القانون هذا الذي أفصح عن توجه رسمي للمزيد من التضييق على الحريات العامة، انطلقت حملة من أطراف عدة من بينها نقابة الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني وجهات مختلفة انتهت إلى تعطيله بشكل مؤقت قبل أن تأتي أحداث العام 2011 التي شهدت انتفاضة شعبية في مواجهة نظام الحكم وأدت إلى طي صفحة هذا المشروع القانوني المثير للجدل نهائياً.
بالطبع لم يتوقف هذا التوجه الرسمي لتنظيم وسائل الاعلام المرئي والمسموع وفق قانون خاص بها. وفي العام 2013 أعدت وزارة الاعلام، المعنية بالأمر، بالتعاون مع وزارة الشؤون القانونية مشروع قانون آخر ليتم تقديمه باسم حكومة الوفاق الوطني إلى مجلس النواب. وعلى الرغم من اختلاف البواعث، قياساً إلى العهد السابق قبل أحداث عام 2011، التي تُحرك هذا التوجه نحو اصدار قانون معني بوسائل الاعلام المرئية والمسموعة، حيث يبدو المزاج الرسمي أقل تسلطا وميلا للسيطرة كما لم يطل مقترح القانون الجديد وسائل الاعلام الالكترونية، إلا أن هناك دوما قلقا عاما من صيغة المقترحات القانونية الحكومية التي تتوجس بطبيعتها من أنشطة الاعلام غير الرسمي، وتبدو ميالة عموما لتقييدها قدر المستطاع وهو ما تستكشفه هذه القراءة في مشروع القانون الجديد.
يتكون مشروع قانون الاعلام المرئي والمسموع الخاص من ستة فصول تتضمن "التسمية والتعاريف والمبادئ العامة" و"لجنة الاعلام المرئي والمسموع الخاص" و"التسجيل والاذن بمزاولة النشاط" و"التزامات المنشاة الاعلامية" و"المخالفات والجزاءات" و"أحكام عامة وختامية".
ويبدو واضحا من البداية أن القانون اقتصر نطاقه على تنظيم الاعلام المرئي والمسموع الخاص دون العام، على الرغم من أن وسائل الاعلام الرسمية لا تخضع لأي قانون، وأنها تحظى بدعم ومعاملة تفضيلية من الحكومة بشكل تمييزي وغير مبرر، وهو أمر متصل بعدم الرغبة بتناول موضوع استقلالية المؤسسات الاعلامية العامة عن الحكومة لحساسية هذه المؤسسات التي يُنظر لها كنطاق سيادي يخص السلطة والطرف المسيطر عليها سياسيا، ضمن مفاهيم السيطرة والتحكم التقليدي بتدفق المعلومات في الفضاء العام والتي غالبا ما جعلت من التلفزيون والاذاعة أول الأهداف لأي انقلاب! علاوة على كون "فصل" الاعلام العام عن الحكومة يؤدي أيضا الى انتفاء الحاجة لوزارة الاعلام وبالتالي الى الغائها، وهو مطلب قديم في اليمن لا يلقى أي قبول لدى السلطات.
وفي المادة (1) فقرة (ب) التي تتناول هدف هذا القانون ما يبدو افصاحا ضمنيا عن التصور الرسمي الضيق لدور الاعلام، فهو يأتي بغرض (… خدمة المجتمع، وحماية الحريات الاعلامية، ودعم حرية الرأي والتعبير، وتكريس الممارسة الاعلامية المسؤولة) ويظهر هنا بالطبع أن التعابير من قبيل حماية الحريات ودعم حرية الرأي والتعبير… الخ، تخضع لتقدير السلطات للمقصود من (تكريس الممارسة الاعلامية المسؤولة)!   
وعلى الرغم من أن القانون في المادة (4) الفقرة (أ) يُنشئ (لجنة الاعلام المرئي والمسموع الخاص) تتمع بشخصية اعتبارية واستقلالية ادارية ومالية، إلا أن سيطرة وزارة الاعلام تبدو واضحة عليها، فهي تتكون، وفق الفقرة (ب) من نفس المادة، من سبعة أعضاء، أربعة منهم يمثلون وزارة الاعلام، بينما يأتي الثلاثة الآخرون من وزارة الاتصالات ووزارة الشؤون القانونية ونقابة الصحفيين. ويتم تعيين هؤلاء بقرار من رئيس الوزراء بناء على عرض من وزير الاعلام الذي هو ذاته الذي يرشح رئيس اللجنة ونائبه اللذين يعينان بالطريقة نفسها. وعلاوة على ذلك، تفصح اللجنة عن سيطرة حكومية شبه مطلقة عليها باستثناء ممثل نقابة الصحفيين بينما يغيب ممثل عن منظمات المجتمع المدني وممثل عن مؤسسات الاعلام الخاصة كما يُفترض.
وفي المادة (5) الفقرة (أ) تختص اللجنة بحق تلقي طلبات التسجيل والبت فيها من قبل المؤسسات الاعلامية الراغبة بذلك، الا أن المشكلة هنا أن القانون لا ينص على الشروط اللازمة للحصول على الترخيص، ولا يحيل تحديدها إلى اللائحة الداخلية للجنة، على نحو يجعل الأمر متروكا للسلطة التقديرية للجنة من دون أي ضوابط. كما تقصر المادة (9) الفقرة (ب) الحق بالتقدم للحصول على ترخيص على الشخص الاعتباري دون الشخص الطبيعي دون أن توضح أسباب ذلك. فضلا عن ذلك، تمارس اللجنة دوراً رقابياً على وسائل الاعلام، ووفق الفقرة (و) من المادة (5) تقوم اللجنة بـ (ابلاغ الجهات القضائية المختصة بأي مخالفة ثبت ارتكابها من أي من المنشآت الاعلامية المسجلة…)، هذا بالطبع دون أن يحدد القانون هذه المخالفات بالضبط تاركاً الامر لتقدير اللجنة أيضا. ويمنح القانون في المادة (13) اللجنة حق (شطب قيد أي منشأة اعلامية أو سحب الاذن منها…) دون أن يقيد هذا الحق المطلق للجنة بشروط واضحة تحول دون استخدامه تعسفاً.
تأتي بعض المواد الواردة تحت الفصل المعنون ب(التزامات المنشأة الاعلامية) ضمن تعابير فضفاضة وغير منضبطة على الرغم من كونها تتضمن ترتيباً لمسؤوليات جزائية يحال فيها المخالف لينال العقوبة وفق النصوص الواردة في (قانون الجرائم والعقوبات العام، وقانون الحق في الحصول على المعلومات) وفق نص المادة (21) الواردة تحت فصل (المخالفات والجزاءات)، وهي هنا احالة غير مفهومة بحيث لا تتضمن العقوبات الواردة في هذه القوانين ما يطال في نطاقها المخالفات المرتكبة في اطار هذا القانون مثل المواد (14) و(15) و(16) التي تتضمن بعضها موضوع مثل الالتزام بالفصل بين الملكية والادارة أو الاحتفاظ بأرشيف توثيقي لمدة أربعة أشهر! وتتضمن الفقرة (د) من المادة (16) موجبا ب(الامتناع عن قبول أي منفعة غير مشروعة يكون هدفها خدمة مصالح أشخاص أو هيئات محلية أو أجنبية، ويسري ذلك على مالك المنشأة او ادارتها) وهنا يبدو التعبير عائما ولا توضيح فيه للمقصود بـ "منفعة غير مشروعة" أو "هدفها خدمة مصالح أشخاص أو هيئات محلية أو أجنبية" حيث يُشكل انتفاء ضبط الدلالات والحالات المقصودة بعينها في هذا النص بوابة عريضة للتأويل يُستخدم في التعسف بوسائل اعلام بعينها وعقابها، وهو الأمر ذاته الذي ينسحب على الفقرات (هـ) و(و) و(ح) و(ي) من ذات المادة التي تمنع بث أي مواد أو برامج فيها حض على (الكراهية أو العنف أو التعصب أو التمييز) و (الاساءة إلى الذات الالهية والأديان السماوية أو سب وتحقير معتقدات الآخرين) و (تَعَدّ على حرمة الحياة الخاصة للأفراد) و(أية التزامات أو محظورات مفروضة بموجب القوانين النافذة) حيث يُمكن غياب التحديد والصياغة الغامضة للنصوص في هذه الفقرات من فتح المجال للممارسات والفهم التعسفي بما يشكله ذلك من تقييد وتهديد لحرية الرأي والتعبير في اليمن.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، بلدان عربية أخرى



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني